نشرت صحيفة "
لوموند" الفرنسية، تقريرًا، تحدثت فيه عن تناوب الطائرات الروسية في جزيرة جربة، بالقول إنه "يعد علامة من بين أمور أخرى على استراتيجية "التسلّل" متعددة الأوجه التي تتبعها
موسكو على الأراضي
التونسية".
وقالت
الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هذه المسألة طرحت أسئلة عديدة، هل أصبح مطار جربة، الملاذ السياحي الواقع في جنوب شرق تونس، مسرحا لتحركات جوية روسية غير عادية مؤخرا؟
وأثار هذا السؤال بعض التوتّر في صفوف مراقبي التوازنات الاستراتيجية الإقليمية، بعد نشر مقال في صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية، الأحد 19 أيار/ مايو، يفيد بهبوط طائرات "عسكرية روسية" في الأيام الأخيرة، على هذه الجزيرة الواقعة على بعد 130 كيلومترا من الحدود الليبية.
وبينما التزمت السلطات في تونس، الصمت بشأن الموضوع، نفت موسكو ذلك، الاثنين، في بيان صحفي، من سفارتها في ليبيا - وليس تلك الواقعة في تونس - واصفة المعلومات الواردة من صحيفة "لاريبوبليكا" بأنها "أكاذيب وتزوير".
لقد كانت تونس مرتبطة تقليديًّا بالمعسكر الغربي، حيث يرتبط جيشها ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة، ومن المؤكّد أن التطوّر المُحتمل المؤيد لروسيا في البلاد سيشكل تحولًا، على الرغم من أنه في هذه المرحلة يظل اقتراحًا نظريًّا للغاية. كما أن الانجراف للرئيس قيس سعيد، الذي ينتقد بانتظام "إملاءات" الغرب، لا يخلق "انفتاحا" و"نفاذية" أقل للخطاب الرائج في موسكو، على حد تعبير مراقب أوروبي في تونس.
من جانب آخر، يشير مصدر دبلوماسي غربي إلى أنه "كانت هناك عمليات دوران للطائرات الروسية في جربة، لكننا لا نعرف طبيعتها". وبحسب معلومات غير مؤكدة متداولة في أوساط المحللين الأمنيين في تونس، فإن هذه "طائرات شحن" و"طائرات مستأجرة" مدنية، وبالتالي فهي ليست بأي حال من الأحوال الطائرات العسكرية التي ذكرتها صحيفة "لا ريبوبليكا".
وكان من المفترض أن تنقل بعض هذه الطائرات، وفقًا لهذه المصادر نفسها، روسا تابعين لشركة فاغنر الأمنية السابقة (المعروفة الآن باسم "فيلق أفريقيا") الذين جاؤوا لأخذ قسط من الراحة في جزيرة جربة.
وبيّنت الصحيفة، أن الطائرات الأخرى كانت ستتوقف هناك لأغراض التزود بالوقود. وقد تم رصد هذه التناوبات للطائرات الروسية في الجزيرة التونسية منذ حوالي سنة.
في المقابل، يلاحظ العديد من المحللين أن الأمر ليس مستغربًا خاصة في ظل الانتشار الجديد للنفوذ الروسي في منطقة الساحل وليبيا، حتى لو كان البعد العسكري المباشر لا يزال غائبا.
الحركات البحرية
تشهد هذه المعلومات، على الرغم من أنها مجزأة وغير دقيقة، بشأن التحركات الجوية في جربة، على دخول موسكو بشكل سري إلى تونس. وهي مرتبطة بتحركات بحرية معينة، لا سيما تلك التي قامت بها سفينة الشحن الروسية ميخانيك ماكارين، الخاضعة للعقوبات الأميركية منذ الحرب في أوكرانيا، والتي رست في ميناء سوسة التونسي، نهاية آذار/ مارس الماضي، أثناء عودتها إلى مورمانسك بعد أن عبرت سواحل بنغازي (شرق ليبيا).
