كتب

"إسرائيل" في مفترق طرق.. تطور الحرب على غزة يتطلب قرارات شجاعة

نتيجة لإطالة أمد الحرب حتى الآن وعدم تحقيق أي هدف من أهدافها، فإن إسرائيل تقف الآن في مفترق طرق..
نشر معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب INSS، في 12 أبريل/ نيسان الماضي، دراسة مهمة عنوانها: "تطور الحرب يتطلب قرارات شجاعة". أعد الدراسة خبراء المعهد، وكتب مقدمتها مدير المعهد اللواء احتياط تامير هايمان.

وسنعرض في هذه القراءة ملخصا لهذه الدراسة، وأهم التوصيات التي خلصت إليها.

المقدمة

في الأشهر الستة التي تلت هجوم حماس في حرب طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم تحقق إسرائيل أي هدف من أهداف الحرب. فلا يزال 133 رهينة محتجزين في غزة، ولم تُهزم حماس بعد بشكل حاسم. وحتى العملية في رفح لن تغير هذا الاتجاه بشكل كبير.

هذا التراجع في الحرب يمكن أن يؤدي إسرائيليا إلى الشعور بالتعب والإرهاق، مصحوبا بالإحباط وخيبة الأمل؛ لكنه في الوقت نفسه، قد يقدم سلسلة من الفرص التي من شأنها تحسين الوضع الأمني لإسرائيل بمرور الوقت. لذا، توصي هذه الدراسة التي كتبها باحثون في معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، بسلسلة من القرارات الاستراتيجية التي يجب على القيادة السياسية الإسرائيلية اتخاذها لتحسين الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، ومنع حدوث أضرار محتملة كبيرة. ويوصي المعهد باستغلال حالة الإرهاق التكتيكي العملياتي في الحرب لتحقيق مكاسب استراتيجية، مع رؤية شاملة وطويلة الأجل لمكانة إسرائيل في العالم وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، على أن يواكب ذلك المطالبة بتنازلات كبيرة مقابل الثمن الذي تدفعه إسرائيل منذ بداية الحرب وحتى الآن.

ومن المسلم به أن هذه التوصيات ما كانت لتقدم لو لم تكن إسرائيل في هذا الوضع المعقد الذي تجد نفسها فيه، وفي ظل غياب بدائل أخرى جيدة. إنها ليست توصيات مثالية؛ لكن التحدي الذي يواجهه قادة إسرائيل الآن هو أن يفعلوا الشيء الصحيح لتحسين الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، والعمل وفقا لأولويات الأمن القومي الإسرائيلي وأمن مواطنيها؛ وليس تحقيق مكاسب تكتيكية فورية قصيرة الأجل.

التأطير الاستراتيجي

نتيجة لإطالة أمد الحرب حتى الآن وعدم تحقيق أي هدف من أهدافها، فإن إسرائيل تقف الآن في مفترق طرق. وقد ألحق بها المسار الحالي للحرب أضرارا كثيرة، وأضعف مرونتها وقدرتها على الصمود والتعافي، وجعلها تواجه مجموعة من المخاطر الشديدة والمشاكل الاستراتيجية التالية:

1 ـ توقف الزخم العملياتي في قطاع غزة.
2 ـ خسارة زمام المبادرة.
3 ـ انزلاق إسرائيل إلى حرب استنزاف طويلة وثابتة على الجبهتين الجنوبية والشمالية.
4 ـ التقليل من سمعة القوة العسكرية الإسرائيلية وقدرتها على ردع إيران ومحور المقاومة.
5 ـ ازدياد احتمالات مواجهة إسرائيل اندلاع أعمال عنف بالضفة الغربية أسوأ من الأعمال الحالية، مع تعزيز موقف حماس هناك.
6 ـ الإضرار بقدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود لتأخر عودة الحياة المدنية إلى طبيعتها.
7 ـ تقليل فرص إعادة الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس.
8 ـ فشل استبدال حكم حماس في قطاع غزة.
9 ـ تعريض العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة للخطر.
10 ـ عزلة إسرائيل على الساحة الإقليمية والدولية، وزيادة معاداة السامية.
11 ـ ضياع الفرصة التاريخية لتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية.

ما الذي تحتاجه إسرائيل اليوم؟!

