قلل الخبير العسكري والاستراتيجي
اللواء الركن محمد الصمادي، من أهمية عملية تحرير 4 أسرى للاحتلال على المستوى
الاستراتيجي، مُعتبرا أنها نجاح تكتيكي لا غير.
وأعلنت قوات
الاحتلال الإسرائيلي عن تمكنها من تحرير أربعة أسرى أحياء من مخيم النصيرات وسط
غزة، خلال عملية خاصة ارتكبت على إثرها مجزرة راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى.
وارتكبت قوات الاحتلال مجزرة مروعة في النصيرات، بعد أن شنت قصفا عنيفا على أجزاء واسعة من المدينة ومخيمها، تسبب في سقوط أكثر من 210 شهيدا وعشرات الجرحى، نقلوا إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، بالتزامن مع توغل محدود في الأجزاء الشرقية والشمالية.
وتابع الصمادي في حديث خاص
لـ"عربي21": "ما تم من الناحية العسكرية هو عملية تحرير للأسرى،
ولكنها كانت مُصاحبة بعملية وحشية وطغيان وجبروت وظُلم وعربدة وحرب إبادة وارتكاب
كافة أنواع الموبقات ضد المدنيين الأبرياء في منطقة النصيرات".
وقال إن "عملية تحرير الأسرى نعم
ستكون داعمة لموقف نتنياهو في الحرب داخليا وخارجيا، ولكننا نتحدث عما يزيد
عن 8 أشهر من القتال ومع ذلك فشل جيش الاحتلال عسكريا وإعلاميا وأخلاقيا في هذه
الحرب".
ولذلك يرى الخبير العسكري أن "جيش
الاحتلال وحكومة اليمين المتطرف يبحثون عن أي صورة من صور النجاح حتى تُعزز
موقفهم، فعلى الرغم من هذه الترسانة العسكرية الهائلة والجيش الذي يُصنف بأنه الـ
14 عالميا، إلا أن الاحتلال لم يستطع تحقيق أي من أهداف الحرب المُعلنة".
واستدرك الصمادي بالقول: "نعم
أحرز جيش الاحتلال العديد من النجاحات على المستوى التكتيكي - علما بأن مقارنة
القوى هي بالمطلق لصالح جيش الاحتلال، ولكن إرادة الصمود وعقيدة القتال وإصرار
هذا المقاتل الفلسطيني البطل على الاستمرار في أعمال المقاومة هو لصالح المقاومة
وهذا ما ساهم في عملية موازنة الخلل في ميزان القوى- ولهذا باعتقادي لا ترقى هذه
النجاحات لأن تصل إلى المستوى الاستراتيجي".
وأوضح أن "قيام الاحتلال بعملية
التحرير هذه شيء طبيعي ضمن آلة القتال والقدرات العسكرية الموجودة لديه، لكن هذا
العمل وفقا للعُرف العسكري لا يُصنف كعمل بطولي خاصة أنه جاء بعد ما يزيد عن 8
أشهر من العمليات العسكرية المتواصلة، ولذلك هذه العملية لا تُصنف ولا تندرج ضمن
الإنجازات على المستوى الاستراتيجي".
دعم لنتنياهو داخليا وخارجيا.. ولكن!
وحول كيف ستدعم هذه العملية موقف
نتنياهو المتمثل برغبته باستمرار العمل العسكري، قال الصمادي، "أولا على
المستوى الداخلي ستقوي موقفه وتدعمه".
واستدرك بالقول: "لكن بالنسبة
لعائلات الأسرى لن تُحدث هذه العملية تغييرا كبيرا، فهذا النوع من العمليات يحتوي
على مُعامل خطورة عال جدا متمثل باحتمالية قتل الأسرى أثناء عملية التحرير في
العمليات المستقبلية، بالمقابل أهالي الأسرى يرغبون بأن يكون هناك صفقة سلمية
للتبادل".
وتابع: "وأما خارجيا، فإن
الولايات المتحدة ونتنياهو وحكومة اليمين المتطرف يحاولون الآن أن لا يتم التوصل
لهدنة أو اتفاق لتبادل الأسرى، حيث أن الحرب الآن انتقلت من استنزاف المقاومة
لجيش الاحتلال إلى محاولة الأخير استنزاف قدرات المقاومة".
ولفت إلى أن "هذا الأمر هو ما
تراهن عليه قوات جيش الاحتلال، أي أن يكون هناك استمرار للعمليات خاصة بعد
السيطرة على محور فيلادلفيا بالكامل وبالتالي أصبح الآن قطاع غزة مُطوقا ومُحاصرا بعد حصاره لمدة 18 عاما".
