كشفت صحيفة
إندبندنت، عن وثائق مسربة وشهادات
لمسؤولين حاليين وسابقين في الولايات المتحدة، تكشف كيف سمحت إدارة الرئيس
الأمريكي جو
بايدن، بحدوث مجاعة في شمال قطاع
غزة، وخلق كارثة كان من الممكن منعها
بصورة كاملة.
وأفادت الصحيفة في تقريرها، الذي ترجمته
"عربي 21"، أن جو بايدن وإدارته اتهموا بالتواطؤ في تمكين حدوث مجاعة
في غزة، من خلال الفشل في التصرف بشكل كاف بناء على التحذيرات المتكررة من
خبرائهم ووكالات الإغاثة.
وقالت؛ إن المقابلات مع مسؤولين حاليين وسابقين
في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ووزارة الخارجية ووكالات المعونة العاملة
في غزة، ووثائق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الداخلية، تكشف أن الإدارة رفضت
أو تجاهلت المناشدات لاستخدام نفوذها لإقناع حليفتها إسرائيل – المتلقية لمليارات
الدولارات من الدعم العسكري الأمريكي –، للسماح بدخول مساعدات إنسانية كافية إلى
غزة لوقف المجاعة.
ونقلت الصحيفة عن المسؤولين السابقين قولهم؛ إن
الولايات المتحدة قدمت أيضا غطاء دبلوماسيا لإسرائيل، لتهيئة الظروف للمجاعة من
خلال عرقلة الجهود الدولية، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار أو تخفيف الأزمة، مما
يجعل تسليم المساعدات شبه مستحيل.
وقال جوش بول، المسؤول السابق في وزارة
الخارجية، الذي استقال بسبب دعم الولايات المتحدة للحرب، لصحيفة الإندبندنت:
"هذا لا يعني مجرد غض الطرف عن المجاعة التي يسببها الإنسان لشعب بأكمله، بل
هو تواطؤ مباشر".
وحتى بداية نيسان/ أبريل، استشهد ما لا يقل عن
32 شخصا، منهم 28 طفلا، بسبب سوء التغذية والجفاف في غزة، وفقا لمنظمة هيومن
رايتس ووتش. وكان من الممكن منع وفاة هؤلاء الأطفال، ومن المحتمل أن يموت كثيرون
آخرون في المستقبل، لو كان رد فعل الرئيس بايدن أكثر قوة على المخاوف المشتركة
علنا وبشكل خاص.
ونقلت الصحيفة عن المسؤولين قولهم؛ إنه منذ ظهور
أولى علامات التحذير في كانون الأول/ ديسمبر، كان من الممكن أن يؤدي الضغط
الأمريكي المكثف على إسرائيل، لفتح المزيد من المعابر البرية وإغراق غزة
بالمساعدات إلى وقف تفاقم الأزمة، لكن بايدن رفض جعل المساعدات العسكرية
الأمريكية لإسرائيل مشروطة.
وأوضحت الصحيفة، أنه بدلا من ذلك، اتبعت حكومة
بايدن حلول مساعدات جديدة وغير فعالة؛ مثل الإنزال الجوي والرصيف العائم. والآن،
يعاني نحو 300 ألف شخص في شمال غزة من مجاعة "شاملة"، وفقا لبرنامج
الأغذية العالمي، ويعاني سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من مستويات كارثية
من الجوع.
وقالت الصحيفة؛ إن مستوى المعارضة داخل الوكالة
الحكومية الأمريكية المسؤولة عن إدارة المساعدات الخارجية المدنية ومكافحة الجوع
العالمي، لم يسبق له مثيل.
وأضافت الصحيفة أنه تم إرسال ما لا يقل عن 19
مذكرة معارضة داخلية منذ بداية الحرب من قبل العاملين في الوكالة الأمريكية
للتنمية الدولية، تنتقد الدعم الأمريكي للحرب في غزة.
وفي مذكرة معارضة جماعية داخلية صاغها هذا
الشهر العديد من موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، هاجم الموظفون الوكالة
وإدارة بايدن؛ بسبب "فشلها في دعم المبادئ الإنسانية الدولية، والالتزام
بتفويضها لإنقاذ الأرواح".
وتدعو مسودة المذكرة المسربة، التي اطلعت عليها
صحيفة الإندبندنت، الإدارة إلى ممارسة الضغط من أجل "إنهاء الحصار
الإسرائيلي الذي يسبب المجاعة".
وكان عدم التصرف بناء على تحذيرات متكررة مثل
هذه خيارا سياسيا.
ونقلت الصحيفة عن جيريمي كونينديك، وهو مسؤول
سابق رفيع المستوى في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في عهد باراك أوباما وجو
بايدن، الذي عمل على منع المجاعة في اليمن وجنوب السودان، قوله؛ إن
"الولايات المتحدة قدمت الدعم العسكري والدبلوماسي الذي مكن من ظهور المجاعة
في غزة".
ووفق الصحيفة، يسرد هذا التحقيق فشل إدارة
بايدن المتكرر في التصرف بقوة، ردا على أشهر من التحذيرات من مجاعة تلوح في الأفق.
وتستمر تلك الإخفاقات حتى يومنا هذا.