حتى تخرج إسرائيل من مفترق الطرق الذي تقف عنده اليوم، والمآزق الاستراتيجية التي تواجهها بعد مرور ستة أشهر من الحرب التي دخلتها بأهداف فشلت في تحقيقها حتى اليوم ولا تعرف كيف تخرج منها فإن على إسرائيل السعي إلى:

1 ـ إيجاد بديل مدني لحماس. وبدون ذلك، فستحدث حالة فراغ وفوضى في القطاع تسمح لحماس بالعودة مرة أخرى إلى حكم القطاع. لذا، فإن عدم استغلال الإنجاز العسكري سيكون خطأ فادحا، وسيكون البديل حكما عسكريا إسرائيليا لفترة مؤقتة لحين إنشاء إدارة مدنية للقطاع عبر تفاهمات إقليمية ودولية.

نتيجة لإطالة أمد الحرب حتى الآن وعدم تحقيق أي هدف من أهدافها، فإن إسرائيل تقف الآن في مفترق طرق. وقد ألحق بها المسار الحالي للحرب أضرارا كثيرة، وأضعف مرونتها وقدرتها على الصمود والتعافي، وجعلها تواجه مجموعة من المخاطر الشديدة والمشاكل الإستراتيجية
2 ـ سلطة فلسطينية مطورة: إن بديل حماس الأكثر أمنا لإسرائيل هو سلطة فلسطينية مطورة  تستوفي الشروط التالية: الاعتراف بدولة إسرائيل، منع ثقافة التطرف وعدم دعم أسر المقاومين، منع حماس أن تكون جزءا من النظام السياسي الفلسطيني، بقاء السيطرة الأمنية في يد إسرائيل على غرار الضفة الغربية، ووقف الإجراءات المتخذة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية. ويمكن لبناء هذه السلطة البدء في تطبيقها في مساحة جغرافية محدودة بعناصر من فتح وبنيان السلطة الفلسطينية الحالية، أو محافظ فلسطيني مدني تابع لسلطة رام الله تعمل تحت إدارته قوات أمن فلسطينية يتم تدريبها في الأردن ومصر تحت إشراف منسق أمريكي. وقد يكون البديل لذلك إدارة مستقلة لغزة عن رام الله تحت إدارة محمد دحلان ويمكن دعمها ماليا من الإمارات التي يرتبط دحلان بعلاقات وثيقة بها، ويمكن لدحلان أن يحضر معه مقاولي أمن من خارج القطاع. ولكن ما يعيب هذه الخيارات لحماس أنها لن تكون مقبولة وقد لا تتمكن من القضاء على سلطة حماس، كما أن سلطة رام الله سترفض بعضها.

3 ـ بيئة إقليمية جديدة وإضعاف حماس وإيران: أدى تشكيل وتماسك جبهة المقاومة المكونة من المحور الشيعي الإيراني ومنظمات المقاومة الفلسطينية إلى تآكل الردع الإسرائيلي وزيادة الشعور بالثقة بالنفس الخطيرة لدى أعداء إسرائيل. لذا، فإنه لتحقيق النصر الكامل فلا بد من تحقيق أمن إسرائيل عبر بناء نظام إقليمي جديد، وهو ما كانت تسعى إليه الولايات المتحدة من قبل لإضعاف حماس وإيران ووكلائها في لبنان والعراق واليمن وسوريا. ويتحقق ذلك عبر تسريع عملية التطبيع وإقامة حلف دفاعي بين السعودية والولايات المتحدة، وكذلك بين إسرائيل والولايات المتحدة. وقيام السعودية والدول العربية المطبعة مع إسرائيل بعملية إعمار قطاع غزة.

4 ـ إعادة الرهائن: عبر السعي بقوة إلى التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن، وبسرعة، حتى على حساب إعلان نهاية الحرب. وعلى عكس الموضوعات والأهداف الأخرى، فالإفراج عن الرهائن ليس بيد إسرائيل وحدها؛ فهو أيضا في يد حماس.

5 ـ تسوية القضية الإنسانية في قطاع غزة وتجنب وقوع كارثة إنسانية هناك، مع إدماج تنظيم المعونة الإنسانية في عملية إنشاء كيان مدني بديل لحماس مع الحيلولة دون وقوع المعونة في أيدي حماس.

إن هذا المأزق الاستراتيجي الذي نجحت غزة بوضع العدو فيه يستوجب من الأمة جمعاء إسناد المقاومة، وأن تكف الأنظمة عما تقوم به من الوقوف موقف المتفرج والمشاركة في إحكام الحصار على القطاع الصامد وإمداد العدو بما يحتاجه من غذاء ووقود بينما يمنع ذلك عن أطفال ونساء وشيوخ فلسطين.
6 ـ استكمال الجهد العسكري لتفكيك قدرات حماس: عبر تبني مسار عمل وتوقيت مختلفين يخدمان المفهوم الاستراتيجي التوجيهي.

7 ـ تقوية الجبهة المدنية الإسرائيلية: عبر تعزيز الصمود الوطني لإسرائيل لتحقيق الاستمرارية الوظيفية والتعافي السريع من الصدمة الجماعية والانتقال نحو الازدهار والنمو.

