جحافل من الدبّابات والمدرّعات والجرّافات، وقصف مُتواصل يستهدف المدنيين في كامل قطاع
غزة المحاصر، منذ أشهر، أمام مرأى العالم، وبالصوت والصورة وبتقنية المُباشر، في انتهاك صارخ لكافة
القوانين الدولية والمواثيق المرتبطة بحقوق الإنسان؛ ما جعل عددا من رواد منصّات التواصل الاجتماعي يستفسرون، عبر عدد من المنشورات والتغريدات، عن جدوى القوانين الدولية.
ورصدت "عربي21" جُملة من المنشورات والتغريدات، التي دعا أصحابها إلى ضرورة إعادة التفكير في كافة ما يرتبط بالقوانين الدولية الإنسانية، خاصة في ظل استمرار عُدوان الاحتلال الإسرائيلي على
قطاع غزة، ناهيك عن الحرب الهوجاء التي باتت توصفُ بـ"المنسية" التي تتكبّدها السودان، منذ ما يُناهز عاما كاملا.
غزة.. حيث أُسقطت القوانين وحرّية التعبير
تكشف الصور ومقاطع الفيديو التي يتم تداولها، منذ ما يُناهز ثمانية أشهر، استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمدنيين من النساء والأطفال والكبار في السن، وأيضا الأطباء والمسعفين والإعلاميين، وغيرهم من الفئات، التي تجرّم القوانين الدولية استهدافهم في الحروب.
كذلك، تم التسّوية أرضا بكل من المشافي والمدارس والمنازل والمساجد والكنائس، والأسواق والمخابز.. وهي كذلك من الأماكن التي يتم تجريم الاقتراب منها في الحروب، بحسب القوانين الدولية الإنسانية التي تم الضرب بها عرض الحائط.
وعن حرّية التعبير على مختلف منصّات التواصل الاجتماعي، توصّلت "عربي21" بجُملة شكاوى، في الأيام القليلة الماضية، بين من يكشف التنبيهات المُتوصّل بها من المنصّات بسبب مقطع فيديو يوضّح الانتهاكات الجارية على قطاع غزة، وبين من أكّد حظر ولوجه لحسابه.
قوانين وقرارات.. ضُربت عرض الحائط
على الرغم من صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار فورا، ورغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية"، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تزال تُواصل عدوانها الأهوج على كامل القطاع المحاصر، في ضرب بعرض الحائط كافة القوانين والقرارات والمواثيق الدولية المرتبطة بشكل مُباشر أو غير مُباشر بحقوق الإنسان.
وفي اليوم الـ240 لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على كامل القطاع، سقط عشرات الشهداء والجرحى، خاصة في رفح التي نالت النصيب الأكبر من الهجمات الدامية، والتي كانت تُعتبر من المناطق الآمنة، حيث كان ينزح إليها الأهالي داخل القطاع المحاصر الذي يعيش على إيقاع حرب، باتت كلمة "مأساوية" لا تصف ما يجري فيها من انتهاكات صارخة لكافة ما يمس لـ"الإنسانية" بصلة.
وكان نائب مندوب فلسطين بمجلس الأمن، الأربعاء الماضي، في جلسة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، قد قال إن "دولة الاحتلال الإسرائيلي تقصف أحياء بأكملها، بشكل عشوائي، في قطاع غزة المحاصر"، مشيرا إلى أنه يتوجّب على دولة الاحتلال الإسرائيلي "باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال حماية المدنيين".
وأضاف نائب المندوب الفلسطيني بمجلس الأمن، أن "جيش الاحتلال يقترف جرائم حرب يوميا، وإسرائيل تجاوزت جميع الخطوط الحمراء، والعالم مطالب بإجبارها على وقف عدوانها"، مؤكدا أن الاحتلال الإسرائيلي دمّر كافة مقومات الحياة في قطاع غزة.
"لا يمكنها الإفلات من العقاب، وحان وقت المساءلة؛ حيث ظلّت لسنوات طويلة فوق القانون" أضاف المتحدث نفسه. فيما أكدت نبال فرسخ، مسؤولة الإعلام بالهلال الأحمر الفلسطيني، أن "آلاف الفلسطينيين اضطروا إلى النزوح من رفح الفلسطينية، مع تكثيف القصف الإسرائيلي".
