لم يتوقف نضال الشعب
الفلسطيني من أجل
الاستقلال وحق تقرير المصير منذ الحرب العالمية الأولى عندما ناشد الفلسطينيون
القوى الإمبريالية المجتمعة في مؤتمر باريس عام 1919 مطالبين بالاستقلال. لكن
القوى الإمبريالية تجاهلت مطالبهم، كما تجاهلت مطالب العديد من الشعوب المستعمَرة
الأخرى التي أيضًا ناشدت المؤتمرين لنيل استقلالها. وقد وصل الدعم الإمبريالي
للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني إلى أعلى مستوياته عندما حظي بدعم رسمي من
عصبة الأمم التي أدرجت وعد بلفور في صك انتدابها الرسمي على فلسطين التي سلمتها
بدورها إلى بريطانيا.
وبعد الحرب العالمية الثانية، تزايدت
النضالات والدعوات من أجل الاستقلال ونيل حق تقرير المصير في جميع أنحاء العالم
المستعمَر. بالإضافة إلى العالم العربي والهند وإندونيسيا وفيتنام، على سبيل
المثال لا الحصر، تم إحياء حركة الوحدة الأفريقية في مؤتمرها الخامس في عام 1945
الذي عقد في مدينة مانشستر في بريطانيا، حيث طالبت أيضًا بحق تقرير المصير
والاستقلال للشعوب الأفريقية الواقعة تحت الحكم الاستعماري، بما فيها المحميات
والمستعمرات الاستيطانية الفرنسية في شمال أفريقيا.
ولكن بعد مرور عقد من الزمن، في نيسان/ أبريل
1955، عقد في مدينة باندونغ في إندونيسيا المؤتمر الآسيوي-الأفريقي الأول برعاية
كل من الهند وباكستان وبورما وإندونيسيا وسيلان ("سريلانكا" اليوم)،
والذي تصادف الذكرى السنوية التاسعة والستين لتأسيسه هذا الشهر، حيث أكّد زعماء
الدول المستعمرة سابقًا في آسيا وإفريقيا مركزية حق تقرير المصير في عهد ما بعد
الحرب عندما أعلنوا أن حق تقرير المصير هو "الشرط المسبق للتمتع الكامل بجميع
حقوق الإنسان الأساسية". وكانت من بين الدول الـ 29 المشاركة 6 دول أفريقية.
فبالإضافة إلى مصر وليبيا والسودان (التي لم تكن قد استقلت بعد) وإثيوبيا، كان
البلدان الأفريقيان الآخران الممثلان هما "ساحل الذهب" ـ أو غانا، التي
كانت لا تزال مستعمرة تابعة للتاج البريطاني ـ ومستعمرة ليبيريا الاستيطانية.
وقد جاء مراقبون من الحركات الوطنية في
المستعمرات الاستيطانية في المغرب وتونس والجزائر، وكذلك من جنوب أفريقيا، حيث حضر
ثلاثة مراقبين من المؤتمر الوطني الأفريقي والمؤتمر الهندي لجنوب أفريقيا، كما حضر
عضو الكونغرس الأمريكي الأسود آدم كلايتون باول، الذي جاء "للدفاع عن موقف
الولايات المتحدة فيما يتعلق بمشكلة الزنوج" الأمريكيين. كما حضر مفتي القدس
السابق الفلسطيني الحاج أمين الحسيني كعضو في الوفد اليمني، كما حضر ممثلو إيريان
الغربية الذين سعوا للتحرر من هولندا.
ما أحرزه
مؤتمر باندونغ وأكّد عليه هو تراجع
هيمنة القوى الإمبريالية، لا سيما الولايات المتحدة، ونفور الأخيرة من الدعوة إلى
حق تقرير المصير. في واقع الأمر، كانت الدول الآسيوية والأفريقية تناضل من أجل
إدراج حق تقرير المصير في الأمم المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وكانت
المناقشات في اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة قد احتدمت منذ
عام 1950 نتيجة إصرار الدول المستعمِرة على إدراج بند إعفاء للدول الاستعمارية في
القرار المستقبلي. وفي عام 1952، صوتت الولايات المتحدة ضد قرار الجمعية العامة للأمم
المتحدة الذي أعلن أن حق تقرير المصير هو حق من حقوق الإنسان و"قاومت بمرارة
مطلب قيام القوى الاستعمارية بالإبلاغ عن التقدم الذي تحرزه الأقاليم غير المتمتعة
بالحكم الذاتي نحو الحكم الذاتي.".
