ما زالت تبعات الإجراءات
الإسرائيلية الأخيرة المتعلقة بتقييد عمل وسائل الإعلام الدولية تترك تبعاتها، وكان آخرها قانون منع عمل قناة
الجزيرة، ومصادرة معدات وكالة أنباء أسوشييتد برس، وهي إجراءات ضررها يفوق نفعها، وإن محاولة وزراء اليمين المتطرف في حكومة الاحتلال الحصول على مزيد من التسويق السياسي والحزبي لهم من خلال هذه القوانين تنتهي بالعادة بانهيار محرج، وإلحاق الضرر بصورة الاحتلال في العالم.
وقال الكاتب في صحيفة "
يديعوت أحرونوت"، يوفال كارني، إن "القرارات الإسرائيلية الأخيرة ضد عدد من وسائل الإعلام تعود بأضرارها على الاحتلال أكثر من نفعها له، ولعل ما حصل مع قناة الجزيرة خير مثال على ذلك، صحيح أنها قناة منحازة وأحادية الجانب، لكنها مقبولة في جميع أنحاء العالم، وتبث برامجها لمئات الملايين من المشاهدين، وأغلبهم من العرب، لكن المشكلة في
قانون الجزيرة الذي أقره الكنيست أن الضرر في النهاية يفوق الفائدة، وتصوّر دولة الاحتلال بأنها تضرّ بحرية التعبير والصحافة".
وأضاف كارني في مقال ترجمته "عربي21" أنه "على المستوى العملي أيضا، فنحن أمام قانون إشكالي، فالقانون أغلق القناة لمدة 45 يوما، لكن من يريد مشاهدتها يمكنه عبر أطباق الأقمار الصناعية أو عبر الإنترنت، وبالتالي فإن القدرة على تطبيقه محدودة، ما يؤكد أن من وعدوا الإسرائيليين بانتصار كامل في قطاع غزة يكتفون بانتصار محدود في الوقت الحالي على قناة إعلامية قطرية، وقد اعتبر وزير الاتصالات شلومو كرعي أن إغلاق قناة الجزيرة هو مشروع حياته".
وأوضح أن "إسرائيل لم تكتفِ بذلك، ففي الوقت الذي تحتاج فيه إلى مزيد من الدعم والاهتمام الممكنين حول العالم، فقد شهدت الساعات الأخيرة اشتداد المواجهة الإسرائيلية مع وسائل الإعلام الأجنبية، بعد أن قرر كرعي مصادرة معدات وكالة الأنباء الأمريكية AP، التي تقدم خدمات الاتصال للقنوات التلفزيونية في جميع أنحاء العالم، وقد تم ذلك دون علم أو موافقة مكتب رئيس الوزراء، وكما كان متوقعا، أثارت غضبا ومزيدا من الانتقادات لإسرائيل في العالم. وفي المساء جاءت الإدانة الأمريكية القاسية".
وأكد أن "هذه الإدانات العالمية للقرار الإسرائيلي أعقبها على الفور، تدخل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من وراء الكواليس، واضطر كرعي إلى التراجع، والإعلان عن إعادة المعدات للوكالة العالمية للأنباء منذ البداية، رغم مزاعمه بأن الكاميرا التي تمت مصادرتها تبث بشكل غير قانوني على قناة الجزيرة مباشرة شمال قطاع غزة، بما في ذلك أنشطة قوات الجيش الإسرائيلي، وتعرض جنوده للخطر".
وفنّد الكاتب مزاعم الوزير الاسرائيلي قائلا إن "اعتبار مواصلة البث على قناة تلفزيونية يسبب ضررا لأمن الدولة أمر غريب فعلا، لأن وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم تضع كاميرات في المنازل على أسطح المباني، وتبث من نقاط الحرب المشتعلة، ويمكن لأي شخص أن يضع كاميرا في الشارع، ويبث منها، وإذا كان هناك سبب لإغلاق أو تقييد البث من العالم، فإن إسرائيل تحتاج لأسباب أكثر إقناعا لتبرير تصرفاتها".
وأشار إلى أنه "لم يكن هناك أي مبرر حقيقي لإجراء الاحتلال الاسرائيلي مصادرة معدات وكالة الأنباء الأمريكية الليلة الماضية، لأنه لو كان هناك خطر حقيقي على أمن الدولة، ولو بشكل بسيط، لما تمت إعادة المعدات، وهكذا تحول التدخل الظاهر من الأعلى تحت الضغط الأمريكي إلى هدف ذاتي سجله كرعي في مرماه من حيث الضرر الذي لحق بصورة إسرائيل في العالم، من خلال قوانين شعبوية، عديمة الفائدة".
وتكشف هذه الانتقادات لسلوك الاحتلال تجاه وسائل الإعلام أن هناك عددا من الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين ممن يستغلون ما تعيشه الدولة من صدمة بعد هجوم السابع من أكتوبر لتحقيق المزيد من نفوذهم الحزبي في الساحة الداخلية الإسرائيلية، ولو على حساب علاقات الاحتلال الخارجية، ما يعني أن ينجرّ الأخير إلى حرب عالمية ضد وسائل الإعلام، مع أنه لم يتبق لديه سوى القليل من الذخيرة لاستخدامها، والنتيجة أن زمرة الساسة المراهقين لديه يهدرون ما تبقى من رصيد متبق لديه، خاصة بين الدول الداعمة.