وبحسب مواقع التتبع البحري، فقد عادت السفينة مرة أخرى إلى البحر الأبيض المتوسط، ومن المقرر أن تتوقف في صفاقس في حوالي 8 حزيران/ يونيو.
من الواضح أن العلاقة بين تونس وروسيا تتعزّز، حتى لو كان من السابق لأوانه الحديث عن تحول استراتيجي. إذ بعد تأجيلها مرتين، على الأرجح تحت ضغط أمريكي، تمّت زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى تونس أخيرًا يومي 20 و21 كانون الأول/ ديسمبر 2023 في سياق ازدهار متزايد للتبادلات التجارية، التي كانت بالطبع غير متوازنة بشكل كبير لصالح تونس، كما ارتفعت واردات الحبوب الروسية بالفعل في سنة 2023 بزيادة قدرها 435 بالمئة مقارنة بعام 2022 لتبلغ قيمتها الإجمالية نحو 1.1 مليار دينار (326 مليون يورو)، بحسب المعهد الوطني للإحصاء.
وأضافت
الصحيفة أنه على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة على
روسيا، فقد ضاعفت تونس وارداتها من "الفحم والنفط ومشتقاته" ثلاث مرات، مقارنة بسنة 2022. ومنذ غزو أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، استوردت تونس كميات من النفط الروسي تجاوزت ما كانت عليه في السنوات التسع السابقة.
وسُجّل المزيد من التعاون السياسي، خاصة في المسائل الانتخابية بعد توقيع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهي المسؤولة عن تنظيم الانتخابات في تونس، مذكرة تعاون مع اللجنة الانتخابية الروسية في 15 آذار/ مارس.
وفي هذا السياق توجّه فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، إلى موسكو، للمشاركة في البعثة الدولية لمراقبة الانتخابات الروسية التي جرت بين 15 و17 آذار/ مارس والتي فاز خلالها بوتين بنسبة 87 بالمئة من الأصوات من خلال عمليات تزوير واسعة النطاق، وفقًا لوسائل الإعلام الروسية المستقلة.
"أرض خصبة"
تشجّع القوة الناعمة الروسية هذا التقارب. لعدة أسابيع، ظهرت في تونس ملصقات إعلانية تروج للنسخة العربية من قناة روسيا اليوم، التي تمولها الدولة الروسية، وقد افتتحت قناة روسيا اليوم العربية مؤخرًا مكتبًا لها في الجزائر وعينت مراسلًا لها في تونس.
وينظم البيت الروسي، وهو مركز ثقافي تابع للسفارة، بانتظام فعاليات حول ثقافة ولغة وتاريخ روسيا، ويشارك في الفعاليات الثقافية، مثل معرض تونس الدولي للكتاب.
وأوردت
الصحيفة أنه في هذه المرحلة، لا يزال الوجود الروسي في تونس متواضعًا، على الرغم من أنه غير مقيد. بخصوص هذا يقول دبلوماسي غربي "الأرض الخصبة مواتية" بحيث يخدم استياء الرأي العام التونسي من "المعايير المزدوجة" للأوروبيين والأمريكيين في الحرب في غزة خطاب موسكو بشأن الغرب غير المؤهل أخلاقيا.
من جانبه، يقول الباحث جلال حرشاوي، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن، إنه "في سياق يتميز بالاختراق الروسي المزدوج في منطقة الساحل وليبيا، فإن قيس سعيد هو ثمرة ناضجة تنتظر السقوط في أيدي الروس وفقًا لقانون الجاذبية".
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أنه، مع ذلك، فإن تغيير النموذج الاستراتيجي ليس بالأمر السهل، بعد حصول تونس على صفة "الحليف الرئيسي من خارج الناتو" من قبل الولايات المتحدة في سنة 2015. ناهيك عن كونها عضوا في "صيغة رامشتاين" التي تشكلت بمبادرة من حلف شمال الأطلسي لدعم أوكرانيا.