يصعب على المرء عند تحليل الضربة
الإيرانية
عدم استحضار مشاعره حيال الدور الإيراني في المنطقة برمتها وليس من القضية
الفلسطينية فحسب، فتدخلاتها في العراق وسوريا ولبنان ودعمها للميليشيات على حساب
استقرار تلك الدول ووقوفها بوجه التطلعات المشروعة للشعب السوري بالانعتاق من
الطغيان وما أدى لمأساة ما زالت مستمرة
حتى الآن، كل ذلك يلقي بظلاله على استقراء المواقف الإيرانية برمتها ومنها
الضربة الإيرانية، ما يدفع الكثيرين ممن طفح بهم الكيل بأفعال
إيران إلى التقليل من حجم وتأثير هذا التحول والتطور على
إسرائيل والمنطقة.
لكن مع ذلك فلا يجرمنكم شنآن قوم على
ألا تعدلوا في التحليل، فما حدث ليلة أمس
يحمل الكثير من الرسائل؛ أولها أن إيران ردت بقوة واستخدمت في ردها المئات من الصواريخ والمسيرات في ضربتها لتقول
بأن ما لديها من مخزون كبير من الأسلحة لن تتردد باستخدامه عندما تتعرض مصالحها
العليا وسيادتها للهجوم، فإيران كانت تدرك أن العديد من صواريخها ومسيراتها سوف
يتم اعتراضه في الجو، وذلك بسبب طول
المسافة ومع ذلك اختارت أن تنطلق نيرانها من إيران وبهذا الزخم وليس من أي دولة
أخرى لتقول إن الاعتداء على الأراضي
الإيرانية (القنصلية تعتبر جزءا من أراضي
الدولة وسيادتها) سوف يقابل برد ينطلق من إيران، في رسالة واضحة أن إيران قادرة
على الرد إذا ما اعتُدي عليها ووفقا
للقانون الدولي الذي يعطي الدول الحق في الدفاع عن النفس، الأمر الذي لم يكن لو أنها
أوكلت المهمة إلى أي من وكلائها في
المنطقة وهم كثر سواء في العراق أو سوريا واليمن.
تدرك واشنطن والغرب أن العدوان على غزة كان السياق الراهن لهذا التطور وأن أي تصعيد آخر في قطاع غزة سوف يؤدي إلى حرب إقليمية تدفعها للتورط أكثر والانشغال عن مواجهة روسيا في أوكرانيا التي حققت إنجازات عسكرية مهمة خلال انشغال العالم بالحرب على غزة أو الصين التي تتمدد شرق آسيا وتوّسع تحالفاتها.
صحيح أن اعتراض الصواريخ تم بمعظمه من قبل الولايات المتحدة في قطع من الليل بتكلفة
تجاوزت المليار دولار لكن كيف سيكون الحال لو أن هذه المواجهة لم تكن لعدة ساعات
في ليلة واحدة وإنما استمرت لأيام أو أسابيع، ما قد يعني أن المواجهة ستكون مكلفة جدا، والأجدى البحث عن تفاهمات لخفض
التصعيد مع دولة لديها ترسانة كبيرة من
الصواريخ والمسيرات التي تقوم بتصديرها لدولة عظمى كروسيا.
وهنا تدرك واشنطن والغرب أن العدوان على غزة
كان السياق الراهن لهذا التطور وأن أي تصعيد آخر في قطاع غزة سوف يؤدي إلى حرب إقليمية تدفعها للتورط أكثر والانشغال عن مواجهة روسيا
في أوكرانيا التي حققت إنجازات عسكرية مهمة خلال انشغال العالم بالحرب على غزة أو
الصين التي تتمدد شرق آسيا وتوّسع تحالفاتها.
هذه الضربة رسمت خطأً أحمر جديدا وهو أن الرد
الإيراني على الاعتداء عليها سيكون في
الداخل الإسرائيلي، وأن إيران سوف تعود إليه إذا ما تم الاعتداء عليها مرة أخرى، وهي رسالة فهمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفهّمتها
لنتنياهو عندما طلبت ضبط النفس ما يثبت بأن ما أرادته إيران من ردع قد حصلت عليه، فالعلاقات بين
الدول وحتى الدول المتحاربة تُحكم بضوابط
وخطوط يتم رسمها بأفعال على الأرض، وهذه الضربة رسمت معادلة جديدة لإسرائيل وإيران
وفق قواعد اشتباك مختلفة عما سبق.
إسرائيل بإسقاط معظم الصواريخ من قبل
واشنطن بدت عاجزة عن حماية نفسها، وأن فكرة الأمن التي قامت
عليها هذه الدولة نُسفت من أساسها، وأنها تعيش في محيط إقليمي يرفضها أمرٌ سيكون له
تداعيات عميقة جدا على المجتمع الإسرائيلي، وأيضا على الغرب الذي يتساءل إلى متى
سيبقى ممولًا لهذا المشروع الاستيطاني. فهل
بدأ العد التنازلي لأُفول المشروع الصهيوني برمته وخاصة عندما يقول أحد المفكرين
الإسرائيليين إن إسرائيل باتت المكان الأقل أمانًا لليهود في العالم؟