اقتصاد دولي

ولادة "البترو-يوان": السعودية تنضم لنظام تحويل مالي قد يشكل بديلا لـ"سويفت"

نية الصين لجلب اليوان الرقمي إلى المسرح العالمي لدعم تدويل اليوان أمر لا شك فيه
نشر موقع "مودرن ديبلوماسي" الأمريكي تقريرا تحدث فيه عن بداية تشكّل ما يسمى "البترو-يوان" مع انضمام السعودية إلى نظام التحويل "إم بريدج" القائم على العملات الرقمية للبنوك المركزية (سي بي دي سي).

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن ثورة العملات الرقمية للبنوك المركزية بدأت تصبح أكثر جديّة مع انضمام المملكة العربية السعودية إلى مشروع "إم بريدج". ومن خلال هذه العضوية الكاملة، سيتسنى للسعودية الوصول إلى معاملات العملات الفورية والمنخفضة التكلفة عبر الحدود التي ستستخدمها لبيع النفط إلى الصين، ما سيؤدي إلى ظهور "البترو-يوان".

وتعتبر الصين أكبر عميل للنفط السعودي، بينما اليوان هو أقوى منافس ليحل محل الدولار نظرا لزيادة التجارة بين البلدين. ولن يقتصر هذا المحور على اليوان الصيني، بل إن هناك بلدانا أخرى لديها عملات رقمية من مجموعة البريكس أو الجنوب العالمي ستلعب أدوارًا ثانوية في التحول التدريجي بعيدًا عن الدولار الأمريكي. ولن يتأثر استخدام الدولار في النفط فحسب بل إن نظام التحويل "إم بريدج" سيؤدي إلى كسر احتكار نظام "سويفت" للمدفوعات عبر الحدود وإنفاذ العقوبات.


وإذا كان هذا يبدو بعيد المنال بالنسبة للبعض، فتجدر الإشارة إلى أن الصين استخدمت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 عملتها الرقمية لشراء ما قيمته 90 مليون دولار من النفط في بورصة شنغهاي للبترول والغاز الطبيعي. بعبارة أخرى، فإن نية الصين لجلب اليوان الرقمي إلى المسرح العالمي لدعم تدويل اليوان أمر لا شك فيه.

ما هي العملات الرقمية للبنوك المركزية؟
تعد العملات الرقمية للبنوك المركزية شكلا رقميا للعملة الوطنية الصادرة عن البنوك المركزية. وهي ليست عملات مشفرة وإنما نسخٌ رقمية للعملات الوطنية التي تتمتع بالدعم القانوني الكامل من البنك المركزي المُصدر. ووفقًا للمجلس الأطلسي، فإن 134 دولة واتحادًا نقديًا تمثل 98 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تستكشف حاليًا تطوير العملة الرقمية للبنوك المركزية.

وتشمل دوافع البنوك المركزية للتحقيق في العملات الرقمية للبنوك المركزية زيادة كفاءة الدفع، حيث يمكن أن تسمح بالدفع شبه الفوري بين الدافع والمدفوع له. ولهذه الميزة أهمية كبيرة خاصة بالنسبة للمعاملات الدولية التي تعتبر مكلفة وبطيئة بشكل عام. وتشمل المزايا الأخرى للعملات الرقمية للبنوك المركزية زيادة الشمول المالي والسلامة والقوة الشاملة لأنظمة الدفع الوطنية.

ما هو نظام "إم بريدج" وما مدى أهمية الوصول إلى منتج الحد الأدنى؟
أوضح الموقع أن نظام "إم بريدج" عبارة عن منصّة دفع ثورية عبر الحدود أعلنت في الخامس من حزيران/ يونيو أنها وصلت إلى مرحلة منتج الحد الأدنى.

ويتيح نظام "إم بريدج" إمكانية الدفع عبر الحدود باستخدام منصة مشتركة تعتمد على تقنية دفتر الأستاذ الموزع التي يمكن من خلالها لبنوك مركزية متعددة إصدار وتبادل العملات الرقمية الخاصة في البنك المركزي على الفور. وما يجعل نظام "إم بريدج" ثوريًا للغاية أنه سيجعل التحويلات عبر الحدود فورية تقريبًا ورخيصة وعالمية مقارنة بالتحويلات التقليدية عبر الحدود التي تتم على شبكة "سويفت".

وقد تم إطلاق مشروع "إم بريدج" في سنة 2021 من قبل مركز الابتكار التابع لبنك التسويات الدولية، وبنك تايلاند، والبنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومعهد العملة الرقمية التابع لبنك الشعب الصيني، وسلطة النقد في هونغ كونغ. وخضع نظام "إم بريدج" طيلة ثلاث سنوات للتحسينات واختبارات صارمة، بما في ذلك التجارب الحية التي تم فيها إرسال ما قيمته 22 مليون دولار أمريكي عبر المنصة. وتعد هذه المنصة عنصرًا رئيسيًا في خطط الصين لاستخدام اليوان الرقمي في التجارة الدولية.