أدان مؤتمر باندونغ العنصرية في جنوب أفريقيا، والاستعمار المستمر في المغرب والجزائر وتونس، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني ومطالبات إندونيسيا بإيريان الغربية (أو "غينيا الجديدة الهولندية" كما كانت تعرف في حينها)، وهو ما أرعب العالم الإمبريالي الأبيض الذي كان يخشى المؤتمر وأدانه باعتباره مؤتمرًا شيوعياً.
وقد عارض الدول الإمبريالية بشدة المندوبون
الآسيويون والأفارقة، وكان من بينهم المندوبون العرب من سوريا والعراق والمملكة
العربية السعودية، الذين لعبوا دورًا حاسمًا في إسقاط بند الإعفاء الاستعماري وفي
الدفع من أجل جعل تقرير المصير حقًّا من حقوق الإنسان. وبعد بضعة أشهر من انتهاء
مؤتمر باندونغ، في تشرين الثاني/نوفمبر 1955، وافقت اللجنة الثالثة على صياغة حق
تقرير المصير الذي تم اعتماده فيما بعد في قرار عام 1960 وفي مواثيق الأمم المتحدة
لعام 1966.
وقد تم إنجاز ذلك بعد فيض من التحريض
والمعارضة من قبل الولايات المتحدة والشركات الأمريكية لأي نفحة من حق تقرير
المصير الاقتصادي في الأمم المتحدة، والإصرار على أن هذا الحق يشمل فقط تقرير
المصير السياسي، لا سيما في أعقاب إجراءات الإصلاح الزراعي التي اتخذها رئيس
غواتيمالا خاكوبو أربينس التي هددت الشركات الأمريكية، والتي أشارت إلى قرار
الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1952 الذي يدعم التأميم. وقد أطاحت الولايات
المتحدة بآربينس بانقلاب عام 1954. وقد سعت تشيلي بدورها، مثل بقية دول أمريكا
اللاتينية، التي كانت تهيمن عليها الولايات المتحدة اقتصاديا، إلى تعديل مسودة
مواثيق حقوق الإنسان خلال نفس العام لتنص على أن "حق الشعوب في تقرير المصير
يشمل الحق الاقتصادي في السيطرة على مواردها الطبيعية وألا يتم حرمانها من
استخدامها أو من وسائل معيشتها بسبب سياسات أي قوة خارجية." وقد شعر
الأمريكيون في الأمم المتحدة بالفزع من التحركات الرامية إلى تحقيق الاستقلال
الاقتصادي لدرجة أنهم وصفوا المحاولات السوفييتية ومحاولات العالم الثالث لمأسسة
حق تقرير المصير الاقتصادي لدول العالم الثالث المستقلة بأنها شكل من أشكال
"خطاب الكراهية".
وقد أدان مؤتمر باندونغ العنصرية في جنوب
أفريقيا، والاستعمار المستمر في المغرب والجزائر وتونس، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني
ومطالبات إندونيسيا بإيريان الغربية (أو "غينيا الجديدة الهولندية" كما
كانت تعرف في حينها)، وهو ما أرعب العالم الإمبريالي الأبيض الذي كان يخشى المؤتمر
وأدانه باعتباره مؤتمرًا شيوعياً. ولم تتم دعوة المستعمرة الاستيطانية اليهودية أو
"إسرائيل"، شأنها شأن جنوب أفريقيا، للحضور على الرغم من المحاولات التي
قادها رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو (ورئيس وزراء بورما أو نو) لدعوتها، وهو
الأمر الذي عارضه الإندونيسيون بشدة. كما أيّد الهنود دعوة المستعمرات الاستيطانية
في أوقيانوسيا، أي أستراليا ونيوزيلندا، واللتان رفضتهما إندونيسيا أيضًا، على
الرغم من أن أيًا من المستعمرتين الاستيطانيتين لم تكن مهتمة بالحضور.
