حذّر ممثل الدولة الفرنسية في
كاليدونيا الجديدة٬ لوي لو فران الجمعة٬ من أن مناطق في الأرخبيل الواقع في المحيط الهادئ أصبحت خارجة عن السيطرة، رغم تأكيده أن الوضع بات أكثر هدوءا بعد أربع ليال من أعمال
شغب قتل خلالها خمسة أشخاص.
وأكد المفوض السامي للجمهورية الفرنسية٬ خلال مؤتمر صحفي، أنه "ستصل تعزيزات للسيطرة على المناطق التي أفلتت من أيدينا في الأيام الأخيرة، والتي لم تعد السيطرة عليها مضمونة"، وخص بالذكر ثلاث مناطق في نوميا الكبرى التي يسكنها السكان الأصليون بشكل رئيسي.
ورأى أن "حالة الطوارئ أتاحت للمرة الأولى منذ الاثنين الماضي، باستعادة وضع أكثر هدوءا وسكينة في نوميا الكبرى".
وقال رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال أمس الخميس؛ إن الوضع يبقى متوترا للغاية، مبديا أسفه لاستمرار أعمال النهب والشغب والحرائق والهجمات٬ ودعا إلى فرض أقسى العقوبات على المرتكبين.
ومن المقرر أن يلتقي رئيس الحكومة الفرنسية الجمعة لجان التنسيق البرلمانية بشأن كاليدونيا الجديدة، من أجل التباحث بشأن الأزمة الراهنة.
وقد واجه استئناف الحوار السياسي الذي يدعو إليه الرئيس إيمانويل
ماكرون عقبة٬ بعد إلغاء حوار عبر الفيديو كان مقررا أن يعقده أمس الخميس مع مسؤولين منتخبين محليا.
وأكد الإليزيه أن الإلغاء مرده لأن الأطراف المختلفة لا ترغب في الحوار بعضها مع بعض حاليا.
حالة الطوارئ في البلاد
وفرضت حالة الطوارئ في الأرخبيل بعد أن وافق المشرعون في باريس على تعديل دستوري، يسمح للوافدين الجدد إلى الإقليم بالتصويت في الانتخابات الإقليمية٬ ليشمل كلّ المولودين في كاليدونيا والمقيمين فيها منذ ما لا يقل عن عشر سنوات.
وبدأت الاشتباكات الأولى بين المتظاهرين وقوات الأمن على هامش مسيرة داعية للاستقلال؛ احتجاجا على التعديل الدستوري الذي تدرسه الجمعية الوطنية في باريس، الذي يهدف إلى توسيع القاعدة الانتخابية بانتخابات الأقاليم.
وأدت الأزمة الحادة التي تشهدها كاليدونيا منذ الاثنين الماضي، إلى أعمال شغب خلفت مقتل أربعة أشخاص بينهم عنصر من الدرك، بينما أكدت السلطات أمس الخميس، مقتل عنصر ثان من الدرك، بإطلاق نار عرضي من أحد زملائه خلال مهمة أمنية.
وقالت السلطات؛ إنه في إطار حالة الطوارئ، فقد تم إيقاف 200 شخص من بين حوالي خمسة آلاف٬ وأعلن لو فران أن أحد الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جريمة قتل سلّم نفسه للسلطات.
ودفعت أعمال الشغب إلى نشر قوات من الجيش في محيط الموانئ والمطار، وإعلان حالة الطوارئ في الأرخبيل الذي احتلته
فرنسا في القرن التاسع عشر.
ووصل ألف عنصر إضافي من قوات الشرطة والدرك الفرنسية إلى كاليدونيا الجديدة ليل الخميس، للانضمام إلى 1700 من عناصر الأمن المنتشرين.
ومن المقرر أن تساهم التعزيزات الجديدة في إعادة الاستقرار إلى مناطق التوتر الثلاث في نوميا الكبرى٬ التي يقطنها سكان أصليون بشكل رئيسي.
