يعقد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج في نهاية شهر
حزيران/ يونيو الجاري حوارا وطنيا فلسطينيا. ولعل ما فرضه طوفان الأقصى من تداعيات
عالمية وإقليمية وداخلية على واقعنا
الفلسطيني من جوانب مختلفة ومتعددة مصاحبة
للتحديات الكثيرة؛ قد أضاف فرصا وآفاقا للمشروع الوطني الفلسطيني، وهو ما يتداول
في الأروقة الفلسطينية اليوم بصيغة أوراق أو مبادرات في الداخل والخارج وبمستويات
مختلفة؛ تسعى وبشكل حثيث لعناوين رئيسية تختلف حسب موقع الطارح وأولوياته، وأبرزها
إسناد شعبنا في
غزة العزة وتقديم الدعم اللازم بكل ما يتوفر من إمكانات، والعمل
على ديمومة الحراك العالمي لنصرة شعبنا، والعمل القانوني الذي يجرّم الكيان
الصهيوني، إضافة إلى ضرورة إشراك الكل الفلسطيني في
منظمة التحرير الفلسطينية، فمن
غير المعقول أن يكون خارج هياكل منظمة التحرير من له التأثير الأبرز في المشهد
الفلسطيني بما نراه من صمود أسطوري وأداء متميز شهد له الجميع، كما لا بد من
مشاركة جميع مكونات شعبنا الفلسطيني في الخارج في هذه الملحمة كل من موقعه.
كما لا بد من مناقشة إخراج الحالة الفلسطينية من أوسلو
ومخلفاتها الكارثية وإعادة الاعتبار إلى الثوابت الفلسطينية متمثلة في كافة الأراضي
الفلسطينية بحدودها التاريخية، من رأس الناقورة إلى أم الرشراش، وعودة اللاجئين
وسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني.
كثير من المبادرات التي تطرح تستند إلى ما أفرزته أوسلو
تحت ذريعة عدم القدرة على مغادرة الوقائع على الأرض، وكأنهم يطالبون بأن تكون إحدى
نتائج طوفان الأقصى المزيد من الشرعية للكيان الصهيوني. فبعد اعتراف منظمة التحرير
به مطلوب أن تعترف قوى المقاومة به، ولكن بطريقة جديدة قائمة على الواقعية
السياسية والقبول بالشرعية الدولية.
كثير من المبادرات التي تطرح تستند إلى ما أفرزته أوسلو تحت ذريعة عدم القدرة على مغادرة الوقائع على الأرض، وكأنهم يطالبون بأن تكون إحدى نتائج طوفان الأقصى المزيد من الشرعية للكيان الصهيوني
من هنا لا بد من الشروع بهذا العنوان الذي سيقدم الإسناد
للمقاومة ولطموحات شعبنا الفلسطيني المجاهد، ولنكون بمستوى البذل التي يقدمه شعبنا
وينسجم مع الصورة التي رُسمت الآن لقضيتنا، وأن نستثمر ما تحققه المقاومة
الفلسطينية من إنجازات رغم الألم والدمار. الفرصة مؤاتية الآن لتصحيح الخطيئة
التاريخية التي أدت لكارثة أوسلو والتي اعترف فيها المظلوم بشرعية الظالم ومنح
صاحب الأرض الحق للمحتل، وتحول صاحب الأرض إلى حارس للغاصب المحتل.
آن الأوان لإعادة
الاحتلال إلى وضعه كمجرم غاصب وأن
نعطيه الصفة التي يستحقها، كجسم غير شرعي يمارس الإجرام يوميا ويراه العالم ببث حي
مباشر من غزة الصمود والتحدي.
كيف تم الاعتراف بالكيان الصهيوني؟
في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر 1993م وجّه الراحل
ياسر عرفات رسالة إلى رئيس وزراء الكيان الصهيوني إسحاق رابين بيّن فيها التزام
منظمة التحرير بحق دولة إسرائيل بالوجود والعيش بسلام، وأن المنظمة تنبذ العنف والإرهاب
وتقبل بقراري 242 و338، وأن قضايا الحل النهائي تتم عبر المفاوضات، إضافة إلى أن
المنظمة ستقوم بتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بما يتناسب مع هذه الالتزامات. في مقابل
هذا الخطاب أرسل رابين خطابا لأبي عمار كان فيه مسألة واحدة فقط، وهو أن إسرائيل
وفي ضوء التزامات منظمة التحرير التي أعلنتها فإنها تعترف بها ممثلا للشعب
الفلسطيني، وتبدأ معها مفاوضات الحل السلمي في الشرق الأوسط. ولم يأتي على ذكر
الحقوق الفلسطينية ولا الدولة الفلسطينية.
ليس محل النقاش هنا لما جرى من كارثة يدفع ثمنها
الشعب الفلسطيني كل يوم، ويتخذها الكثيرون ذريعة للاعتراف بالعدو والتطبيع وبناء
العلاقات معه، بل الوقت الآن هو وقت تصحيح المسار وإعادة رسم المشهد الوطني
والسياسي الفلسطيني باتجاه تثبيت الحقوق الفلسطينية، ورسم مسار التحرير بما ينسجم
مع حجم البطولة والتضحيات التي يبذلها شعبنا الفلسطيني في غزة العزة وفي كافة ربوع
الوطن المحتل.
