يظل توقيت زيارة رئيس النظام
المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى
الصين من 28 إلى 31 أيار/ مايو الماضي، في ظل أجواء عاصفة إقليميا ومحليا؛ مثار جدل وتساؤلات حول احتمالات تغير علاقة نظام القاهرة بالبيت الأبيض في واشنطن، بسبب التقارب مع القصر الإمبراطوري في
بكين.
الحديث عن احتمال تغيّر أجواء القاهرة وواشنطن، يأتي خاصة أن الجانب المصري خلال زيارته بكين أكّد على الالتزام الثابت لمبدأ "الصين الواحدة" وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، ورفض التدخل الخارجي في الشؤون الصينية الداخلية، وهو الملف الخلافي الكبير بين بكين وواشنطن.
ويثير مراقبون، التساؤل حول هدف السيسي، من الزيارة، والمكاسب السياسية والاقتصادية المرجوة منها، وذلك مقارنة بما أُعلن من دعم غربي لحكومة القاهرة قبل شهرين، بـ9 مليارات يورو، وقرض صندوق النقد الدولي بـ8 مليارات دولار، وتمويل من البنك الدولي، بجانب الدعم السياسي والعسكري الأمريكي في إطار اتفاقية "كامب ديفيد"، وغيرها من تفاهمات الجانبين.
ومع تعاظم دور القاهرة دوليا وإقليميا إثر تفجر أزمة حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتوالي الوفود الغربية والأمريكية عليها، مقابل ما تمنحه واشنطن وبروكسل لنظام السيسي، يظل السؤال قائما بشأن ما يمكن أن تمنحه بكين، للسيسي، من دعم سياسي وأمني، بل وفي ملف التسليح العسكري.
اللافت أيضا هنا أن زيارة السيسي، للصين، تأتي وسط حالة غضب شعبي داخلي، بفعل الأزمات الاقتصادية المتتالية والتي تعصف بأكثر من 106 ملايين مصري، وهو ما تبعه قلق أمني، وتوتر سياسي، خاصة مع قرارات حكومية الأربعاء الماضي، برفع أسعار سلع استراتيجية بينها الخبز والوقود والكهرباء، ما يطرح التساؤل: هل يبحث السيسي، لدى بكين، عن داعم دولي مخافة أن يغدر به الغرب كما فعلها مع غيره من حكام المنطقة العربية؟
ويعتقد مراقبون، بينهم الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، ممدوح المنير، في حديث سابق لـ"عربي21"، أن "النظام المصري حريص على ابتزاز واشنطن بعلاقته ببكين وموسكو، وأنه كلما ابتعدت عنه واشنطن كلما اقترب من الصين وروسيا؛ ولا يمكن للإدارة الأمريكية خسارة حليف مهم يرعى مصالحها أكثر مما يرعى مصالح شعبه من أجل ملف حقوق الإنسان".
"رسالة للشعب وللغرب"
وفي اعتقاده، يرى الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، السيد أبو الخير، أن "الزيارة لها أسباب سياسية واقتصادية واستخباراتية"، موضحا في حديثه لـ"عربي21"، أن "السيسي، تعود عندما يأخذ قرارات جديدة تتعلق برفع أسعار سلع استراتيجية أن يسافر خارج مصر سواء روسيا أو الصين".
الأكاديمي المصري، أكد أنه في "زيارة السيسي للصين بهذا التوقيت، رسالة للشعب وللغرب، تقول إنه يتحكم في الأمور، والشعب في نظره قد مات خوفا ورعبا، وبالتالي فهو المتحكم، وتلك رسالة للخارج بأنه قادر على عمل ما يريدون".
وعن مكاسب السيسي الاقتصادية من زيارة بكين، قال: "معروف عن الصين أنها لا تعطي قروضا، ولكنها تشتري أصولا ومؤسسات وموانئ ومطارات، والسيسي، يسير بطريق بيع كل ما هو استراتيجي، لذلك فالصين مشتر جاهز بالمال".
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال لقائه رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في بكين، عن إقرار برنامج لمبادلة الديون بين بلاده ومصر، وسط تحذيرات اقتصادية من تبعات نظام "مبادلة الديون"، فيما أصدرت مصر حينها سندات "باندا" الصينية، بنحو 3.5 مليار يوان (500 مليون دولار) كأول دولة بالشرق الأوسط وأفريقيا.
وحول تغبر أجواء القاهرة وواشنطن بسبب زيارة بكين في هذا التوقيت، ألمح الخبير الدولي، إلى أن "الزيارة ليست بعيدة عن أمريكا، التي تعاني حاليا اقتصاديا وسياسيا وتمر بأزمة طاحنة مالية، خاصة بعد وقوفها مع الاحتلال الإسرائيلي بحرب الإبادة الدموية على غزة".
وخلص أبو الخير، إلى التأكيد على أنه "في الزيارة رسالة للداخل والخارج، بأن مصر غير موافقة على موقف واشنطن من الحرب على غزة، في محاولة لتقليل العار الذي لحق بالنظام المصري بعد ما أثير حول التواطؤ مع الاحتلال ضد غزة".