الأطفال هم الأكثر عرضة للخطر
وأفادت الصحيفة أن المجاعة تأخذ الأصغر أولا.
وفي غزة اليوم، لا تستطيع العديد من الأمهات إنتاج الحليب اللازم لإطعام أطفالهن؛ لأنه ليس لديهن ما يكفي من الطعام ليأكلنه بأنفسهن. ويلجأ الناس الذين هم في أمس
الحاجة إلى أي لقمة عيش، إلى تناول علف الحيوانات وغلي العشب. وتعيش العديد من
العائلات على وجبة واحدة في اليوم.
ووصف آرفيند داس، قائد فريق أزمة غزة في لجنة
الإنقاذ الدولية الذي أمضى أشهرا في غزة، رؤيته لأطفال يعانون من سوء التغذية
الحاد مع مرور الأشهر.
وقال: "لقد أصبح من المعتاد الآن رؤية
الأطفال والنساء الذين يعانون من نحافة الشديدة، بلا لحم حرفيا".
وأضاف داس، وهو عامل إنساني مخضرم عمل في سوريا
والسودان وجنوب السودان: "لقد رأيت أطفالا يجلسون في الممرات، حديثي الولادة
ورضعا بلا طعام، ولا مياه صالحة للشرب، ولا شيء. أنا لم أشهد هذا النوع من سوء
التغذية الحاد!".
ونقلت الصحيفة عن طبيب طوارئ من المملكة
المتحدة يعمل في مستشفى غزة بالقرب من خان يونس قوله؛ "إن الأطفال على وجه
الخصوص يعانون بشكل كبير".
وقال الطبيب: "لدينا هنا أطفال تتراوح
أعمارهم بين 10 و12 سنة، ووزنهم يعادل وزن أطفال تتراوح أعمارهم بين أربع أو خمس
سنوات. هناك سوء تغذية مزمن وسوء تغذية لدى معظم الأطفال، إن لم يكن جميعهم، ومن
المحزن للغاية أن نرى ما يحدث لهم".
وأشارت الصحيفة إلى أنه تم التنبؤ بهذه المجاعة
القاتلة في الأيام الأولى من العدوان؛ حيث بدأ
الاحتلال بحصار خانق أعلنه وزير
الدفاع يوآف غالانت.
وذكرت الصحيفة التصريحات الذي أدلى بها في تشرين الأول/ أكتوبر: "نحن نفرض حصارا
كاملا. لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود كل شيء مغلق. إننا نحارب الحيوانات
البشرية، وعلينا أن نتصرف وفقا لذلك"، هذه الكلمات ستتبعها أفعال.
وأضافت الصحيفة أن إسرائيل شنت قصفها الأعنف
على الإطلاق وفرضت حصارا خانقا على غزة ومنذ ذلك الحين يقول مسؤولون فلسطينيون؛ إن الهجوم أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 35 ألف شخص، معظمهم من النساء
والأطفال.
ومنذ تلك الأيام الأولى فصاعدا، فرض الاحتلال قيودا
مشددة على إيصال المساعدات إلى القطاع. وقال مسؤولون في الأمم المتحدة ووكالات
إغاثة لصحيفة "إندبندنت"؛ إن عمليات التفتيش الشاملة للشاحنات، والقيود
المنهجية على عمليات التسليم، والرفض التعسفي لدخول المواد "ذات الاستخدام
المزدوج"؛ مثل الشاحنات والإمدادات التي تقول إسرائيل إن حماس قد تستخدمها في
الحرب، أدت إلى تفاقم أزمة الجوع في غزة.
وكشفت مقابلات مع أكثر من عشرة من مسؤولي الأمم
المتحدة وعمال الإغاثة والدبلوماسيين الذين يقومون بتنسيق المساعدات، أن هناك أيضا
قيودا على توصيل المساعدات داخل غزة، مما يزيد الضغط على شمال القطاع المحاصر.
وقد ساهم القتال العنيف وانعدام الأمن العام في جميع أنحاء القطاع في زيادة تباطؤ
عمليات تسليم المساعدات. وفي مناسبات عديدة، تدفق الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة
إلى الغذاء على شاحنات المساعدات عند وصولهم إلى المنطقة المتضررة.
وأوضحت الصحيفة أن نحو ثلثي سكان غزة كانوا
يعتمدون على المساعدات الغذائية قبل الحرب، وكانت تدخل أكثر من 500 شاحنة إلى
القطاع يوميا، بما في ذلك الوقود. وفي الفترة ما بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر
ونهاية شباط/ فبراير، انخفض متوسط عدد الشاحنات الداخلة إلى 90 شاحنة فقط في
اليوم، أي بانخفاض قدره 82 بالمائة، في وقت جعلت فيه الحرب الحاجة إلى المساعدات
أكبر بكثير.
وتم تدمير البنية التحتية الحيوية اللازمة
لإنتاج الغذاء بسبب القصف. وفي 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، تم قصف آخر مطحنة قمح
متبقية في غزة وتوقفت عن العمل، وهذا يعني عدم وجود المزيد من الدقيق والخبز،
باستثناء أي شيء يمكن للمنظمات الخارجية جلبه.
