يعكس الوضع الحالي للحرب المستمرة على قطاع
غزة التحديات الهائلة التي تواجهها المنظمات الإنسانية في إيصال
المساعدات، وسط عقبات كبيرة أمام وصولها إلى السكان الذين يعانون من نقص في الاحتياجات الضرورية من دواء وغذاء.
وأكدت مجلة "
نيويوركر" في تقرير ترجمته "عربي21" أن العديد من السكان يشعرون بالإحباط بسبب عدم تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وقالت المجلة، إن ديفيد ساترفيلد، مبعوث إدارة بايدن للمساعدات الإنسانية في الشرق الأوسط، أعلن في نهاية نيسان/ أبريل الماضي أن تدفق الغذاء والدواء إلى غزة آخذ في التحسن.
وجاءت تعليقات ساترفيلد بعد أشهر من الطلبات التي قدمها الرئيس بايدن لـ"إسرائيل" للسماح بدخول مساعدات إضافية إلى المنطقة، وقد استشهد حتى الآن أكثر من 34 ألف من سكان غزة بسبب الحرب المستمرة، ولا يزال القطاع معرضا لخطر
المجاعة الشديد، والوضع مأساوي بشكل رهيب في الجزء الشمالي من غزة؛ حيث لا يزال يعيش حوالي 300 ألف شخص.
وبعد مرور ما يقرب من ثمانية أشهر على الحرب، تحدثت المجلة مع عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، والذي يقوم بجمع البيانات حول الأماكن التي يحتاج فيها الناس إلى الغذاء ويساعد في توفير الغذاء للسكان المحتاجين.
وسألته المجلة حول حجم المساعدات التي تصل حاليًا إلى غزة في الوقت الحالي، وأكد حسين أن أهم البيانات من حيث الدقة هي البيانات الخاصة برنامج الأغذية العالمي، وأنهم لم يتمكنوا من إدخال سوى حوالي 27 شاحنة إلى شمال غزة في شباط/ فبراير، أما في شهر آذار/ مارس فدخلت 47 شاحنة إلى الشمال، بينما في نيسان/ أبريل حدث تحسن حقيقي، ومن ثم فإنه بحلول 29 نيسان/ أبريل، تمكنت حوالي 172 شاحنة من الدخول، وهو ما يكفي لإطعام حوالي 516 ألف شخص.
وقد مرت 91 شاحنة من تلك الشاحنات عبر معبر إيريز، وتمكنت 81 شاحنة أخرى من الوصول إلى الشمال من داخل غزة، وهو أمر بالغ الأهمية، وتحمل الشاحنة الواحدة في المتوسط نحو 15 طنا من السلع الغذائية الأساسية، وهو ما يكفي لإطعام نحو ثلاثة آلاف شخص لمدة عشرة أيام، وهذا يعني أنه بالنسبة لشمال غزة وحده، نحتاج إلى 300 شاحنة محملة بالأغذية شهريا.
وأضاف أن هذا لا يكفي، فهناك حاجة إلى المزيد مع كل حالات النزوح، ونقص المأوى والغذاء، ونقص المياه والدواء، وكل ذلك، وما يعنيه ذلك بالنسبة لهؤلاء الأشخاص الذين تكون أجهزتهم المناعية ضعيفة للغاية، والمعرضون بشدة لتفشي الأمراض؛ حيث يجب أن يحصلوا على التغذية التي يحتاجونها، ولا يمكن أن يكون ذلك ليوم واحد أو يومين أو لمدة أسبوع، بل يجب أن يكون هذا كل يوم في المستقبل المنظور.
وبسؤاله عن انخفاض عدد الشاحنات التي تدخل بالنظر إلى أن الخبراء يقولون إن ما لا يقل عن 500 شاحنة يجب أن تأتي يوميا، أكد حسين أنها منخفضة بالفعل، وكل هذ هو ارتفاع طفيف، ورغم أنه إيجابي، ولكنه ليس بأي حال من الأحوال في المستوى الذي يمكن القول فيه إن هذا يكفي.
واستفسرت المجلة حول نجاح طرق إدخال المساعدات بغير الشاحنات سواء عن طريق القوارب، وحديث إدارة بايدن بصدد بناء رصيف عائم، وأشار حسين إلى أن المهم هو الحصول على ما يكفي من الغذاء في قطاع غزة، وأفضل طريقة لذلك هي عبر الطرق ومن خلال ميناء أسدود، حيث يمكن تفتيشها قبل دخول معبر كرم أبو سالم، وأي شيء إضافي يصل موضع ترحيب، سواء جاء عبر الرصيف، أو عبر الإسقاطات الجوية، ولكن في نهاية المطاف، فإن الطريقة الأكثر فعالية من حيث التكلفة والسرعة هي عبر الطرق والموانئ.