ويرى أبو الخير، أنه "من هذا المنطلق فقد تكون زيارة السيسي لبكين، بهذا التوقيت جاءت بالتنسيق مع واشنطن وتل أبيب، وخاصة بعد فضيحة السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح ومحور فيلادلفيا، والدعم المستمر من مصر للكيان وإجراءات مثل منع المساعدات".
أما بخصوص احتمالات بحث السيسي لدى بكين عن داعم دولي بديل عن أمريكا خوفا من أن تغدر به كما غدرت بحسني مبارك وغيره من حكام العرب، قال الأكاديمي المصري: "السيسي، لا يجرؤ على مجرد التفكير فى ذلك، لأن واشنطن وتل أبيب تتحكمان في نظام القاهرة من ساسه إلى رأسه".
وفي الوقت الذي سجل فيه عدد سكان مصر 106.4 مليون نسمة في أيار/ مايو الماضي، فقد سجل عدد سكان الصين 1.4 مليار نسمة عن نفس الفترة.
وبعد نحو 6 أشهر من حكمه لمصر وفي 22 كانون الأول/ ديسمبر 2014، زار السيسي الصين لأول مرة، لتتكرر زياراته للعاصمة بكين في أيلول/ سبتمبر 2015، ليرد الرئيس الصيني شي جين بينغ، الزيارة إلى القاهرة في 21 كانون الثاني/ يناير 2016، ليعود السيسي لزيارة الصين في 3 أيلول/ سبتمبر من نفس العام.
ثم في 4 أيلول/ سبتمبر 2017، يزور السيسي الصين للمرة الرابعة، ثم في ذات الشهر من العام 2018، جاءت الزيارة الخامسة ثم السادسة في 25 نيسان/ أبريل 2019، ليغيب عن زيارة الصين في عامي 2020 و2021، بفعل أزمة كورونا، ثم يعاود زيارة بكين في 2 شباط/ فبراير 2022، لتصبح الزيارة الحالية هي الثامنة للسيسي، في رقم قياسي.
"رسالتان.. إحداهما: تحت السيطرة"
السياسي والإعلامي المصري، حمزة زوبع، من جانبه، رأى أن في زيارة السيسي لبكين "رسالتين"، الأولى: "أن الوضع بمصر تحت السيطرة، ولا خوف من أي تحرك شعبي ضد الجنرال، رغم قسوة الأوضاع ومرارة العيش بالظروف الراهنة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن الرسالة الثانية هي أن "النظام يبحث عن دعم صيني أكبر لمواجهة المأزق الاقتصادي الحالي، بعد أن استنفد الدعم الأوروبي والأمريكي المتمثل في المساعدات وقروض صندوق النقد الدولي، التي لم يكن ليحصل عليها لولا موافقة أمريكا".
ويعتقد زوبع، أنه "ربما يكون هناك ثمة مفاوضات حول بيع مشاريع محددة للصين مقابل القروض؛ كما فعل النظام مع كل من الإمارات وسيفعل مع السعودية".
وفي 7 آب/ أغسطس 2022، كشفت مصادر لـ"عربي21"، عن لقاء جمع مسؤولين مصريين وصينيين، في العاصمة السويسرية، جنيف، لمناقشة مبادلة الديون الصينية على القاهرة المقدرة بنحو 8 مليارات دولار بأصول مصرية استراتيجية، بين موانئ ومطارات، وذلك إلى جانب مبادلة أصول بنحو 10 مليارات دولار، ما أثار المخاوف على منطقة قناة السويس الاقتصادية التي تنتشر فيها الشركات الصينية الحكومية والخاصة العملاقة..
وفي لفتة أخرى، يرى زوبع، أن "هذه الزيارة قد تُفسر على أنها هروب من الموقف في مصر، أو توريط مصطفى مدبولي (رئيس وزراء مصر) في قرار رفع سعر الخبز والكهرباء؛ ولكنني لا أتفق مع ذلك، لأن الجنرال وجهه مكشوف وهو صاحب القرار والكل يعرف ذلك".
وبخصوص ما يجري في غزة، قال السياسي المصري، إن "الأمر لا يحتاج إلى السفر للصين للهروب من المواجهة، ولماذا يهرب والكل يعرف مواقفه، وهو الذي لم يعر الجندي الشهيد عبد الله رمضان، أي اهتمام، ولم يأت على ذكره كما يفعل مع من يسميهم (شهداء الإرهاب) الذين يحتفي بهم كل عام ويمنح ذويهم المعاشات والأوسمة وأطفالهم الهدايا والشهادات على الملأ؟".
وختم حديثه بذكر المثل الشعبي المصري القائل: "اللي اختشوا ماتوا".
"نتائج الزيارة وسابق الأعمال"
زيارة السيسي، للصين تأتي بالتزامن مع زيارة قادة الإمارات والبحرين وتونس، لبكين في إطار منتدى التعاون الصيني العربي، والتقى خلالها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ووقعا خطة تطوير مبادرة الحزام والطريق، واتفاقية تعاون بمجال الابتكار التكنولوجي والاتصالات، وأعلنا عن عام "الشراكة المصرية الصينية"، بفعاليات دبلوماسية واقتصادية وثقافية.
