مناسك الحج قائمة منذ ثمانية شهور في
غزة وثلّة قليلة من أمة الحج مشتبكة مع إبليس العصر المتمثّل بهذا العدوّ ومن يقف
معه، يرجمون إبليس بإمكانياتهم المتواضعة وحرب مستعرة قائمة، وعدوّهم يرجم شعبهم
بصواريخ تزن ألفي رطل من المتفجرات، وهم مصرّون على رجم إبليس بجمراتهم المصنوعة
محليّا ومن لبنان واليمن والعراق كذلك يأتي الرجم.
مناسك الحج قائمة منذ ثمانية شهور وهم
وحدهم من يقوم برجم إبليس وينابذه بالرمي والوعي والفكرة، هم وحدهم من الأمة يرفضون
الانصياع والطواف في الفلك الأمريكي، ويصرون على طواف واحد في فلك القدس والقضية
الفلسطينية وما تمثّله من حقّ وعدالة.. دول وشعوب عربية وإسلامية ما زالت تلبس
لبوسها وتأكل مأكلها وتركب سياراتها من المرسيدس الألماني إلى الجاكوار الأمريكي
بينما هم وحدهم المقاومون يركبون "الزنوبا" الغزّاوي، وثياب الإحرام
عندهم لباس الصلاة للمرأة هناك المستمسكة بالرباط والنزوح من مكان لآخر، من منسك إلى
منسك لترضي الله. الأمة بدول وجيوش جرارة تطوف في الفلك الأمريكي ولا ترفع رأسها
في وجه الإسرائيلي ولا تجرؤ على طرد سفير ولا إغلاق سفارة، أي حج لهذه الشعوب التي
تطوف في فلك حكام يطوفون في الفلك الأمريكي المقيم للمجزرة من الدم الفلسطيني؟
أهم ما في عبادة الحج الخروج الكلي من
الباطل وكل أشكاله، والانحياز التام للحقّ ونقائه، يتمثل ذلك في كل شعائر الحج
وعلى سبيل المثال لباس الإحرام الأبيض والطواف حول الكعبة ورجم إبليس، وحال الأمة
وهي تلبس لبوس أعدائها السياسية والاقتصادية وتدور سياساتها وسياسيوها في الفلك الأمريكي،
وتتصالح وتهادن إبليس العصر بل هي إليه أقرب من قضايا أمتها المركزية وعلى رأسها
قضية فلسطين؛ لا تقوم بالحد الأدنى برجم بضائعه بسلاح المقاطعة بل تعانقها ولا
تملك الانفكاك عنها!
الحج
عرفة، ومنذ ثمانية شهور عرفة
قائمة في غزّة، هناك الوقوف في عرفة في عمق الأنفاق المقاومة لأعداء عرفة ورسول
عرفة وأمة عرفة، ليس سواء من سيأتي عرفة لتستقبله خيام مكيّفة بمكيّفات أمريكية
الصنع، وقد تكون من مصنع تديران الإسرائيلي المملوك لشمعون بيرس من أكبر مؤسسي
مشروعهم.
باختصار، كل منسك من مناسك الحج لهذا
العام مثبتة عليه بوصلة تشير إلى غزّة، لا يمكن لنا أن نقيم مناسك الحج دون غزّة،
ستصحبنا غزّة هناك وستكون المناسك في عمق غزّة ولا معنى لها دون ذلك، ستبدو جوفاء
لا معنى لها إن لبسنا الإحرام ونوينا الحج دون أن نلبس ثياب الثورة وننوي غزّة.
لا معنى للطواف ونحن فعليا سياستنا لا
تنفكّ عن سياسة غزّة، بل بعض الزعماء يقطعون العلاقة مع من يحرّرون أنفسهم من هذا
الطواف البغيض.
ولا معنى لرجم إبليس وهناك في الخفاء
وبعضهم في العلن من يصافح إبليس الأصغر والأكبر (بلينكن ترحب به كل العواصم
العربية وهو يعلن أنا يهودي وإسرائيل لا ترتكب المجازر بل تدافع عن نفسها)، ولا
معنى للوقوف في عرفة وزعماؤنا يقفون متسوّلين متوسّلين أمام البيت الأسود.
مالك بن دينار عندما أمر تلاميذه بدفع
نفقة حجهم لفتاة لا تجد قوتا لإخوتها الأيتام قال لهم لقد أدركتم الحج هذا العالم.
ولنعلم أن البلد الوحيد الذي لم يتمكن
من إرسال وفده للحج هو قطاع غزّة، منعتهم الحرب الغاشمة ولكنهم أقاموا روح المناسك
ووصلوا إلى مقاصدها. هناك في الحج يقومون بالمناسك خالية من روحها ومقاصدها، إذ
ماذا يعني أن لا يذكر المسجد الأقصى هناك وهو توأم المسجد الحرام، مجرّد ذكر لا
يذكر، بينما في غزّة أقيم له طوفان الأقصى المعمّد بالأرواح والدماء، أناس رموا
دنياهم خلف ظهورهم واستعدوا لتجسيد أعلى درجات التضحية والفداء.
مناسك الحج تجسيد عملي للانحياز التام
إلى الله وما يمثّله ذلك من عدالة وحرية وكرامة، ونبذ كل من يحول بين الإنسان وبين
هذه القيم، وهذا مضمون التلبية التي يديم الحجيج تردادها: لبيك اللهم لبيك، لبيك
لا شريك لك لبيك. فالانحياز إلى الله هو اشتباك وصدام ورفض مطلق لا بدّ له مع قوى
الظلم والطغيان، وفي الحج تقال التلبية هذه الأيام بشكلها النظري بينما في غزّة
تقال بشكل عملي وتصل بهم إلى أعلى درجات التضحية، يقولونها وهم يواجهون أعتى
الجيوش لدفعهم عن التخلي عنها والرضى بحياة القطيع كما هو حال شعوب عربية وإسلامية
رضيت بالحياة الخانعة الذليلة، في غزّة يضحّون بكل شيء كي يكونوا أحرارا، تلبية
عملية ثورية بكلّ عنفوان وإصرار.
مناسك الحج مفعمة بقيم الحرية
والسيادة والكرامة وتمارس بشكل عملي كبروفة للتدريب عليها، في غزّة تجسّد بأفضل
الصور الممكنة، وتصدّر للعالم حقيقة هذه القيم لتصل إلى كل الآفاق وترسم في العقل
البشري أعظم الصور.