أعلن
المجلس العسكري الحاكم في
مالي تعليق نشاط
الأحزاب السياسية، والنشاطات ذات الطابع السياسي للجمعيات، على امتداد التراب
الوطني، حتى إشعار آخر، وذلك بعد نحو أسبوعين من انتهاء الفترة التي حددها العسكر،
لتسليم السلطة للمدنيين.
كما دعا المجلس العسكري أيضا كافة وسائل الإعلام،
إلى وقف بث ونشر نشاطات الأحزاب السياسية والنشاطات السياسية للجمعيات.
ويحكم مالي مجلس عسكري تولى السلطة بعد
انقلابين عسكريين، أحدهما في أغسطس 2020 والثاني مطلع العام 2021.
وتعاني مالي منذ عام 2012 من أزمات أمنية
وسياسية بعد تمرد مسلح قاده الطوارق شمالي البلاد، تسببت في نزوح آلاف الماليين
نحو الأراضي الموريتانية.
"نقاشات عقيمة"
وبرر المتحدث باسم المجلس العسكري الحاكم في
مالي العقيد عبد الله مايغا، قرار تعليق نشاط الأحزاب السياسية والمنظمات، بالقول
إن الحوار الذي أطلقه الرئيس الانتقالي (رئيس المجلس العسكري) عاصيمي غويتا في 31
ديسمبر، وعدم الالتزام بمهلة 26 مارس، أفسحا المجال أمام "نقاشات عقيمة".
وقال المتحدث العسكري إنه لا يمكن "إجراء
حوار حاسم مثل الحوار المالي المباشر، في حالة من التنافر والارتباك".
وأضاف مايغا أن مالي "تمر بمرحلة حرجة،
وإنه في ظل هذه الظروف لا يمكن أن نقبل أن تعيدنا السجالات السياسية العقيمة إلى
حيث أتينا" في إشارة لمرحلة ما قبل الانقلاب العسكري.
تسليم السلطة للمدنيين
ويأتي قرار المجلس العسكري الحاكم بتعليق نشاط
الأحزاب والمنظمات بعد دعوة 80 حزبا سياسيا ومنظمة مدنية في البلاد، إلى إجراء
انتخابات رئاسية في أسرع وقت ممكن من أجل تسليم الحكم لسلطة مدنية.
وشددت الأحزاب السياسية والمنظمات في بيان على
ضرورة "تهيئة الظروف لحوار عاجل وشامل، من أجل إيجاد هيكلة مؤسسية بغية تنظيم
انتخابات رئاسية في أسرع وقت ممكن" وهو ما أثار غضب العسكريين الممسكين
بالسلطة في البلد الغرب أفريقي.
وكان المجلس العسكري المالي، قد أجل في سبتمبر
2023
الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في فبراير 2024 إلى أجل غير مسمى، مبررا
القرار بـ"أسباب فنية وخلافات بشأن السجل الانتخابي".
لا تنظيم لانتخابات قبل الاستقرار
وفي رد على بيان الأحزاب السياسية والمنظمات،
قال رئيس الوزراء المعين من طرف المجلس العسكري، شوغيل كوكالا مايغا، إن
الانتخابات لن تنظم "إلا بعد استقرار البلاد نهائيا"، مضيفا أن
"مرحلة الاستقرار يجب أن تصل نقطة اللاعودة".
وأضاف في تصريحات صحفية أن الاستقرار "لن
يكون ممكنا إلا بعد استكمال الحوار الوطني"، الذي أطلقه رئيس المجلس العسكري الانتقالي
عاصيمي غويتا في 31 ديسمبر الماضي.
واعتبر شوغيل أن نجاح هذا الحوار و"تحقيق
مستوى استقرار سيادي، شرطان لا غنى عنهما لتحديد موعد الانتخابات"، متهما
"من يطالبون بإجراء انتخابات في أسرع وقت" بأنهم "يخدمون مصالح
أعداء مالي".
غضب ودعوة لعصيان مدني
وأثار قرار العسكر تعليق نشاط الأحزاب السياسية
والجمعيات ردودا غاضبة، وانتقد الإمام النافذ محمود ديكو بشدة الوضع في البلاد،
معتبرا أن مالي باتت "على حافة الهاوية ولا يوجد في الأفق أي حل ممكن".
وأضاف في تصريح صحفي: "العسكر الممسكون بالسلطة
نجحوا في تقسيم الماليين، هذا أمر مرفوض".
بدوره
دعا محمد شريف كوني - القاضي الذي تمرد على المجلس العسكري وأقيل من منصبه - إلى
العصيان المدني، مضيفا أنه من "المستحيل أن نسمح للدكتاتورية بالازدهار".
وأضاف في تصريح له: "الحكومة الحالية غير
مؤهلة للتحدث باسم مالي منذ 26 مارس 2024".
كما أعربت دار الصحافة في مالي عن رفضها لهذا
القرار، واعتبرته "غير مؤسس"، ودعت وسائل الإعلام إلى "الوحدة
والتعبئة للدفاع عن حق المواطن في المعلومة".
وعبرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في مالي عن
أسفها "لاستمرار المسار المنهجي لتقييد الفضاء المدني والسياسي" في
البلاد، داعية الحكومة المعينة من قبل المجلس العسكري، إلى عدم المساس
بـ"الحريات الأساسية، ولا سيما حرية تكوين الجمعيات والرأي والتعبير".
خطوة استباقية
ويرى الباحث الموريتاني المختص في الشأن
الأفريقي، الهيبة ولد الشيخ سيداتي، أن قرار المجلس العسكري الحاكم في مالي بتعليق
نشاط الأحزاب السياسية والجمعيات هو "خطوة استباقية، لتفادي تكرار تجربة
السنغال في مالي، حيث تمكنت المعارضة السنغالية من إجبار الرئيس المنتهية ولايته
ما كي صال على تنظيم الانتخابات الرئاسية بعد أن حاول جاهدا تأجيلها".
ولفت ولد الشيخ سيداتي في تصريح
لـ"
عربي21" إلى أن الأحزاب السياسية المعارضة في السنغال أقنعت الرأي العام
السنغالي بضرورة النزول للشوارع وفرض تنظيم الانتخابات في وقتها المحدد، وهو ما
انتهى بوصول المعارض باسيرو ديوماي فاي، للسلطة.
وأضاف: "تفاديا لتكرار هذه التجربة في مالي
اتخذ المجلس العسكري الحاكم قراره بشأن تعليق نشاط الأحزاب السياسية والتصدي لأي
حراك مناهض للحكم العسكري، حتى لا تتنامى دعوات المعارضة للانتخابات".
وأوضح أن القادة العسكريين الممسكين بالسلطة في
دول المنطقة يعملون بكل الطرق لتحصين دولهم من "عدوى السنغال".
ولم يستبعد المتحدث أن يتسبب قرار تعليق نشاط
الأحزاب السياسية بمالي، في موجة احتجاجات قوية خلال الفترة القادمة.
وتواجه دول الساحل الأفريقي بما فيها مالي
تحديات الإرهاب والجماعات الانفصالية والجريمة المنظمة، ويتقاطع الحكام العسكريون
في ثلاث من دول الساحل هي مالي والنيجر وبوركينافاسو حول فكرة فك الارتباط مع
باريس، والتوجه نحو المعسكر الروسي.