إن تحليل العلاقة بين
الغرب، متمثلا بالولايات المتحدة وأوروبا من جهة، والمحاكم الدولية مثل محكمة
العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية من جهة أخرى، يكشف عن نمط من الالتزام
الانتقائي بالقانون الدولي. ويؤكد هذا النهج الانتقائي على موقف يخدم المصالح
الذاتية الغربية، حيث يتوقف الامتثال على التوافق مع هذه المصالحه، وعندما تتحدى
أحكام أو قرارات هذه المحاكم الأجندات الغربية، فإن الرد غالبا ما يتضمن فرض
عقوبات على الهيئات الدولية نفسها، مما يقوض المبادئ الأساسية للعدالة الدولية.
وهذا السلوك ليس شذوذا حديثا، بل هو استمرار للممارسات التاريخية المتجذرة في
الإمبريالية والاستعمار، مما يسلط الضوء على التردد المستمر في تبني نظام قانوني
عالمي عادل حقا.
وكانت أحكام محكمة
العدل الدولية واضحة لا لبس فيها في المطالبة بالوقف الفوري للهجوم
الإسرائيلي على
رفح. علاوة على ذلك، أقرت المحكمة بإمكانية ارتكاب الجيش الإسرائيلي جرائم إبادة
جماعية ضد الشعب الفلسطيني، وهو اعتراف خطير تدعمه المحكمة الجنائية الدولية.
والمحكمة الجنائية الدولية على وشك إصدار أوامر اعتقال بحق القادة الإسرائيليين
المشاركين في الحرب المستمرة على
غزة.
وتؤكد هذه القرارات
مجتمعة أن أي تورط غربي في تسليح إسرائيل أو دعمها لوجستيا يورط هذه الدول بشكل
مباشر في الإبادة الجماعية. ولكن على الرغم من هذه الاتهامات الخطيرة، تستمر الدول
الغربية في دعمها لإسرائيل، دون أي مبرر قانوني أو أخلاقي قوي. هذا الدعم الذي لا
يتزعزع، متجذر في إرث طويل من الاستعمار والإمبريالية والإسكات والاستئصال المنهجي
للشعوب المضطهدة.
هل تقف إسرائيل حقا بمفردها بينما تعج مطاراتها وموانئها بشحنات الأسلحة القادمة من كل الاتجاهات؟ الجواب هو لا.
وفي الواقع، تقوم
العديد من الدول الغربية بشكل مستمر وبلا هوادة بتزويد إسرائيل بالمعدات العسكرية.
لقد أسفرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي دخلت يومها 232، عن حصيلة صادمة
هي: 35857 شهيدا و80293 جريحا منذ بداية الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وعلى الرغم من الإدانات العلنية من جانب حلفاء إسرائيل الغربيين التقليديين فيما
يتصل بجرائمها في غزة، إلا أن التصعيد الإسرائيلي المستمر يُبنى على تدفق
الأسلحة
من مختلف البلدان الغربية وذلك لتغذية آلة الحرب الإسرائيلية.
ويطرح هذا الوضع سؤالا
حاسما: هل تقف إسرائيل حقا بمفردها بينما تعج مطاراتها وموانئها بشحنات الأسلحة
القادمة من كل الاتجاهات؟ الجواب هو لا. على سبيل المثال، أثار إعلان روما في
العام الماضي حظر مبيعات الأسلحة لإسرائيل أملا عابرا في أن بعض الدول الغربية قد
انتبهت أخيرا إلى مسؤولياتها الأخلاقية، ومع ذلك، فقد تبدد هذا الأمل بسرعة، وفي
وقت لاحق، حين نقلت "رويترز" عن وزير الدفاع الإيطالي غيدو كوزيتو في 14
آذار/ مارس تأكيده على أن شحنات الأسلحة إلى إسرائيل مستمرة "امتثالا"
للصفقات المبرمة سابقا، وهو مبرر لا معنى له وغير أخلاقي.
ومن جهة أخرى، فإن حجم
الدعم الأمريكي لإسرائيل أكبر مما يُناقش في العلن. فبينما ترسل إدارة بايدن رسائل
متضاربة إلى مؤيديها مفادها بأنها تبذل جهودا للضغط على إسرائيل لوقف الأعمال
العدائية، فإن الواقع يشير إلى خلاف ذلك، حيث أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي
جون كيربي أن الولايات المتحدة تواصل تزويد الجيش الإسرائيلي بـ"ثمانية أنواع
من الأسلحة". وفي خطوة سياسية وعسكرية مهمة، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع
قانون، اقترحه الجمهوريون، يلزم الرئيس بايدن بمواصلة إمدادات الأسلحة الكاملة إلى
تل أبيب.
إن الغموض والجدل
المحيط بصادرات الأسلحة الفرنسية إلى إسرائيل يزيد من تعقيد السرد، فقد استحوذت
هذه القضية على الرأي العام الفرنسي، خاصة بعد انتشار التقارير الاستقصائية التي
تفيد بأن فرنسا سلمت شحنة مكونة من 100 ألف طلقة من ذخيرة الأسلحة الرشاشة، التي تستخدمها
إسرائيل ضد المدنيين في غزة، في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ونفى وزير الدفاع
الفرنسي سيباستيان لو كورنو هذه التقارير، لكنه اعترف بأن بعض الأجزاء الأساسية
مثل دوارات الرصاص والفواصل (الزجاج الملون) وأنظمة التبريد ومقاييس الجهد وممتصات
الصدمات؛ تم تسليمها لإسرائيل مؤخرا، وأكد أن هذه الصادرات كانت مخصصة لإعادة
التصدير من إسرائيل إلى دول ثالثة، وهو ادعاء قوبل بالتشكيك والانتقادات بسبب
الفضيحة الأخلاقية في المشاركة بقتل المدنيين في غزة.
