نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"
مقالا افتتاحيا للكاتب عوفر شيلح، تحدث فيه عن المواجهة المفتوحة المحتملة مع
حزب الله في شمال
فلسطين المحتلة.
وتساءل شيلح عن كيفية مواجهة
جيش الاحتلال لحزب الله وفي حالة عدم جهوزية، بسبب "الغرق" في قطاع غزة منذ ثمانية شهور، بحسب وصفه.
وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
من يوم إلى يوم، تصعيد واسع حيال حزب الله في
لبنان يبدو كسيناريو محتم، وإن كان أحد لم يشر بعد إلى أي ميزة ستنشأ عنه: لا يوجد سيناريو نهاية معقول يتيح تغيير الوضع من أساسه وعودة سكان الشمال إلى بيوتهم. لا توجد حتى أي فكرة ما هو الإنجاز الحقيقي الذي سيبرر الضرر المؤكد الذي سيلحق بالجبهة الداخلية.
إن السير الأعمى هذا إلى تبادل للضربات على نطاق لم نشهده من قبل، سيلحق دمارا هائلا عندهم وكثيرا جدا عندنا، وفي نهايته مشكوك لأي شيء أن يتغير تشارك القيادة السياسية وجهاز الأمن كله – أحد لا يطرح مقابل هذا بديلا، كون البديل الوحيد يستوجب وقف الحرب في غزة – وكذا القيادة العسكرية، الجمهور والإعلام. هذه ليست مسيرة سخافة، بل شيء ما أسوأ بكثير.
لم يعد لمعظمنا منذ الآن أمل حقيقي من الساحة السياسية، من الجيش (الذي عرف مسبقا الحقيقة أيضا بالنسبة للإنجازات المحدودة بالضرورة للمعركة في غزة، بنى ونفذ خطة تضمن ألا يكون أكثر من إنجاز محدود والآن يحاول أن يسوق هناك نصرا كبيرا أساسا كي لا يقولوا له اذهب إلى لبنان)، أو من وسائل الإعلام. وعليه فمشوق على نحو خاص موقف الجمهور. في الاستطلاع الأخير لمعهد بحوث الأمن القومي قالت 46 في المئة من المستطلعين إن على إسرائيل أن تبادر إلى عمل عسكري واسع في الشمال، حتى بثمن حرب إقليمية. كانت هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها استطلاع للمعهد أغلبية لمؤيدي التصعيد الواسع. في نفس الوقت، انخفض عدد المؤمنين بأنه إذا كانت حرب كهذه، سيعرف الجيش الإسرائيلي كيف ينتصر فيها من 91 في المئة في تشرين الأول الماضي إلى 67 في المئة فقط – درك أسفل تاريخي في الثقة بقدرة الجيش على الإيفاء بأهدافه. كما أن معدلات الثقة برئيس الأركان وبتقارير الناطق العسكري هبطت إلى درك أسفل غير مسبوق.
هذا التناقض الظاهر لا يشهد على جمهور اختفى فهمه بل على الترنح والإحساس بانعدام المخرج. نصر حقيقي في غزة لن يكون، صفقة مخطوفين (كفيلة بأن تكون أيضا مخرجا لوقف الحرب) تبتعد من يوم إلى يوم، القيادة تعمل بشكل يتعارض والمصلحة الإسرائيلية (لكن لا يعرض لها أي سياسي بديلا فكريا)، أداء الجيش مخيب للآمال وضائقة سكان الشمال المجليين من بيوتهم منذ ثمانية أشهر، تفطر القلب. وبالتالي إذا كان هكذا هو الحال، فهيا نقاتل ونرى إذا كان سيحصل شيء ما، حتى إذا كنا نقدر بأنه لن يحصل أي شيء طيب، ونعرف أننا سيكون لنا أنفسنا شر – وانظروا إلى فزع شراء المولدات بعد تصريحات مدير عام شركة إدارة شبكة الكهرباء.
