تداعيات سلبية متعددة أثرت على اقتصاد الاتحاد الأوروبي خلال الفترة
الأخيرة، شملت آثار الحرب الروسية الأوكرانية وما سبقتها من تداعيات فيروس كورونا،
والجفاف الذي ضرب القارة الأوروبية في تموز / يوليو 2022، وارتفاع أسعار الطاقة من
نفط وغاز طبيعي وفحم عام 2022، وحدوث أكبر موجة تضخم خلال عام 2022 أثرت على
الإنفاق الاستهلاكي، وارتفاع تكاليف النقل البحري، وارتفاع أسعار الفائدة مما أعاق
الاقتراض سواء للمشتريات أو
الاستثمار.
والنتيجة هي حدوث انكماش اقتصادي في العام الماضي في 11 دولة من بين دول الاتحاد
الأوروبي السبع والعشرين، وهي: ألمانيا وأيرلندا والسويد والتشيك والنمسا والمجر
وفنلندا وليتوانيا ولاتفيا واستونيا ولكسمبورج. وتوقع صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في نيسان/ أبريل الماضي انخفاض
نسبة النمو عن نسبة النصف في المائة بأربع دول في الاتحاد هي: ألمانيا والسويد
والنمسا وفنلندا، وانخفاض نسبة النمو عن الواحد في المائة بأربعة دول أخرى هي: فرنسا
وإيطاليا وهولندا والتشيك.
كما تراجعت التجارة السلعية للاتحاد الأوروبي العام الماضي بالمقارنة بالعام
الأسبق، بسبب انخفاض الواردات السلعية للاتحاد، وكانت التجارة السلعية للاتحاد قد
حققت عجزا تجاريا خلال عام 2022 بعد عشر سنوات متواصلة من الفائض التجاري، وخلال
عام 2022 حقق ميزان المعاملات الجارية لدول اليورو العشرين عجزا بعد تحقيق فائض
متواصل لسنوات عدة، كما حققت موازنة دول اليورو نسبا عالية من العجز منذ عام 2020،
وزادت نسبة الدين الحكومى لدول اليورو لتتخطى التسعين في المائة خلال السنوات من
2020 إلى 2022.
أمر تستغله الحكومة المصرية إعلاميا باحتساب حصيلة مذكرات التفاهم كأنها عقود ملزمة، حيث أن الرأي العام لا يعرف الفرق بين الأمرين ولا يسمح إعلام الصوت الواحد لأحد من المتخصصين بشرح ذلك، وهو أمر تم استخدامه في مؤتمر شرم الشيخ للاستثمار عام 2015، وفي قمة المناخ التي عقدت بمصر أواخر عام 2022، بالتصريح بأرقام ضخمة لنتائج المؤتمرين، والنتيجة أنه لم يتحقق شيء من مذكرات التفاهم
ومن الطبيعي أن تنعكس تلك المشكلات الاقتصادية على الاستثمار الأجنبي في الاتحاد
الأوروبي، حيث حقق الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد لدول الاتحاد رقما سلبيا عام 2022،
وهو أمر لم يحدث خلال السنوات العشرين السابقة على ذلك. وخلال العام الماضي حقق الاستثمار
الأجنبي المباشر الوارد لدول الاتحاد 59 مليار دولار، وهو رقم متدن لم يحدث خلال
الأعوام العشرين الأخيرة، حيث كان أقل رقم له خلال تلك السنوات العشرين 155 مليار
دولار.
انخفاض الاستثمارات الواردة للاتحاد الأوروبي
فقد انخفضت قيمة الاستثمارات المباشرة الواردة إلى 18 دولة في الاتحاد
أبرزها فرنسا وايطاليا وإسبانيا والسويد والتشيك، كما استمر الرصيد السالب للاستثمار
المباشر للعام الثاني في كل من هولندا ولكسمبورج، وتحول الاستثمار الوارد إلى رقم
سالب في كل من أيرلندا وفنلندا. وعلى الجانب الآخر وفيما يخص الاستثمار الخارج من
دول الاتحاد إلى دول العالم، فقد بلغت قيمته في العام الماضي 124 مليار دولار.
كان مطلوبا استعراض تلك التفاصيل السابقة عن أوضاع اقتصاد الاتحاد الأوروبي،
مع انعقاد مؤتمر الاستثمار بين
مصر والاتحاد الأوروبي يومي التاسع والعشرين
والثلاثين من حزيران/ يونيو، والذي ذكرت مصادر إعلامية نقلا عن مصادر حكومية مصرية
أنه سيسفر عن 38 اتفاقية استثمارية بقيمة 70 مليار يورو، وصرحت رئيسة المفوضية الأوروبية
بأن المؤتمر سيسفر عن اتفاقات أو مذكرات تفاهم تتجاوز قيمتها 40 مليار يورو. وهكذا
فإن عبارة واحدة على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية قد كشفت المستور، وهي عبارة عن
مذكرات تفاهم، والتي تعني مجرد تفاهم بين طرفين لا يرقى إلى العقد الملزم، أي قد
ينفذ أو لا ينفذ.
وهو أمر تستغله الحكومة المصرية إعلاميا باحتساب حصيلة مذكرات التفاهم
كأنها عقود ملزمة، حيث أن الرأي العام لا يعرف الفرق بين الأمرين ولا يسمح إعلام
الصوت الواحد لأحد من المتخصصين بشرح ذلك، وهو أمر تم استخدامه في مؤتمر شرم الشيخ
للاستثمار عام 2015، وفي قمة المناخ التي عقدت بمصر أواخر عام 2022، بالتصريح
بأرقام ضخمة لنتائج المؤتمرين، والنتيجة أنه لم يتحقق شيء من مذكرات التفاهم تلك على
مستوى الواقع العملي، لكنها أفادت السلطات المصرية في رفع الروح المعنوية، بينما
يرى آخرون أن عدم تحققها نشر روح الإحباط.
