صحافة دولية

هيرست: تحالف "إسرائيل" مع الفاشيين في أوروبا أكبر تهديد لليهود

هيرست: لا يوجد خطر أشد اليوم على وجود الدولة اليهودية في الشرق الأوسط من الكلمات والأفعال الصادرة عن زعمائها- جيتي
حذر الكاتب الصحفي ديفيد هيرست، من خطر كبير يحدق بالشعب اليهودي، على إثر تصرفات "إسرائيل" العنصرية، وتحالفها مع اليمين المتطرف في أوروبا، والذي عاد إلى السلطة من جديد.

وقال هيرست الذي يترأس تحرير موقع "ميدل إيست آي" في مقال له ترجمته "عربي21"، إنه لا يوجد أشد خطراً اليوم "على وجود الدولة اليهودية في الشرق الأوسط من الكلمات والأفعال الصادرة عن زعمائها".
ِ
وشدد على أنه "لا يوجد تهديد أكبر لليهود حول العالم الآن، كما كان عليِه الحال في ثلاثينيات القرن الماضي، من وصول الفاشيين إلى السلطة تارة أخرى في أوروبا، رغم ما يجدونه اليوم من قضية مشتركة مع إسرائيل".


ولفت إلى أن التحالف مع الأحزاب السياسية الأوروبية التي تشيطن المسلمين بنفس الطريقة التي كانت المجموعات اليمينية المتطرفة تكن الكراهية والعداء لليهود أكثر من مجرد غزل، بل سرعان ما تكرس ذلك على شكل تحالف وثيق، بالفعل وبالكلمة.

تاليا نص مقال هيرست:
بات جلياً لعيني كل ناظر طبيعة الجيل القادم من الزعماء السياسيين لما نستمر بولع في تسميته بالديمقراطية الغربية.

إنه مفعم بالطاقة، وعلى درجة عالية من الكاريزما، ويتحدث لغة بإمكان الجميع فهمها. تجده يتواصل بسهولة مع الناخبين الذين تعرضوا للإهمال من قبل النخب الحالية، يتحلى بالصبر الاستراتيجي، وينهمك في التخطيط للانتخابات التي تلي تلك القادمة.

وبات واضحاً ما الذي يفكر به. إنه يؤمن بأن الإسلام يهدد "الحضارة الغربية"، وأن المهاجرين يهددون "السكان الأصليين"، ويعتنق نظرية صدام الحضارات ونظرية الإحلال العظيم. وهو مناصر بشدة لإسرائيل.

استخدمت المعكوفتين لأنه حتى التاريخ الحديث، لم يزل مفهوم الحضارة "اليهودية المسيحية" كلاماً فارغاً لا معنى له.

ما كان أحد في إنجلترا القرن السادس عشر ولا في ألمانيا ثلاثينيات القرن العشرين ليجرؤ على الحديث عن الحضارة "اليهودية المسيحية" لسبب بسيط وهو أن المسيحيين كانوا المنكلين الرئيسيين باليهود.
إلا أن الحقيقة لا تحول دون الدعاية الجيدة.

عندما أجرى التلفزيون الفرنسي مؤخراً لقاءً مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سئل عما إذا كان بإمكان أحد أن يقارن، كما فعل هو، نزول الحلفاء في نورماندي بالهجوم الإسرائيلي على غزة.

أجاب نتنياهو بالفرنسية في حديثه مع قناة تي إف 1: "إن انتصارنا هو انتصاركم. إنه انتصار الحضارة اليهودية المسيحية على الهمجية. إنه انتصار لفرنسا. إذا فزنا هنا تفوزون أنتم هنا".

حقيقة أن قناة فرنسية تجارية كبيرة فتحت المجال لرجل ينتظر أن تصدر بحقه مذكرة توقيف بتهمة ارتكاب جرائم حرب أفرزت مظاهرة ضخمة في باريس احتجاجاً عليها.

ولكن لا ينبغي أن تغر المرء المظاهر.


أكثر من مجرد تذرع سياسي
إن إخراج نتنياهو لعدوانه على غزة في صورة يمكن أن يتفهمها الصليبيون لأمر يشترك معه فيه الطيف السياسي الفرنسي، والجميع، وبشكل خاص الرئيس إيمانويل ماكرون، لعبوا في هذه المياه.

وهو أمر يوشك أن يقترب من تجريم ما سماه ماكرون بشكل مخادع "الانفصال الإسلاموي"، من أجل تبرير استهداف حرية العبادة لما لا يقل عن ستة ملايين مواطن فرنسي مسلم.

