يستغل رئيس حزب "الصهيونية الدينية" ووزير المالية
الإسرائيلي، بتسلئيل
سموتريتش، الانشغال في الحرب ضد قطاع
غزة ومصير الأسرى لدى حماس وقصف حزب الله لشمال الأراضي المحتلة، من أجل تحقيق حُلمه في خلق الظروف التي ستؤدي إلى ضم
الضفة الغربية.
وجاء في مقال للمحرر الاقتصادي في صحيفة هآرتس، ديفيد روزنبرغ، نشره في مجلة "
فورين بوليسي" أن كلمة "الضم" نادرا ما ينطق بها سموتريتش، الذي يشغل منصب عضو بارز في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وأكد المقال الذي ترجمته "عربي21"، أنه "دون أدنى شك حول حق اليهود في الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، فهو لا يعدّ الضفة الغربية أرضا تضاف إلى دولة إسرائيل، بل ميراث لا يحتاج إلا إلى المطالبة به. وكما قال لصحيفة هآرتس في مقابلة قبل أكثر من سبع سنوات، فإن الدولة
الفلسطينية ستكون بمنزلة تقسيم لإسرائيل. إن استيعاب الضفة الغربية في إسرائيل هو بمنزلة التوحيد".
وأضاف أن "الإجراءات القانونية التي ينطوي عليها الضم، أقل أهمية بالنسبة لسموتريتش من تهيئة الظروف التي ستؤدي إلى الضم، وللقيام بذلك، فهو يستخدم استراتيجية ذات شقين؛ من ناحية تتضمن تغيير القوانين وإنشاء بيروقراطية صديقة للمستوطنين، ومن ناحية أخرى المساعدة في إثارة العنف والفوضى في الضفة الغربية".
وكما أشار سموتريتش مرات عديدة، فإن الحدث الأبرز في عملية "التوحيد" سيكون انهيار السلطة الفلسطينية، مما لا يترك لـ "إسرائيل" أي خيار سوى ملء الفراغ وإعادة تأكيد سيطرتها على الضفة الغربية بأكملها.
الوظيفة الرئيسية لسموتريش في الحكومة هي وزير المالية، وهو منصب قوي استخدمه لتنفيذ سياساته، لكنه يشغل منصبا ثانيا، وهو أكثر أهمية بالنسبة له، كوزير في وزارة الحرب، وهي الوظيفة التي وعد بها نتنياهو عندما تم تشكيل الحكومة الحالية في نهاية عام 2022.
ويعد سموتريش في الواقع وزير المستوطنات الذي يتمتع بصلاحيات تمتد، إلى حد ما، إلى حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضا، بحسب ما جاء في المقال.
منذ أن استولت على الأراضي في عام 1967، فرضت "إسرائيل" سيطرتها على الضفة الغربية من خلال الاحتلال العسكري. وكان الجيش الإسرائيلي، من خلال إدارته المدنية، مسؤولا عن "إنفاذ القانون" وغير ذلك من المسائل المدنية في 60 بالمئة من الضفة الغربية، التي لا تخضع لولاية السلطة الفلسطينية.
ولطالما فضلت الإدارة المدنية مصالح المستوطنين على حساب الفلسطينيين، لكنها ظلت رسميا جزءا من الجيش، وبذلت على الأقل بعض الجهد لمراعاة الاحتياجات الفلسطينية، إلا أن كل ذلك تغير في شباط/ فبراير 2023، عندما تم تشكيل إدارة مستوطنات جديدة تتمتع بصلاحيات واسعة، بما في ذلك سلطة مصادرة الأراضي الفلسطينية، والموافقة على بناء المساكن في المستوطنات، وإدانة البناء الفلسطيني باعتباره غير قانوني، والسماح بأثر رجعي بالمستوطنات التي تم بناؤها دون موافقة حكومية، والمعروفة باسم "البؤر الاستيطانية".
وباعتبارها هيئة مدنية، فإن وظيفة إدارة المستوطنات هي تعزيز مصالح المواطنين الإسرائيليين، أي المستوطنين، والمصلحة الأساسية للمستوطنين هي تسريع وتيرة بناء وتوسيع المستوطنات، والأكثر من ذلك، فإن نقل السلطة من الجيش إلى المدنيين، يرقى إلى عملية ضم هادئة وزاحفة بحكم الأمر الواقع.
وقال سموتريش في تصريحات مسربة من اجتماع عقد في 9 حزيران/يونيو الجاري مع المؤيدين، نُشرت لأول مرة في صحيفة نيويورك تايمز: "سيكون من الأسهل استيعابها في السياق الدولي والقانوني، حتى لا يقولوا إننا نقوم بالضم هنا".
في الأسابيع الأخيرة، عزز سموتريتش سيطرته بشكل أكبر، حيث عين هيليل روث، أحد سكان مستوطنة يتسهار المتطرفة، نائبا لرئيس الإدارة المدنية مع سلطة على مجموعة من المجالات، تتراوح بين أنظمة البناء والبنية التحتية للمياه إلى الحدائق العامة والمسابح العامة الخارجية.