ما المطلوب؟
لا بد من إرجاع قضية فلسطين إلى أصلها
بين شعبٍ تحت الاحتلال، وبين قوة احتلال غاشمة سيطرت على أرضه وهجّرت شعبه، لذلك
فنحن نستند إلى حقوقنا الطبيعية في الأرض والمقاومة والتحرير، وبما منحنا القانون
الدولي من استخدام لكافة الوسائل الممكنة لاستعادة الأرض وتقرير المصير وعودة اللاجئين،
ومن الحق في الدفاع عن النفس، ومن عدم منح الاحتلال أي مشروعية على الأراضي
المحتلة، وتحميله كامل المسؤولية الحياتية والسياسية.
لدينا أرضية وطنية يمكن أن تكون محل إجماع
وطني كونها تستند إلى قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير في جلساته 28 و29 و30 و31، والتي كلف فيها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
الفلسطينية بتعليق الاعتراف بـ"إسرائيل"، كما بيّن
المجلس طبيعة العلاقة مع الكيان الصهيوني ووصفها بعلاقة صراع بين الشعب الفلسطيني
وبين الاحتلال، كما طالب المجلس بوقف
التنسيق الأمني بأشكاله كافة، والانفكاك الاقتصادي الكامل بما فيه اتفاق باريس.
إن إحياء المشروع الوطني الفلسطيني وإعادته لجذوره ستكون
القاعدة التي ترتكز عليها الوحدة الوطنية الفلسطينية المرجوة، ولن يستطيع فلسطيني
وبأي مستوى كان أن يكون بعيدا عن النضال أو عن المشروع الوطني، أو عن الإجماع
الفلسطيني، الذي كان يمثل الأساس الصلب لمرحلة طويلة في سفر النضال الفلسطيني
توحدت فيه قوانا المقاومة بكل أشكالها.
إننا بحاجة إلى العودة إلى الميثاق الوطني الفلسطيني بكل بنوده
السابقة، وإلغاء البنود التي جرى شطبها في دورة المجلس الوطني في غزة عام 1996م.
فقد زالت كافة المبررات التي سيقت حينها لتمرير هذا الاعتراف الكارثي، وكشفت جرائم
الكيان الصهيوني وجهه الحقيقي، وفضحت تصريحات قادته نواياه ونظرته لشعبنا ولحقوقه
المشروعة.
الحوار الوطني الذي دعا له المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج سيكون فرصة للعمل الفلسطيني في الخارج ليضع نفسه ضمن هذه الملحمة التي أبدع فيها شعبنا الفلسطيني وكافة فصائل المقاومة، ونجحت في رسم مشهد سياسي جديد وخلقت فرصا يمكن من خلالها ضبط البوصلة نحو التحرير الكامل والعودة للجميع ونزع مسببات الفرقة الداخلية وتوحيد الجهود
فهذا مجرم الحرب نتنياهو في 16 كانون الأول/
ديسمبر 2023 قال: "اتفاقية أوسلو كانت خطأ فادحا يجب ألا يتكرر"، وهذا الكنيست
"الإسرائيلي" في جلسته يوم 21 شباط/ فبراير 2024 لمناقشة تصريح نتنياهو
ضد الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية، فبعد نقاش في الجلسة صوّت 99 من نواب الائتلاف
والمعارضة على حد سواء مع تصريح نتياهو ضد الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية،
باستثناء النواب العرب الذين عارضوه، ونواب حزب العمل الذين تغيبوا بشكل متعمد.
وقد علق نتنياهو بعد التصويت قائلا: إن هذه نتيجة تاريخية ولم يسبق أن أيد النواب
في "إسرائيل" أي قرار تقريبا بهذه النسبة العالية.
هذا هو الكيان الصهيوني وهذه تصريحات
قيادته ومجتمعه الذي يتنكر بغالبيته لحقوق شعبنا الفلسطيني، ويتنكر حتى للاتفاقيات
التي حصل بموجبها على تنازلات خيالية لا يمكن أن يقبل بها شعبنا بعد هذه المنازلة
التاريخية في طوفان الأقصى.
الممارسات والتصريحات كثيرة والتي
تشير كلها بما لا يدع مجال للتراجع إلى أننا يجب أن نعمل لأجل نزع الشرعية عن
الكيان الصهيوني ونسحب اعتراف منظمة التحرير به، ونبذل جهد يتناسب ولو بالحد الأدنى
مع ما أفرزته ملحمة طوفان الأقصى من تأييد عالمي لقضيتنا العادلة لانتزاع الحقوق، ولتكون
هذه هي المرحلة الأولى من العمل لنزع شرعية الكيان الصهيوني ولنبدأ بانفسنا ضمن الأطر
الفلسطينية، يليها بذل الجهد اللازم لأجل نزع الشرعية الأممية عن الكيان الصهيوني
وتعليق عضويته في الأمم المتحدة، وهو ما يمكن الاستناد فيه إلى الشروط التي كانت
قد وضعتها الأمم المتحدة لقبول عضويته، رغم تحفظنا عليها.
الحوار الوطني الذي دعا له المؤتمر
الشعبي لفلسطينيي الخارج سيكون فرصة للعمل الفلسطيني في الخارج ليضع نفسه ضمن هذه
الملحمة التي أبدع فيها شعبنا الفلسطيني وكافة فصائل المقاومة، ونجحت في رسم مشهد
سياسي جديد وخلقت فرصا يمكن من خلالها ضبط البوصلة نحو التحرير الكامل والعودة
للجميع ونزع مسببات الفرقة الداخلية وتوحيد الجهود.