ولكن لا يوجد أحد يستفيد من انهيار الليبرالية في عهد ماكرون أكثر من جوردان بارديلا، الولد المدلل لليمين المتطرف، والشخص الذي يعتقد بأنه يمكن أن يصبح يوماً رئيساً للوزراء، والذي قال في عام 2021: "اذهب وتمشى في الأحياء التي عشت فيها أنا في سين سانت دينيس، لترى ما حدث من بحر من التغير السكاني، الذي من شأنه أن يبدل وجه فرنسا خلال بضعة أعوام".

إنه لخطأ كبير اعتبار احتضان إسرائيل من قبل بارديلا، وغيرت فيلدرز من حزب الحرية الهولندي، وسانتياغو أباسكال، زعيم حزب فوكس اليميني المتطرف في إسبانيا، وحزب البديل اليميني المتطرف في ألمانيا، مجرد حالة من الانتهازية.

صحيح أنه كان هناك الكثير من الشماتة في إسرائيل رداً على نجاح اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي التي نظمت مؤخراً، والذي رأوا فيه جزاءً وفاقاً لكل من إسبانيا وإيرلندا والنرويج وسلوفينيا على اعترافها بالدولة الفلسطينية.

نشر وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتز – بالإنجليزية والإسبانية – صورة للزعماء الإسبان تظهر فيها وجوههم وقد تلطخت بالبيض، زاعماً أن "الناخبين عاقبوهم" على اعترافهم بالدولة الفلسطينية.

كتب كاتز تعليقاً على الصورة يقول: "لقد عاقب الشعب الإسباني ائتلاف كل من سانشيز كاستيون ويولندا دياز بهزيمة ساحقة في الانتخابات. لقد ثبت أن من يحتضن مرتكبي جرائم القتل والاغتصاب من حماس لا يجني خيراً".

وأما أميخاي تشيكلي، العضو السابق في تشكيل يمينا اليميني المتطرف والذي يشغل حالياً منصب وزير شؤون الشتات في إسرائيل، فأعرب عن ابتهاجه باستقالة رئيس الوزراء البلجيكي أليكسندر دي كرو.
وكان دي كرو قد توجه إلى رفح في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قبل أول عملية إطلاق للرهائن، وكان تقريباً الصوت الوحيد في أوروبا الذي ندد حينذاك بذبح المدنيين في غزة. قال تشيكلي في إشارة إليه: "إن الشعب البلجيكي لا يروق له دعم الإرهاب".

لكن من الجدير بالذكر أن الروابط القائمة حالياً بين إسرائيل وأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا تعود إلى ما هو أعمق بكثير من مجرد المصلحة السياسية، وهي أكثر من مجرد "ابتهاج قصير النظر" كما عبر عن ذلك أحد الكتاب في صحيفة هآرتس.


تحالف غير مقدس
لقد غدا التحالف مع الأحزاب السياسية الأوروبية التي تشيطن المسلمين بنفس الطريقة التي كانت المجموعات اليمينية المتطرفة تكن الكراهية والعداء لليهود أكثر من مجرد غزل. بل سرعان ما تكرس ذلك على شكل تحالف وثيق، بالفعل وبالكلمة.

كل من يظن أن هذه التعابير عن الدعم لإسرائيل من قبل اليمين المتطرف مجرد كلام، فما عليه سوى أن يتأمل في ما يجري.

تم سحب ترشيح حليف ويلدرز جدعون (جيدي) ماركوس زوار لمنصب وزير الهجرة واللجوء في هولندا بعد شكوك حول ارتباطات هذا الرجل الذي ولد في إسرائيل بالموساد أثارها جهاز المخابرات الهولندي (إيفيد).

تعتبر أجهزة الأمن الإسرائيلية أن احتمال تشكل حكومة يمينية متطرفة في هولندا فرصة ذهبية سانحة لزرع موالين لها في أعلى مراتب الحكم، ولئن كانت لا تحتاج إليهم في معظم الأوقات.

لقد تضاعفت صادرات الأسلحة الصربية إلى إسرائيل أضعافاً كثيرة منذ أن بدأ العدوان على غزة، حيث تعرفت شبكة التحقيقات الصحفية في البلقان بالتعاون مع صحيفة هآرتس على ست رحلات جوية عسكرية إسرائيلية من بلغراد إلى بئر السبع منذ أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، حملت ما قيمته 15.7 مليون يورو (تقريباً 17 مليون دولار) من الأسلحة.

