كشف تقرير الخبراء في صندوق النقد الدولي الخاص بأول مراجعتين من برنامج تمويل مصر، أن القاهرة تستهدف العام المالي المقبل بيع 4 أصول على الأقل بقطاعي
الطاقة والتصنيع بعوائد 3.6 مليار دولار.
وأشار الصندوق إلى أن مصر أوشكت على إتمام صفقتي "جبل الزيت" و"الزعفرانة"، خلال العام المالي الجاري، ملمحا إلى أن قيمة صفقة الأولى قد تصل إلى 339 مليون دولار، والثانية نحو 300 مليون دولار.
ولمحطات جبل الزيت الثلاثة لتوليد
الكهرباء من طاقة الرياح، والتي تقع على ساحل البحر الأحمر، وتبعد عن القاهرة حوالي 350 كيلومترا، أهمية كبيرة؛ حيث تنتج نحو 580 ميغاوات، وافتتحها
السيسي، في تموز/ يوليو 2018.
وتنتج محطة رياح جبل الزيت (1) 240 ميغاوات، وتمت بالتعاون مع بنك "التعمير الألماني" (KfW)، وبنك "الاستثمار الأوروبي" (EIB)، و"المفوضية الأوروبية" (EU).
وتعمل محطة جبل الزيت (2) بقدرة 220 ميغاوات وأنشئت بالتعاون مع "الوكالة اليابانية للتعاون الدولي" (JICA).
وتنتج محطة جبل الزيت (3) نحو 120 ميغاوات وتم بناؤها بالتعاون مع الحكومة الإسبانية.
وأنشئت محطة الزعفرانة لإنتاج الكهرباء من الرياح بطاقة 580 ميغاوات بتكلفة 110 ملايين دولار عام 2010، في نهاية عهد حسني مبارك.
وأنشئت محطة جبل الزيت لإنتاج الكهرباء من الرياح بتكلفة 672 مليون عبر قروض خارجية.
ما يعني أن المحطتين كانت تكلفتهما نحو 782 مليون دولار، في حين يتم بيعهما حاليا بنحو 640 مليون دولار، أي أقل من تكلفتهما الفعلية بنحو 142 مليون دولار، ناهيك عن أن قيمة سعر صرف الجنيه المصري خلال تدشين الأولى كان نحو 6 جنيهات، وخلال الثانية حوالي 18 جنيها رسميا.
وهو ما أشار إليه السياسي المصري ورئيس حزب "الخضر" المصري المهندس محمد عوض، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، قائلا: "كل سطر بهذا البوست، يحمل رسالة سياسية، وكل رقم يعكس صورة اقتصادية".
المثير أن المحطتين تقعان في أفضل موقع على مستوى العالم لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح، لوقوعهما بين جبال الحجاز بالسعودية وسلسلة جبال البحر الأحمر، وجبال سيناء في مصر، ما يصنع نفقا يزيد من سرعة الرياح بالمنطقة.
وفي إجابته على أسئلة "عربي21"، حول دوافع بيع مصر محطتي الزيت والزعفرانة لإنتاج الكهرباء من الرياح، وحجم خسائر مصر من هذا البيع، والنتائج التي قد تترتب على هذا البيع، قال عوض، إنه "في عام 2011، كانت الطاقة الإنتاجية للكهرباء في مصر نحو 25 غيغاوات، بينما الاستهلاك الكلي كان 26 غيغاوات، ومن هنا ظهرت مشكلة انقطاع الكهرباء".
وأضاف في منشور آخر عبر صفحته أنه "في عام 2024 ارتفعت الطاقة الإنتاجية للكهرباء 60 غيغاوات، بينما الاستهلاك الكلي أصبح 32 غيغاوات، ما يعني أن المتاح إنتاجه من الكهرباء يعادل ضعف الكهرباء المستهلكة، ومع ذلك تفاقمت مشكلة انقطاع الكهرباء بشدة".
ولفت إلى أنه "منذ عام 2014 حتي عام 2024، أنفقت الحكومة ما يقرب من 20 مليار دولار قروض دولية مختلفة، يتحملها الشعب المصري، لرفع الطاقة الإنتاجية للكهرباء من 25 غيغاوات عام 2014 إلى 60 غيغاوات عام 2024".
وأوضح أنه "في عام 2014، كان متوسط سعر الكيلووات كهرباء للمستهلك 50 قرش مصري، بينما في عام 2024 أصبح متوسط سعر الكيلووات كهرباء للمستهلك 125 قرشا مصريا".