ووفق موقع الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية) فإنه جرى مناقشة أزمة الحرب في غزة بين القضايا الإقليمية والدولية، ووقعا برنامج الشراكة الاستراتيجية للأعوام (2024- 2028)، وتوطين الصناعة ونقل التكنولوجيا، وتوسيع الاستثمـارات الصينيـــة الصناعية بمصر، بتصنيع السيارات الكهربائية، والأجهزة الإلكترونية، وإنتاج الألواح الشمسية، والصناعات الكيماوية، ومواد البناء، والتكنولوجيا الزراعية.
والتقى السيسي، رئيس الشركة الصينية للهندسة المعمارية "سيسك"، ورئيس مجموعة هندسة الطاقة الصينية "تشاينا إنيرجي".
وشاركت الصين بمشروعات مصرية كبرى مثل حي المال والأعمال في العاصمة الإدارية الجديدة، وتدشين القطار الكهربائي للعاشر من رمضان، والاستثمارات الصينية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وإطلاق القمر الصناعي المصري (مصر سات-2).
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، في 28 أيار/ مايو الماضي، أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 13.9 مليار دولار خلال 2023، بحجم صادرات مصرية بلغ 909 ملايين دولار، وحجم واردات صينية 12.9 مليار دولار، فيما بلغت قيمة الاستثمارات الصينية بمصر 563.4 مليون دولار في (2021-2022).
وشهدت العلاقات بين البلدين تعاونا بمجال التسليح العسكري، حيث تعاقدت مصر على صفقات صينية لشراء أنظمة دفاع جوي، وأنظمة صاروخية، ونسخ مطورة من الصواريخ، وأسلحة للمروحيات القتالية.
"يراهن على البديل"
وفي قراءته، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي، إن "الحديث عن هذه الزيارة واللقاء الذي جمع الرئيس الصيني بعدد من رؤساء وقادة الدول العربية، يأتي في إطار سعي الصين لتعزيز حضورها في الملفات العربية بشكل كبير، والملفات الإقليمية والدولية بشكل عام".
ولفت مدير "المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية"، في حديثه لـ"عربي21" أن "هناك علاقات اقتصادية قوية بين النظام المصري والصيني، وتحديدا بعد انقلاب 2013 في القاهرة؛ ولكن نظام مصر يراهن على الصين في ضخّ الكثير من الأموال، خاصّة في مجال البنية التحتية، وضخ استثمارات بمنطقة قناة السويس في إطار مشروع الحزام والطريق الذي تتبناه بكين".
وأوضح أنه "لذلك يعول عليها كثيرا في دعم اقتصادي كبير، وللمشاركة بمشروعات اقتصادية كبيرة، وفي الحصول على نسبة من القروض الاقتصادية، وخاصة أن مصر أصبحت عضوا بمنظمة (بريكس)، وهناك مشروع لإنشاء بنك مركزي للمجموعة".
"كما أن الصين حدّدت خطة لضخ 500 مليار دولار كاستثمارات في القارة الإفريقية، ويسعى النظام في مصر للحصول على حصة كبيرة من هذه المبالغ".
إلى ذلك، أشار عبد الشافي، إلى أن "الأمر الآخر المهم هو أن النظام في مصر يتبنّى سياسة أو استراتيجية الاعتماد على نُظُمٍ يمكن أن تكون حامية له، ولأمنه واستقراره، مثل نموذج السوري بشار الأسد، حيث إن رهان نظام القاهرة وتوسيع علاقاته العسكرية مع النظام الروسي وتوسيع علاقاته الاقتصادية مع النظام الصيني أحد الأهداف الكبرى".
وأكد أنه "لا يأمن ألاّ تتخلى عنه أمريكا في وقت من الأوقات؛ ولذا هو هنا يراهن على أن يكون له بديل دولي آخر يؤمن له الاستقرار سياسيا، ويؤمن له الاستقرار عسكريا، في إطار سعيه للبقاء في السلطة".
ومن وجهة نظر الأكاديمي المصري، فإن "النظام المصري لا يعنيه بأي حال من الأحوال فكرة مصالح الدولة اقتصاديا أو سياسيا، ولا يعنيه أيضا مدى ما تقدمه روسيا أو الصين للاقتصاد أو الجيش المصري؛ ولكن ما يعنيه هو ما توفره له هاتان الدولتان من إمكانيات وقدرات تضمنان له البقاء والاستمرار كنظام وليس شرطا كدولة".
وفي نهاية حديثه أشار عبد الشافي، إلى أن مفارقة عدّها دليلا على صدق رؤيته، موضحا أن "الصين وعلى سبيل المثال من أهم الدول المشاركة في سد النهضة الإثيوبي، وهي دولة عضو دائم بمجلس الأمن الدولي، ويمكن أن يكون لها دور، ولكن هذا الملف لا يعني النظام بشكل أساسي، ويعنيه فقط السياسات والإجراءات والدعم الذي يوفر له الأمن والاستقرار كنظام وليس كدولة".