وقد أعلن الرئيس أحمد سوكارنو للمندوبين
وبقية العالم: "هذا هو المؤتمر الدولي الأول للشعوب الملونة في تاريخ
البشرية". وقد رأى سوكارنو المؤتمر الآسيوي-الأفريقي كما لو أنه كان يحاكي
"الرابطة المناوئة للإمبريالية" التي اجتمعت في بروكسل قبل انعقاد مؤتمر
باندونغ بثلاثة عقود، والتي أشار إليها باعتبارها مقدمة جعلت مؤتمر باندونغ
ممكنًا. وقد تحدث سوكارنو عن الاستعمار في "زيّه الحديث على شكل السيطرة
الاقتصادية، والسيطرة الفكرية، والسيطرة المادية الفعلية من قبل مجتمع صغير ولكن
غريب يعشعش داخل الوطن."
على الرغم من عدم دعوة الاتحاد السوفييتي،
الذي تقع معظم أراضيه في آسيا، إلى المؤتمر، إلا أنه أرسل رسائل وتحيات لدعم
المؤتمر. وعرض رئيس الوزراء الصيني تشاو إن لاي التعاون والاعتراف المتبادل
والتسامح. وضم الوفد الصيني زعيما صينيا مسلمًا. وقد أرسلت وكالة المخابرات
المركزية (السي آي إيه) جواسيس سابقين من المسلمين الذين كانت قد جندتهم ألمانيا
النازية ضد الاتحاد السوفييتي قبل الحرب العالمية الثانية (والذين تم تجنيدهم من
قبل السي آي إيه بعد الحرب) إلى مؤتمر باندونغ لبث الدعاية الكاذبة ضد الاتحاد
السوفيتي على أنه يسيء معاملة المسلمين السوفييت بهدف تقويض
مكانة السوفييت بين
دول عدم الانحياز. وقد وصف أحد مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي أيزنهاور عملية وكالة
المخابرات المركزية في باندونغ بأنها خطوة "مكيافيلية."
وبخلاف التضامن الهائل مع الفلسطينيين في
الأمم المتحدة من قبل العدد القليل من الدول الآسيوية المستقلة في عام 1947، بحلول
عام 1955، كانت الدعاية الغربية والإسرائيلية التي ادعت أن الدولة اليهودية هي
التعويض العادل من قبل أوروبا عن المحرقة قد تسللت إلى خطاب عدد من الدول الآسيوية
والأفريقية المستقلة، لدرجة أن هذه الدول كانت تنادي في تلك الفترة بالحقوق لكل من
الفلسطينيين الأصليين ومستعمريهم اليهود، أي أنها كانت تساوي ما بين المستعمِرين
والمستعمَرين. لم تفلت أي مستعمرة استيطانية بيضاء في أفريقيا من الإدانات المستمرة
كما أفلتت إسرائيل منها في تلك السنوات.
وقد حضر المؤتمر الكاتب الأمريكي الأسود
المقيم في باريس، ريتشارد رايت الذي ألّف كتابًا عن تجربته. وقد أعرب رايت عن
إعجابه بأن ممثلي أكثر من مليار شخص "ملون" من بلدان "متدينة"
سيحضرون المؤتمر، فقرر رايت، الذي نشأ داخل الطائفة البروتستانتية الميثودية
والسبتية، الحضور. لم يكن رايت من المعجبين بالإسلام، وقد كان عضو سابق في الحزب
الشيوعي الأمريكي لكنه ترك الحزب خلال الحرب العالمية الثانية لأنه عارض دعوته
للأمريكيين السود للقتال في حرب الرجل الأبيض وأصبح مناهضًا للشيوعية يعمل مع
"الكونغرس" التابع لوكالة المخابرات المركزية من أجل الحرية
الثقافية". وقد وصف رايت أحد المسلمين الإندونيسيين الذين أجرى معهم مقابلة
أثناء بحثه على أنه يتمتع "بنظرة شمولية" "ولدت من قناعاته الدينية
وبأن الله "دكتاتوره."
