كتاب عربي 21

هل جاء كتاب "في أيدي العسكر" بالذئب من ذيله؟!

جمعة الغضب- جيتي
لم تقتصر أخطاء ديفيد كيركباتريك في كتابه "في أيدي العسكر" على المعلومات فقط، ولكن بجانب هذا فإنه لم يحسن قراءة كثير منها، ومع هذا فقد أقام لها زملاء أعزاء زفة، وكأنه جاء بالذئب من ذيله، فهل جاء به فعلا من ذيله؟!

يرصد كيركباتريك أعمال التخريب التي حدثت ليلة جمعة الغضب، وحرق سيارات الشرطة، ومئة مخفر، على النحو الذي كان يشعره بالذهول في كل مرة سمع فيها غربيين يتحدثون عن سلمية المظاهرات. وهو أمر مقبول من مراسل في بداية عمله، ولا يزال في بداية تعلمه لغة البلد الذي يغطي أحداثه، كما أنه وقع أسيرا لمجموعة صغيرة من الشباب مثّلوا مصدر معلوماته، فلم يهتم بضوابط العمل الصحفي بمحاولة الوصول للحقيقة، واستكمال قصته الصحفية، ومع ذلك استُقبل كتابه بضجة، لكونه خواجة، فمن غير الخواجات يملك الحقيقة؟!

ديفيد كان في يوم جمعة الغضب قادما من مسجد الاستقامة حيث كان يصلي البرادعي، بمعنى أنه كان ضمن الحشود على كوبري قصر النيل، وهي حشود ظهر فيها الأمن في مواجهة الناس، ولو كان من الجانب الآخر في منطقة وسط البلد، أو بجواز مبنى الحزب الوطني وقت اقتحامه ونهبه، أو حاول الوصول إلى من فعلوا ذلك (وهو من صميم عمله الصحفي)، لفهم مشهد الحرق والنهب لبعض المتاجر، وربما حرق محكمة الأزبكية القريبة من ميدان التحرير،
يرصد كيركباتريك أعمال التخريب التي حدثت ليلة جمعة الغضب، وحرق سيارات الشرطة، ومئة مخفر، على النحو الذي كان يشعره بالذهول في كل مرة سمع فيها غربيين يتحدثون عن سلمية المظاهرات. وهو أمر مقبول من مراسل في بداية عمله، ولا يزال في بداية تعلمه لغة البلد الذي يغطي أحداثه، كما أنه وقع أسيرا لمجموعة صغيرة من الشباب مثّلوا مصدر معلوماته، فلم يهتم بضوابط العمل الصحفي بمحاولة الوصول للحقيقة
ولوجد نفسه أمام سؤال مفاده لماذا المحكمة وليس قسم الشرطة الذي يقع على مرمى حجر من ميدان التحرير؟ ولماذا أقسام شرطة بعينها مثل مدينة نصر، وحدائق القبة، أي التي تقع في زمام الأحياء الشعبية، أو تقع بعض التجمعات السكنية الشعبية ضمن زمامها، في حين أن أقسام الشرطة القريبة من الميدان لم تمتد لها يد بالاعتداء أو التخريب (الأزبكية، قصر النيل، الموسكي، الزمالك، الدقي)؟!

ولو تأمل كيركباتريك المشهد، وامتلك أدوات التأمل، لخرج بصورة أكثر إثارة من محاولته إثبات أنه توصل لما لم يتوصل له أحد من قبل، وهي أن الثورة لم تكن سلمية، مع أن الإجماع منعقد على أن أنها ثورة سلمية، لم تحرق، أو تنهب، أو تدمر!

فصورة متجر "كارفور" القريب من مقر إقامته والذي تعرض للنهب، بجانب صور أقسام الشرطة وعرباتها، رآها العالم كله ومع ذلك أقر بسلمية الثورة، لأن الثوار لم يقوموا بذلك، وإنما من قام به هم محترفو الإجرام؛ وهم حلفاء رجال الأمن في هذا اليوم، وظهيرهم الشعبي، ومع كل مجموعة من رجال الشرطة في المناطق المحيطة بميدان التحرير كان يقف عدد من الشبيحة مفتولي العضلات، ليتولوا التعامل مع الناس، دون أن تكون الشرطة طرفا في الأمر!