8 ـ إضعاف إيران ومحور المقاومة: الحفاظ على العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة وتعزيزها: فالموقف الأمريكي إلى جانب إسرائيل في حرب "السيوف الحديدية" غير مسبوق، ربما باستثناء الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل خلال حرب يوم الغفران.

الاستنتاج والتوصيات

تواجه إسرائيل واحدة من أكثر فتراتها تحديا، سواء من حيث مكانتها الدولية أو وضعها الداخلي. ومن الصعب تصور تحسن في هذا الواقع دون اتخاذ قرارات عملية استجابة لمجموعة التحديات التي يواجهها. وإنه لمن الأهمية بمكان، إنهاء الغموض والارتباك الناتجين عن الفجوة بين مسار ونتائج القتال الحالي والسعي إلى تحقيق نصر كامل غير محدد المعالم والأهداف. لذا، يجب تحديد أهداف واقعية ضمن إطار زمني محدد لإنهاء الحرب. ويجب أيضا أن تتخذ إسرائيل مسارا بديلا يحقق أهداف الحرب ويحسن بشكل كبير من توازنها الاسراتيجي، ويتضمن أجندة أهداف جديدة للحرب، وتنفيذ سياسات وإجراءات لتحقيق هذه الأهداف:

أولا ـ أجندة إسرائيلية جديدة للحرب:

1 ـ استعادة الأمن والشعور به في المناطق الحدودية سواء مع غزة أو جنوب لبنان.
2 ـ تقليل الأضرار في الساحة الدولية والعمل على استعادة المكانة العالمية لإسرائيل.
3 ـ بدء عملية إعادة تأهيل المجتمع الإسرائيلي وعلاج جراحاته.
4 ـ تصميم نظام إقليمي لموازنة محور المقاومة الذي تقوده إيران، ويكون بمثابة بنية تحتية لدمج إسرائيل في المنطقة.
5 ـ فتح أفق سياسي في الساحة الفلسطينية يؤدي في النهاية إلى تخفيف حدة الصراع.

ثانيا ـ سياسات وإجراءات لتحقيق هذه الأهداف:

1 ـ إن إطلاق سراح الرهائن يتطلب على ما يبدو وقفا غير محدود لإطلاق النار.
2 ـ الاعتراف بأن إقامة سلطة فلسطينية مطورة، مع دعم محتمل من تحالف عربي ودولي، هو الحل العملي المفضل كعنوان لسلطة مدنية في قطاع غزة.
3 ـ الاستفادة من وقف إطلاق النار المصاحب لاتفاق إطلاق سراح الرهائن، للوصول إلى ترتيبات على الجانب اللبناني لمنع التسلل وإطلاق النار.
4 ـ نقل مساعدات إنسانية ضخمة لقطاع غزة عبر المعابر الإسرلئيلية لتقوم السلطة الفلسطينية بتوزيعها تحت إشراف التحالف العربي.
5 ـ وضع خطة للإغلاق المحكم لمحور فلادلفيا بين رفح ومصر عبر التعاون الوثيق مع مصر والولايات المتحدة، وعبر القيام بعملية عسكرية في رفح في وقت لاحق كجزء من عملية تحقيق الاستقرار بعد الحرب.

التعليق

هذه الدراسة اعتراف مهم من أكبر مركز بحثي إسرائيلي عن فشل إسرائيل الذريع في تحقيق أهدافها. واعتراف أيضا بتعرض أمن إسرائيل ووجودها لأخطار شتى على كافة المستويات سواء في ميادين القتال أو الساحات الداخلية والإقليمية والدولية، وزيادة احتمالات تردي الأوضاع في الضفة الغربية إلى وضع يخرج عن سيطرتها وسياسة القبضة الحديدية التي تمارسها هناك. وذلك، على الرغم مما تصبه على غزة من حمم، وما تنفذه على الأرض من مجازر وجرائم حرب.

وهذه الدراسة في الوقت نفسه هي اعتراف واضح لا لبس فيه بنجاح الشعب الفلسطيني عبر صموده المذهل ومقاومته الباسلة وإدارة حماس لدفة الصراع. لذلك، فإن هذا المأزق الاستراتيجي الذي نجحت غزة بوضع العدو فيه يستوجب من الأمة جمعاء إسناد المقاومة، وأن تكف الأنظمة عما تقوم به من الوقوف موقف المتفرج والمشاركة في إحكام الحصار على القطاع الصامد وإمداد العدو بما يحتاجه من غذاء ووقود بينما يمنع ذلك عن أطفال ونساء وشيوخ فلسطين.