عاد ملف "فتح
الطرقات" المغلقة بين
المحافظات
اليمنية التي تسيطر عليها
الحكومة المعترف بها وجماعة
"أنصار الله" (
الحوثي) إلى الواجهة من جديد، بعد سنوات من تعثر مفاوضات
ومبادرات إعادة فتحها، رغم الأعباء التي أثقلت كاهل اليمنيين وقيدت حركة النقل
والمسافرين من وإلى المحافظات.
ويوم الأحد، أعلن عمدة محافظة مأرب (شرقا) وعضو مجلس
القيادة الرئاسي الحاكم في اليمن، سلطان العرادة عن فتح طريق "مأرب -
البيضاء – صنعاء"، بدءا من ظهر اليوم ذاته، بعد استكمال الترتيبات اللازمة
لذلك.
وخلال لقائه مع وفد "مبادرة السلام
المجتمعية" ( مبادرة مجتمعية) أكد العرادة على "أهمية تفعيل دور
المجتمع لدعم كافة الجهود الإنسانية، وإنجاح مساعي فتح الطرقات المغلقة بين المدن
اليمنية بما ينهي المعاناة والمخاطر التي تواجه المسافرين أثناء تنقلهم عبر
الصحراء والطرق البديلة والمرهقة".
وكان وفد من مبادرة "السلام المجتمعية" قد
وصل إلى مدينة مأرب، يحمل رايات بيضاء وذلك ضمن جهوده لإقناع السلطات الحكومية في
المدينة الغنية بالنفط "لإعادة فتح الطرقات المغلقة بين المناطق الخاضعة
لسيطرة القوات التابعة للحكومة المعترف بها والمناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة
الحوثيين".
وقد نجحت الوساطة المحلية في إعادة فتح الطريق
الرابط بين محافظة مأرب بمحافظة البيضاء وصولا إلى محافظة ذمار والعاصمة صنعاء
الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وفي خطوة مفاجئة، أعلنت جماعة الحوثيين نهاية
الأسبوع الماضي، عن فتح طريق رئيسي يربط بين الضاحية الشرقية من محافظة تعز بمركز
المحافظة (تحمل الاسم ذاته)، بعد 9 سنوات من الحصار المفروض على المدينة من قبل
الجماعة التي تسيطر على منطقة الحوبان الاستراتيجية، شرق تعز.
هذه الخطوة الحوثية، أثارت المخاوف لدى الأوساط
الرسمية والسياسية والمجتمعية، لاسيما أن الجماعة ظلت رافضة لفتح طريق الحوبان ـ
مدينة تعز، في جولات مفاوضات دارت مع وفد من الحكومة اليمنية وبرعاية أممية، خلال
السنوات الماضية.
وفي مقابل ذلك، أعلنت السلطات المحلية في محافظة
تعز، البدء بالترتيبات فتح الطريق من الاتجاه الذي تسيطر عليه القوات الحكومية
وذلك لإنهاء معاناة السكان المحليين.
وقال عمدة محافظة تعز، نبيل شمسان منذ أيام، إن
السلطة المحلية تعمل منذ أشهر لإنهاء معاناة السكان، وفقاً لإجراءات بناء الثقة
برعاية السعودية والأمم المتحدة، إلى جانب وساطة سويسرية وأخرى محلية، وبتوجيهات
من رئيس مجلس القيادة الرئاسي.
وعلى مدى سنوات الحرب، يفرض الحوثيون حصارا خانقا
على محافظة تعز، وذلك بفعل تحكمها بطرق رئيسية تعد "طريق الحوبان"
أبرزها، وهي المنفذ الرئيسي من مدينة تعز وإليها.
"آثار
ومتاعب كبيرة"
وقد تسبب إغلاق هذا المنفذ الواقع إلى الشمال الشرقي
من المدينة في آثار ومتاعب كبيرة على المحافظة الأكثر كثافة سكانية في اليمن، حيث
أجبر السكان على التنقل على طرق بديلة ووعرة، ما أدى إلى سقوط المئات من الضحايا
جراء حوادث السير وانفجار بعض مخلفات الحرب، إضافة إلى الاشتباكات التي كانت تجري
بين القوات الحكومية والحوثيين.
وبإغلاق المنفذ الشرقي من تعز، اضطر سكان المحافظة
إلى أن يسلكوا طرقا أخرى جبلية للوصول إلى مناطقهم ومركز المدينة، في رحلة تستغرق
من 6 إلى 10 ساعات، بدلا من دقائق معدودة، وهو أمر ضاعف من تكاليف التنقل
للمواطنين وتكاليف أخرى باهظة لنقل البضائع وزيادة أسعار المواد الغذائية.
"أهمية
الضاحية الشرقية من تعز"
وتتخذ جماعة الحوثي منطقة الحوبان الواقعة في الضاحية
الشرقية لمدينة تعز وتتبع إداريا مديرية التعزية مقرا لإدارة العمليات العسكرية
لقواتها في المناطق التي تسيطر عليها في الريف الجنوبي وفي محافظة لحج جنوب البلاد، وهو ما أضفى عليها أهمية استراتيجية لدى الجماعة.
