تلقى المحامي البريطاني، مدعي عام المحكمة الجنائية
الدولية
كريم خان، رسائل تهديد وضغوطات، وذلك بعد إعلانه طلب إصدار
مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس وزراء
الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت، والقادة في
حماس إسماعيل هنية ويحيى
السنوار ومحمد الضيف، بتهم "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية"
و"إبادة" مرتكبة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ونشرت صحيفة "
التايمز" مقابلة مع
المحامي البريطاني، مدعي عام المحكمة
الجنائية الدولية كريم خان أجرتها معه
كريستيانا لامب، قالت فيها إنه عندما أعلن عن طلبه مذكرات اعتقال لقادة دولة الاحتلال وحماس كان يعرف أنه يدوس على حقل ألغام.
ولم يكن أمامه أي خيار كما يقول، مشيرة إلى أنه
ينتمي إلى أقلية مضطهدة وقد تعرض مرة لهجوم في قاعة بلدية يوركشاير. وقال: "ما
نتوصل إليه هو: هل نريد أن نعيش في عالم ينطبق فيه القانون بتساو أو أن نغمض
أعيينا وندير ظهرنا بسبب ولاءاتنا".
وأضاف: "بالطبع، فالواحد منا واع أن غزة هي
خط صدع في العلاقات الدولية ويجب ألا يكون هذا عذرا ألا تضع حق الضحية أولا وفي كل
مكان. وسواء كانت هذه الحقوق، هي ضحايا يهود أو فلسطينيين، سواء كانوا مسلمين أو
مسيحيين أو بدون دين، فيجب أن نحمل نفس الغضب الأخلاقي، الحب، العناية والقلق،
والنقطة هنا أننا جميعا بشر".
وتقول
الصحيفة إن إعلان خان عن توجيه تهم لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت وثلاثة من قادة حماس، كانت أول مرة توجه فيها
المحكمة الجنائية تهما لزعيم يدعمه الغرب وهو في منصبه ما أثار ردة فعل في
الولايات المتحدة وأوروبا، وفي أول مقابلة له منذ الإعلان هاجم خان النقاد بمن
فيهم ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني والذي وصف القرار بأنه "غير مفيد
على الإطلاق" والرئيس جو بايدن الذي قال إنه "شائن".
وقال خان: "مهمتنا ليست بناء أصدقاء"
و"لكن وظيفتنا، سواء تلقينا الثناء أو الشجب، هي التأكيد على المساواة بين
كل طفل وامرأة وكل مدني في عالم يميل نحو الاستقطاب بشكل متزايد، وإن لم نفعل، فما
الفائدة؟".
وبانتظار موافقة قضاة المحكمة الجنائية، ولو
وافقوا على استصدار المذكرات، فستترك أثرها المقيد على قادة الاحتلال الإسرائيلي،
وأكثر من قرار محكمة العدل الدولية يوم الجمعة الذي أمر إسرائيل بالتوقف الفوري عن
غزو محافظة رفح، وبعد تقدم جنوب أفريقيا بطلب للمحكمة، فالعدل الدولية ليست لديها
وسائل لفرض قرارها، لكن قرار المحكمة الجنائية يعني أن كل الدول الموقعة على بيان
روما المؤسس لها وعددها 124 ستصبح ملزمة باتخاذ خطوات لاعتقال نتنياهو وغالانت.
وفي الوقت الذي لم توقع فيه الولايات المتحدة أو دولة الاحتلال الإسرائيلي على
بيان روما فإن كل دولة في الإتحاد بما في حلفاء إسرائيل كألمانيا ستصبح ملزمة.
وقال خان: "لو لم تتقدم الدول، فستترك
تداعيات ضخمة"، مضيفا أن "المحكمة الجنائية هي من بنات أفكارهم (ابنهم)،
وأنا المربية التي تم تعيينها للمساعدة، ولديهم خيار للعناية بهذا الطفل أو
يتحملوا مسؤولية إهماله".
وزار خان الأراضي المحتلة عدة مرات بعد أحداث
السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وقابل أقارب الأسرى، وفي جيبه سوار أزرق مكتوب
عليه "أحضروهم إلى البيت"، في إشارة إلى الأسرى لدى حماس، وكتب على السوار
اسم كفير بيباس واحدة من الأسرى، حيث علق قائلا: "هذا كفيل بتحطيم قلب أي
شخص"، و"كانت كفير حاملا في شهرها التاسع، لكن لا احتكار للمعاناة،
فهناك جثث فلسطينيين يموتون ولا يمكن أن تكون لدينا معايير مزدوجة".
وقال: "أهم مني والمحكمة الجنائية هو أن
العالم ينظر لهذا الوضع، وينظرون إليه في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا كنقطة
تبلور. فهل الدول صادقة عندما تقول إن هناك مجموعة من القوانين أم إن هذا النظام
القائم على القواعد مجرد سخافة، وهو ببساطة أداة بيد الناتو وعالم ما بعد
الاستعمار وبدون نية حقيقية لتطبيقه بشكل متساو؟".