وقد تبدو السيطرة على المسابح العامة عملا بسيطا على قدم المساواة مع اصطياد الكلاب. لكن الأمر ليس كذلك؛ فجزء كبير من التنافس على مستقبل الضفة الغربية، يدور حول التركيبة السكانية؛ زيادة عدد المستوطنين، والسيطرة على الأراضي. وتهدف إدارة المستوطنات إلى منح المستوطنين الأدوات اللازمة للقيام بذلك بشكل أكثر فعالية. وتخدم الينابيع الطبيعية المنتشرة في الضفة الغربية المزارعين الفلسطينيين، وكذلك السباحين الإسرائيليين، وتشكل واحدة من ساحات الصراع العديدة للسيطرة على الأرض ومواردها.
لكن حملة سموتريتش لا تقتصر على تفاصيل الموافقات المخططة المعجلة، فقد استخدم صلاحياته أيضا في غض الطرف عن أعمال البناء التي يقوم بها المستوطنون.
ولم يقتصر الانفلات الأمني بين المستوطنين في الضفة الغربية على البناء غير القانوني. لقد استغل المستوطنون الأكثر تطرفا وجود حكومة يهيمن عليها اليمين المتطرف، وانشغال الجيش بالقتال في غزة للانخراط في أعمال أهلية غير مسبوقة. وقد أحصى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) 968 هجوما على الفلسطينيي،ن تنطوي على أعمال تخريب وإصابات خطيرة في الأشهر التي تلت بدء الحرب في 7 تشرين/ أكتوبر 2023. ولم يكن هناك سوى 10 حالات مؤكدة لفلسطينيين قتلوا في هذه الحوادث (مقارنة بأكثر من 500 في اشتباكات مع الجيش)، ولكن الوتيرة أسرع بكثير من أي وقت مضى، منذ أن بدأ مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في حفظ السجلات في عام 2008، ومن المرجح أن يكون العدد الحقيقي أعلى.
وفي حين أن بعض أعمال عنف المستوطنين كانت بسبب الانتقام في أعقاب الهجمات الفلسطينية، فإن الكثير منها كان يتعلق بالأرض. وفي غور الأردن، جنوب مدينة الخليل، سيطر المستوطنون المتطرفون، على وجه الخصوص، على مساحات واسعة من أراضي المراعي الفلسطينية. وفي العديد من الحالات، اضطرت مجتمعات بأكملها من الرعاة الفلسطينيين إلى ترك منازلهم.
لم تبذل الشرطة قط جهدا كبيرا للتحقيق في عنف المستوطنين، ولكن في عهد بن غفير، تم إسقاط كل ادعاءات التنفيذ. ويسعى بن غفير، بدرجة كبيرة من النجاح، إلى تسييس الشرطة الإسرائيلية، والضغط عليها لقمع المتظاهرين المناهضين للحكومة، بينما يطالبها بالوقوف جانبا عندما يهاجم المتطرفون اليمينيون شاحنات تحمل المساعدات إلى غزة. وتوصل تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا، إلى أنه من بين الحالات الثلاثين التي نظرت فيها منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والتي تنطوي على جرائم تتراوح بين سرقة الماشية والاعتداء، لم تؤد أي حالة منها إلى توجيه اتهامات إلى المشتبه بهم.
أما بالنسبة للجيش، فقد كان الجنود منشغلين بالقتال في غزة وعلى الحدود الشمالية، فضلا عن قمع العنف الفلسطيني في الضفة الغربية. ويقول الجيش؛ إنه لا يملك القوة البشرية اللازمة لوقف المستوطنين. لكن الحقيقة هي أن العديد من القادة والجنود في الوحدات العسكرية النظامية والاحتياطية المتمركزة في الضفة الغربية، متعاطفون مع المستوطنين. غالبا ما يكونون هم أنفسهم مستوطنين. علاوة على ذلك، بعد هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تم استدعاء حوالي 5500 مستوطن للخدمة الاحتياطية لحماية مجتمعاتهم. وقد استغل العديد منهم الأسلحة والزي الرسمي الذي صدر لهم لتجاوز واجباتهم الرسمية لإقامة حواجز على الطرق ومهاجمة الفلسطينيين.
ويجسد حادث وقع بالقرب من بلدة عقربا الفلسطينية في نيسان/أبريل حالة الانفلات الأمني الراهنة. في أعقاب مقتل فتى إسرائيلي يبلغ من العمر 14 عاما على يد فلسطينيين، اجتاح المستوطنون البلدة والمنطقة المحيطة بها، مما أسفر عن مقتل اثنين من سكانها. (قُتل اثنان آخران في وقت لاحق). وقال الجيش في البداية؛ إنه لم يكن هناك جنود موجودون، على الرغم من أن تحقيق صحيفة هآرتس قال؛ إن القوات كانت هناك ولم تتدخل. ولم تعتقل الشرطة أحدا.