سمع رايت وهو على متن الطائرة المتجهة إلى
باندونغ "أصواتًا متحمسة" لعرب شمال إفريقيا "يناقشون قضية
فلسطين": "سواء سمحوا لنا بإثارة مسألة العدوان اليهودي أم لا [في
المؤتمر]، فسوف نثيرها نحن... لن يتم التستر على جرائمهم”. وسمع رايت أيضًا
"رجلًا أسمر الوجه ذا شارب رفيع" يصرخ: "اليهود أكبر عنصريين على
وجه الأرض وسأثبت ذلك". وقام الرجل بتوزيع صور "للاجئين العرب الذين
طردهم اليهود من منازلهم". وسأله رايت عما إذا كانت فلسطين "مطروحة
للمناقشة في باندونغ"، فأكّد له الرجل "أننا سنطرحها... يجب على العالم
أن يعرف ما اقترفوه! من واجبنا أن نجعل العالم يعرف." نظر رايت إلى الصور:
“تظهر طوابير طويلة من الرجال والنساء والأطفال يسيرون حفاة ونصف عراة فوق رمال
الصحراء، وتصوِّر أطفالاً ينامون بلا مأوى، وتكشف عن كائنات بشرية تعيش
كالحيوانات”. لكنه رغم ذلك لم يتمكن من حشد أي تعاطف مع الفلسطينيين، ولا مع
المندوبين العرب الذين التقى بهم على متن الطائرة.
وعندما رفع ناظره عن الصور إلى وجه الرجل
العربي، الذي لم يتحدث معه إلا عن المأساة الفلسطينية وليس عن دينه، وجده رايت،
تبعًا للتقاليد الصهيونية البروتستانتية والنظرة النمطية الأوروبية عن المسلمين
واليهود، "ساخنًا، متعصبًا. هذا الرجل كان متديناً. لقد كان غريبًا كيف أنني
في اللحظة التي غادرت فيها عالم الغرب الجاف غير الحميم والتجريدي واجهت على الفور
الدين... وكان دينًا عاطفيًا عنيدًا يتغذى على نفسه ويكتفي بذاته. وقد حفّزت
الأحلام الدينية اليهود على بناء دولة في فلسطين... اللاعقلانية تقابل اللاعقلانية".
وأضاف رايت: "على الرغم من أن الحديث
عن العدوان المزعوم لليهود في فلسطين كان محتدمًا في ممرات الطائرة، إلا أنني كنت
أسمع فقط القليل منه؛ كل ما أمكنني فهمه هو أن اليهود يمكن أن يتعرضوا لهجوم حاد
ومرير في باندونغ، وأن لديهم أعداء لديهم قضية ويعرفون كيفية عرض هذه القضية أمام
الرأي العام العالمي... تذكرت أن ستة ملايين يهودي كانوا قد تعرضوا للقتل. تم
قتلهم بالغاز، ومطاردتهم، وذبحهم، وإحراقهم من قبل النازيين الألمان، وكنت أعلم أن
هؤلاء الناس [أي اليهود] البائسين والمسكونين بما حلّ بهم، على موعد مع المزيد من
المعاناة والتجارب ليتحملوها في هذا العالم".
"تحت أعين الأمم المتحدة وبمساعدتها وموافقتها، تم اقتلاع شعب فلسطين من وطنه الأم، ليحل محله شعب مستورد بالكامل. لم يسبق في التاريخ أن حدث مثل هذا الانتهاك الوحشي وغير الأخلاقي للمبادئ الإنسانية. فهل هناك ضمانة للدول الصغيرة بأن الدول الكبرى التي شاركت في هذه المأساة لن تسمح لنفسها بتكرارها مرة أخرى ضد شعب بريء وعاجز آخر؟"
هذا لا يعني أن رايت لم يكن على دراية
بالعنصرية الأوروبية تجاه المسلمين والإسلام، بل قام بانتقادها، كما أشار في
المحادثات اللاحقة التي أجراها في إندونيسيا. وفي المؤتمر، لاحظ أن "العالم
العربي بأكمله، برئاسة عبد الناصر رئيس مصر، سيسعى إلى التعبير عن شكواه المباشرة
ضد إسرائيل ودعواه غير المباشرة ضد فرنسا". ومع ذلك، لا يبدو أن رايت كان
مفتونًا بالقومية الصهيونية. فعندما اقترح عليه أصدقاؤه الانتقال إلى إسرائيل في
عام 1954، ذكر كاتب سيرته أنه "لم يشعر بأي صلة بفكرة الوطن اليهودي".
