نشر موقع "الكونفرسيشن" الأسترالي
تقريرا، تحدث فيه عن الطرق التي تستخدمها
الولايات المتحدة لتطويع نظام
التجارة الحرة، وتعزيز هيمنتها
الاقتصادية العالمية.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن رفع الرسوم الجمركية على السلع المصنوعة في الصين بشكل حاد في شهر أيار/ مايو، مدعيا أن "الحكومة الصينية قامت بالغش من خلال ضخ الأموال في الشركات الصينية، ما ألحق الضرر بالمنافسين الذين يحترمون القواعد".
وفي ظل رئاسة بايدن، شرعت الولايات المتحدة في استراتيجية طموحة لإحياء صناعات التكنولوجيا الفائقة الأمريكية، وتقليل اعتمادها على الواردات الأجنبية، خاصة من الصين.
وتضمنت هذه الاستراتيجية، وفق التقرير، ضخ إعانات دعم ضخمة في صناعات الطاقة المتجددة وأشباه الموصلات. ومن الواضح أن زيادة التعريفات الجمركية تشكّل جزءًا من هذه الاستراتيجية، ولا ينبغي أن تكون مفاجأة لأولئك الذين تابعوا السياسة التجارية والصناعية الأمريكية في السنوات الأخيرة.
وأضاف، أن المعايير المزدوجة لهذه السياسات، وخاصة التعريفات الأخيرة، تحتاج إلى معالجة. لسنوات عديدة، كانت الإدارات الديمقراطية والجمهورية في الولايات المتحدة تروج لفضائل التجارة الحرة أمام بقية العالم.
وتعمل على إنشاء نظام تجاري متعدد الأطراف يحد من استخدام سياسات الحماية، وخير دليل على ذلك تأسيس منظمة التجارة العالمية، بحسب التقرير.
وخلال سنوات المفاوضات في الثمانينات والتسعينات التي أدت إلى تشكيل منظمة التجارة العالمية، استخدمت مجموعة صغيرة من الدول القوية - بقيادة الولايات المتحدة وبتأثير الشركات الكبرى التي يوجد مقرها في الولايات المتحدة - قوتها ونفوذها لإعادة صياغة قواعد التجارة العالمية لصالحهم، وفق التقرير.
وأوضح التقرير، أنه تم تسويق النظام الذي أنشأوه علنا باعتباره نظام "اللعب النظيف" في الاقتصاد العالمي، الذي من شأنه أن يفيد جميع البلدان التي شاركت فيه.
ووفقا للتقرير، فمن الواضح أن قواعد منظمة التجارة العالمية سهلت على الشركات، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، توسيع هيمنتها في الاقتصاد العالمي. وكان الحد من تدابير الحماية، وخاصة في البلدان النامية، سببًا في تمكين الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها من تعزيز سيطرتها.
وقال الموقع، إن الدخل الذي جمعته الشركات عبر الوطنية، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، ارتفع عن طريق الشركات الأجنبية التابعة لها، الذي يقاس كحصة من إجمالي صافي دخلها في جميع أنحاء العالم، من 17 بالمئة في سنة 1977 إلى 49 بالمئة في سنة 2006.
وفي سنة 2010، صنفت وول مارت، وهي واحدة من أكبر شركات البيع بالتجزئة في العالم، كسابع أكبر شريك تجاري للصين، متقدمة على المملكة المتحدة.
وحتى اليوم، بعد أن أصبحت الموازين تميل أكثر قليلا لصالح الصين، فإن المقرات الرئيسية لأكبر الشركات في العالم تتركز بشكل كبير في الولايات المتحدة.
عواقب مميتة
واستخدمت الولايات المتحدة إطار منظمة التجارة العالمية لدعم أرباح شركات الأدوية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، ما منع اللقاحات المنقذة للحياة من الوصول إلى البلدان النامية في هذه العملية.
وقد قدم الوباء أوضح مثال على ذلك، وفقا للموقع ففي مطلع سنة 2021، كان هناك جدل كبير بين الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية حول ما إذا كان ينبغي التنازل عن براءات الاختراع الخاصة بلقاحات كوفيد، علما بأن قواعد منظمة التجارة العالمية تحمي براءات الاختراع وحقوق النشر على مستوى العالم تحت ستار تحفيز المزيد من الابتكار.
وبيّن أن المفارقة تكمن في هذه القاعدة في أنها لا تدعم التدفق الحر للمعرفة التكنولوجية، وهو ما يتناقض في بعض النواحي مع شعار التجارة الحرة. لكن القاعدة تتفق مع كيفية عمل منظمة التجارة العالمية في الممارسة العملية، حيث تعمل على حماية مصالح الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها.
وتعتبر طريقة عمل هذا بسيطة، إذ تسعى قواعد منظمة التجارة العالمية إلى حماية الملكية الفكرية للجميع على الورق، ولكن بما أن الإبداع منحرف بشدة على مستوى العالم، فإن هذه القواعد تعطي ميزة هائلة للشركات الكبيرة في البلدان الغنية التي تتمتع ببنية أساسية متفوقة في مجال البحث والتطوير واحتكار الملكية الفكرية بحكم الأمر الواقع.
وأشار الموقع إلى أن الحجة للتنازل عن براءات الاختراع هي أنه خلال الوباء العالمي، سيكون من اللاإنساني منع البلدان النامية من الوصول إلى أفضل اللقاحات.
وكانت نتيجة هذا النقاش أن صوتت الولايات المتحدة، إلى جانب عدد قليل من البلدان ذات الدخل المرتفع، لصالح منع التنازل عن براءات اختراع اللقاحات. وقد منع هذا العديد من البلدان الفقيرة من الوصول إلى تركيبات اللقاحات لشركات مثل فايزر.
وفي الواقع، وجدت الأبحاث الصادرة في سنة 2023 أنه كان من الممكن تجنب أكثر من 50 بالمئة من الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل إذا كان الناس يتمتعون بنفس القدرة على الوصول إلى اللقاحات مثل الدول الغنية.
وأورد الموقع أنه من خلال زيادة التعريفات الجمركية على السلع المصنوعة في الصين، تحاول الولايات المتحدة مرة أخرى تطويع وتغيير قواعد التجارة الدولية لصالحها.
وبعد العمل بلا كلل لإنشاء نظام للتجارة الحرة، بدأت استراتيجية الولايات المتحدة الآن تتغير بشكل ملحوظ بعد أن فرضت بعضا من أشد التعريفات الجمركية التي شهدها أي اقتصاد كبير في السنوات الأخيرة، وفقا للتقرير.
وأوضح، أنه لطالما تمحورت السياسة التجارية الأمريكية حول حماية مصالح الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، لذا لا ينبغي لهذا أن يشكل مفاجأة. ولكن لا بد من التنديد بنفاق إدارة بايدن، ففي النظام التجاري متعدد الأطراف القائم على القواعد اليوم، لم تلتزم الصين بالكامل بالقواعد أيضا، لكنها لم تحاول تغيير القواعد لصالحها مثل الولايات المتحدة. إذا، من الذي يغش حقا هنا؟