وتضم منطقة الحوبان مقار أهم الأنشطة التجارية
والصناعية لعدد من الشركات الكبرى في اليمن، من بينها شركات هائل سعيد أنعم ـ أكبر
مجموعة تجارية في البلاد ـ ومنشآت صناعية أخرى.
ومن "الحوبان" تتوزع الطرق القادمة من
مدينة تعز باتجاه العاصمة صنعاء شمالا، مرورا بمحافظتي إب وذمار (وسط)، ونحو مدينة
عدن العاصمة اليمنية المؤقتة، جنوبا، مرورا بمحافظة لحج الساحلية على خليج عدن
وممر الملاحة الدولية في "باب المندب".
"وساطة
عمانية"
من جانب أخر، كشف مصدر يمني مطلع أن سلطنة عمان كان
لها دور بارز في التوسط بين جماعة الحوثيين وأطراف في الحكومة اليمنية المعترف
بها، لفتح الطريق بين مدينة تعز والضاحية الشرقية منها.
وقال المصدر لـ"
عربي21" طالبا عدم ذكر اسمه،
إن مسقط قادت وساطة بين الأطراف اليمنية للمضي في مبادرة فتح الطرقات المغلقة كلا
من الاتجاه الذي يسيطرعليه، مؤكدا أن مبادرة فتح الطرقات تتضمن أن كل طريق
يفتحها أي طرف، يقوم الطرف الآخر بفتحها من الاتجاه الذي يخضع لسيطرته.
"ترقب
وتلهف"
وحاليا، بدأت لجان مشكلة من الطرفين الحكومي والحوثي
بإجراءات لفتح الطرقات بين مدينة تعز والحوبان، وسط حالة من الترقب والتلهف لدى
اليمنيين وخصوصا سكان المحافظة.
وقال رئيس الفريق الحكومي لفتح الطرقات، عبدالكريم
شيبان، إن إجراءات فتح الطريق بين مدينة تعز والحوبان تجري بوتيرة عالية وعلى مدار
الساعة دون أي توقف، متوقعا أن يتم افتتاح الطريق قبيل عيد الأضحى المبارك.
وفي تصريح لموقع "يمن ديلي نيوز" (موقع
محلي)، أكد شيبان أن الشرطة العسكرية قامت بوضع نقطة تفتيش جوار القصر الجمهوري
استعدادًا لفتح طريق الكمب – جولة القصر الحوبان، في حين قام صندوق النظافة بإزالة
الأتربة والأشجار وتعبيد الطريق استعدادا لاستقبال المسافرين.
وقال المسؤول الحكومي إن الطريق التي تم تعبيدها
والتي اختارها الحوثيون لفتحها مع مدينة تعز هي الطريق الأكثر تعرضاً لعوامل
التعرية نتيجة سيول الأمطار خلال الثماني سنوات الماضية، حيث إنها تحولت إلى ما يشبه الغابة
بسبب الأشجار والأتربة المتراكمة، مشددا على أن "فريقه الحكومي يهتم بدرجة
أساسية بسلامة المواطنين الذين ينتقلون عبر هذه الطرق بعد صبرهم لسنوات".
"ضمان
استدام فتحها"
والثلاثاء، قال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن،
هانس غروندبرغ، إنه "يتابع عملية فتح طرقات تعز"، مؤكدا على "بذل
جهود مستمرة لضمان استدامة الإجراءات لتسهيل عبور المواطنين دون عوائق".
وخلال لقاء غروندبرغ، بعمدة تعز، نبيل شمسان في
العاصمة الأردنية عمان، أفادت وكالة "سبأ" الحكومية أن اللقاء بحث
التطورات المتمثلة بفتح الطرقات الرئيسية، وتزويد المدينة بالمياه، وتخفيف
المعاناة الإنسانية، وجهود الأمم المتحدة لدعم التنمية المستدامة بالمحافظة.
وقد أحاط شمسان وفقا للوكالة الحكومية المبعوث
الأممي بـ"الترتيبات الجارية لفتح الطرقات وفي مقدمتها طريق الحوبان- الكمب -
جامع الخير"، مشيرا إلى "جهود سلطاته بالتنسيق مع الجهات العسكرية
والأمنية لإزالة العوائق وتسهيل وصول المواطنين للمدينة".
وأكد عمدة تعز على "الاهتمام بإعادة ضخ
المياه والوصول إلى مقلب القمامة لتخفيف الأضرار والمعاناة الإنسانية الناجمة عن
الحصار ورفض وصول المياه لأبناء المدينة".
شمسان نوه أيضا إلى "ضرورة اتخاذ كافة
الترتيبات والإجراءات التي تضمن تسهيل وصول المواطنين دون عناء، واستدامة فتح
الطرقات تحت إشراف الأمم المتحدة لضمان ذلك".
وملف "فتح الطرقات" المغلقة، واحد من أعقد
الملفات التي خاضت الأطراف اليمنية مفاوضات عدة حولها، دون أن تضع حدا
نهائيا لمعاناة الناس جراء تقييد حركة تنقلهم بين المحافظات، فضلا
عن تنصل أحد هذه الأطراف من الاتفاقات المبرمة بهذا الشأن، ومنها اتفاق
ستوكهولم الموقع في ديسمبر/كانون الأول 2018، والذي دعا الحوثيين إلى رفع الحصار
عن تعز.