وأضاف رايت: "سيكون الأمر كادعائي بأن إفريقيا هي بلد الزنوج
الأميركيين". وبالفعل، "كانت هناك مشكلة العرب، الذين كان اليهود في
إسرائيل يتعاملون معهم بقسوة القلب."
ونتيجة هذه الآراء المنتشرة على نطاق واسع
في الغرب وفي بعض أروقة العالم الثالث، أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر في
خطابه في المؤتمر ما يلي:
"تحت أعين
الأمم المتحدة وبمساعدتها وموافقتها، تم اقتلاع شعب فلسطين من وطنه الأم، ليحل
محله شعب مستورد بالكامل. لم يسبق في التاريخ أن حدث مثل هذا الانتهاك الوحشي وغير
الأخلاقي للمبادئ الإنسانية. فهل هناك ضمانة للدول الصغيرة بأن الدول الكبرى التي
شاركت في هذه المأساة لن تسمح لنفسها بتكرارها مرة أخرى ضد شعب بريء وعاجز آخر؟"
تضمن البيان الختامي الذي أصدره المؤتمر
إدانة الاستعمار الاستيطاني الأوروبي والحرمان من حق تقرير المصير ودعم “حقوق شعوب
الجزائر والمغرب وتونس في تقرير المصير والاستقلال”. أما بالنسبة للشعب الفلسطيني،
فقد أعلن البيان "دعمه للشعب العربي في فلسطين، ودعا إلى تنفيذ قرارات الأمم
المتحدة بشأن فلسطين وتحقيق التسوية السلمية للقضية الفلسطينية". لم تكن هذه
دعوة راديكالية، ولكنها كانت أكثر انسجاما مع اللغة السائدة التي استخدمها
المندوبون. فعلى سبيل المثال، أعرب المؤتمر أيضاً عن "تعاطفه ودعمه الحار للموقف
الشجاع الذي اتخذه ضحايا التمييز العنصري، وخاصة الشعوب ذات الأصول الأفريقية
والهندية والباكستانية في جنوب أفريقيا". في الواقع، لم يكن هناك أي ذكر
لبقية المستعمرات الاستيطانية في أفريقيا، لا البرتغالية (أنغولا وموزمبيق)، ولا
البريطانية (كينيا وروديسيا وسيراليون وشرق أفريقيا)، ولا حتى ناميبيا، ناهيك عن
أي ذكر لما كان يحدث في ليبيريا، التي كانت مشاركة في المؤتمر.
ومع ذلك، كان مؤتمر باندونغ بالغ الأهمية في
تأسيس تحالفات بين الدول الآسيوية والإفريقية في مواجهة السياسات الإمبريالية،
التي استمرت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية في اتباعها. وفي حين تم تقويض مثل
هذه التحالفات على مدى العقود التالية بسبب التهديدات والضغوط والمؤامرات
الإمبريالية، فإن سقوط السوفييت والمعسكر الشرقي كان بمثابة الضربة القاضية
لمناهضة الإمبريالية.
ولكن في العقدين الماضيين، بدأنا نشهد
صعوداً بطيئاً، ولكن أكيداً للكتل التصويتية المناهضة للإمبريالية في الأمم
المتحدة، وكان آخر مظاهر ذلك هو المعارضة الشديدة للدعم الأميركي والأوروبي
للإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في غزة. ويبدو أنه رغم صعوبة
المحاولات التي تبذلها الولايات المتحدة والأوروبيون، لم تتمكن أي تهديدات أو ضغوط
من وقف هذه الموجة من التضامن المناهض للاستعمار مع الشعب الفلسطيني. لكن إذا كانت
الإبادة الجماعية الجارية ضد الشعب الفلسطيني تشير إلى شيء، فهو إن أمل عبد الناصر
في أن يكون هناك في يوم من الأيام "ضمان للدول الصغيرة بأن القوى الكبرى التي
شاركت في مأساة فلسطين لن تسمح لنفسها بتكرارها مرة أخرى" لم يتحقق البتة.