استبشر الناس خيرا بصدور قرار محكمة العدل
الدولية، بإدانة الكيان الصهيوني، وإيقاف الحرب في
غزة، وبخاصة في
رفح، ولكن هيهات
للكيان أن يستجيب أو يرعوي، لمن يقف منطقهم عند الكلام والإدانة، ما لم يتعد ذلك
الأفعال القوية التي تكبح جماحه، وتنهي غروره وعدوانه.
فبعد القرار مباشرة، ارتكب مجزرة ومحرقة
كبرى في خيام اللاجئين من أهل رفح، وظل الناس يبحثون عن سبب وراء فعلته الشنيعة،
وكأن أفعاله دائما معقولة، أو مبررة، أو لها كتالوج نبحث فيه لنرى سببا لما يفعل،
وكأن كل ما يجري من عدوان كان له سبب، أو مبرر.
سنوات طويلة، يبذلها الكيان الصهيوني، والصهاينة العرب، بحكام متواطئين تواطئا غير مسبوق، لتغيير عواطف ومشاعر الشعوب، وبخاصة الشعب المصري، وكلها تبوء بالفشل، والأحداث المتوالية خير مخبر عن ذلك
وإن كان عدوانه غير مسبب، ومدى إجرامه غير
مدفوع بمنطق، إلا أنه في تصوري ما قام به لو لاحظنا التوقيت، فقد جاء بعد إعلان
المقاومة عن أسرى جدد، دخلوا إلى مناطق في رفح، طامعين في استرداد بعض الأسرى، فإذ
بهم يقعون بين قتلى وجرحى وأسرى، ووجود أسرى جدد ـ أيا كان عددهم، ولو كان واحدا ـ
مسألة تكسر أنف الكيان ونتنياهو وعصابته، فرغم كل ما يقوم به، إلا أن أهل غزة
قادرون على الصمود، وقادرون على تحسين شروط التفاوض.
أراد نتنياهو الذهاب إلى تفاوض جديد،
استجابة للضغوط الداخلية فقط، لكنه أراد قبله جلب المفاوضين بمجزرة، تنزل بسقف
طموحاتهم، ولكن حدث العكس، فكان قبل الحدث ما رفع من معنويات الجميع، داخل غزة
وخارجها، وعلى مستوى العالم الإسلامي والإنساني، ولم تزد جريمة حرق الخيام الكيان
سوى انحطاطا، وخسارة على مستوى النخب والشعوب.
كل ذلك والجارة الكبرى
مصر، التي لم تكن
يوما تنفصل عن هموم هذا الجار، في غياب تام، ولم يدر القائمون على السلطة في مصر ـ السيسي ومن معه ـأن مثل هذه النيران، لا تقف ألسنة لهبها عند رفح
الفلسطينية،
فرفح قسمان: فلسطيني ومصري، قسم بينهما سايكس بيكو، وفرط فيها الحكم العسكري، الذي
ادعى عند قيامه سنة 1952م أن من أسباب قيامه بانقلاب يوليو:
احتلال فلسطين،
والأسلحة الفاسدة، ليتحول الحال من الأسلحة الفاسدة إلى أنظمة فاسدة تفسد في جيوش
الأمة.
منذ المجند الشهيد محمد صلاح، وما تلاه وما سبقه، كلها توضح أن ما فرقته السياسة الجائرة في الحدود، والأنظمة المتواطئة، توحده عوامل أخرى، إضافة للدين والعروبة، والإنسانية، يأتي على رأسها: استحلال العدو لدماء الجميع، سواء كنت في رفح الفلسطينية، أو المصرية.
ذكر الشيخ القرضاوي رحمه الله في مذكراته،
أنه وقف مرة على الحدود بين رفح المصرية والفلسطينية يوما ما، ووضع قدما في رفح
المصرية، والأخرى في الفلسطينية، وقتها لم تكن هناك أشواك وحواجز، وجدر عالية تمنع
الأخ من غوث أخيه، بل كانت أراضي مفتوحة، يجمع بينها الإسلام، والعروبة، والجوار،
والعيش المشترك لقرون عدة.
ما تم في رفح الفلسطينية انتقل بشكل جزئي
إلى رفح المصرية، فتم اعتداء قوات الكيان الصهيوني على جنود مصريين على الحدود،
واستشهاد شخصين حتى الآن، وجرح آخرين، وكعادة مثل هذه الأخبار، والتي تبلغ المهانة
فيه مبلغا كبيرا من الجاني والمتواطئ معه في النظام المصري، يعلم الشعب بالخبر من
إعلام الصهاينة، ويظل الناس منتظرين ما يبل ريقهم بخبر يعلن الحقيقة، فتكون صيغة
الخبر مهينة في الصياغة، باعتبار الشهيد: أحد عناصر تأمين الحدود!
جاء هذا الحدث، ليزيد من غضب الشعب المصري،
والذي كان يبكي الليلة السابقة للعدوان على الجنود المصريين، ما يحدث مع إخوانه في
الخيام في رفح، وفي ظل صمت دولي عن غل يد المجرم، بل برز غل الأيدي للمتعاطفين مع
رفح، فقامت وسائل التواصل الاجتماعي بتقييد النشر كالعادة، أو الحديث عن حرق
الخيام في رفح، وهو نفس التعتيم والتضليل الذي حدث مع شهداء الجيش على الحدود،
ليقول الحدث في رفح المصرية والفلسطينية بكل وضوح: أن المصير واحد، فلا أمان لرفح
المصرية، ما دام العدوان ينكل بالفلسطينية، وأن أمان الجار لا يكون على حساب الاعتداء
على حرمات جاره.
سنوات طويلة، يبذلها الكيان الصهيوني،
والصهاينة العرب، بحكام متواطئين تواطؤا غير مسبوق، لتغيير عواطف ومشاعر الشعوب،
وبخاصة الشعب المصري، وكلها تبوء بالفشل، والأحداث المتوالية خير مخبر عن ذلك، منذ
المجند الشهيد محمد صلاح، وما تلاه وما سبقه، كلها توضح أن ما فرقته السياسة
الجائرة في الحدود، والأنظمة المتواطئة، توحده عوامل أخرى، إضافة للدين والعروبة،
والإنسانية، يأتي على رأسها: استحلال العدو لدماء الجميع، سواء كنت في رفح
الفلسطينية، أو المصرية.
Essamt74@hotmail.com