ملفات وتقارير

غزيون يكشفون طرق تعاملهم مع تغيرات الأوضاع ونقص الغذاء

يشهد شمال القطاع عودة العمليات البرية إلى مخيم جباليا، بينما تشهد مدينة رفح في أقصى الجنوب عملية برية أولى- جيتي
تستمر حرب الإبادة الإسرائيلية لليوم الـ227، وسط تغير دائم لأوضاع الفلسطينيين في مختلف أماكن قطاع غزة سواء من تبقى في الشمال أو نزح إلى الجنوب، في اختلاف ليس بين الأفضل والأسوأ، إنما بين السيء والأقل سوءا.

ويشهد شمال القطاع عودة العمليات البرية إلى مخيم جباليا شمال غزة، الذي يُنظر إليه باعتباره أكبر مخيم للاجئين، ويضم أكثر عدد من السكان حاليا في غزة، بينما تشهد مدينة رفح في أقصى الجنوب عملية برية أولى دفعت نحو مليون فلسطيني إلى منطقة نزوح جديدة في الوسط (دير البلح والمغازي والنصيرات والبريج والأجزاء الغربية من مدينة خانيونس).

وترصد "عربي21" أحوال الفلسطينيين في قطاع غزة، لا سيما مع إغلاق المعابر وتوقف دخول المساعدات باستثناء تشغيل "الميناء العائم" الجديد.

يقول حسام (33 عاما) إن الأسعار ارتفعت بشكل كبير منذ بداية العملية البرية في رفح وإغلاق معبر رفح وتوقف وصول قوافل المساعدات من الجنوب، مضيفا أنه "اختفت تقريبا كل الخضروات والفواكه، وهذه المرة الأمر أسوأ من السابق".


ويوضح حسام لـ"عربي21" أنه في المرة السابقة "اعتدنا على عدم وجود طعام جيد نتناوله، واللحظة اللي شفنا فيها الخضار والفواكه واللحوم وغيرها شعرنا أنه الحرب خلصت أو قربت تخلص".

ويضيف: "كثير بتفرق المعرفة بمقادر التحمل والصمود، في الفترة الأولى الصعبة جدا لم نكن نعرف إلى متى سيستمر هذا الوضع وتحملنا فوق 5 شهور في وضع ما يعلم به إلا ربنا الحمد لله، لكن لو إجيت تقلي تحمل 5 شهور بكون طحين بدون خبز بدون أي أكل آدمي ما أعتقد البني آدم بقدر على هيك".


ويوضح أن الوضع الصعب يمتد حتى إلى كيفية التعامل مع الأزمة الحالية، قائلا: "صحيح كل شيء سعره زاد بشكل كبير زي البطاطا اللي صارت بـ 50 شيكل للكيلوغرام الواحد (14 دولارا)، لكن الطحين لسة سعره معقول ولسة المخابز موجودة حتى الآن لكن الوضع ممكن يتغير بأي وقت".

ويشرح حسام أبعاد محاولة توفير الغذاء لفترة طويلة، قائلا: "صحيح الآن ممكن أشتري طحين أكثر من حاجتي خوفا من انقطاعه وعدم توفره مثل السابق، لكن الجو الآن حار، وكل البيوت مفتوحة أمام القوارض والحشرات وغيرها، ممكن يتلف بسرعة من الجو الحار والرطب الحالي".

ويشير إلى أنه "يمكن أيضا تصرف الأموال القليلة اللي معك من أجل تخزين طعام قد تجبر على تركه إذا عاد الجيش إلى اجتياح المنطقة اللي أنت فيها، قبل كم يوم صرفت آخر 100 شيكل معي، ربنا بعت غيرها سبحان الله، لكن الوضع صعب ورح يضل صعب لغاية فرج ربنا".

ومن ناحيته، يقول محمد (41 عاما) إن الوقت الحالي صعب والحياة لا زالت معقدة وخوف الموت والاستهداف لم يتغير، مضيفا: "رغم هيك ما بتخيل أنه اللي مر علينا ممكن يجي أسوأ منه وأخطر منه، ما بعرف إيش ضل في الدنيا شيء بشع نشوفه أكثر من اللي شفناه".