ويعد إطلاقه في حالة منتج الحد الأدنى أمرًا مهمًا لأنه يشير إلى استعداده لقبول المستخدمين التجريبيين الذين سيعملون مع الأنظمة الحالية لتحسينها. ومن المرجح أن يبدأ نظام "إم بريدج" العمل في وقت ما في منتصف سنة 2025 لتبدأ حقبة جديدة من تحويلات العملات الرقمية للبنوك المركزية.

تأثير نظام "إم بريدج" على العقوبات ونظام "سويفت"
بحسب الموقع، يمثّل نظام "إم بريدج" تغييرا كبيرا في تحويل الأموال عبر الحدود. في الوقت الحالي، تتم معظم التحويلات باستخدام شبكة جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت".

وفي حين أن نظام "سويفت" هو ركيزة تحويلات العملة العالمية، فقد اشتكى المستخدمون وحتى محافظو البنوك المركزية من بطئه، حيث تستغرق المدفوعات ما بين يوم واحد وخمسة أيام، فضلا عن أنها مكلفة. ووجد البنك الدولي أن متوسّط تكلفة إرسال 200 دولار من بلد إلى آخر تقدّر بحوالي 12.50 دولارًا أي ما يعادل 6.25 بالمئة .

ويعتبر نظام "سويفت" مسؤولًا أيضًا عن الحفاظ على الحظر المفروض على البلدان أو الكيانات التي تظهر في قوائم العقوبات. ومن الأمثلة على ذلك الحظر الجزئي المفروض على روسيا في سنة 2022 الذي يشمل نظام "سويفت" كجزء من حزمة العقوبات الأمريكية أو الحظر الكامل المفروض على إيران وكوبا.

وذكر الموقع أن تقديرات مركز أبحاث السياسات الاقتصادية تشير إلى أن أكثر من دولة واحدة من كل أربع دول تخضع لعقوبات من قبل الأمم المتحدة أو الحكومات الغربية، ويتم إنتاج 29 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في البلدان الخاضعة للعقوبات.

ويعتبر نظام "إم بريدج"، وهو بديل لنظام "سويفت"، بمثابة "أداة للتهرب من العقوبات" وسوف يتعامل مع العقوبات بشكل مختلف. وبدلاً من فرض العقوبات على المستخدمين بشكل نشط على مستوى المنصة، كما يفعل "سويفت"، سيسمح نظام "إم بريدج"، للبنوك المركزية بمراقبة وتنفيذ قوائم العقوبات الخاصة بها.


انتهاء مدة اتفاقية الأمن بين واشنطن والرياض
تم تداول تقارير وُصفت بأنها "أخبار زائفة" تفيد بأن السعودية يمكنها الآن بيع النفط بأي عملة ترغب فيها بعد انتهاء (9 حزيران/ يونيو) مدة الاتفاقية الأمنية التي تفاوض عليها كيسنجر سنة 1974 مع المملكة. وكان الإطار الأساسي لترتيب سنة 1974 أن تشتري الولايات المتحدة النفط من السعودية وتزود المملكة بالمساعدات والمعدات العسكرية. في المقابل، يستثمر السعوديون المليارات من عائداتهم من النفط في سندات الخزانة لتمويل الإنفاق الأمريكي.

وتستند مزاعم "الأخبار الزائفة" إلى حقيقة أن الترتيبات الأمنية لا تنص على أنه يجب على السعوديين بيع النفط مقابل الدولار الأمريكي فقط. وهذا صحيح، لأن الاتفاقية كانت "سرية" ولم يتم توثيقها رسميًا. والخلاف الآخر أن السعودية باعت تاريخيا النفط مقابل عملات أخرى غير الدولار. ومع أن هذا صحيح، إلا أنه لا جدال في أن معظم مبيعات النفط السعودي منذ سنة 1974 كانت بالدولار الأمريكي.

وذكر الموقع أن انضمام السعودية إلى نظام "إم بريدج" قبل أربعة أيام من انتهاء الاتفاقية الأمنية زاد الجدل. ويمكن اعتبار ذلك بمثابة إشارة واضحة لواشنطن بأن الأمور المعتادة قد انتهت. وبينما تتفاوض واشنطن على "اتفاقية تحالف استراتيجي" جديدة مع السعودية، فإنها متأخرة بسبب شروط أن تكون للمملكة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" خلال الحرب في غزة. ومع حاجة السعودية للأسلحة الأمريكية لتدخّلها في الحرب الأهلية اليمنية، من الصعب نفورها من الولايات المتحدة.

