مع تواصل العدوان الإسرائيلي على غزة، بكل
تداعياته الكارثية والمأوساية، وما أحدثه من دمار هائل، وقتل وتشريد ونزوح، فقد استحالت الحياة معه في سائر محافظات قطاع غزة إلى حياة بائسة، ينتظر أهلها مصيرا
مجهولا، وبات لافتا تعالي أصوات عديدة أوغلت في مهاجمة عملية طوفان الأقصى بشكل
منتظم.
تلك الأصوات، وبعضها لشخصيات إسلامية
معروفة، لم تعد تتردد في تحميل قيادة المقاومة في غزة مسؤولية ما جرى ويجري من
دمار وقتل ونزوح ومجاعة وإبادة جماعية وما إلى ذلك في مختلف مناطق القطاع، حتى إن
منها من يسارع إلى اتهام المقاومة بأنها أغرقت غزة وأهلها في مستنقعات الطوفان
الذي صنعته، مع عدم صنعها لسفينة كسفينة نوح (عليه السلام) لحمل الناجين من ويلات
الطوفان وارتداداته، على حد قولهم.
ومن المثير أن أصحاب تلك الأصوات ينتمون إلى
تنظيمات واتجاهات مختلفة في توجهاتها ورؤاها، فبعضها ينتمي لتنظيمات وطنية
فلسطينية، وبعضها الآخر ينتمي لاتجاهات دينية معروفة. وعلى الرغم من اختلاف تلك
الاتجاهات والشخصيات في أفكارها وتوجهاتها إلا أنها تلتقي في خصومتها لحركة حماس،
إما على خلفية التنافس بينها في حالة التنظيمات الوطنية، أو لاختلاف التوجهات
والرؤى الدينية الحاكمة لطبيعة العلاقة بين حركة حماس واتجاهات إسلامية أخرى.
اللواء أسامة العلي، سياسي ودبلوماسي وعسكري
فلسطيني، وعضو في المجلس الوطني الفلسطيني، اعتاد على مهاجمة عملية طوفان الأقصى عبر
مشاركاته في فضائيات عربية معروفة، ووصفها بـ"نكبة السابع من أكتوبر"،
و"العملية المشبوهة"، وتحميل قيادة المقاومة في غزة مسؤولية كل ما يجري
من دمار وقتل وتشريد ونزوح وإبادة جماعية.
وفي مشاركاته الفضائية تلك غالبا ما يشكك
اللواء العلي، القيادي في حركة فتح، والذي شغل سابقا منصب سفير السلطة في الهند،
في عملية السابع من أكتوبر من أصلها، ويعتبرها "مشروعا مصنوعا لإعطاء الشرعية
لإسرائيل لإعادة
احتلال غزة"، بحسب قوله، واستنادا إلى تصريحات لرئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال فيها إنه "قبل السابع من أكتوبر لم تكن لدينا
الشرعية الدولية ولا المحلية لإعادة احتلال غزة".
على الصعيد ذاته يبرز اسم الداعية السلفي
الأردني إحسان العتيبي، في صدارة المهاجمين لعملية طوفان الأقصى، والذي خصص صفحته
على الفيسبوك لمهاجمة العملية، والطعن في قيادة المقاومة في غزة، وتحميلها مسؤولية
التدمير الهائل، والقتل الدموي المروع في غزة، وقد اعتاد على نقل ونشر منشورات كل
الذين يشاركونه في مهاجمة عملية الطوفان، وقيادة المقاومة في غزة.
ضمّن العتيبي المنشور المثبت على صفحته عبر
الفيسبوك روابط حلقات ما أسماه "كارثة الطوفان وأحكام الجهاد وحِكَمه"، وفي كل
حلقة وثائق مهمة من صور ومقاطع فيديو، وهي متجددة باستمرار، جاءت الحلقة الأولى
بعنوان "أجوبة على تساؤلات، ردود على إشكالات، توضيح لمقالات فيما جرى من
مناقشات حول كارثة الطوفان".
العتيبي الذي وصف العملية بـ"كارثة
الطوفان" تعرض لانتقادات شديدة وردود كثيرة آنذاك، كان من أبرزها ما كتبه
الأكاديمي والداعية الأردني الدكتور عبد الله فرج الله، والتي نشرها في سلسلة
منشورات تحت عنوان "هل أخطأ الشيخ إحسان في هجومه على الطوفان؟"، أجاب
فرج الله في نهاية ردوده بالقول: "نعم لقد أخطأ، ومن وجوه كثيرة، حاولنا بيان
أكثرها، وهناك المزيد الذي نسكت عنه، وكلنا أمل أن نقهر نفوسنا، ونركن للحق، ونرجع
عن الخطأ".
من جهته أوضح الكاتب والإعلامي الأردني،
حاتم الهرش، أن الذين يهاجمون المقاومة وقيادتها في غزة مع اختلاف توجهاتهم الفكرية
"إلا أنهم على خصومة مع حركة حماس، والأرضية التي تنطلق منها قبل عملية
الطوفان، ولا شك أن عملية مقاومة كبرى بحجم الطوفان وما ترتب عليها من ارتفاع
الكلف البشرية والمعنوية، ستُستغل من قبل خصوم الحركة للنيل منها باعتبارها مسؤولة
عما جرى".