ويؤكد محمد لـ "عربي21" أنه يقوم فعليا بإسكات أي شخص يتحدث عن مخطط جديد لتهجير سكان قطاع غزة عبر الميناء الأمريكي الجديد، مشددا "والله أي حد بحكي هيك قدامي حتى لو على سبيل المزح بقله اخرس، بعد اللي شفناه يا بنموت بغزة مثل أهلنا اللي ماتوا، يا بنضل فيها زي ما بدنا".


ويضيف: "التغيرات الحالية وعودة الجيش إلى جباليا ما غيرت من حياتنا كثير، أو بطلت تفرق كثير، طبعا ما بحكي عن الشهداء والمصابين اللي أحسن منا كلنا، بس قصدي إنه كل حد لسة موجود في غزة بتوقع الجيش يدخل للمنطقة اللي هو فيها، أو أنه يتعرض للقصف، اللي فرق أنه خلال الأسابيع الماضية قدرنا نرجع على بقايا بيوتنا ونصلح اللي نقدر عليه فيها، أنه مياه البلدية صارت تيجي مرة في الأسبوع، أنه قدرنا نشتري لوح طاقة شمسية مرآته مكسورة علشان سعره أرخص".

ويذكر محمد: "كل غير هيك مش مهم، أنت أقصى مرحلة تخطيط لحياتك هي اختيار نوع الغداء في اليوم التالي من مجموعة أصناف محدودة منحصرة على المعلبات والطعام الجاهز اللي يتوفر في المساعدات، لكن إذا انكسرت رجلك ولا انجرحت بسبب حادث أنت تسببت فيه مش الاحتلال ممكن تموت من هيك لأنه ما في علاج، حتى ممكن تستشهد بس من الطريق إلى المكان اللي ممكن يتوفر فيه علاج".

من ناحينها، تقول انتصار (43 عاما) إنها أقدمت مؤخرا على شراء "قرن موز وحبة تفاح و6 حبات عنب فقط بـ 35 شيكل (نحو 10 دولارات)، وهذا رقم مش طبيعي قديش مخيف، زمان بالمبلغ هذا كل أجيب فواكه لكل البيت".

وتشرح انتصار لـ "عربي21" أنها قامت بشراء هذه الحبات البسيطة فقط من أجل أولادها وخوفها على صحتهم، موضحة: "أنا أعمل أخصائية تغذية ولا أتحدث عن تغذية سليمة تناسب الأطفال في طور النمو الجسدي والعقلي، إنما فقط لتحاشي أمراض خطيرة مثل الإسقربوط".

وتبين أن الابتعاد الطويل عن تناول الأطعمة الطازجة قد يكون له جوانب مدمرة للصحة، والمرض الذي تحدثت عنه له علاج يكون فقط بتناول الطعام الطازج الذي تتوفر فيه بعض الفيتامينات ولو بكميات قليلة.

ومرض الإسقربوط ينجم عن نقص حصول الجسم من فيتامين سي، وتشمل أعراضه الإرهاق والأنيميا وآلام المفاصل والعضلات، والكدمات المؤلمة، وضعف في الأنسجة الرابطة، وتأخر التئام الجروح، ونزيف اللثة وخلخلة الأسنان وغيرها.


وتقول انتصار أنها سابقا أرسلت مع المؤن الغذائية التي تخص عائلتها إلى مدينة دير البلح وسط القطاع خوفا من النزوح مرة أخرى من رفح وعدم وجود وقت كاف من أجل حمل المواد الغذائية، مؤكدة: "هذا مش مجرد خشية أو خوف إنما واقع عشناه طوال شهور النزوح ويما سبنا أغراض خلفنا".

وتبين: "طبعا كلنا شرينا معلبات أكثر من حاجتنا خوفا من انقطاع الطعام مرة أخرى، الحمد لله الوضع حتى الآن مش خطير مثل ما صار معنا في غزة، لكن لا أمان لهذه الحرب".

وأدى العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، إلى استشهاد وإصابة أكثر من 114 ألف مدني، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.

وتواصل دولة الاحتلال الحرب على غزة رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف القتال فورا، وكذلك رغم مطالبة محكمة العدل الدولية بتدابير فورية لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.