كما أن القصف المكثف على قطاع غزة، جعل من
المستحيل تقريبا إيصال المساعدات بشكل آمن على أي حال. وقد استشهد ما لا يقل عن
254 من عمال الإغاثة طوال النزاع، بما في ذلك 188 من موظفي الأمم المتحدة – وهو
ما يمثل أكبر عدد من موظفي الأمم المتحدة الذين قتلوا في صراع في تاريخ المنظمة.
وتعرضت قوافل مساعدات متعددة للنيران الإسرائيلية. وقالت الأونروا، وكالة اللاجئين
الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة؛ إنه على الرغم من مشاركة إحداثيات نظام تحديد
المواقع العالمي، وعدد الشاحنات والاتصالات مع الجيش، فقد تعرضت ثلاث من قوافل
المساعدات التابعة لها للقصف بالمدفعية البحرية الإسرائيلية ونيران الأسلحة.
بداية التحذيرات
وأفادت الصحيفة أنه سرعان ما وصلت الخسائر
الناجمة عن القصف لغزة إلى الآلاف، لكن خطر المجاعة تبعه مباشرة.
وتابعت الصحيفة أنه بحلول كانون الأول/ ديسمبر،
توصلت المؤسستان الدوليتان اللتان تستخدمهما الحكومات في جميع أنحاء العالم
لتحديد متى تحدث المجاعة ــ التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي وشبكة أنظمة
الإنذار المبكر بالمجاعة ــ إلى نفس النتيجة: وكانت المجاعة وشيكة، وهددت أكثر من
مليون شخص.
ونقلت الصحيفة عن كونينديك، الذي ترأس مكتب
المساعدة الخارجية في حالات الكوارث، التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية
لمدة ثلاث سنوات، قوله؛ إن تلك التحذيرات كان ينبغي أن تجبر البيت الأبيض على
التحرك بشكل عاجل. وقال؛ إنه لو كانت الظروف نفسها تظهر في معظم البلدان الأخرى في
العالم، لكانت قد ظهرت، لكن الولايات المتحدة رفضت بعناد القيام بأي شيء من شأنه
أن يعيق العدوان.
وأضاف كونينديك: "عندما تبدأ التحذيرات في
الإشارة إلى هذا الخطر، يجب أن يكون هناك رد فعل قوي، سواء على جبهة مساعدات
الإغاثة أو على الجبهة الدبلوماسية. لم يظهر أي شيء في استجابة إدارة بايدن
لتوقعات المجاعة في كانون الأول/ ديسمبر هذا النوع من المحور الصعب نحو منع
المجاعة".
وما تلا ذلك كان نمطا من الدفاع، والانحراف،
والإنكار الصريح من جانب البيت الأبيض.
وتحت استجواب صحيفة "إندبندنت"، سلط
المتحدثون باسم إدارة بايدن الضوء بشكل روتيني على طلبات بايدن المتكررة للحكومة
الإسرائيلية لفتح المزيد من المعابر أمام المساعدات، وأشاروا إلى الزيادات
المؤقتة في شاحنات المساعدات التي تدخل غزة كدليل على ما وصفوه بفعاليته.
ولفتت الصحيفة إلى أن ما لم يقله مساعدو بايدن، هو حقيقة أن تلك التدفقات التدريجية للمساعدات لم تكن على مستوى حجم الأزمة؛ حيث
استمر الجوع في الانتشار، وما زال البيت الأبيض يرفض استخدام نفوذه من خلال
التهديد بفرض شروط على المساعدات العسكرية.
وقال كونينديك: "وراء الكواليس، انطباعي
هو أن إدارة بايدن كانت تضغط على إسرائيل لاستئناف فتح المعابر أمام المساعدات.
لكن كان هذا الموقف الذي ينطوي على احترام واسع النطاق للطريقة التي اختارت بها
إسرائيل خوض الحرب، مع الاستمرار في تزويدها بالأسلحة، وعدم وضع أي شروط حقيقية
على ذلك".
ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض قوله: "منذ بداية هذا الصراع، يقود الرئيس بايدن الجهود
المبذولة لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة، للتخفيف من معاناة الفلسطينيين
الأبرياء الذين لا علاقة لهم بحماس".
وتابع المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت
الأبيض: "قبل مشاركة الرئيس، لم يكن هناك طعام أو ماء أو دواء يدخل إلى غزة.
والولايات المتحدة هي أكبر مقدم للمساعدات للاستجابة لغزة. وتعدّ هذه أولوية
قصوى وستظل لمعالجة الظروف الصعبة على الأرض، حيث إن هناك حاجة إلى المزيد من
المساعدات".
وبينت الصحيفة أن الموظفين المدنيين ذوي الخبرة
الواسعة داخل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية شعروا بالرعب بسبب عدم إلحاح
قادتهم المعينين سياسيا.
وأظهرت وثائق الوكالة الأمريكية للتنمية
الدولية التي اطلعت عليها صحيفة الإندبندنت، أن الموظفين كانوا ينقلون مخاوفهم
بشأن عدم اتخاذ إجراءات إلى مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا
باور وغيرها من كبار القادة، في شكل رسائل ومذكرات معارضة داخلية، دون جدوى في
كثير من الأحيان.