وتابع: "في عام 2017، كانت وزارة الكهرباء تشتري كيلووات كهرباء من محطات إنتاج الكهرباء في مشروعات الطاقة المتجددة (قطاع خاص) بسعر 0.2 دولار (يعادل 34 قرشا مصريا)، بينما في عام 2024 تشتري وزارة الكهرباء الكيلووات كهرباء (طاقة متجددة- قطاع خاص) بسعر 0.2 دولار (يعادل 10 قروش مصري).
وذكر الصندوق أن نتائج بيع المحطتين وغيرها من خطوات البيع لزيادة حصيلة البلاد الدولارية، خاصة مع ما يعانيه اقتصاد أكبر بلد عربي سكانا، والاقتصاد الثالث أفريقيا عقب جنوب أفريقيا ونيجيريا، من أزمات مالية وهيكلية مزمنة أغلبها بفعل تراكم فوائد وأقساط دين تعدى 168 مليار دولار في نهاية العام الماضي.
وفي آذار/ مارس 2023، أطلقت القاهرة برنامجا لطرح حصص في ما يصل إلى 40 شركة وبنكا موزعة على 18 قطاعا حتى آذار/ مارس 2024، وجرى تمديده إلى كانون الأول/ ديسمبر 2024، ووفق تصريحات سابقة لوزير المالية المصري محمد معيط، فإن البلاد تستهدف عوائد تبلغ 6.5 مليار دولار من البرنامج بنهاية العام الجاري.
وأثار تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية قبل أيام الجدل لما حمله من تفاصيل اعتبرها الناشط المصري وائل عباس، في حديث له عبر موقع "إكس"، بأنها مؤلمة جدا، وتثير الحزن والبكاء على ضياع أصول وممتلكات مصر، خاصة مع عرض كل ما له قيمة معروض للبيع وبشكل خاص للإمارات والسعودية.
"أخطاء الأمر المباشر"
وفي قراءته للأسباب والنتائج وحجم الخسائر من هذا التوجه، قال الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية، الدكتور مصطفى يوسف، إن "الخط الرئيسي هو أنه هناك خطأ في الأولويات، وأخطاء في ملف الاستثمار".
يوسف، في حديثه لـ"عربي21" أوضح أن تلك الأخطاء "أدت إلى أن الحكومة تقوم ببيع أصول مربحة من الشركات، في مقابل أنها أقامت محطات كهرباء غير مدروسة، وفي مقابل أنها أقامت خط مونوريل، وقصور رئاسية، وطائرات رئاسية، ومدن العاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة".
وأكد أنها "مشاريع غير مدروسة، وغير ذات جدوى، تكلفت مليارات الدولارات، وفوائد القروض التي أنشئت بها عالية جدا، وبرغم ذلك يبيعها بأقل من التكلفة أو بخسارة كبيرة جدا، في حالة الشركات الرابحة".
ولفت إلى أن "هذا يؤدي إلى زيادة التدفقات النقدية التي تخرج من البلاد، ما يعني زيادة عجز ميزان المدفوعات والفرق بين الصادرات والواردات، والضغط على العملة المحلية، وزيادة عجز الدولار في الأسواق المحلية".
ويرى أن كل ذلك نتيجة "لأنه ليس هناك تخطيط، وليس هناك عملية ديمقراطية في صناعة القرار تؤدي إلى دراسة المشروعات من الناحية الاقتصادية".
وتابع: "وكذلك المسألة الخطيرة التي كنا نعلمها لطلاب الاقتصاد والإدارة، وهي تقييم البدائل والفضيات عندما تتكلم عن أي مشروع، لكنه ليس هناك أي تقييم ولا فرضيات لدينا، هي فقط أوامر بتنفيذ الأمر".
ولفت إلى أنه "مثلا في مشروع إنشاء محطات كهرباء سيمنز الثلاثة عام 2018، تم الاقتراض من بنوك ألمانية وأخرى محلية، لبنائها، بينما كان الأمر فيه رشوة لألمانيا قائد الاتحاد الأوروبي حينها حتى تدعم النظام المصري ويصبح لديه قبولا دوليا، ويتم تجاهل ملفه في حقوق الإنسان، وهي مسألة خطيرة أدت للفشل الذي نعيشه".