وإذا كنا قد استعرضنا بعض ملامح صورة اقتصاد الاتحاد الأوروبي في الآونة
الأخيرة، فإن ملامح الاقتصاد المصري كذلك لا توفر مجالا لتحقيق تلك الأرقام الضخمة
عن الاستثمارات التي تناولتها وسائل الإعلام المصرية، من حيث استمرار مشكلة نقص
العُملة، والتي زاد عليها نقص الطاقة والكهرباء وزيادة السخط الاجتماعي، بخلاف
ارتفاع سعر الفائدة والتضخم وحوادث الطرق وبطيء التقاضي.
خروج استثمارات بـ7 مليار إلى إيطاليا
كما برز عامل مهم مؤخرا وهو اتجاه قطاع كبير من المصريين لمقاطعة منتجات
الدول الغربية التي تساند إسرائيل، مما يعني تعطيلا جزئيا لميزة السوق الكبيرة التي
تسعى إليها الشركات الغربية لتصريف منتجاتها سواء كانت مصنوعة في مصر أو مستوردة.
وهنا نصل إلى الواقع العملي للاستثمار في مصر، حيث توقفت شركات الطاقة
العاملة في مصر عن تطوير الحقول التي تعمل فيها، نظرا لتأخر حصولها على مستحقاتها،
حسب تصريح لوزير بترول سابق، وكذلك تعطل شركات أسمدة وسيراميك وزجاج وغيرها لنقص
الغاز الطبيعي.
وها هي بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من مصر والمُعلنة من قبل
البنك المركزي المصري، تشير إلى بلوغ الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة من
مصر إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال العام المالي 2021/2022 نحو 5 مليارات و330.5
مليون دولار، وفي العام المالي 2022/2023 نحو 4 مليارات و948 مليار دولار، أي
بمجموع 10 مليارات و279 مليون دولار خلال العام الماليين الأخيرين.
وتوزعت تلك الاستثمارات بواقع 7 مليار دولار اتجهت إلى إيطاليا، وأكثر من مليار
دولار إلى هولندا، و505 مليون دولار لفرنسا، و458 مليون دولار لألمانيا، و315
مليون دولار للكسمبورج و307 ملايين لبلجيكا، و169 مليون دولار لإسبانيا، ومبالغ
أقل إلى أيرلندا والسويد وقبرص والنمسا ومالطا والبرتغال والتشيك وغيرها.
خروج 12 مليار دولار في عامين ونصف
دول الغرب ممتنة للنظام المصرى على مواقفه المتسببة في تجويع سكان غزة وحصارها، وتوافقه مع إسرائيل لتحقيق هدف القضاء على المقاومة الفلسطينية، إلى جانب منعه للهجرة غير الشرعية عبر الشواطئ المصرية منذ سنوات، ولهذا ترى أهمية الحرص على عدم غرق النظام، وأمدته بالقروض خلال الشهور الأخيرة، ولا بأس من تعضيده سياسيا وإعلاميا، لكن المساندة له لا تعني أن يتم السماح بالعوم والحركة والنمو، ولكن فقط عدم الغرق
كما بلغت الاستثمارات المباشرة التي خرجت من مصر إلى دول الاتحاد الأوروبي
خلال النصف الأول من العام المالى 2023/2024 نحو مليارين و50 مليون دولار، ليصل إجمالي
الاستثمارات المباشرة الخارجة من مصر خلال عامين ونصف إلى 12 مليارا و328.5 مليون
دولار.
ويظل السؤال: إذا كان الأمر كذلك فلماذا يتم عقد هذا المؤتمر الاستثماري
إذا في القاهرة؟
والإجابة واضحة للجميع، أن دول الغرب ممتنة للنظام المصرى على مواقفه
المتسببة في تجويع سكان غزة وحصارها، وتوافقه مع إسرائيل لتحقيق هدف القضاء على
المقاومة الفلسطينية، إلى جانب منعه للهجرة غير الشرعية عبر الشواطئ المصرية منذ
سنوات، ولهذا ترى أهمية الحرص على عدم غرق النظام، وأمدته بالقروض خلال الشهور
الأخيرة، ولا بأس من تعضيده سياسيا وإعلاميا، لكن المساندة له لا تعني أن يتم
السماح بالعوم والحركة والنمو، ولكن فقط عدم الغرق، إلى جانب تحقيق أهداف دول الاتحاد
الأوروبي في المزيد من مبيعات السلع والخدمات للسوق المصرية، وتنفيذ مشروعات طاقة
تقليدية أو طاقة متجددة وخاصة الهيدروجين الأخضر، لتعويض جانب من الاستغناء الأوروبي
عن الطاقة الروسية الأرخص والأقل تكلفة بسبب قدومها عبر أنابيب، بينما البدائل تتم
عبر الناقلات سواء للنفط أو الغاز الطبيعي الذي يتطلب نقله التسييل في بلد التصدير
ثم إعادة تغييره في بلد الاستقبال بما يزيد من تكلفته.
وخلال المؤتمر يتم إظهار تحسن الأمور الاقتصادية جزئيا بدول الاتحاد الأوروبي،
عبر خفض سعر الفائدة الذي تم من قبل دول اليورو والتشيك والدانمرك والمجر وقبلها
بولندا والسويد، وانخفاض معدلات التضخم والبطالة وتحسن النمو، كوسائل مساعدة
للحصول على المزيد من الاستثمارات المباشرة الخارجة من مصر وتزايدت خلال العامين
الأخيرين.
x.com/mamdouh_alwaly