وأضاف: "ومن البدهي أن خصوم حماس
يتوزعون في خصوماتهم، فمنهم التيارات الوطنية التي تنافس حماس في مشروعها الوطني،
ومنهم التيارات الدينية التي تختلف مع فكر الإخوان المسلمين الذي تنتمي له حماس،
ومنهم الذين يتبنون مشروع الأنظمة العربية التي تختلف مع حماس سياسيا وفكريا، فهم
على اختلاف وجهاتهم واعتباراتهم وجدوا في الطوفان فرصة مواتية لهم لانتقاد حماس".
وواصل حديثه لـ
"عربي21" بالقول: "لا شك أن المراجعات مطلوبة، لكن هناك إشكاليات في خطاب المراجعات، أولا: أن
بعض هذه الدعوات غير موضوعية وغير منصفة، وتنطلق من خلفية الخصومة السياسية
والفكرية، وثانيا: أن الحرب ما زالت قائمة، في حين أن المراجعات تُجرى بالعادة بعد
انتهاء الحدث، أما المراجعات التي تجرى في سياق الحدث، فهذه تختص بأطر الحركة
القيادية أثناء مجريات العملية السياسية التي يمكن لها أن تتعاطى مع الواقع وأن
تعدل عليه".
ولفت الهرش إلى أن "خطاب المراجعات
أصبح (موضة) ثقافية لأي حدث، ويبدو أن المثقفين يستدركون على عجزهم، أو يجدون موطئ
قدم في خضم الأحداث حتى لا يبدو أنهم خارج مسار الحركة التاريخية للأمة عندما
يدعون إلى إجراء مراجعات، التي باتت تبدو وكأنها ترف ثقافي".
حاتم الهرش.. كاتب وإعلامي أردني
وأردف بأن "من اللافت أن من يقدم نقدا لا
يقدم تصورا أو حلولا بديلة، ويكتفي بنقد أداء المقاومة في حين أن المطلوب أن ننتقل
من التقييم فقط إلى التقويم، وهذا يتطلب طرح النماذج العملية البديلة، كما أن
المراجعات حالة صحية عندما تمر في مساراتها الطبيعية، ودورة حياة التجربة، بمعنى
أن للمقاومة مؤسساتها التنظيمية، ولا شك أن لديها مؤسسات شورية ودوائر عمل فنية
لتقييم أداء الحركة سياسيا وعسكريا وأمنيا".
وعن نتائج هذه المراجعات، توقع الهرش أنها
"ستظهر على واقع ومشهد تنظيمات المقاومة في مرحلة ما بعد الحرب" وخلص في
ختام كلامه إلى القول: "بالمحصلة فإن المراجعة التاريخية لمسار أي تحرك أو
تجربة سيكون حالة ضرورية، ولا شك أن هناك نقودات موضوعية من مفكرين سياسيين يمكن
للمقاومة أن تستفيد منها، إذا ما أخذنا بعين النظر الاعتبارات المذكورة".
وفي ذات الإطار وصف الكاتب والباحث السياسي
المصري، سمير العركي، طوفان الأقصى بأنه "لم يكن مجرد اشتباك روتيني بين
المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، بل كان حدثا محوريا مفصليا في
تاريخ الصراع، فللمرة الأولى ينتقل الصراع إلى داخل الأراضي المحتلة بهذا الكم
والكيف الذي رأيناه يوم 7 أكتوبر 2023".
وتابع: "من هنا فقد عرى الطوفان فئات
كثيرة اتخذت من معاناة الشعب الفلسطيني سبيلا للارتزاق وتحقيق الوجاهة، كما أنه
وضع النظام العربي الرسمي في مأزق حقيقي بعد أن تابع الجميع الانهيار الكبير للجيش
الإسرائيلي، لولا أن هرعت الولايات المتحدة ودول غربية لنجدته عسكريا وسياسيا
وإعلاميا".
سمير العركي.. كاتب وباحث سياسي مصري
وعن مدى انعكاس عملية الطوفان على حركة فتح
ومواقفها، قال العركي في تصريحاته لـ"عربي21": "حركة فتح تعيش
مأزقا وجوديا منذ انخراطها في عملية السلام قبل أكثر من 30 عاما دون جدوى، وفشل حل
الدولتين وتوسع الاستيطان والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المسجد الأقصى،
فجاء طوفان الأقصى ليعمق جراحها بعد أن أثبت عدم جدوى المسار الذي سحبت إليه
الفلسطينيين، ومن أجله ألغت كل المبادئ الحاكمة للمقاومة المسلحة دون أن تجني
مقابله شيئا ملموسا".
وأشار إلى أن "مهاجمة عملية طوفان
الأقصى، ومهاجمة قيادة المقاومة يعود إلى توجهات خارجية، ومحض استخدام من جهات
أخرى لبعض الاتجاهات والتيارات لضرب المقاومة الفلسطينية عبر غطاء ديني".
وشدد في ختام حديثه على أن مطالبة قيادة
المقاومة بوقف الحرب "وفق شروط العدو إنما يعني الاستسلام والدخول في طور
جديد من المذابح القائمة وليس إنهاءها كما يروج البعض"، مذكرا بأن
"انسحاب ياسر عرفات وقوات المنظمة من بيروت في أغسطس 1982 أعقبته مذابح صبرا
وشاتيلا المروعة في سبتمبر من العام نفسه".