قضايا وآراء

مجزرة النصيرات وترميم ذاكرتنا وتاريخنا

"لا إمكانية للحديث عن أية بارقة أمل إيجابية تضغط لوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة"- الأناضول
التطورات التي سبقت مجزرة النصيرات في غزة، المتمثلة بمبادرة للرئيس بايدن بشأن إتمام صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة والاختلال وربط بحثها بجولة جديدة لوزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن إلى المنطقة، تخللها تضليل إسرائيلي مستمر للتغطية على جرائم الحرب وضد الإنسانية والتطهير العرقي في غزة. فسقوط 300 شهيد في مجزرة النصيرات مع مئات الجرحى، لتنفيذ عملية تحرير أربعة محتجزين إسرائيليين من قبضة المقاومة، بعد ثمانية أشهر من الفشل الإسرائيلي في تحقيق معظم أهداف العدوان على قطاع غزة، وفشل حكومة نتنياهو ومجلس حربه في تسجيل صورة نصر واحدة، ما هو إلا تراكم المذابح التي يتغاضى عنها المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية المتواطئة مع كل ما يجري.

كل ذلك لم يكن يبشر بالخير، ولا بإمكانية الحديث عن أية بارقة أمل إيجابية تضغط لوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة، فالأحداث التي سبقت آخر جريمة إبادة في النصيرات، هي مذابح جماعية وجرائم حرب وضد الإنسانية وتطهير عرقي، لكن الموقف الأمريكي منها يقطع الشك باليقين بأن التحالف الأمريكي مع المؤسسة الصهيونية ومشروعها الاستعماري؛ يدفع بإسرائيل لمزيد من الصلف والغرور والتشدد بالمضي نحو توسيع جرائم الإبادة الجماعية في غزة، وأن الإدارة الأمريكية المتورطة بشكل مباشر بمجزرة النصيرات وببقية المجازر في غزة منذ ثمانية أشهر؛ ليست بوارد الضغط على حليفتها، ولا حتى الخروج عن الصيغ الصهيونية المقترحة لغزة خصوصا وللقضية الفلسطينية بشكل عام.

فاللقاءات المتكررة بين الوزير بلينكن مع مضيفيه الإسرائيليين ودول المنطقة "الوسيطة" في صفقة وقف إطلاق النار؛ لم تؤد لشيء يذكر بما يخص وقف المجازر وإنهاء معاناة السكان المدنيين، ولا تحقيق أي مطلب دولي يدعو إسرائيل لوقف العدوان، ولا تنفيذ أي مذكرات اعتقال بعد اتهام إسرائيل بجرائم الحرب والإبادة الجماعية من قبل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.

حاولت إسرائيل لساعات عقب ارتكابها مجزرة النصيرات، التلاعب بورقة إنجاز تحرير الرهائن الأربعة، وتضخيم صورة العملية وتصويرها بالإنجاز الضخم الذي يغطي على المجزرة، والإيحاء بأن التماسك الصهيوني الذي يقوده نتنياهو في مجلس حربه سيستمر للنهاية، من خلال تأجيل بيني غانتس لاستقالته من مجلس الحرب ثم إعلانها في اليوم التالي مع غادي آيزنكوت، وهو ما لخصه أمس يوسي فرتر، محرر الشؤون السياسية في صحيفة "هآرتس "العبرية، في تشبيهه اليأس الصهيوني من تحقيق أي نصر حين قال: "حتى لو ارتدى بنيامين نتنياهو بذلته العسكرية والتقط الصور مع الأسرى الأربعة فهذا لا يخرج إسرائيل من وحل مأزقها في غزة".

فبعد أكثر من ثمانية أشهر وبمشاركة استخبارية بريطانية ولوجستية أمريكية؛ الإنجاز يكون تحرير أربعة أسرى وارتكاب مذبحة يقتل فيها مئات المدنيين وتباد حواضرهم، ثم تكشف المقاومة أن الاحتلال قتل ثلاثة من أسراه في العملية ذاتها، فهذا ليس إنجازا لجيوش ثلاث دول "عظمى"، بل هذا تعبير مباشر عن تجسيد مفهوم الإبادة الجماعية التي يستند إليها العقل الصهيوني والغربي والأمريكي المتباكي على فرص السلام الضائعة. ومن الملاحظ أن أكثر من مسؤول أمريكي وغربي أبدوا الحبور والسعادة لعملية النصيرات من وجهة النظر الصهيونية لتحرير الرهائن، دون الالتفات للضحايا الفلسطينيين.

وبالعودة لزيارة الوزير الأمريكي بلينكن للمنطقة لبحث ما يسمى مبادرة الرئيس بايدن لوقف إطلاق النار في غزة وانجاز صفقة مع المقاومة، هناك أسئلة تنطلق من قاعدة اليأس من أدوار عربية فاعلة لمنع الإبادة الجماعية في غزة، خصوصا أن البيئة السياسية الإسرائيلية اليوم تتمحور حول فاشية واضحة في غزة وفي الضفة والقدس. وعلى ضوء موت المواقف العربية واحتضار الباقي منها أمام مشهد العدوان الواسع وجرائم الإبادة الجماعية، هناك حاجة لوقف التدهور المرعب لموقف النظام الرسمي العربي، وقد حان وقت فتح صندوق الإمكانيات الذاتية المغلقة على تاريخ وحضارة وإمكانيات، وسد فجوة نزيفها في فوضى خيارات بائسة ويائسة من قضيتها المركزية.

والتاريخ لا يرحم، ومفارقاته الحزينة والمؤلمة في فلسطين توحي بانهيار الصورة النموذجية "للتطبيع والسلام" وسقوط أقنعة التزييف الغربي والأمريكي في مجزرة النصيرات وفي كل جرائم الإبادة الجماعية في فلسطين، تدعو العرب للعودة للتاريخ؛ لا الخروج منه لترميم ذاتنا وذاكرتنا التي يحاول البعض سوقها لساحة الإعدام بمحاولة فصل رأس القضية عن جسدها العربي والإنساني.

x.com/nizar_sahli