وبحسب الصحيفة، قال أحد موظفي الوكالة
الأمريكية للتنمية الدولية، الذي طلب عدم الكشف عن هويته؛ لأنه لا يزال يعمل لدى
الوكالة: "ما كان مفاجئا بالنسبة لي، ومخيبا للآمال للغاية، هو حقيقة أننا لم
نسمع شيئا عن مجاعة وشيكة في غزة".
وقالت الصحيفة؛ إن مذكرات المعارضة -وهي نوع من
الاحتجاج الداخلي المسموح به من خلال قناة مخصصة لتقديم تعليقات انتقادية حول
السياسة-، نادرة نسبيا في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مقارنة بوزارة
الخارجية. ومع ذلك، قال موظف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؛ إنهم على علم بما
لا يقل عن 19 مذكرة تم إرسالها؛ اعتراضا على عدم اتخاذ الوكالة – والحكومة – أي
إجراء بشأن المجاعة التي تلوح في الأفق.
ووصف كونينديك ذلك بأنه "رقم
استثنائي"، وأشار إلى أنه لا يتذكر أنه واجه مذكرة معارضة واحدة في الوكالة
الأمريكية للتنمية الدولية، خلال أكثر من خمس سنوات قضاها هناك في عهد أوباما
وبايدن.
وقال متحدث باسم الوكالة الأمريكية للتنمية
الدولية لصحيفة الإندبندنت؛ إن قيادة الوكالة "تجتمع في كثير من الأحيان مع
الموظفين في جميع أنحاء المنطقة، وفي واشنطن الذين يشعرون بعمق تجاه هذا
الصراع". وهذا يشمل لقاءات عامة مع موظفي البعثة في المنطقة، ومحادثات
وحوارات منتظمة مع مجموعات موارد الموظفين لدينا، واجتماعات الاستجابة المستمرة.
وأضافوا؛ "إن خبرة موظفينا، الذين يتمتع
العديد منهم بتجارب واتصالات عميقة بالمنطقة والمجتمعات المتضررة من هذا الصراع، تشكل موقفنا كوكالة".
وبحلول منتصف كانون الثاني/ يناير، كانت وكالات
الإغاثة على الأرض في غزة تصدر نداءات يائسة لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، حتى
يتسنى توصيل الإمدادات الغذائية. وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون
الإنسانية، أن 378 ألف شخص في غزة يواجهون مستويات كارثية من الجوع، وأن جميع سكان
غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد.
ونقلت الصحيفة تصريحات مايكل رايان، مدير
الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، أدلى بها في مؤتمر صحفي عقد في 31 كانون
الثاني/ يناير، حيث قال؛ "إن هؤلاء السكان يتضورون جوعا حتى الموت، إنهم يدفعون
إلى حافة الهاوية".
وأشارت الصحيفة إلى أنه في اليوم نفسه الذي وصف
فيه رايان التوقعات القاتمة لغزة، دافع جون كيربي، مستشار اتصالات الأمن القومي
بالبيت الأبيض، عن قرار إدارة بايدن بتعليق المساعدات للأونروا. ونفى كيربي أن
يكون لقطع المساعدات عن كيان الأمم المتحدة الذي له أكبر بصمة في غزة تأثير ضار
على الوضع الإنساني هناك، وادعى بدلا من ذلك أن الولايات المتحدة "تعمل بجد
لتوصيل المزيد من المساعدات الإنسانية إلى الناس في غزة”.
وحتى في هذه المرحلة، كان البيت الأبيض يركز
على إعطاء الاحتلال كل ما يحتاجه للفوز في عدوانه على غزة.
الأونروا تفقد القدرة على العمل
وأوضحت الصحيفة أن الجوع انتشر بسرعة خلال
الشهر التالي مع استمرار الحرب. وفي 27 شباط/ فبراير، أخبر ثلاثة من كبار
المسؤولين في الأمم المتحدة مجلس الأمن، أن ما لا يقل عن 576,000 شخص أصبحوا الآن
"على بعد خطوة واحدة من المجاعة".
ووفق الصحيفة، قال راميش راجاسينجهام، مدير
مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، للغرفة: "للأسف، على
الرغم من قتامة الصورة التي نراها اليوم، هناك احتمال لمزيد من التدهور".
وأضافت الصحيفة أنه في واحدة من أكثر المجازر
فتكا في الصراع، استشهد العشرات من الفلسطينيين الذين كانوا يحاولون الوصول إلى
الإمدادات، بعد أن أطلقت قوات الاحتلال النار على حشد من الناس.
وأفادت الصحيفة أنه قبل الحرب، كانت الأونروا،
وهي أكبر وكالة تابعة للأمم المتحدة تعمل في غزة، تقوم بتوفير وتوزيع الضروريات
الأساسية للناس للبقاء على قيد الحياة في المنطقة المحاصرة، مثل الغذاء والدواء
والوقود، وكانت الولايات المتحدة أكبر جهة مانحة للأونروا على الإطلاق، إذ ساهمت
بما يقرب من نصف الميزانية التشغيلية السنوية للوكالة.