وعندما سئل أن إسرائيل لا خيار لها، فهي لا تعرف
أين الأسرى، سواء في الأنفاق أو البيوت وكيف يعاملون، أجاب خان مستشهدا بطريقة
معاملة بريطانيا مع جيش إيرلندا الحر: "كانت هناك محاولات لقتل مارغريت تاتشر،
وفجر إيري نيف وفجر لورد ماونتباتن، وهناك هجوم إينسكلين [بلدة في شمال إيرلندا]
وتعرضنا لهجمات انتقامية، لكن البريطانيين لم يقرروا وقالوا: حسنا في طريق فولز [في قلب مدينة بلفاست
الكاثوليكي] هناك بلا شك متعاطفون مع أعضاء الجيش الإيرلندي الحر والجمهوريين،
دعنا نلقي قنبلة زنتها 2,000 رطل في طريق فولز، يمكنك عمل هذا". و "يجب
أن يكون للقانون غرض، وهذا ما يفرق الدول التي تحترم القانون عن الجماعات
الإجرامية والإرهابية، وهذا هو كل ما أقوم بعمله، تطبيق القانون القائم على
الأدلة. وهذا ما نفعله مهما تعرضنا للشجب".
وتحدث خان، عن تلقيه رسائل إلكترونية وأنواعا من
التهديد والضغط، لكنّ شخصا استصدر في العام الماضي مذكرة اعتقال ضد الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين بتهم ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، ليس خائفا.
وبنى خان مسيرته في القانون بخدمة النيابة
العامة ثم في المحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيوغسلافيا السابقة. وواصل من هناك
عمله في المحاكم الخاصة في هيغ وبنى سمعته كمحامي دفاع.
ومثل الرئيس الليبيري السابق تشارلس تيلور، مع
أنه تخلى عن القضية، وويليام روتو، رئيس كينيا الحالي الذي وجهت له اتهامات
بالاحتفال بالعنف في كينيا الذي قتل فيه 1,300، حيث تم التخلي عن القضية، وكذا
فتمير لامج، قائد جيش تحرير كوسوفو الذي برئ من التهم.
وعندما رشح نفسه كمدع عام للجنائية الدولية عام
2021 رفضت الحكومة البريطانية، بداية دعمه. وعلى جدار مكتبه في هيغ صورة لرسالة من
وزير العدل في حينه، دومينيك راب يرفض فيها تقديم الدعم. وغيرت بريطانيا موقفها
بعدما تبين أنه حصل على دعم كامل.
وحول تركيزه بعد أحداث السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر على غزة وأمر غالانت بفرض حصار عليه ومنع الطعام والوقود والدواء.
وقال خان إن "عددا من المخابز تم استهدافها، وحقيقة وقف المياه، ومنع أقراص
تنقية المياه والأغشية لمحطات تحلية المياه واستهداف الآبار، وحقيقة استهداف
طوابير الناس [للحصول على الماء] وقتل الناس في منظمات الإغاثة" هي
"أشكال كاملة ومعلمة، وقمنا بتحليلها موضوعيا ومنطقيا".
وردا
على ما تقوله إسرائيل من أنها وفرت السعرات الحرارية اليومية لسكان غزة، يقول خان: "ما تقوله كل منظمات الإغاثة، وما شاهدناه من أطفال الهزال، وحتى لو لم نثق
بالأطباء الفلسطينيين، فلدينا أطباء أمريكيون وبريطانيون قالوا إنهم أجروا عمليات
بتر أطراف بدون تخدير وأطفال يموتون في الحواضن لانقطاع الطاقة الكهربائية ومات الناس بسبب عدم توفر الإنسولين" و"ليست هذه هي الطريقة التي من المفترض أن تشن فيها الحرب" و"إذا
كان هذا هو ما يبدو عليه الانصياع للقانون الدولي الإنساني، فإن معاهدات جنيف لا
تخدم أي غرض".
ومن أجل جمع الأدلة قام فريقه بـ"جمع عدد
متنوع من الأدلة، ولدينا شهود عيان وأطباء أجروا العمليات ومدى الإسهال بسبب نقص
المياه وصور التقطتها الأقمار الاصطناعية وفيديو تم التحقق منها وبيانات من
المسؤلين والجنود الإسرائيليين".
واستعان خان بعدد من خبراء القانون الدولي بمن
فيهم أمل كلوني والبارونة كيندي والقاضي سي أدريان فولفورد وإليزابيث ويلمزهيرست
والمحامي داني فريدمان والقاضي والمحامي الأمريكي- الإسرائيلي. وقال: "هؤلاء
محامون عظام وأحترم ما دافعوا عنه من مبدأ طوال حياتهم" و"جلبتهم
للمساعدة في القيام بمهمة جيدة وكذا لأن هذا وضع ما زالت فيه المشاعر طازجة في كل
مكان، وموضوع يثير الانقسام لا يمكن ذكره في المجتمع المهذب". وأشار إلى
ويلمزهيرست التي استقالت بسبب حرب العراق وكانت المحامية البريطانية الرئيسية في
إعداد ميثاق روما الذي أنشأ الجنائية الدولية. وكذا ميرون المحامي اليهودي العملاق الذي نصح الحكومة الإسرائيلية "هل ستتهمه بمعاداة السامية؟".
وخان
وإن عبر عن أسفه للضحايا المدنيين إلا أنه يدعم أهداف إسرائيل المشروعة لهزيمة
حماس وتحرير الأسرى لكن "الطريقة التي تعمل بها يجب أن تكون ملتزمة
بالقانون". وفي الوقت الذي جاء فيه أشد النقد لقراره من بريطانيا والولايات
المتحدة إلا أنه حصل على دعم من فرنسا وبلجيكا وإيرلندا وموقف حذر من ألمانيا ومن
وزير خارجية الظل في حكومة العمال، ديفيد لامي، و"هذه لحظة خطيرة دوليا ولو
لم نلتزم بالقانون فلن يكون لدينا أي شيء نمسك به". و"كلمات مثل: لن
يحدث أبدا باتت تعويذات طقسية، ووصلنا إلى نقطة لم يعد الناس في العالم
يشترونها".