هل تم الرجوع لعصر "الفوضى"؟
في ورقة تحليلية، نُشرت عن مركز الخليج للأبحاث، للباحث يوسف كامل خطاب، بعنوان: "انتهاكات إسرائيل للقوانين الدولية الإنسانية والعرفية، في الحرب على غزة"، فإن الحروب منذ بدء البشرية لم تكن تُراعي أي حقوق إنسانية أو محاذير أخلاقية، سواء تجاه من يشاركون في الحروب أو غيرهم، وإنّما كانت وحشية وعنيفة حيال الجميع.
وأوضح: "مع كثرة المعارك والحروب، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتطوّر الآليات والمعدات العسكرية، باتت الحروب أكثر فتكا للبشر والحجر؛ فبادرت الدول المتحاربة لبحث السبل والوسائل، لتقنين الحرب وتقييدها؛ مردفا: "تُعدّ اتفاقيات جنيف، بما ألحق عليها من تعديلات، المرجع الرئيس للقانون الدولي الإنساني، الذي يُعرف أيضا بقانون الحرب، أو قانون النزاعات المسلّحة لدوافع إنسانية.
وأبرز أن الأمر يتعلّق بـ"مجموعة من القواعد التي ترمي إلى الحد من آثار النزاعات المسلّحة لدوافع إنسانية، ويحمي الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة أو بشكل فعّال في الأعمال العدائية، أو الذين كفّوا عن المشاركة فيها مباشرة أو بشكل فعّال، كما أنه يفرض قيودا على وسائل الحرب وأساليبها".
وبحسب القانون الدولي الإنساني، فإن "المدنيين الواقعين تحت سيطرة القوات المُعادية يجب أن يُعاملوا معاملة إنسانية في جميع الظروف، ودون أي تمييز ضار، ويجب حمايتهم ضد كل أشكال العنف والمعاملة المهينة، بما فيها القتل والتعذيب، ويحق لهم أيضا في حال محاكمتهم الخضوع لمحاكمة عادلة توفّر لهم جميع الضمانات القضائية الأساسية"، وهو ما تم تجاهله في كل من العدوان الجاري على قطاع غزة، وكذا في السودان، بحسب جُملة من المنشورات والتغريدات التي تُوثْق ما يُقترف من انتهاكات على أرض الواقع.
كذلك، فإنه في الوقت الذي يؤكّد فيه القانون الدولي الإنساني على ضرورة الحد من المعاناة الناجمة عن الحرب، بغض النظر عن مبرراتها أو أسبابها، أو منع نشوبها؛ قد أقدم الاحتلال الإسرائيلي على قصف المساجد والكنائس والمدارس، وهي الأماكن التي "لا يجوز مهاجمتها ما لم تُستغل لأغراض عسكرية"، وهي الأماكن التي يُفترض أنها "منبع الأمان" للمدنيين المُنهكين من ويلات العدوان عليهم.
ما خفي أعظم
كذلك، أكّدت عدد من التقارير الدولية المتواترة انتهاكات أخرى خفيّة، تُمارس داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي على الأسرى الفلسطينيين، بينهم ما كشفت عنه صحيفة "غارديان" البريطانية، بالقول إن "الأسرى الفلسطينيين في معتقل صهيوني بصحراء النقب يتعرضون لعمليات تعذيب ممنهجة تسببت للعديد منهم في مضاعفات صحية خطيرة".
وأضافت الصحيفة، في تقرير لها، أن "أيدي المعتقلين في سجن تيمان تبقى مكبلة طول الوقت، وأن واحدا، على الأقل، من المعتقلين بُترت يده بسبب تكبيله بشكل مستمر"؛ فيما أكّدت أن "المعتقل الذي يوجد على بعد نحو 29 كيلومترا من غزة يتكون من قسمين، أولهما هو عبارة عن منطقة سياج يحتجز داخلها نحو 200 فلسطيني في ما يشبه الأقفاص، والمنطقة الأخرى هي عبارة عن مستشفى ميداني من الخيام يحتجز داخله عشرات الأسرى الجرحى، المحرومين من مسكنات الألم".
إلى ذلك، مع توالي البثّ المُباشر لاستمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي في عُدوانه على كامل القطاع المحاصر، وتداول صور ومقاطع فيديو توضّح حجم "الكارثة الإنسانية الجارية على مرأى من العالم أجمع"، ومع استمرار الحرب في السودان كذلك، بات عدد من رواد مختلف منصات التواصل الاجتماعي في حالة استفسار لا تهدأ بخصوص جدوى القوانين الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان.