تقارير

"داعش خراسان" هل بات الذراع الأقوى في عمليات التنظيم الخارجية؟

العملية التي استهدفت قاعة حفلات موسيقية قرب موسكو كانت ذات تخطيط كبير، وقام بتنفيذها عناصر محترفون- (الأناضول)
أعاد إعلان تنظيم الدولة الإسلامية، ولاية خراسان مسؤوليته عن الهجوم الذي شنّه على قاعة حفلات موسيقية قرب موسكو، الشهر الماضي، والذي أودى بحياة 143 قتيلا، وعشرات الجرحى والمصابين التنظيم إلى واجهة الأحداث كخطر يتهدد الدول والمصالح الغربية، ويضرب بقوة خارج نطاقه المحلي.

تفجيرات موسكو، ودعوة التنظيم أنصاره لمهاجمة ملاعب أبطال أوروبا تتوافق مع تحذيرات سابقة من أن التنظيم بات بالفعل الذراع الأقوى، والنسخة الأكثر دموية في تشكيلات تنظيم الدولة، ومن المرشح أن يقوم بعمليات خارجية في دول عديدة، وهو ما يثير تخوفات غربية من هجمات محتملة للتنظيم في عواصم ومدن أوروبية وغربية مختلفة.

ويشير تحليل سياسات صادر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في أيلول/ سبتمبر العام الماضي إلى أن "تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان اتبع استراتيجية ذات شقين في تحوله من التركيز المحلي/الإقليمي إلى وضعية أكثر عالمية، الشق الأول هو حملة دعائية مستمرة.. أما الشق الثاني فيقوم على التخطيط للهجمات وتنفيذها في الخارج، سواء أكانت موجهة أو منظمة أو مستوحاة".

ووفقا للكاتب والباحث السياسي الباكستاني، حذيفة فريد فإن ولاية خراسان تتواجد في أفغانستان منذ إعلان الخلافة الإسلامية في العراق والشام بزعامة أبي بكر البغدادي، وقبل وصول طالبان إلى السلطة، ولم يكن للتنظيم أي مركز أو مقر في باكستان، ولم يحظى بأي قبول فيها، لكنه قام بعدة عمليات استهدفت الداخل الباكستاني".

وأضاف "وكان من ضمن اتفاقيات الولايات المتحدة الأمريكية مع حركة طالبان ألا تكون أفغانستان مرتعا وملاذا آمنا للجماعات والتنظيمات الإرهابية، وألا تكون منصة لانطلاق العمليات الإرهابية ضد جيرانها والدول الأخرى، لكن التنظيم في عهد حكومة طالبان قام بعدة عمليات داخل أفغانستان وفي باكستان".

 
                                   حذيفة فريد.. كاتب وباحث سياسي باكستاني

وتابع "عودة التنظيم إلى التمدد والقيام بعمليات يعود في بعض أسبابه إلى ضعف حكومة حركة طالبان، فهي حتى في عهد حكمها الأول (1996 ـ2001) لم تحكم كامل أفغانستان، إضافة إلى أنها حديثة عهد بالحكم، وخبرتها الاستخباراتية ما زالت ضعيفة، إضافة إلى أن أفغانستان خلال العقود الخمسة الأخيرة شهدت مواجهات وصراعات دامية، ما أتاح فرصة الظهور والتمدد للتنظيمات الإرهابية والمتشددة".

وعن سبب اختيار تنظيم ولاية خراسان موسكو لعمليته الأخيرة، قال فريد في تصريحاته لـ"عربي21": "من الواضح أنه استغل العداء الإسلامي للاتحاد السوفيتي سابقا، وفي ظل وجود علاقات بين حركة طالبان وروسيا، وبين الحركة والصين، يريد أن يلفت الانتباه إلى أنه هو التنظيم (الجهادي) المتبقي الذي يقاتل الكفر كملة واحدة، وأن طالبان لم تعد هي الحركة التي تمثل الحركات الإسلامية المسلحة، وأنها تغيرت تماما بعد وصولها لسدة الحكم، كما ينعتها في بياناته بالمرتدة"ز

وأردف: "وجود تنظيم ولاية خراسان في هذه المنطقة، وهي المنطقة التي يصعب التحكم فيها والسيطرة عليها، وتضعف السيطرة الأمنية فيها، مع انعدام الولاءات أو تغيرها فيها تغيرا كبيرا لأسباب واعتبارات عديدة، يعطي التنظيم حرية العمل والحركة، لا سيما وأن موارد التنظيم المالية في هذه المنطقة لا توجد عليها تلك الرقابة الموجودة في مناطق أخرى"ز

من جانبه قال الباحث المصري المتخصص في الحركات الجهادية والمسلحة، أحمد سلطان "تنظيم ولاية خراسان ليس تنظيما قطريا فقط يركز على العمل داخل أفغانستان وباكستان، بل هو قيادة إقليمية لتنظيم داعش في منطقة وسط وجنوب آسيا، وهو ذراع عمليات خارجية له، لاعتبارات عديدة، منها طبيعة القيادة والمقاتلين الذين ينضوون تحت راية داعش خراسان، بعضهم من جنسيات أوروبية، وبعضهم من جنسيات آسيوية".