وبسؤاله عن سبب الزيادة الطفيفة في عمليات توصيل الطعام، أجاب حسين بأنه لا يهتم بالسبب بقدر سعادته بأن الأمر يتحرك نحو الأفضل، وقد قيل منذ اليوم الأول إنه إذا كنا تريد إيقاف هذه المجاعة، فلا بد من حدوث ثلاثة أشياء، أولا: يجب إدخال ما يكفي من الغذاء والماء والدواء والسلع الأساسية إلى قطاع غزة، ثانيا: يجب أن يشعر العاملون في المجال الإنساني والعاملين في القطاع التجاري بالأمان، ثالثا: يجب أن يكون الأشخاص الذين يتلقون هذه الأشياء آمنين أيضًا لتلقيها.
وتساءلت المجلة حول مدى ثقة برنامج الأغذية العالمي في وصول الشاحنات لمستحقيها في ظل الفوضى في غزة، وقتل عمال الإغاثة، كما حدث في استهداف الجيش الإسرائيلي لقافلة المطبخ المركزي العالمي، ورد حسين بأنه يعتقد أنها تصل إلى المستفيدين المقصودين، والبيانات تؤكد أن أسعار السلع الأساسية في الأسواق تنخفض، وأن هناك تحسنا في استهلاك الناس للغذاء، لكن هناك بالتأكيد خطر المجاعة، لأن السكان في مثل هذا الخطر المرتفع، ففي شهر آذار/ مارس، كان 70 بالمئة من السكان في شمال غزة في المرحلة الخامسة من التصنيف المتكامل لمرحلة الأمن الغذائي.
وبسؤاله عن معنى تلك التصنيفات، أوضح أنه عند محاولة تحديد ما إذا كانت هناك مجاعة أو خطر حدوث مجاعة في مكان معين، فإنه يتم تحليل ثلاثة أشياء بالأساس، أولا: أن يعاني ما لا يقل عن عشرين بالمئة من السكان من الجوع الشديد، أي الجوع بشكل أساسي، وأن ما لا يقل عن ثلاثين بالمئة من الأطفال يعانون من الهزال، ما يعني أنهم نحيفون للغاية بالنسبة لطولهم، ويجب أن يكون معدل الوفيات اليومي ضعف المعيار العالمي: بالنسبة للبالغين، يعني هذا من واحد إلى اثنين لكل عشرة آلاف، وبالنسبة للأطفال، من اثنين إلى أربعة لكل عشرة آلاف، وعندما تجتمع هذه الشروط الثلاثة في مكان واحد نسميها مجاعة.
وفي حالة غزة، وخاصة في الشمال، فإنه تم استيفاء الشرط الأول، لأن سبعين بالمئة من السكان كانوا يتضورون جوعا، وتم استيفاء الشرط الثاني، لأن أكثر من ثلاثين بالمئة من الأطفال تعرضوا للهزال، ولكن لم يتحقق الشرط الثالث، لأنها حالة متأخرة نوعا ما ولا توجد آليات للتحقق مما إذا كانت الوفيات غير الناجمة عن الصدمات قد تضاعفت أم لا، ولهذا السبب فإن المجاعة في شمال غزة أصبحت وشيكة بحلول منتصف شهر أيار/ مايو.
وقد أصدر برنامج الغذاء العالمي، بالتعاون مع مجموعات أخرى، تقريرًا في شهر آذار/ مارس توقع فيه أن المجاعة أصبحت وشيكة بالنسبة لـ 300 ألف مدني
فلسطيني في شمال غزة.
وفي الوقت الذي تم فيه إعداد التقرير، فإن التغذية لم تكن كافية، وكان الافتراض هو أنه إذا استمرت الأمور بنفس الطريقة، فسوف تحدث مجاعة بحلول منتصف أيار/ مايو.
والآن، لسبب أو لآخر، فقد ارتفعت المساعدات، لكنها ليست كافية، ما يعني أن الناس بدأوا في الحصول على تغذية أكثر مما كانوا يحصلون عليه من قبل، وشهدنا انخفاض عدد الأشخاص الذين يعانون من مستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي والجوع الشديد، ويخطط برنامج الغذاء العالمي لجمع تقرير آخر في نهاية شهر أيار/ مايو.
