أعاد قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بتمديد حالة الطوارئ الوطنية في
العراق، فتح باب التساؤل واسعا حول مدى تجدد الهجمات التي تشنها المليشيات الموالية لإيران، بعد تصريحات من نواب بالإطار التنسيقي الشيعي، انتقدت بشدة هذه الخطوة واعتبرتها ضد البلاد.
وخلال رسالة وجهها إلى الكونغرس الأمريكي الأسبوع الماضي، قال بايدن: إن "العوائق التي تعترض إعادة الإعمار المنظم للعراق واستعادة السلام والأمن والحفاظ عليهما وتطوير المؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية في العراق، لا تزال تشكل تهديدا غير اعتيادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للعراق وللولايات المتحدة أيضا".
وأضاف الرئيس الأمريكي، قائلا: "لذلك فإن حال الطوارئ الوطنية الخاصة باستقرار العراق ستستمر سارية المفعول بعد 22 مايو/أيار 2024 لعام إضافي".
وفي أول ردة فعل شنت وسائل إعلام تابعة للقوى القريبة من إيران، خطوة بايدن واعتبرتها "فرض توصية" على العراق، فيما انتقد القرار عضو الإطار التنسيقي، علي الزيدي، ووصفه بأنه "جائر" وضد البلد، مطالبا الحكومة بـ"التحرك السياسي والدبلوماسي لرفعه كونه يخلف تداعيات كبيرة على البلد".
"سيطرة كاملة"
وعن تداعيات تمديد حالة الطوارئ، قال المحلل السياسي العراقي، غانم العابد، إن "ما حصل ليس جديدا، وأن قوى الإطار جاءت مع الاحتلال الأمريكي الذي أصدر هذا القرار بعد عام 2003، وأن الأخيرة كان لها يد أيضا في تسليم السلطة بالعراق للقوى الإطارية".
وأوضح العابد لـ"عربي21" أنه "حتى بدون هذا القرار، فإن الولايات المتحدة متمكنة في السيطرة على العراق، لأن 95 بالمئة من أموال البلد التي تأتي من مبيعات النفط تودع في البنك الفيدرالي الأمريكي، وبالتالي بإمكان الولايات المتحدة تدمير العراق اقتصاديا".
ولفت إلى أن "محاولة التخلص من الوجود الأمريكي في العراق بحسابات إيرانية سيسبب ضرارا بشكل أكبر للعراق من تحقيق غايات الإطار التنسيقي، لأن البلد اليوم لا تزال بحاجة إلى الولايات المتحدة من جانب استخباري في الحرب ضد تنظيم الدولة".
وأردف: "العراق يقول تخلصنا من تنظيم الدولة بينما الولايات المتحدة تؤكد أن مخاطره لا تزال موجودة، وبالتالي هناك تضارب في الروايات الرسمية بين البلدين بخصوص الواقع الأمني".
ورأى العابد أن "العراق اليوم بحاجة إلى الولايات المتحدة من أجل الإعمار وانتشال الاقتصاد، لذلك فإن محاربتها- وخصوصا بما تمتلكه من علاقات مع دول العالم والاتحاد الأوروبي تحديدا- سيجعل واشنطن تضع العراقيل أمام قدوم شركات استثمارية إلى البلاد".
وأكد الخبير العراقي أن "القوات الأمريكية لم تتعرض إلى أي هجوم منذ 6 شباط الماضي، وهذا يعني أنها وجهت رسالة شديدة اللهجة إلى الحكومة العراقية بأن أي استهداف لها في العراق أو عند حقل العمر النفطي بسوريا، فإنها ستقوم باصطياد رؤوس كبيرة من الصف الأول للمليشيات".
وأوضح العابد أن "إيران أيضا طالبت هذه المليشيات بعدم استهداف القوات الأمريكية، وذلك في اجتماع لقائد فيلق القدس الإيراني عقده مع قادتها في مطار
بغداد الدولي، وذلك بعد مقتل اثنين من قيادات (كتائب حزب الله) في 20 شباط الماضي".
وبحسب العابد، فإن "الولايات المتحدة ربما أبلغت رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عند زيارته إلى واشنطن في 14 آذار الماضي، بضرورة الإسراع في سحب السلاح المنفلت وإنهاء نفوذ هذه المليشيات".
ولفت إلى أنه "إذا لم ينفذ السوداني طلب واشنطن في سحب السلاح من المليشيات، فباعتقادي سيحصل خلال الأيام المقبلة انقسام سياسي وفصائلي، أكثر من الانقسام الحالي في الإطار التنسيقي بين الحرس القديم والجديد".
تصعيد مستبعد
وعن مدى استئناف المليشيات لهجماتها ضد القوات الأمريكية، استبعد أستاذ الإعلام في العراق غالب الدعمي، ذلك، وقال إن "الهدنة بين الطرفين ستستمر في العراق، لكن إطلاق مثل هذه التصريحات هو للاستهلاك الإعلامي فقط، لأن الوضع العراقي لا يتحمل".
وأوضح الدعمي لـ"عربي21" أن "هناك أداة مسيطرة على تحركات الفصائل، وبالتالي ستستمر الهدنة رغم الاعتراضات التي تبقى تصدر من هذه الأطراف المناوئة للوجود الأمريكي في العراق".
ولفت إلى أن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لم يناقش في الولايات المتحدة قضية انسحاب قوات الأخيرة من العراق، وإنما جرى تشكيل لجان عسكرية مشتركة بين الجانبين العراقي والأمريكي، وبالتالي هي التي تقرر مدى حاجة بغداد للقوات الأمريكية".
وأشار الدعمي إلى أن "تمديد حالة الطوارئ الذي أصدره رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، يشير إلى أن انسحاب القوات الأمريكية من العراق لا يلوح في الأفق حاليا".
وأكد أن "هذه الفصائل لن تقدم على أي تصعيد كونها ضمن (محور المقاومة) وأن إيران هي من تتزعم هذا المحور، وبالتالي فإن الأخيرة لا تريد الدخول في صراع لا مع أمريكا أو غيرها، لأن وضعها الاقتصادي والسيادي والأمني لا يسمح لها تماما فهي تسعى إلى التهدئة حاليا".
وأردف: "الدليل على ذلك لم نعد نسمع حتى من الحوثيين في اليمن أي عمليات ضد سفن أمريكية أو غربية، وكأن الأمر فيه هدنة برضى الطرفين، وغير معلنة على وسائل الإعلام".
وخلص الدعمي إلى أنه "من غير الوارد إعادة إشعال جبهة العراق مرة أخرى، والدخول في اقتتال مع القوات الأمريكية طيلة وجود رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني في السلطة".
وكانت المليشيات الموالية لإيران تشن هجمات بشكل مستمر على أماكن تواجد القوات الأمريكية في العراق، لكن بعد قصفها بطائرة
مسيرة قاعدة عسكرية داخل الحدود الأردنية ومقتل ثلاثة جنود أمريكيين في 27 كانون الثاني الماضي، توقفت الاستهدافات بشكل كامل.
وردا على ذلك، اغتالت الولايات المتحدة بطائرة مسيرة في 2 شباط الماضي، القياديين في "كتائب حزب الله" العراقية، أبو باقر الساعدي الذي يشغل منصب مسؤول وحدة الصواريخ، وأركان العلياوي، وذلك باستهداف سيارتهما في حي المشتل شرق العاصمة بغداد.