بداية التوظيف السياسي للبلطجية:

وقد بدأ التوظيف السياسي للشبيحة في عهد وزير الداخلية حبيب العادلي، وفي انتخابات سنة 2000، عندما بدأ الإشراف القضائي المنقوص على الانتخابات، فاستعان بهم وبالمسجلات آداب، اللاتي منعن نساء الإخوان من الوصول إلى اللجان الانتخابية، في دوائر مثل دائرة الدقي التي ترشح فيها نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين مأمون الهضيبي، وبالاعتداء البدني واللفظي عليهن لإجبارهن على المغادرة، وسط حياد سلبي من الشرطة، وحدث أن أصرت كريمة الكاتب الكبير علاء الديب، وهي مراسلة لوكالة أمريكية، على الوصول للجنة مع هذا المنع، وقدم لها رجال الشرطة النصيحة بالانصراف، فلما لم تنصرف اشتبكت معها مسجلة آداب، قيل إنها خرجت من السجن حالا لأداء هذه المهمة الوطنية والعودة من جديد لقضاء العقوبة، وهو ما كتبت عنه في حينه ولم أنتظر حتى سقوط نظام مبارك!

وبعد الاعتداء البدني واللفظي على المراسلة الشابة، تدخل رجال الأمن بكل حياد، وألقوا القبض على المراسلة وهذه المرأة لتحرير محضر بالواقعة، وتم وضع الزميلة في الحجز مع النسوة، وظل والدها الليل كله يبحث عنها، دون أن يعثر لها على جرة، فلم يتم إبلاغه بما جرى، ولتكون هذه رسالة للجميع بأن طرفا ثالثا دخل المعادلة السياسية إلى جوار السلطة!

وللشبيحة، والمسجلين خطر، وظائف عدة لدى المباحث بمقر إقامتهم، لكن الاستخدام السياسي كان حديثا، وعندما وقعت جريمة الاعتداء على زميلتنا الراحلة "نوال علي" أمام نقابة الصحفيين، كان الجناة المتحرشون بها بلطجية يقفون جنبا إلى جنب مع رجال الشرطة، فلم يحركوا ساكنا ولو من باب التمثيل، وكانت الجزيرة حاضرة لتغطية المظاهرات ونقلت الصورة على الهواء مباشرة، مما دفع بالرئيس الأمريكي أن يتصل بمبارك هاتفيا ويعنفه!

كنت شاهدا على حضور البلطجية في يوم جمعة الغضب، وقد أمكنني تتبع مسيرتهم بعد سقوط الشرطة، فالشاهد أنه بعد أن حمي الوطيس، رأوا أنهم ليسوا طرفا في هذه المعركة وهربوا من الميادين، وتركوا المواجهة لأصحابها، وعادوا عندما علموا بسقوط الشرطة للانتقام!
وإذ كنت شاهدا على حضور البلطجية في يوم جمعة الغضب، وقد أمكنني تتبع مسيرتهم بعد سقوط الشرطة، فالشاهد أنه بعد أن حمي الوطيس، رأوا أنهم ليسوا طرفا في هذه المعركة وهربوا من الميادين، وتركوا المواجهة لأصحابها، وعادوا عندما علموا بسقوط الشرطة للانتقام!

فالعلاقة بينهم وبين الشرطة ليست بين أنداد ولا يجوز لها أن تكون كذلك، ومنهم من يتعرض للإذلال، الذي لا يستطيع حياله صدا أو ردا، فالعين لا تعلو على الحاجب، ومن هنا كانت جرائمهم والتي بدأت مثلا بإجبار مأمور أحد الأقسام أن يخرج من قسم الشرطة بملابسه الداخلية، ولم يجرؤ أحد وقتئذ أن يقول إن الثوار هم من فعلوها، وكان نهب مقر الحزب الوطني من قبل لصوص محترفين، سرقوا حتى الأثاث، وجاءوا للموقع بالدرجات النارية، وعندما لم يجد أحدهم شيئا أخذ لوحة وهرب، وبينما يهم بركوب درجاته أمسك فيه أحد المحامين: ألا تعرف ثمن هذه اللوحة؟! وبينما يطلق لدراجته العنان، أجاب بنطقه الفج والسوقي: "أعرف طبعا.. أصلي أنا فنان".