ووصف لو فران هذه الأحياء بأنها "مناطق يوجد فيها مئات من مثيري الشغب، الذين لا ينتظرون سوى أمر وحيد، وهو الاحتكاك مع قوات إنفاذ القانون، للإبقاء على مواقعهم وتجاوزاتهم".
ونفذت السلطات سلسلة إجراءات شملت منع التجمعات ونقل الأسلحة وبيع المشروبات الكحولية، وحظر تجول ليلي٬ كما منعت استخدام تطبيق "تيك توك" الذي لجأ إليه المتظاهرون بكثافة.
كما أعلنت القناة التلفزيونية الرسمية في كاليدونيا الجديدة، الجمعة، أنها ستعزز الإجراءات الأمنية لصحفييها، بعد اعتداء مجموعة من نحو 20 شخصا ملثمين على أحد فرقها في أثناء تغطية ميدانية، وقاموا بتحطيم المعدات ودفع المراسلين للمغادرة.
وفي ظل شحّ الإمدادات في المتاجر، تسبب نقص الغذاء في تشكل طوابير طويلة أمام المحال التجارية.
ومن دون ذكر صلة مباشرة بأعمال العنف، اتهم وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان٬ أمس الخميس، أذربيجان بالتدخّل في الأرخبيل، وهو ما نفته باكو بشدة.
ما هي جزر كاليدونيا الجديدة؟
هي واحدة من خمس مناطق جزرية تسيطر عليها فرنسا بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، علما أنها مدرجة منذ 1986 على لائحة الأمم المتحدة للأراضي غير المستقلة التي يجب إزالة الاستعمار عنها.
وتقع كاليدونيا الجديدة في المياه الدافئة جنوب غرب المحيط الهادئ على بعد 1500 كيلومتر شرق أستراليا، ويبلغ عدد سكانها 270 ألف شخص٬ ينقسمون إلى 41 ٪ من السكان الأصليين للإقليم، وينحدرون من شعوب الكاناك الميلانيزيون٬ بالإضافة إلى 24 ٪ من أصل أوروبي معظمهم فرنسيون.
وسمّيت كاليدونيا من قبل المستكشف البريطاني جيمس كوك في عام 1774، وضمتها فرنسا عام 1853 إليها٬ واستخدمتها كمستعمرة عقابية حتى قبل مطلع القرن العشرين.
وبعد الاحتلال الفرنسي في القرن التاسع عشر، أصبحت كاليدونيا الجديدة رسميا إقليما فرنسيا وراء البحار عام 1946، وبدءا من السبعينيات تصاعدت التوترات في الجزيرة مع صراعات مختلفة بين حركات استقلال باريس وشعب الكاناك.
وساعد اتفاق "نوميا" عام 1998 على إنهاء الصراع، من خلال تحديد مسار للحكم الذاتي التدريجي وقصر التصويت على الكاناك والمهاجرين الذين يعيشون في كاليدونيا الجديدة قبل عام 1998، وسمح الاتفاق بإجراء 3 استفتاءات لتحديد مستقبل البلاد، أسفرت جميعها عن رفض الاستقلال.
أهمية كاليدونيا لباريس
وتعد كاليدونيا موقعا استراتيجيا مميزا لفرنسا التي تسعى إلى تعزيز نفوذها في آسيا، حيث تقع في قلب منطقة بحرية معقدة جيوسياسيا، كما تعد بوابة لبسط النفوذ في مجالي الأمن والتجارة الدوليين.
بالإضافة إلى أن كاليدونيا ثالث أكبر منتج للنيكل في العالم؛ المعدن الضروري لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية٬ حيث تحتوي على حوالي 25% من النيكل العالمي.
كما تحصل على دعم مالي كبير من باريس، يساوي أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى السياحة التي تعد إحدى مفاتيح الاقتصاد.