في شهر فبراير (شباط)، قال الرئيس الصربي أليكسندر فوتشيش إنه ناقش مع نتنياهو "الدفع قدماً بالعلاقات الثنائية" وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي "عبر عن امتنانه للدعم القوي الذي يقدمه الرئيس الصربي لإسرائيل بالكلمة وبالفعل".

تسفر القومية الصربية التي يعتنقها فوتشيش عن وجهها وتهدد السلام الهش الذي تشهده بلاد البلقان. ومؤخراً، ظهر فوتشيش إلى جانب زعيم الكيان الصربي داخل البوسنة والهرسك ميلوراد دوديك، للمطالبة بتوحيد من ينتسبون إلى العرقية الصربية في المنطقة، وذلك خلال مهرجان نظم في بلغراد وحضره الرجلان.

زعم دوديك أن جمهورية سربسكا، الكيان الذي يقوده الصرب في البوسنة والهرسك، ملتزمة باتفاقيات دايتون، ولكنه أضاف بما يثير المخاوف إن كيانه سوف يطلب قريباً مساعدة ودعم صربيا من أجل "حل الوضع المتعلق به".

ففي ذلك تهديد ضمني لاتفاقيات دايتون التي شكلت دولة بوسنية تتكون من كيانين اثنين – فيدرالية بوسنية كرواتية وجمهورية سربسكا – يرتبطان ببعضهما البعض عبر خيط رفيع يتمثل في حكومة مركزية ضعيفة.

قال دوديك: "يستحيل على المرء أن يعيش في كنف أولئك الذين مارسوا الغدر والحقد والكذب والمكر في محاولة لإلصاق التطهير العرقي كصفة دائمة لهذا البلد، رغم أنه ليس كذلك على الإطلاق".

يقصد دوديك بذلك المذبحة التي ارتكبت في سريبرينيكا في عام 1955، بعد أن أقرت الأمم المتحدة قراراً يؤسس لليوم العالمي للتدبر والتذكر بخصوص التطهير العرقي الذي وقع في سريبرينيكا في عام 1995، وتحول بذلك إلى الذكرى السنوية للمذبحة.

مازال دوديك ينفي وقوع أي مذبحة من هذا القبيل، رغم أن عدد ضحاياها من الرجال والصبيان المسلمين البشناق بلغ ثمانية آلاف.

لم يكن من باب المصادفة أن تمنح صحيفة جيروزاليم بوست حيزاً ضخماً لهذا الشخص الذي ينكر وقوع المحرقة لإجراء مقابلة معه غير نقدية، بل ومروجة له.

قال دوديك عن سريبرينيكا: "لا يمكن بحال وصفها بالإبادة الجماعية. فقد قرر الخبراء المعتبرون، الذين كرسوا حياتهم المهنية بأسرها لدراسة الإبادة الجماعية، بأن تلك لم تكن إبادة جماعية. كل من لديه صلاحية بالحديث عن هذا الموضوع قالوا إن ذلك لم يكن إبادة جماعية. وأنا أثق بهؤلاء الناس أكثر مما أثق بالسياسيين الذي قرروا إن ما وقع كان إبادة جماعية".

طبعاً هذا ما تطرب له آذان صحفي الجيروزاليم بوست الذي أجرى المقابلة، والذي أجرى مقارنات بين عدم وقوع إبادة جماعية في سريبرينيكا وعدم وقوع إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة، أو كما أشار إليهم الصحفي بقوله "من يسمون بالفلسطينيين".

قال دوديك: "لا يحبونني في الغرب لأنني أتحدث مباشرة بما في نفسي. ولكن إذا ما عدنا إلى التاريخ وتأملنا فيه، فإنه لم يكن هناك بتاتاً أي تعايش سلمي بين الفلسطينيين واليهود، تماماً كما أن التعايش غير ممكن هنا، في البوسنة والهرسك، بين المسلمين والصرب".

ليس من باب المصادفة ذلك الاقتران بين الحكومة الإسرائيلية، التي لا تخفي نيتها في إجبار الفلسطينيين على الخروج من الأراضي التي تحتلها، واليمين المتطرف في أوروبا، الذي يرغب في طرد أكبر عدد ممكن من المسلمين من أوروبا.

لقد رأينا أكثر من ورقة توت تتساقط عن صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية تخضع لحصار قوى همجية. وإذ تدخل الحرب الإسرائيلية شهرها التاسع، فإنها لا تبذل جهود حتى للتظاهر باستخدام عبارات تنسب إلى الديمقراطية.