لكن الولايات المتحدة علقت هذا التمويل في
أعقاب مزاعم إسرائيلية بأن حوالي 12 موظفا في الأونروا مشاركون في هجوم 7 تشرين
الأول/أكتوبر، وأن حوالي 10 بالمئة من موظفيها لديهم علاقات مع المقاتلين. (وجدت
مراجعة مستقلة أجرتها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا في وقت لاحق، أن إسرائيل لم تقدم بعد أي دليل داعم لهذه الادعاءات).
وبحلول نهاية شباط/فبراير، قالت الأونروا؛ إن
إسرائيل منعتها فعليا من دخول شمال غزة.
وقالت المنظمة؛ إن ما لا يقل عن 188 من موظفيها استشهدوا
منذ بداية الحرب، وأصيب أكثر من 150 من منشآتها - من بينها العديد من المدارس -، واستشهد
أكثر من 400 شخص في "أثناء البحث عن مأوى تحت علم الأمم المتحدة". .
أوضحت الصحيفة أن عمليات القتل كان لها تأثير
شديد على قدرة منظمات الإغاثة على توصيل الإمدادات التي تشتد الحاجة إليها،
واستمرت الظروف الأمنية لعمال الإغاثة في التدهور، وفي أعقاب الهجوم على مركز
توزيع المواد الغذائية في رفح في آذار/مارس، اتهم رئيس الأونروا فيليب لازاريني
إسرائيل بـ "التجاهل الصارخ" للقانون الإنساني الدولي.
وقال؛ إن "هجوم اليوم على أحد مراكز التوزيع
القليلة المتبقية للأونروا في قطاع غزة، يأتي مع نفاد الإمدادات الغذائية وانتشار
الجوع، وفي بعض المناطق يتحول إلى مجاعة"، مضيفا أن إحداثيات المنشأة تم
مشاركتها مع الجيش الإسرائيلي.
وكثيرا ما تحدث لازاريني علنا ضد منع الاحتلال
قوافل المساعدات الإنسانية.
وقال في آذار/مارس: "لقد قلت ذلك مرات
عديدة: هذا جوع من صنع الإنسان، ومجاعة تلوح في الأفق ولا يزال من الممكن
تجنبها".
حل بسيط
وأوضحت الصحيفة أنه بالنسبة للعاملين في المجال
الإنساني على الأرض، كان حل المشكلة بسيطا: وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد
لزيادة كمية المساعدات اللازمة لمنع المجاعة، وباستثناء ذلك، على أقل تقدير،
ستحتاج إسرائيل إلى فتح المزيد من المعابر البرية في غزة والسماح بدخول المزيد من
شاحنات المساعدات.
لكن المحاولات المتعاقبة للتوسط في وقف إطلاق
النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تم إحباطها من الولايات المتحدة
نيابة عن حليفتها.
وفي شرح مبرر الفيتو الثالث في 20 شباط/فبراير،
قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد؛ إن الوقف
الفوري لإطلاق النار، من شأنه أن يعرض للخطر المحادثات المتعددة الأطراف للتوسط في
وقف الحرب، وإطلاق سراح الأسرى الذين تحتجزهم حماس.
وفي ظل غياب وقف إطلاق نار واسع النطاق، دعت
الجماعات الإنسانية إدارة بايدن إلى استخدام نفوذها للضغط على إسرائيل للسماح على
الفور بتدفق المساعدات إلى غزة، التي ستكون ضرورية لوقف المجاعة.
وأكدت الصحيفة أن الولايات المتحدة فقط،
باعتبارها الداعم الرئيسي لحرب الاحتلال والمتبرع لدفاعها بما يصل إلى 4 مليارات
دولار سنويا، هي التي كانت لديها القدرة على إقناع إسرائيل بالقيام بذلك، لكن
بايدن رفض بعناد مجرد التفكير في جعل المساعدات مشروطة، مذكرا بإيمانه الراسخ
بأهمية دعم الدولة اليهودية الوحيدة في العالم.
وقال جان إيجلاند، الأمين العام للمجلس
النرويجي للاجئين، وهي منظمة إنسانية تضم العشرات من عمال الإغاثة العاملين في
غزة؛ إنه كتب إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن في تشرين الأول/أكتوبر، وحثّه على
إنشاء بعثة مراقبة دولية على حدود غزة لتسهيل إيصال المساعدات، بدلا من تركها في
أيدي إسرائيل في أثناء خوضها حربا، ولكن نداءاته لم تلق آذانا مصغية.
ونقلت الصحيفة عنه، أن "العجز الدبلوماسي
كان مذهلا، ها هم الرؤساء ورؤساء وزراء يسافرون إلى إسرائيل لتسول المناشدة،
والجواب هو: لا. وبعد ذلك يواصلون تقديم الأسلحة والدعم، من هي القوى العظمى
هنا؟!".
وقال إيجلاند؛ إنه كان على الولايات المتحدة أن
تعرف ما سيحدث لغزة، عندما هدد القادة الإسرائيليون بالدمار الشامل في الأيام
الأولى بعد هجوم حماس.
وأضاف أنهم علموا بالأمر، لكنهم لم يضعوا شروطا
على دعمهم، وقد كان هذا خطأ كبيرا للغاية، وبالطبع جاء ذلك بنتائج عكسية مذهلة
الآن.