وقد حاول هؤلاء اللصوص اقتحام المتحف المصري الذي يقع في حيز ميدان التحرير، ومن تصدى لهم حينئذ هم الثوار، بأجسام عارية، ولعبت قناة الجزيرة دورا مهما في الحفاظ على تراث مصر، نسيناه جميعا للأسف، ونقلت نداء الكاتب أحمد طه النقر (ناصري) على الهواء مباشر للجيش أن يرسل قواته لحماية المتحف، وقد نادى بعد الانقلاب بشطبنا من عضوية نقابة الصحفيين لأننا نظهر على شاشة الجزيرة، وباعتبار شطب الصحفيين المصريين الذين يظهرون عليها مقدم على توقيع العقوبة على من خالفوا قرارات الجمعية العمومية ومارسوا التطبيع المنهي عنه وطنيا.

أما واقعة إحراق محكمة الأزبكية فقد كانت من جانب أرباب سوابق، وأصحاب قضايا، فعلوا ذلك للتخلص من ملفاتهم، ولقضايا لم يتم الفصل بها!

سيارة السفارة الأمريكية:
وددت لو أن كيركباتريك اهتم بالواقعة، بحكم اهتمامه بالعنف في هذا اليوم، ليحقق في ذلك، وبحكم جنسيته واتصالاته بالسفارة الأمريكية يستطيع أن يصل إلى حقيقة أمر لا يمكن لأمثالنا الوصول إليه، بدلا من أن يشطح خياله وينطح، دون أن يمارس أبجديات العمل الصحفي، وهو التحري والتأكد من صحة المعلومة

لم يأت مؤلف كتاب "في أيدي العسكر" على ذكر لحادثة مهمة، تمثلت في مشهد سيارة مصفحة مملوكة للسفارة الأمريكية وهي تقتل الثوار، وقد نقلت قناة الجزيرة المشهد، فقالت السفارة في بيان لها إنها سيارة تابعة لها ولكنها مسروقة من جراج تابع للسفارة، وبعد ذلك ومن خلال لجنة لتقصي الحقائق تبين أنها أكثر من سيارة، فهل كانت جميعها مسروقة؟ فماذا فعلت السفارة لإثبات السرقة والوقوف على السارق؟!

وددت لو أن كيركباتريك اهتم بالواقعة، بحكم اهتمامه بالعنف في هذا اليوم، ليحقق في ذلك، وبحكم جنسيته واتصالاته بالسفارة الأمريكية يستطيع أن يصل إلى حقيقة أمر لا يمكن لأمثالنا الوصول إليه، بدلا من أن يشطح خياله وينطح، دون أن يمارس أبجديات العمل الصحفي، وهو التحري والتأكد من صحة المعلومة، ولا يكون هذا إلا باتساع الرؤية وتعدد المصادر!

وقد أفردت مذكرات ديفيد كيركباتريك جانبا كبيرا للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وهو -فك الله سجنه- يستحق، بيد أنه كان لافتا أن يذكر معلومة غير صحيحة فيما يختص بعلاقته بالإخوان، بذكر أنهم طردوه من مكتب الإرشاد قبل عام 2010، وهذا لو كتب مع العلم لسمي تدليسا على القارئ، لكن برأيي إنها الخفة!

فالواقع أن الإخوان لم يطردوه من مكتب الإرشاد، والشاهد أنه أدرك أن هناك اتجاها لإسقاطه، من جانب صاحب النفوذ الأقوى داخل الجماعة خيرت الشاطر، فلم يتقدم بطلب للترشيح أصلا، فكيف يفسر الأمر على أنه طرد؟!

لو تعقبنا روايات ديفيد كيركباتريك في مؤلفه الضخم (448 صفحة)، لصار هشيما تذروه الرياح، ولكن الله سلم!

ليس كل ما يلمع ذهبا!

x.com/selimazouz1