لكن بالنسبة لسموتريتش، فإن انهيار السلطة الفلسطينية هو أهم أولوياته. وهنا يأتي دوره كوزير للمالية؛ لأن الاستراتيجية هي خنق السلطة ماليا. ويتمتع سموتريش بالقدرة على القيام بذلك؛ لأن ما يقرب من 60 بالمئة من الإيرادات التي تعتمد عليها السلطة الفلسطينية لدفع الرواتب وتقديم الخدمات، تأتي من الجمارك والضرائب الأخرى التي تجمعها إسرائيل باسم السلطة الفلسطينية، وتحول الأموال إلى رام الله كل شهر.
وكانت "إسرائيل"، لبعض الوقت، تخصم من "إيرادات المقاصة" هذه الأموال التي أنفقتها السلطة الفلسطينية لدعم عائلات الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية. بعد وقت قصير من بدء الحرب في غزة، ضاعف سموتريتش الاستقطاعات الشهرية ثلاث مرات لتصل إلى 600 مليون شيكل؛ حوالي 60 بالمئة من إجمالي التحويل الشهري. واحتجاجا على ذلك، رفضت السلطة الفلسطينية قبول أي أموال، مما اضطرها إلى خفض أجور موظفي الخدمة المدنية بنسبة تصل إلى 70 بالمئة.
وفي أواخر شباط/ فبراير، تم التوصل إلى صيغة لحفظ ماء الوجه، وافقت بموجبها النرويج على وضع الأموال المحتجزة في حساب ضمان، ومن ثم إعطاء السلطة الفلسطينية ذريعة لأخذ الأموال التي ماتزال متاحة. لكن في الشهر الماضي، جدد سموتريش حملة الضغط، ودعا نتنياهو إلى وقف جميع التحويلات، وطالب النرويج بإعادة أموال الضمان إلى إسرائيل. وفي الآونة الأخيرة، طالب باتخاذ خطوات ضد قادة السلطة الفلسطينية، بما في ذلك طرد أولئك الذين يتبين أنهم لا يعيشون بشكل قانوني في الضفة الغربية، وتقييد تحركات الآخرين ومنعهم من السفر إلى الخارج، واتهام البعض بالتحريض أو دعم الإرهاب.
وسموتريش ليس أقل تصميما على مفاقمة مشاكل الاقتصاد الفلسطيني المتعثر أصلا، ولا يؤدي ذلك إلى زيادة الضغوط المالية على السلطة الفلسطينية فحسب، بل قد يكون له أيضا فائدة إضافية تتمثل في إقناع الفلسطينيين بالهجرة. ولتحقيق هذه الغاية، تمكن هو وبن غفير أيضا من عرقلة الجهود الرامية إلى السماح لحوالي 150 ألف فلسطيني من الضفة الغربية الذين كانوا يعملون داخل إسرائيل قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر بالعودة إلى وظائفهم. ووفقا للمعايير الفلسطينية، فإن رواتب هذه الوظائف جيدة، لذا فإن اختفاءها المفاجئ له تأثير كبير على دخل الأسرة والاقتصاد.
ويهدد سموتريش الآن بتوجيه ضربة أخرى للاقتصاد الفلسطيني، من خلال وقف إصدار ما كان حتى الآن خطابات تعويض روتينية للبنوك الإسرائيلية. وتوفر الرسائل درعا قانونيا للمؤسسات المالية الإسرائيلية، التي تعمل مع نظيراتها الفلسطينية في حال وقوع بعض الأموال في أيدي الجماعات الإرهابية. تعدّ هذه العلاقة المصرفية أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني، مما يتيح تدفقا سنويا بقيمة 10 مليارات دولار من الصادرات والواردات الفلسطينية، وجميعها تمر عبر إسرائيل. إذا تحرك سموتريتش، فسوف يركع اقتصاد الضفة الغربية على ركبتيه.
وتعارض وزارة الحرب معظم إجراءات سموتريتش؛ خشية أن يؤدي ذلك إلى تأجيج نيران انتفاضة أخرى. لكنها عاجزة إلى حدّ كبير عن منعها ما دام المستوى السياسي لا يتحرك. وحتى لو أراد نتنياهو إيقاف سموتريتش، فهو يحتاج إلى دعمه المستمر للحفاظ على ائتلافه الحاكم سليما.
ومن ثم فإن سموتريتش يتمتع بحرية التصرف نسبيا في التعامل مع رئيسه.
وما لا يملكه هو تفويض عام لمتابعة برنامجه. ودائرته الانتخابية الرئيسية في خطة الضم هي سكان المستوطنين، الذين لا يشكلون أكثر من 10 بالمئة من إجمالي سكان إسرائيل، وحتى دعمهم لمشروع الضم لا يكاد يكون شاملا. ويتكون جزء كبير من سكان المستوطنين من الأشخاص الذين انتقلوا إلى الضفة الغربية لأسباب اقتصادية، بما في ذلك عدة آلاف من اليهود المتشددين. ولا يُعتقد أنهم متشبثون بفكرة إسرائيل الكبرى. ومن بين إجمالي السكان، فإن دعم الضم ليس ساحقا على الإطلاق: فقد وجدت دراسة استقصائية حديثة أجرتها جامعة تل أبيب، أن حوالي 38 بالمئة فقط من الإسرائيليين اليهود يؤيدون الفكرة (و14 بالمئة فقط بقوة شديدة)، بينما عارضته الأغلبية.