وقال بول؛ إن هناك "معايير مزدوجة في إدارة بايدن عندما
يتعلق الأمر بإسرائيل، في كل شيء؛ من الأسلحة إلى احترام القانون
الإنساني الدولي".
وأضاف، أن الإدارة لديها مجموعة من الأدوات تحت
تصرفها للضغط على إسرائيل لوقف القيود على المساعدات.
وأكد أنه كان بإمكان الإدارة القيام بذلك من خلال
تطبيق المادة 620I
من قانون المساعدة الخارجية، التي تحظر تقديم المساعدة إلى البلدان التي تقيد
المساعدات الإنسانية التي تمولها الولايات المتحدة؛ وكان من الممكن أن تفعل ذلك
من خلال حجب شحنات الأسلحة؛ وكان بإمكانها القيام بذلك من خلال دعم قرارات الأمم
المتحدة، التي تدعو إسرائيل إلى التوقف عن تقييد المساعدات الإنسانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن السيد كونينديك، الذي
يشغل الآن منصب رئيس منظمة اللاجئين الدولية، وجه دعوة عامة في مقال رأي في مجلة
الشؤون الخارجية في شباط/فبراير إلى بايدن، "للتحرك الآن لجعل منع المجاعة
أولوية قصوى، والاستعداد لنشر نفوذ أمريكي ذي معنى - بما في ذلك وقف مبيعات
الأسلحة مؤقتا - إذا لم تمتثل الحكومة الإسرائيلية".
وفي حديثه مع الصحيفة بعد شهر واحد من نشر
مقاله، قال؛ إن المجاعة كانت على الأرجح حتمية دون اتخاذ إجراء سريع من جانب
بايدن.
وأفادت الصحيفة، أن الموظفين داخل الوكالة
الأمريكية للتنمية الدولية أيضا، كانوا غاضبين من تأكيدات إدارة بايدن المتكررة
بأنها تفعل كل ما في وسعها لدفع إسرائيل للسماح بالمزيد من المساعدات؛ حيث انخفضت
كمية المساعدات التي وصلت إلى سكان غزة بمقدار النصف في شهر شباط/فبراير مقارنة
بالشهر السابق.
وفي 3 آذار/مارس، أدلت نائبة الرئيس كامالا
هاريس بما كان في ذلك الوقت أجرأ إعلان عن أهمية المساعدات الإنسانية لغزة، وفي
تصريحات بمناسبة ذكرى احتجاجات الحقوق المدنية في مدينة سيلما بولاية ألاباما،
قالت السيدة هاريس؛ إن على الحكومة الإسرائيلية "بذل المزيد من الجهد لزيادة
تدفق المساعدات بشكل كبير"، وحذرت من أنه لا يوجد "أعذار" لعدم
القيام بذلك.
ونقلت الصحيفة عن كيربي، المتحدث باسم البيت
الأبيض، بعد أيام في مؤتمر صحفي يومي، إنه "من غير المقبول، ومن غير الصحيح
لأي غرض من الأغراض" أن تقوم إسرائيل بتقييد إيصال المساعدات إلى غزة.
لكن السيد كيربي رفض أيضا بشكل قاطع فكرة أن
بايدن يجب أن يستخدم نفوذ تقييد شحنات الأسلحة، لإجبار الحكومة الإسرائيلية على
السماح بتدفق المساعدات.
ووصف موظف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية
إصرار الإدارة على بذل كل ما في وسعها لوقف انتشار الجوع، بأنه "مخادع
للغاية".
وأشار إلى أنه لا يعتقد أن نفوذ رئيس الولايات
المتحدة -الحليف الأكثر أهمية لإسرائيل والمتبرع لها-، ضئيل للغاية؛ لدرجة أنه لا
يستطيع إجبارهم على اتخاذ خطوات ذات معنى للسماح حقا بدخول مقدار المساعدة
الضرورية لإنقاذ الأرواح
وأضاف، أنه يبدو أنه لم يكن هناك جهد حقيقي
للضغط على إسرائيل فيما يتعلق بضمان وصول أكبر للمساعدات الإنسانية
وأوضحت الصحيفة أنه بعد فشلها في إقناع حليفتها
بالسماح بدخول المزيد من المساعدات عبر المعابر البرية، اتخذت الولايات المتحدة
خطوة غير معتادة بإطلاق عمليات إسقاط المساعدات جوّا على غزة.
ووصف كونينديك، الذي أشرف على عمليات إنزال جوي
مماثلة للمساعدات الإنسانية إلى نيبال والفلبين والعراق، الخطة بأنها "فشل
سياسي كبير" من جانب إدارة بايدن.
موضحا أن عمليات الإنزال الجوي هي
"الطريقة الأكثر تكلفة والأقل فعالية لتوصيل المساعدات، وأنهم لم يفعلوا ذلك
أبدا تقريبا؛ لأنها أداة تستخدم في الحالات القصوى.
وأضاف، أنه عندما يتعين على حكومة الولايات
المتحدة استخدام التكتيكات التي استخدمتها للتحايل على السوفييت في برلين، والتحايل
على تنظيم الدولة في سوريا والعراق، فإن ذلك ينبغي أن يثير بعض الأسئلة الصعبة حقّا
حول حالة السياسة الأمريكية.