وأضاف: "لهذا جيش الاحتلال
ونتنياهو يراهنون الآن على تخفيض القدرات القتالية للمقاومة واستنزاف قدراتها،
ويحاولون أن يطيلوا أمد القتال حتى تستهلك المقاومة قدراتها من الأسلحة المضادة
للدبابات والقدرات الصاروخية الموجودة لديها".
من جهته قال الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي، إيهاب جبارين، إن "نتنياهو بالطبع قام بتجنيد هذه العملية لتعزيز موقفه الذي يرى أنه يجب الاعتماد على الضغط العسكري لكي تؤتي هذه الحرب ثمارها وعدم إيقافها، وهذا طبعا يأتي في خضم الحديث عن شروط المفاوضات وبالتالي عدم الانسحاب، وهذه الامور سوف تعزز من الموقف الإسرائيلي بطبيعة الحال".
وتابع جبارين في حديث خاص لـ"عربي21": "لكن هنا يجب الإشارة إلى نقطة مهمة جدا، وهي أننا هنا نتحدث عن رأيان وخطابان داخل إسرائيل، الخطاب الأول، وهو العقلاني، وهو بالمناسبة ما كان يعتمده نتنياهو منذ مدة ليست بالبعيدة، ومفاده الانسحاب في القمة أو الدخول إلى الصفقات من باب حُلم القوي".
ولفت إلى أن "هذا ما قام به نتنياهو في أكثر من موقف في غضون العشر سنوات التي مضت، حتى خلال حروبه وعدوانه على غزة كان يدخل إلى الصفقات من باب حُلم القوي وفق هذه الاستراتيجية".
وأضاف": والآن بات لدى نتنياهو ورقة مهمة جدا ليس للمفاوضات فحسب بل للشارع الإسرائيلي لكي يقوم بتقوية الصفقة وفق شروطه والدخول إليها، وعلى الاقل انا باعتقادي نتنياهو بحاجة إلى المرحلة الأولى لتنفيس الشارع الإسرائيلي ومحاولة ترتيب الأوراق السياسية والتي هو بحاجة إليها مثل أي شخص آخر في إسرائيل".
وأوضح جبارين، أن "الخطاب الآخر في إسرائيل هو خطاب شعبوي ويعتمد على استراتيجية المقامرة، ويقول هذا الخطاب – طالما ما زلنا نربح فلماذا التوقف بل يجب علينا الاستمرارية-، وهنا نلاحظ أن نتنياهو أستغل ذلك، فهو يحاول أن يرمي كرة المسؤولية على المؤسسة العسكرية بأن هذا ما كان يرمي إليه، بينما هي لم تُعطي هذه الانجازات، بالمقابل المؤسسة العسكرية تحاول أن تقول بكلمات ملغومة بأنه لا تتكلوا على أنه سوف يكون هنالك عمليات متتابعة في هذا السياق".
وأكمل: "وهنا يأتي دور وموقف ذوي الأسرى، فهم لكي يتوقفوا عن الاحتجاجات هم بحاجة إلى عمليات متسلسلة تكون استراتيجية وليست تكتيكية، بمعنى لكي يستعيدوا الثقة بالمؤسسة العسكرية وبحكومتهم هم بحاجة إلى ضربات وعمليات متتالية كهذه العملية وليس عملية واحدة كل 7 اشهر".
وحول تأثير عملية تحرير الأسرى على مسار مفاوضات وقف إطلاق النار، قال إيهاب جبارين، "كما أشرت سابقا هذا سيرفع سقف توقعات بنيامين نتنياهو ومتطلباته وإلى أي مدى يريد أن يسير في هذا المسار".
وتابع: "لكن غانتس لديه موقف محوري في هذا المسار، بالذات أنه أرجى خطابه ولم يلغيه، فبالتالي هذا يتوقف على أي الأوراق مكشوفة أمام غانتس، هل هي ورقة الصفقة، وهل هناك بوادر حُسن نية للذهاب إليها، أم أن الخطاب والروقة العسكرية هي الموجودة أمامه".
ويرى جبارين أن "غانتس في هذه اللحظة وبالذات بعد أن أفقده نتنياهو زخمه بهذه العملية هو بحاجة إلى أي انجاز سياسي يستطيع من خلاله استعادة الزخم الذي حاول أن يفوز به ولم ينجح بذلك".
ويعتقد أن "خطاب غانتس يعتمد على الأوراق التي قد تكون مكشوفة أمامه من قبل نتنياهو، كان خطابه يعتمد على البقاء بسبب الصفقة فهذا يعني أن هنالك توقعات إيجابية من الذهاب إلى صفقة، وإذا كان يُرجح العملية العسكرية فهذا يعني أن هناك دلائل على أن هناك عمليات متتابعة في هذا السياق، أما إذا أنسحب فهذا واضح أنه لا يوجد عملية عسكرية أو صفقة واضحة أمام أعينه".