تُعد قضية فلسطين من القضايا الحساسة والمؤثرة في الوعي العام
المصري، ولكن على الرغم من ذلك، فإن الحراك الطلابي في مصر شهد غيابا ملحوظًا في التضامن مع الأحداث المأساوية التي تجتاح قطاع
غزة وتستهدف الشعب الفلسطيني.
هذا التراجع المثير من الحراك الطلابي في ظل الانتفاضة الطلابية في العديد من جامعات أمريكا ودول العالم يثير تساؤلات عميقة حول الأسباب والعوامل التي أدت إليه، ومن بين هذه العوامل يأتي دور الضغوط الأمنية التي قد تمارس بحق الطلاب والتي قد تكون قيودًا على حرية التعبير والتظاهر.
من الواضح أن انعدام الحريات في مصر، والذي بات يشهدها الحراك الطلابي بشكل خاص، قد يكون له تأثير كبير على قدرة الطلاب على التنظيم والتحرك في القضايا السياسية المثيرة للجدل، مثل القضية الفلسطينية. ومع استمرار الظروف الأمنية الصعبة وانعدام الحريات، فإنه قد يكون من الصعب على الطلاب التعبير عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية بالشكل الذي يرغبون به.
لطالما كانت الحركة الطلابية في مصر منذ عقود وحتى قبل قيام الجمهورية المصرية على أنقاض الحكم الملكي هي إحدى الحركات المؤثرة في وعي الشارع المصري وتاريخ النضال المصري سواء مع قضاياه أو القضية الفلسطينية حتى عهد الرئيس الراحل محمد مرسي.
الحراك الطلابي: رقم صعب يخشاه الجميع
علق الناشط السياسي والقيادي الطلابي سابقا في الجامعات المصرية، أحمد البقري، بالقول: "الحراك الطلابي هو رقم صعب في أي معادلة سياسية، ويمثل قلقا للحكومات لأنه يحفز الشارع والرأي العام والإعلام ضد الحكومات، وما نراه في الجامعات الأمريكية وبعض الجامعات الغربية تضامنا مع رافضي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة جعل السلطات الأمريكية في حالة استنفار أمني شديد وتجاوزت كل الخطوط الحمر لمبادئ الحرية بممارسة كل وسائل الضغط على الطلاب تارة بالاعتقال والضرب وتارة بالفصل والترهيب".
وأكد في حديثه لـ"عربي21": "القيود على حرية التعبير والتجمع، والتضييق على الفضاء الديمقراطي، جعلت من الصعب على الطلاب التنظيم والتعبير عن آرائهم بحرية. من ناحية أخرى، فإن الأسباب الأمنية تُعوِّق النشاط الطلابي، حيث تُعتبر التجمعات الطلابية والمظاهرات مصدر قلق للسلطات الأمنية، خاصة في ظل الظروف السياسية والأمنية الحالية في البلاد".
وأعرب البقري، الذي شغل منصب نائب رئيس اتحاد طلاب مصر سابقا، عن شعوره بالأسى، بالقول: "نشعر بغصة عندما نرى المظاهرات والاعتصامات في الجامعات الغربية٬ وجامعتنا المصرية خاوية من أي حراك أو حتى نشاط طلابي٬ وهم الأقرب لهم في كل شيء لأن مصر وليس الجامعات المصرية فقط تحت الحصار الأمني وتحرمهم السلطات الأمنية والسياسية حتى من التضامن مع أشقائهم وليس بيننا وبينهم سوى جدار ".
وذهب إلى القول بأنه "لا يمكن تجاهل التأثير الكبير للتغيرات السياسية التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة على الحراك الطلابي، فقد أدت القيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع السلمي إلى تراجع الحركة الطلابية بشكل كبير، ويخشى العديد من الطلاب من التعرض للمضايقات أو الاعتقال إذا شاركوا في احتجاجات".
من يتحمل مسؤولية الركود الطلابي؟
على المستوى السياسي، يقول رئيس حزب الفضيلة المصري، المهندس محمود فتحي، إن "تاريخ الحركة الطلابية في مصر قديم ويعود إلى بدايات القرن الماضي وإنشاء الجامعات مرورا بثورة عام 1919 وامتد حتى ما بعد الانقلاب العسكري عام 2013 ٬ وطوال تلك العقود ظل الحراك عاملا مهما ومؤثرا سواء لصالح الدولة أو المعارضة كما كان في عهد عبد الناصر الذي حرص على إظهار الدعم للقضية الفلسطينية خاصة من خلال الحراك الطلابي وتأييده".
ورأى في حديثه لـ"عربي21" أنه "لا يمكن حصر أسباب تراجع الحراك الطلابي المصري في عامل واحد، بل هو مزيج من العوامل السياسية والاجتماعية والأمنية، ورغم استمراره لنحو عامين أو ثلاثة بعد الانقلاب العسكري إلا أنه واجه ضغوطا أمنية قوية"، مشيرا إلى أنه "كان للحراك الطلابي في الماضي قيادات قوية تمكنت من حشد الطلاب وتنظيم الاحتجاجات. لكن في الوقت الحالي، يُعاني الحراك الطلابي من نقص في القيادات القوية، ما أدى إلى صعوبة تنظيم فعاليات احتجاجية كبيرة".
ورأى فتحي أنه "يُمكن أن يكون إعادة إحياء الحراك الطلابي المصري مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة. يتطلب ذلك جهودًا من مختلف الأطراف، بما في ذلك الطلاب والأساتذة والمجتمع المدني والمعارضة التي تتحمل جزءا من المسؤولية لكن الجزء الأكبر يقع على عاتق السلطة، كما أنه يُلاحظ تغيرا في تركيبة المجتمع المصري، فقد أصبح الشباب أقل اهتمامًا بالسياسة، وأكثر اهتمامًا بالقضايا الشخصية والترفيهية".
تيبس الحركة وعصا السلطة
يعتقد الكاتب الصحفي محمد نصر، وأحد المشاركين في الحراك الطلابي إبان ثورة 25 يناير، أنه "رغم أن التاريخي الطلابي النضالي المصري طويل من أجل القضية الفلسطينية خلال العقود العديدة الماضية، إلا أن المناخ السياسي في مصر في السنوات العشر الأخيرة ساهم في وأد أي حراك طلابي داخل الجامعات المصرية و خارجها. حالة من التيبس في عروق الحركة الطلابية أصابت مصر بسبب العصا الأمنية المرفوعة من سلطة تخشى أي صوت يعبر عن الحقيقة إذا كانت هذه الحقيقة سياسية أو تاريخية أو إنسانية".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "حاول النظام المصري خلال العقد الأخير إخماد أي جذوة حراك قبل انتشارها لأنه يعلم جيدا أن القضية الفلسطينية هي قضية فاصلة للشعب المصري وبإمكانها دب الحياة مجددا في شرايين الحركة الطلابية في مصر بعدما فرض الحصار الأمني عليها في العقد الأخير".
وعرج على الحراك الطلابي في الغرب قائلا: "من غير المعتاد أن نرى في كندا وأمريكا اليوم مظاهرات واعتصامات نصرة لغزة، ولا نسمع إلا الصمت في ساحات الجامعات المصرية.. كل هذا بسبب قلق النظام المصري ورعبه من أي انفجار محتمل للحركة الطلابية التي دائما ما تقود التغيير".