بايدن يتخذ الإجراء أخيرا
وذكرت الصحيفة أنه في 2 نيسان/إبريل، برز الخطر
الذي يواجهه أولئك الذين يحاولون إيصال الغذاء إلى سكان غزة اليائسين مرة أخرى؛
حيث قتلت مجموعة من عمال الإغاثة الدوليين، العاملين في المطبخ المركزي العالمي في
ثلاث غارات متتالية لطائرات مسيرة إسرائيلية في غزة.
وقالت منظمة المساعدات الإنسانية غير الربحية
التي أسسها الشيف الشهير خوسيه أندريس؛ إن أعضاءها كانوا يسافرون في سيارات تحمل
شعار المؤسسة الخيرية عندما تعرضوا للقصف، على الرغم من تنسيق تحركاتهم مع جيش
الاحتلال.
وفي مقال رأي بعنوان "دع الناس
يأكلون" نشر في صحيفة نيويورك تايمز في الأيام التي تلت عمليات القتل، قال
السيد أندريس؛ إن الغارة كانت "النتيجة المباشرة لسياسة أدت إلى تقليص
المساعدات الإنسانية إلى مستويات يائسة"، واتهم إسرائيل بـ "منع الغذاء
والدواء عن المدنيين".
وكان رد فعل البيت الأبيض مختلفا هذه المرة،
فالسيد أندريس هو صديق لبايدن، وشخصية شعبية في واشنطن العاصمة، وللمرة الأولى في
الصراع، أثار الرئيس احتمال قيام الولايات المتحدة بحجب دعمها إذا لم تتخذ
إسرائيل إجراءات معينة على الفور.
وفي مكالمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو بعد يومين من عمليات الغارة التي تم شنها على قافلة المطبخ المركزي
العالمي، أوضح بايدن "حاجة إسرائيل إلى إعلان وتنفيذ سلسلة من الخطوات
المحددة والملموسة، والقابلة للقياس لمعالجة الأضرار التي تلحق بالمدنيين والمعاناة
الإنسانية وسلامةعمال الإغاثة”، وفقا لبيان البيت الأبيض للمكالمة.
وردّت الحكومة الإسرائيلية على الفور بالموافقة
على فتح ثلاثة ممرات للمساعدات الإنسانية إلى غزة، بما في ذلك معبر إيريز في شمال
غزة، الذي كان مغلقا منذ بداية الصراع.
ومع ذلك، أصبحت نداءات منظمات الإغاثة أكثر
إثارة للقلق من أي وقت مضى، واتهم تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، نشر في 9
نيسان/أبريل، إسرائيل "باستمرار ارتكاب جرائم الحرب المتمثلة في العقاب
الجماعي، والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، واستخدام
تجويع المدنيين كسلاح
في الحرب".
وفي الوقت نفسه، أصبح مسؤولو الوكالة الأمريكية
للتنمية الدولية أكثر قوة في دق ناقوس الخطر داخليا.
وجاء في برقية صاغها مسؤولون في الوكالة، وتم
تسريبها إلى هافينغتون بوست في أوائل نيسان/أبريل، أن "عتبة دعم تحديد
المجاعة قد تم تجاوزها بالفعل"، وأن مستوى الجوع وسوء التغذية في غزة
"غير مسبوق في التاريخ الحديث".
وأضافت الصحيفة، أن مذكرة منفصلة كتبها مسؤولون
في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لبلينكن، وتم تسريبها إلى ديفيكس، وجدت أن
إسرائيل ربما تنتهك توجيهات البيت الأبيض التي تتطلب من المستفيدين من المساعدة
العسكرية الأمريكية، السماح بإيصال الدعم الإنساني الممول من الولايات المتحدة دون
عوائق.
وهناك مذكرة أخرى تم تسريبها إلى ديفيكس من قبل
خبراء الأمن الغذائي، بعنوان "المجاعة حتمية، والتغييرات يمكن أن تقلل
الوفيات بين المدنيين على نطاق واسع، ولكنها لن توقفها"، وقالت؛ إن
"التحديات الإدارية التي تفرضها إسرائيل تمنع إيصال المساعدات الإنسانية
المنقذة للحياة".
ويبدو أن ضغط بايدن على نتنياهو كان له تأثير
فوري، فقد تمكنت المزيد من الشاحنات المحملة بالأغذية والإمدادات من الدخول إلى
غزة في أواخر نيسان/أبريل، وفتحت إسرائيل أخيرا معبر إيريز في الأول من
أيار/مايو، مما أدى إلى دخول أكثر من 200 شاحنة يوميا لعدة أسابيع.
بالنسبة للبعض، كان ذلك علامة على التقدم، لكن
بالنسبة للآخرين، فقد أظهر ذلك أن بايدن لديه القدرة على التأثير بشكل مباشر على
تصرفات إسرائيل كلما اختار استخدام نفوذه.
ولكن كما حدث عدة مرات طوال فترة الصراع، فإن
الضغط والتقدم لم يدم طويلا.