ووصفت ماتيلد بانو،
ممثلة حزب اليسار الفرنسي، توريد الأسلحة إلى إسرائيل بأنه فضيحة كبرى، واتهمت
وزير الدفاع بالخداع والكذب، كما دعا آرثر دو لابورت، المتحدث باسم الحزب
الاشتراكي الفرنسي في الجمعية الوطنية، إلى وقف صادرات الأسلحة الفرنسية إلى إسرائيل.
والجدير بالذكر، أن السيد باستيان لاشود، الممثل الفرنسي في الجمعية الوطنية، طالب
بتشكيل لجنة تحقيق حول بيع شركة "يورولينكس" الفرنسية أسلحة لإسرائيل.
وردا على هذه الضغوط
والانتقادات، أكد وزير الدفاع الفرنسي أنه منذ بداية الحرب الإسرائيلية، تم إبلاغ
الأجهزة المختصة في وزارة الدفاع بفرض التشدد على استخدام هذا النوع من الأسلحة.
وبناء على ادعائه، لم يتم منح سوى عدد قليل من التراخيص لاستخدام الأسلحة الفرنسية
في نظام القبة الحديدية الإسرائيلي، الذي يمكنه تتبع الصواريخ والقذائف التي يتم
إطلاقها على المناطق المدنية.
وخلال الفترة بين عامي
2023 و2024، قامت ألمانيا والمملكة المتحدة بزيادة صادرات الأسلحة إلى إسرائيل
بشكل كبير، لا سيما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث ارتفعت صادرات الأسلحة
الألمانية إلى إسرائيل في عام 2023 إلى 326.5 مليون يورو، وهو ما يمثل زيادة
بمقدار عشرة أضعاف مقارنة بعام 2022، وقد تأثر هذا الارتفاع الكبير إلى حد كبير بالحرب
الإسرائيلية على غزة بعد تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وشملت المعدات العسكرية
المصدرة أسلحة مضادة للدبابات، وطلقات من الذخيرة وأسلحة حربية أخرى. وتمت
الموافقة على غالبية هذه الصادرات بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مما يعكس التدخل
الألماني المباشر في الحرب على غزة.
بينما تعطي الدول الغربية الأولوية لمصالحها الاستراتيجية على المسؤوليات الأخلاقية والقانونية، فإنها تساهم بشكل مباشر في استدامة دائرة العنف والقتل بحق شعب أعزل. وهذا السلوك لا يقوّض قرارات المحاكم الدولية التي طالبت بوقف تسليح إسرائيل فحسب، بل يكشف أيضا عن النفاق العميق الجذور في السياسات الخارجية الغربية وانهيار تام للمنظومة الأخلاقية
لعبت بريطانيا أيضا
دورا مهما في توريد الأسلحة إلى إسرائيل، ففي السنة المالية 2023-2024، شملت
صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل العديد من الأسلحة المتقدمة والتكنولوجيا
العسكرية. وكانت صادرات المملكة المتحدة جزءا من اتفاقيات التعاون الدفاعي الجارية،
وتضمنت عناصر مثل الصواريخ الموجهة بدقة وأنظمة متقدمة أخرى.
وأثارت هذه الصادرات
جدلا قانونيا وسياسيا داخل ألمانيا والمملكة المتحدة، وقد طعنت مختلف مجموعات حقوق
الإنسان والخبراء القانونيين في شرعية عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل، بحجة أنها
تساهم في انتهاكات القانون الإنساني الدولي. على سبيل المثال، تم رفع عدة دعاوى
قضائية في ألمانيا لوقف المزيد من صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، مشيرة إلى التواطؤ
في جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة.
وفي الختام، فإن
التزام الغرب الانتقائي بالقانون الدولي يتناقض بشكل صارخ مع المبادئ الأساسية
للعدالة العالمية. إن الدعم العسكري المستمر لإسرائيل وسط جرائم حرب وإبادة جماعية
في غزة يسلط الضوء على الإرث المقلق للاستعمار والإمبريالية. وبينما تعطي الدول
الغربية الأولوية لمصالحها الاستراتيجية على المسؤوليات الأخلاقية والقانونية،
فإنها تساهم بشكل مباشر في استدامة دائرة العنف والقتل بحق شعب أعزل. وهذا السلوك
لا يقوّض قرارات المحاكم الدولية التي طالبت بوقف تسليح إسرائيل فحسب، بل يكشف
أيضا عن النفاق العميق الجذور في السياسات الخارجية الغربية وانهيار تام للمنظومة
الأخلاقية. ومن الضروري أن يطالب المجتمع الدولي بالمساءلة والالتزام الحقيقي
بالقانون الدولي لتمهيد الطريق لنظام عالمي عادل ومنصف.