وأضاف: "بالنسبة لدعوة التنظيم أنصاره لمهاجمة ملاعب أبطال أوروبا فهذا تلميح وترويج إعلامي من مؤسسة العزائم الإعلامية، الخاصة بولاية خراسان، وهو أمر لافت، لكن بالنظر إلى عمليات داعش في السنوات الماضية فهو إذا قرر استهداف أي جهة، كملاعب أبطال أوروبا فلن يهدد قبلها، لكنه فيما يبدو أنه يريد إرباك الأجهزة الأمنية، والضغط عليها لزيادة كلفة الحراسات والإجراءات الأمنية، وهذا تكتيك يتبعه التنظيم لإنهاك خصومه".


                 أحمد سلطان.. باحث مصري متخصص في الحركات الجهادية والمسلحة

وردا على سؤال "عربي21" إن كان تنظيم ولاية خراسان قد بات هو الذراع الأقوى في عمليات التنظيم الخارجية، لفت سلطان إلى أن "تنظيم ولاية خراسان يحظى حاليا بتسليط الأضواء عليه بشكل لافت ومكثف، لكنه ليس الأقوى في تشكيلات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إذ ما زال داعش المركزي في العراق وسوريا هو الأقوى، وكذلك فرع التنظيم في ولاية غرب إفريقيا"ز

وتابع: "ومما يجدر ذكره أن تنظيم ولاية خراسان تراجع بسبب عمليات حركة طالبان ضده، التي تمكنت من تقويض الكثير من قدراته العملياتية، ونجحت في اختراق التنظيم وأوقعت بعض قياداته، باستثناء بعض مجموعاته، من أبرز قياداتها شهاب المهاجر، وسلطان عزيز عزام..، لكنه نجح في البقاء والتمدد، وهو في الوقت الحالي يركز على العمليات الخارجية أكثر من عملياته ضد حركة طالبان".

وعن مدى تشكيل عمليات تنظيم ولاية خراسان تهديدا حقيقيا على الدول الغربية والأوروبية ومصالحها، رأى سلطان أنها "قد تشكل تهديدا في المدى المتوسط والبعيد، أما تهديدات التنظيم في الوقت الحالي فهي ضعيفة، لأن قدراته العملياتية الحالية تمكنه من شن عمليات متفرقة قد تشكل نجاحا له على المستوى التكتيكي، لكن لا يمكن تطويرها لاستراتيجية شاملة لضرب الأمن والاستقرار في الدول الأوروبية، أو استهداف المصالح الغربية بكثافة".

وفي ذات الإطار لفت الباحث والخبير في شؤون الحركات الجهادية، الدكتور مروان شحادة إلى أن "ما يعرف بتنظيم ولاية خراسان أصبح لاعبا رئيسيا في العمليات الخارجية للتنظيم، ولكن لا بد من الإشارة إلى أنها محصورة في مناطق بلاد خراسان، كما التقسيم العثماني والإسلامي، أي أنها تشمل الجمهوريات الإسلامية داخل الاتحاد السوفيتي، إيران، باكستان، أفغانستان، وبعض مناطق الهند وبنغلادش".

وأردف: "كما أن من ينفذون تلك العمليات هم أيضا ينتمون إلى تلك البلدان، لذا فإنني أرجح أن استراتيجية وتكتيكات العمل الخارجي لدى التنظيم تختلف عما كان معروفا في تنظيم القاعدة من قبل، فتختلف من حيث التوزيع الجغرافي، الذي يتبعه توزيع المهام والأعمال، فمن يعمل في أوروبا مثلا يجب أن يكونوا من سكانها، فهم من يخطط لها ويختار أهدافها ويقوم بتنفيذها، وهكذا من يعمل في أفريقيا والمناطق الأخرى".

واستبعد شحادة في حديثه لـ"عربي21" أن يشكل تنظيم ولاية خراسان تهديدا حقيقيا وجديا للدول الأوروبية ومصالحها، لأن نشاطاته محصورة في الدول التي ينتمي إليها، وبعض عملياته التي حدثت في بعض الدول الأوروبية كالدنمارك والسويد تبناها تنظيم الدولة الإسلامية المركزي..".


                                مروان شحادة.. باحث وخبير في شؤون الحركات الجهادية

وتابع "معظم العمليات التي ينفذها تنظيم الدولة الإسلامية تتم عن طريق الذئاب المنفردة، لكن العملية التي استهدفت قاعة حفلات موسيقية قرب موسكو كانت ذات تخطيط كبير، وقام بتنفيذها عناصر محترفون، لذا كانت نتائجها عشرات القتلى والجرحى والمصابين، وأحدثت أضرارا كبيرة".

يشار في هذا السياق إلى أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخروفا ذكرت في تصريحات صحفية أنه "من الصعب للغاية تصديق أن تنظيم داعش كان لديه القدرة على شنِّ الهجوم على قاعة الحفلات الموسيقية في موسكو، والذي أسفر عن مقتل 140 شخصا على الأقل".

وكررت زاخاروفا تأكيدات موسكو أن أوكرانيا تقف وراء الهجوم على مركز "كروكوس سيتي" دون تقديم أدلة على ذلك، كما أثار مسؤولون روس الشكوك في تأكيدات المخابرات الغربية بأن تنظيم الدولة (داعش) هو المسؤول عن الهجوم، رغم إعلان التنظيم نفسه مسؤوليته عنه.