المجاعة لم تكن حتمية
أكدت الصحيفة، أن الأمم المتحدة كررت تحذيرها، بأنه بحلول الوقت الذي يتم فيه الإعلان الرسمي عن المجاعة، سيكون الأوان قد فات
لمنع وفاة الآلاف، ويتطلب الإعلان مجموعة دقيقة للغاية من البيانات التي لا يمكن
الحصول عليها، بينما يظل شمال غزة معزولا بسبب القتال.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، إلا أن سيندي ماكين،
المديرة الأمريكية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، أصبحت أبرز
مسؤول دولي حتى الآن يعلن عن المجاعة في شمال غزة نهاية الأسبوع الماضي.
وقالت ماكين، أرملة صديق بايدن المقرب،
السيناتور السابق جون ماكين، لبرنامج "ميت ذا برس" على شبكة "إن
بي سي" في مقابلة تم بثها في 5 أيار/مايو؛ "إنه أمر مرعب، هناك مجاعة؛
مجاعة كاملة؛ في الشمال، وهي تتجه نحو الجنوب"
وبالنسبة للمجموعات الإنسانية العاملة على
الأرض، لم تكن هذه نتيجة حتمية.
وبحسب لويز ووتردج، مسؤولة الاتصالات في
الأونروا، في مقابلة هاتفية من غزة الأسبوع الماضي؛ فإن هذه مجاعة من صنع الإنسان
يمكن الوقاية منها بالكامل، وتحدث بسبب نقص المساعدات الإنسانية، والقيود المفروضة
على وصول المساعدات الإنسانية على مدى سبعة أشهر
ووفقا لأرقام الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف
سكان غزة – حوالي 1.1 مليون شخص – يواجهون انعدام الأمن الغذائي الكارثي، ويمثل
هذا أعلى نسبة من السكان تم تسجيلها على الإطلاق على مستوى العالم، ويعاني واحد
من كل ثلاثة أطفال دون سن الثانية من سوء التغذية الحاد.
الأمر على وشك أن يصبح أسوأ.
وبينت الصحيفة أن إسرائيل أعلنت منذ بضعة أشهر
عن نيتها غزو مدينة رفح الجنوبية، آخر مخيم للاجئين في غزة، الذي يؤوي أكثر من
مليون شخص نزحوا من أماكن أخرى عبر المنطقة المدمرة، ومن بين هذا العدد هناك
حوالي 600 ألف طفل مكدسين في الخيام والمباني المزدحمة وأفنية المستشفيات، وليس
لديهم سوى القليل من القماش المشمع للاختباء تحته، والمدينة هي المركز الرئيسي
لوكالات الإغاثة العاملة في غزة، ووفقا للاحتلال، فهي آخر معقل متبقّ لحماس، وكان
البيت الأبيض قد أعرب في السابق عن معارضته العلنية لعملية واسعة النطاق في رفح؛ نظرا للكارثة الإنسانية التي ستسببها حتما.
لكن بعد أيام قليلة من المقابلة التي أجرتها
ماكين، أصدرت إسرائيل أمرا بإجلاء 100 ألف شخص في المدينة. وفي 7 أيار/مايو،
استولت القوات الإسرائيلية على معبر رفح الحدودي، وأوقفت نقل المساعدات عبر ما
كان يعدّ قناة رئيسية، وهو أيضا المعبر الوحيد الذي يمكن للجرحى والمرضى
الفلسطينيين الإجلاء عبره.
كما أغلقت معبرا مهمّا آخر، وهو كرم أبو سالم،
بعد هجوم وقع قبل يومين أدى إلى مقتل أربعة جنود في المنطقة، وبينما تقول إسرائيل؛ إن معبر كرم أبو سالم قد أعيد فتحه منذ ذلك الحين، قال مسؤولون في الأمم المتحدة؛ إن وصول العاملين في المجال الإنساني إليه أمر خطير للغاية، وقال ينس لايركه،
المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية؛ إن معبر رفح وكرم أبو سالم، هما
"الشريانان الرئيسيان للعملية الإنسانية للقطاع بأكمله، وأن إغلاقهما كان
كارثيا".
أوضحت الصحيفة أن هذه الخطوة أثارت رد فعل
دراماتيكي من بايدن، ولأول مرة، هدد بإيقاف تسليم بعض الأسلحة الهجومية إلى
إسرائيل مؤقتا إذا دخلت قواتها إلى المدينة، وبدلا من التراجع عن هجومها، قامت
إسرائيل بتوسيع نطاق أوامر الإخلاء في جنوب وشمال غزة، لتشمل ما يقدر بنحو 300 ألف
شخص، وبدأت هجومها على رفح.
وفي الوقت نفسه، لم يضع الرئيس الشروط نفسها على
تسليم المساعدات التي تشتد الحاجة إليها.
وهذا التناقض هو الذي تسبب بقدر كبير من
الذعر داخل حكومة الولايات المتحدة، خاصة بين أولئك الذين تتمثل مهمتهم في منع
الناس من الموت جوعا.
ونقلت الصحيفة عن الموظف الحالي في الوكالة
الأمريكية للتنمية الدولية، الذي لم يذكر اسمه، أن الولايات المتحدة متواطئة في
خلق الظروف المؤدية إلى المجاعة؛ حيث لم تكن استجابتها غير كافية على الإطلاق
فحسب، بل إنها مسؤولة بشكل فعال إلى حدّ كبير عن ذلك.