"جمهورية الخسائر"
ويرى أن خسائر مصر من بيع محطتي "الزعفرانة" و"جبل الزيت"، "حوالي 142 مليون دولار، وذلك مع تكلفة الزمن، مع سعر فوائد القروض التي أنشئت بها"، مشيرا إلى أنها "مجموعة عوامل كبيرة جدا تؤدي إلى خسائر مالية كبيرة".
ويعتقد الخبير المصري، أن "الأخطر من الخسائر المالية هو أنه عندما تداين بتلك الأموال صار عليها فوائد كبيرة تم تحميلها على ميزان المدفوعات المصري، وعملت عليها إحلال ولم تصرف على صحة أو تعليم أو تنمية صادرات أو مشروعات صغيرة ولا على أي مشروع يولد عملة صعبة أو يزيد الصادرات".
وأضاف: "بل بالعكس اشتغلت مع شركات أجنبية، وهي إجراءات تزيد فرص العمل بتلك الدول وتحول أنت لهم العملة الصعبة من السوق المحلي، وفي النهاية عدت مرة أخرى لبيع الأصول والممتلكات والشركات والأراضي بالخسارة، في مقابل شو إعلامي والحصول على مساعدات أوروبية لتثبيت أركان جمهوريتك الجديدة (الانقلاب العسكري)".
وتابع: "والأمر الثاني أنك عند سداد فوائد وأقساط وكامل خدمة هذا الدين تعود مجددا للاقتراض من البنوك المحلية بفائدة نحو 30 بالمئة، وذلك قبل وضع فوائد بالدولار فإنه دوليا حتى من صندوق النقد بعد وضع الفوائد والرسوم تدفع نحو 10 بالمئة على الدولار، والعالم كله يدفع نحو 5 أو 6 بالمئة على كل دولار، بالإضافة إلى أنك تضع على قروض العملة المحلية وأذون الخزانة فائدة حتى 30 بالمئة".
وكذلك "تبيع شركات رابحة حتى تدفع ثمن محطات خاسرة، وتدفع ثمن قصور رئاسية وطائرات رئاسية والعاصمة والعلمين وغيرهما، فأنت تسير طبقا للأحلام والرغبات وليس طبقا للدراسات، وليس لتقييم المشروعات أو تحديد الأولويات وهذه سمة الجمهورية الجديدة أو جمهورية الضباط".
"تكلفة بقاء النظام"
وفي تعليقه، قال الكاتب والمحلل السياسي المصري مجدي الحداد، إن "ما يلفت النظر في هذا الأمر حقيقة أن المحتطتين، تقعان في نفس المنطقة تقريبا على ساحل البحر الأحمر، في حين أن مصر تعرف وتنفرد بالتنوع المناخي في كل منطقة بها تقريبا".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "كما يعني أن الرياح موجودة أيضا بالساحل الشمالي على البحر المتوسط، وربما بشكل اقتصادي أكبر بالنسبة لاستغلال الرياح في توليد الطاقة الكهربائية، وبالصحراء الغربية كما هي موجودة في الصحراء الشرقية".
وأكد أن "ما يثير الريبة والغثيان أن محطة الزعفرانة أُقيمت في منطقة تنتشر بها القرى السياحية من ناحية، وهو ما يثير التساؤل عما إذا كان الغرض من إنشائها هو الحفاظ على البيئة والهدوء في المنطقة التي يقيم بها القادرون فقط على الوفاء بتكاليف الإقامة أو حتى التصييف في تلك القرى السياحية بعيدا عن أغراض أو أهداف تنموية، أو منفعة عامة حقيقية أخرى".
وأشار إلى أن "تلك المحطة أقيمت في عهد حسني مبارك (1981- 2011)، فلا يحق لمن خلفه أن يتحكم في بيع أصول لم تُقام أو تُنشأ في عهده، وكما تجرأ وفعل ذلك فيما هو أخطر من الزعفرانة، كمصانع الحديد والصلب مثلا، والعديد من مصانع الحلج والنسج بالمحلة الكبرى والإسكندرية، وغيرها".
الحداد، لفت إلى أن "التوجه العام للعالم الآن نحو الطاقة النظيفة والمستدامة، والذي يخدم أيضا ما يسمى بالتنمية المستدامة، وذلك للحد من أثر وتأثير تغير المناخ، والذي صار يتضرر منه كل الأحياء على هذا الكوكب؛ اقتصاديا وصحيا وبيئيا، ومن طرق الاعتماد على الطاقة النظيفة استغلال الرياح، وحتى أمواج البحر في توليد الطاقة".