وتساءلت المجلة حول العواقب الصحية طويلة المدى والخطيرة للغاية الناجمة عن الجوع، وخاصة بالنسبة للأطفال، أوضح حسين أنه بالنسبة للطفل الذي يقل عمره عن عامين، أو منذ الحمل وحتى عيد الميلاد الثاني، فهذه هي الأيام الأكثر أهمية لصحته، وإذا لم تحصل الأم والطفل خلال تلك الفترة على ما يكفي من التغذية، فمن المحتمل أنه لن يصل أبدا إلى إمكاناته الكاملة في الحياة، لذا فإن هذا بالطبع سيكون له تأثير، سيكون هناك أيضا تأثير على الأطفال الأكبر سنا بقليل والذين يعانون من كل هذه الصدمات.
في الوقت الحالي، نحن نتحدث فقط عن إنقاذ الأرواح، ولكن غدا سيكون هناك العديد من المشكلات الأخرى التي ستخرج من هذا الأمر، وبإحصاء الأرقام فقط، فإن الجرحى والقتلى في الصراع يشكلون حوالي خمسة بالمئة من السكان الآن.
وبسؤاله عن سبب تعلق أكبر المخاوف المتعلقة بالغذاء بشمال غزة، أوضح حسين أنه عندما بدأت الحرب، كان التركيز على الشمال أكبر، وكانت عمليات النزوح الكبيرة تأتي من الشمال؛ حيث كان الناس يتجهون نحو الجنوب بشكل أساسي، ولكن كان هناك حوالي 300 ألف شخص عالقين في الشمال، وظلوا عالقين مدة طويلة جدا، ولم يحصلوا على أي شيء سواء من الإمدادات التجارية أو المساعدات الإنسانية، لأنها كانت منطقة حرب، ومن الصعب الدخول إليها.
وقد انتقل العديد من الأشخاص الذين نزحوا إلى مكان آخر، واقتربوا من مصر، إلى رفح، ولهذا السبب لديك حوالي 1.4 مليون نسمة في رفح، وهو ما يغطي حوالي عشرين بالمئة من مساحة قطاع غزة بأكمله، لذلك فإنه كان المعروض في رفح أكبر مما هو عليه في الشمال، والمشكلة الكبيرة التالية هي أنه إذا تعرضت رفح للهجوم، فسيكون لها نتيجتان، الأولى، أن 1.4 مليون شخص مرهقين بالفعل، ويعيشون في مثل هذه المساحة المزدحمة، سيكونون معرضين للخطر بشكل كبير، وسيتعين عليهم النزوح إلى مكان آخر، وبعد ذلك، تذكروا أيضا أن معبر رفح هو المكان الذي توجد فيه سلاسل التوريد، وهذا من شأنه أن يخلق تعطيلا إضافيا لآلية التوزيع.
وأضاف حسين أن قضايا الجوع والمجاعة موجودة في كل مكان، لكنها أسوأ في الشمال. إذا كنت في الجنوب، فأنت أفضل قليلا من الناس في الشمال، ولكن إذا كنت في الوسط، فمن المحتمل ألا يكون لديك ما يكفي من الطعام، تصنيفات المجاعة توضح ذلك، في الشمال، كان سبعون بالمئة من السكان يعيشون في المرحلة الخامسة، والتي تعني الكارثة، وثلاثون بالمئة كانت في حالة الطوارئ، أو المرحلة الرابعة.
وذكر أنه "عندما تنظر إلى المنتصف، أي دير البلح وخان يونس، كان نصف السكان في المرحلة الخامسة والنصف كانوا في المرحلة الرابعة. وعندما تنظر إلى رفح، فإن 45 بالمئة من السكان كانوا في المرحلة الخامسة، و35 بالمئة كانوا في المرحلة الرابعة، وعشرون بالمئة كانوا في المرحلة الثالثة، ولكن مرة أخرى، مع حدوث توغل كبير، سيتعين على الناس في الجنوب الخروج والابتعاد باتجاه الوسط.
وتساءلت المجلة حول العدد التقديري للأطفال الذين فقدوا بالفعل بسبب المجاعة، ورد حسين بأنه ليس هناك رقم محدد، لكن الفحص الشهري لحوالي 500 أسرة يُثبت وجود ارتفاع طفيف في عدد الأطفال الذين ماتوا نتيجة المجاعة، لكن ليس هناك رقم دقيق يمكن استخدامه لتحديد عدد الأطفال الذين ماتوا لأسباب تتعلق بالجوع على وجه التحديد، وهذا أحد الأشياء المفقودة في التحليل. ولكننا نرى أن نسبة الأسر التي أبلغت عن ذلك قد تزايدت خلال الأشهر القليلة الماضية.