"إم بريدج" و"البترو-يوان" وإلغاء الدولرة
أشار الموقع إلى أن نظام "إم بريدج" سوف يؤثّر بشكل عميق على إلغاء الدولرة إذا طغت المدفوعات الرقمية باليوان مقابل النفط. ولن تؤدي هذه المدفوعات إلى "إزاحة أو الإطاحة" بالدولار، وإنما ستخلف تأثيرا عميقا. ولا يحتاج نظام "إم بريدج" إلى اليوان الرقمي والعملات الرقمية للبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا إلى "الإطاحة" بالدولار حتى يكون له تأثير معرقل. كما أن الحكومة الصينية، التي تحتفظ باحتياطيات من العملات الأجنبية تبلغ 3.2 تريليون دولار، لم تذكر قط أنها تسعى إلى الإطاحة بالدولار.

في سنة 2023، بلغت واردات الصين من النفط الخام من السعودية حوالي 63 مليار دولار أمريكي. وفي نفس السنة، حوّل نظام "سويفت" نحو 150 تريليون دولار أمريكي، منها حوالي 59 بالمئة بالدولار الأمريكي. ويُظهر عدم التطابق هذا كيف أن التأثير العالمي للبترو-يوان سيكون صغيرًا من حيث القيمة الحقيقية ولكنه كبير على الساحة الجيوسياسية.

مع "البترو-يوان"، ستكون الصين قد استخدمت اليوان الخاص بها لشراء سلعة كانت متاحة في السابق بالدولار فقط. وستكون قد فعلت ذلك عن طريق نظام يستخدم العملة الرقمية للبنك المركزي التي صممتها.

هل تتخلص التجارة العالمية من الدولار؟
في حين أن التأثير العالمي لـ"البترو-يوان" من المرجح أن يكون متواضعا وتكون عملية التخلص من الدولار بطيئة، فإن هذا لا يعني أنها لن تكون مدمرة.

لتوضيح ذلك، هذا مثال آخر لمدى تأثير تطبيق "إم بريدج" على استخدام الدولار كوسيط. وفي الوقت الحالي، 77 بالمئة من إجمالي تجارة العملات الأجنبية إلى الصين، التي تتم عن طريق "سويفت"، تتطلب صرفًا أجنبيًا على مرحلتين، حيث يستخدم الدولار كوسيط ما يضيف النفقات إلى المعاملة. في المقابل، سوف يسمح نظام "إم بريدج" بالتحويلات بين الدول النامية التي لا يخدمها النظام المالي القائم على الدولار بشكل جيد. ومن المرجح أن يؤدي وضع عملات مجموعة البريكس أو الدول النامية الأخرى على نظام "إم بريدج" إلى زيادة سيولة السوق بفضل تدخلات البنوك المركزية والتجارية التي تسعى لتعزيز التجارة المباشرة بين هذه الدول.

وتتصدر آسيا خطط تطوير العملات الرقمية للبنك المركزي، وإذا تم إجراء التجارة بين هونغ كونغ وكوريا واليابان والصين باستخدام العملات الرقمية للبنك المركزي بدون الدولار، فقد يتأثر استخدام الدولار في ما يقارب الـ20 بالمئة من تجارة الصين البالغة 5 تريليونات دولار أمريكي.


من المتوقع أن يكون التراجع عن الدولار بطيئًا
فكرة أن التراجع البطيء عن الدولار أمر لا يستحق الاهتمام، أو لا يشير إلى حدوث أي شيء، خطأ استراتيجي فادح. يركز أغلب الخبراء على سؤال "خادع" وإجابة واضحة له هي: "هل سيتم إزاحة الدولار أو الإطاحة به؟" والإجابة الوحيدة على هذا السؤال هي "لا"، لكنهم يفتقدون التغييرات الدقيقة والعميقة التي ستجلبها الدول التي تستخدم نظام "إم بريدج" و"سي بي دي سي" ودول البريكس إلى المدفوعات في التجارة العالمية وترسيخ التحالفات الإقليمية غير الدولارية.

والسؤال الذي لا يبدو أن النقاد يطرحونه على الإطلاق هو: هل سيكون نظام تحويل بعملات غير الدولار بتكاليف أقل وتحويلات أسرع ومقاومة أكبر للعقوبات جذابا في نظر بعض الدول؟ مع ترويج سبعين دولة بنشاط لبرامج إلغاء الدولرة، كيف لا يكون ذلك جذابا؟ في الواقع، سوف يكون التخلّص من الدولرة بطيئًا إلى أن يأتي يوم لن يكون فيه كذلك، ربما بسبب صدمة اقتصادية أو كارثة اقتصادية.