ويعتقد أنه بهذا الشكل "ستباع المحطتين بالخسارة، طبعا، وبما يستحيل معه إنشاؤهما بنفس تكلفة إنشائهما السابقة مرة أخرى، إذا ما فكرت مصر في بناء مثيلتين لهما في المستقبل، وذلك لاختلاف وارتفاع سعر الصرف إلى حدود جنونية، فقد فيه الجنيه قيمته تماما".
وألمح إلى أن "هذا ما حدث بالمناسبة في صفقات تفريطية مريبة أخرى، تمثلت ليس فقد في إهدار المال العام، ولكن نهبه أيضا، وبلا حسيب ولا رقيب، ولا حتى أدنى تأنيب ضمير، ومن قبل نظام لا يشعر حقيقة بوجود شعب على هذه البقعة من الأرض التي تسمى مصر".
ولفت إلى "ما حدث مؤخرا في شراء شركة مصر للطيران 12 طائرة إيرباص بلغت قيمتهما حوالي 1.2 مليار دولار، وبيعت تلك الطائرات غالبا بأقل من نصف قيمتها، ومن غير أن يُفكر مثلا في بيع (ملكة السماء) –الطائرة الرئاسية- التي كلفت الدولة أكثر من نصف مليار دولار ، وكما علق العديد من المراقبين".
وخلص الكاتب المصري للقول: "وكما أشار أحد الأصدقاء، أن تكلفة الحفاظ على بقاء هذا النظام صارت أكبر وأعظم، وأكثر خطورة، من تكلفة رحيله على مصر ومصالحها، والتي تتلاشى تدريجيا وبطريقة ممنهجة ومتعمدة ومقصودة والمنطقة بأسرها ومصالحها أيضا".
"سلسلة التفريط"
وبعد نحو 11 عاما من انقلاب السيسي، على الرئيس الراحل محمد
مرسي، مستخدما الغضب الشعبي من انقطاع الكهرباء إحدى الذرائع لاطاحته بأول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا في العصر الحديث، عاد ملف انقطاع الكهرباء ليؤرق المصريين ويدفعهم لصب لعناتهم على رأس النظام.
ولا يخلو حديث بيت من بين 106 ملايين نسمة من الشكوى من تأثير انقطاع التيار الكهربائي على حياتهم وأعمالهم ومشروعاتهم ومستقبل أبنائهم، بعد قرار حكومي تنفذه إدارات الكهرباء إثر نهاية شهر رمضان الماضي، وفق جدول يومي بتخفيف الأحمال بجميع أنحاء البلاد، ما عدا بعض المدن والمناطق السياحية والاستثمارية.
وذلك برغم أن السيسي، أعلن مرارا عن انتهاء عصر انقطاع الكهرباء، وافتتح محطات لإنتاجها في تموز/ يوليو 2018، عرفت بمحطات "سيمنز" وهي الشركة الألمانية المنفذة، لثلاث محطات في العاصمة الإدارية الجديدة، والفيوم (جنوبا)، والبرلس (شمالا)، بقدرة إجمالية تبلغ 14.4 غيغاواط، وبنسبة 27 بالمئة من إنتاج البلاد الكهربائي، ليقرر في أيار/ مايو الماضي، عرض محطة الفيوم للبيع لسداد فوائد وأقساط بناء المحطات.
وفي تحول دراماتيكي من الفائض بإنتاج الكهرباء إلى النقص الشديد والتوجه لبيع أصول إنتاج الكهرباء، وبرغم ما لملف الطاقة بكل قطاعاته من أهمية استراتيجية وأمنية تواصل حكومة السيسي، التخلص تباعا من الأصول العامة بهذا القطاع الحيوي.
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلنت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد عن طرح جديد في قطاع الطاقة للمستثمرين، يخص "محطات الرياح" الثلاثة لتوليد الكهرباء في جبل الزيت بالبحر الأحمر، وذلك في موعد حددته بنهاية الربع الأول من العام 2024.
وفي تموز/ يوليو الماضي، أعلنت عن طرح "محطة بني سويف" لإنتاج الكهرباء للبيع، والتي بنتها شركة "سيمنز" الألمانية بقروض من بنوك ألمانية ومحلية في منطقة بني سويف بصعيد مصر عام 2018، إلى جانب محطتين أخريين.