فاشية معدية
ولا أدل على ذلك من الذكرى السنوية التي احتفل بها مؤخراً لحدث سيئ الصيت وقع في الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية.

كان ذلك يوماً من أيام شهر يوليو (تموز) من عام 1939 عندما أقدمت كل من الولايات المتحدة وكندا على صد سانت لويس، السفينة التي أبحرت باتجاه كوبا وعلى متنها ما يزيد على الـ 900 لاجئ يهودي. وعندما عادت السفينة إلى أوروبا، تشدق أدولف هتلر عبر الإذاعة بأن النازيين لم يكونوا وحدهم كارهين لليهود، وقال الطاغية النازي: "انظروا كيف أن العالم كله يكره اليهود".

وتلك هي المشاعر الشائعة التي تبث اليوم عبر البرامج التلفزيونية والإذاعية الإسرائيلية ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

فالمشكلة في إجبارهم على الخروج من بيوتهم في غزة والضفة الغربية كما يراها المتحدثون تكمن في أنه "لا أحد آخر يريدهم كذلك".

لقد بات هتلر نموذجاً يحتذى بالنسبة لإسرائيل هذه الأيام، بل لقد استدل به عضو الكنيست السابق عن حزب الليكود، موشيه فيغلين، الأسبوع الماضي حين قال في ندوة تلفزيونية: "كما قال هتلر أنا لا يمكنني العيش فيما لو بقي يهودي واحد على قيد الحياة. ونحن لا يمكننا أن نعيش هنا فيما لو بقي إسلامي نازي واحد في غزة".

هذه هي العنصرية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولقد غدت عملة رائجة في وسائل الإعلام الإسرائيلية الرئيسية، بل لقد غابت جميع المحرمات القديمة، ولم يعد يقتصر الأمر على المتطرف اليميني بن غفير، الذي يصرخ قائلاً: "من أجل تحقيق النصر، نحتاج إلى تشجيع الهجرة من غزة".

ولهذا السبب يعامل الفاشيون الأوروبيون بكل ترحاب كما لو كانوا أشقاء الروح للفاشيين الإسرائيليين.

لا يتعلق ذلك بالتاريخ، بل يتعلق بإسرائيل اليوم. ليس مهماً كم مليون يهودي كانوا ضحايا الفاشية في أوروبا، ولم يعد مهماً أن المعادين للسامية بحق غدوا أقرب الناس لهم.

المهم هو أنهم وجدوا قضية مشتركة تتمثل في عدو مشترك. بالنسبة لليمين الفاشي المتطرف، باتت إسرائيل نموذجاً يحتذى في كيفية التعامل مع أقلية مسلمة ثائرة.

ولكن بالنسبة لإسرائيل، ثمة مخاطر بارزة في اتباع هذا النهج. وذلك لأنهم ليسوا في أرضٍ المسلمون فيها أقلية.

بل إنهم لا يشكلون أغلبية داخل دولتهم هم، كما أنهم يشكلون أقلية داخل المنطقة التي يتواجدون فيها. بالإضافة إلى ذلك، لا تقع "الدولة اليهودية" على هامش العالم الإسلامي، بل تقع في القلب تماماً منه.

نحن لسنا في عام 1948 تارة أخرى، على الأقل ليس بالنسبة للفلسطينيين.

لو حاولت إسرائيل القيام بإجراءات تصفية عرقية في الضفة الغربية، فسوف يشتعل الأردن ويصبح حركة مقاومة نشطة على امتداد أطول حدود برية مع إسرائيل. ولن تنعم إسرائيل من بعد بحدود هادئة.

فيما لو تبنت الدولة اليهودية القائمة على التفوق العنصري وعلى منظومة الفصل العنصري الأيديولوجيا الفاشية توجهاً لها في محاولة لإيجاد حل نهائي لصراعها مع الفلسطينيين، فسوف تواجه بأسرع مما تظن لحظة وجودية.

لا يوجد أشد خطراً اليوم على وجود الدولة اليهودي في الشرق الأوسط من الكلمات والأفعال الصادرة عن زعمائها.

ولا يوجد تهديد أكبر لليهود حول العالم الآن، كما كان عليه الحال في ثلاثينيات القرن الماضي، من وصول الفاشيين إلى السلطة تارة أخرى في أوروبا، رغم ما يجدونه اليوم من قضية مشتركة مع إسرائيل.