يجدر بنا أن نتوقف عند كلمات "حتى بثمن حرب إقليمية" – وبالذات في جانب جاهزية الجيش الإسرائيلي لحرب كهذه. يمكن أن نجادل في أهلية الجيش للمعركة في لبنان، بعد ثمانية أشهر من القتال في غزة والتي أفرغت مخزونات الجاهزية في جوانب الأدوات والذخيرة، عصرت قوات النظامي والاحتياط بشكل غير مسبوق وأفرغت الشرعية في العالم لعمل إسرائيل. أؤمن بأن للجيش الإسرائيلي على تنفيذ خطوة هجومية، والتي كما أسلفنا المشكلة معها هي أولا وقبل كل شيء في جدواها المشكوك فيها وفي أضرارها المؤكدة. لكن حرب إقليمية؟ هل كرس أحد ما ذات مرة تفكيرا في كيف ستبدو هذه؟
في آذار 2023 نشر في "بين الأقطاب"، النشرة المركزية الناطقة بلسان مركز ددو – مركز التفكير الأساس للجيش الإسرائيلي – مقال بقلم قائد الذراع البري اللواء تمير يداعي والعميد عيران اورتال، يعرفان فيه على النحو التالي "المفتاح للتصدي لإيران": "بناء قدرة بث قوة إسرائيلية مباشرة (وإن كانت محدودة) في إيران وفي المنطقة وقدرة عملياتية لإزالة تهديد حزب الله وحماس في حدود إسرائيل في حرب قصيرة وحاسمة. في أسوأ حالات الحرب، ستتحقق هذه القدرة وسيزال تهديد حزب الله في لبنان بشكل يقطع ذراع الردع الإيراني، الأساس تجاه إسرائيل... حجر الرحى هو وجود قوة ردع مصداقة، في نظر الطرفين، حيال جيوش الإرهاب في الدائرة الأولى".
هل الجيش الإسرائيلي اليوم، الذي يغرق في غزة منذ ثمانية أشهر، هو في نظر العدو قوة حسم مصداقة قادرة على إزالة تهديد حزب الله وحماس في حرب قصيرة وحاسمة؟ هل الجيش الإسرائيلي نفسه يؤمن بذلك؟ هل كان بث لقوة إسرائيلية مباشرة في إيران وفي المنطقة، فيما أن – ردا على تصفية منفعتها مشكوك فيها لكبير إيراني، وبخلاف التقدير الاستخباري المسبق – أطلقت إيران ووكلاؤها مئات الرؤوس المتفجرة إلى إسرائيل في هجوم منسق؟ هل بنينا بأي شكل كان، ليس فقط في الجيش الإسرائيلي بل في أحلاف إقليمية، في علاقة شجاعة وتفاهمات مفصلة مع الولايات المتحدة وباقي الأطراف، شيئا من القدرة التي يؤمن كبار رجالات الجيش الإسرائيلي أنفسهم بأنها ضرورية؟
إن الطريق الوحيد ليس فقط الامتناع عن استمرار الضرر لأمن إسرائيل، بل وأيضا البدء ببناء القدرات اللازمة لأجل الخروج كمنتصرين من المواجهة مع محور المقاومة الذي تقوده إيران، هو وقف الحرب في غزة (إذا كان ممكنا في صفقة مخطوفين)؛ الوصول إلى تسوية في الشمال والتي إضافة إلى الانتشار الدفاعي ستتيح عودة السكان إلى بيوتهم؛ والبدء ببناء القوة بكل عناصرها – سياسية، إقليمية، عسكرية وغيرها – استعدادا للمعركة الحقيقية. كل شيء آخر هو مثابة سخافة عظيمة الضرر، ثمة من يسير إليها بعيون مفتوحة وباعتبارات غريبة، وثمة من ينجر إليها انطلاقا من الترنح ورفع الأيدي.