تشير
نتائج
الانتخابات العامة في
بريطانيا التي جرت الخميس؛ إلى انخفاض عدد أصوات
المسلمين التي ذهبت لصالح
حزب العمال، وهذا أثر في النتيجة على العدد الكلي للأصوات
التي حصل عليها الحزب، وهو ما فسرته وسائل إعلام بريطانية بأنه مرتبط بموقف الحزب
من الحرب على
غزة.
ونتج عن ذلك خسارة الحزب عددا من المقاعد في دوائر يشكل
المسلمون نسبة كبيرة من ناخبيها وتعتبر دوائر مضمونة في العادة للعمال.
زيادة في عدد المقاعد وتراجع أعداد المصوتين
ومع
اكتمال فرز الأصوات في 648 دائرة من أصل 650 دائرة، فقد حصل العمال على أغلبية 412
مقعدا، أي بزيادة 211 مقعدا مقارنة بالانتخابات السابقة عام 2019.
لكن
هذه الزيادة في المقاعد لا تعكس الواقع الحقيقي لعدد الأصوات التي حصل عليها الحزب.
فالبرغم من تراجع عدد أصوات الحزب مقارنة بنتائج انتخابات عامي 2017 و 2019 في ظل قيادة
جيرمي كوربين للحزب، فإن طبيعة النظام الانتخابي في بريطانيا تتيح للأحزاب الكبيرة تحقيق نسبة كبيرة من
المقاعد بفارق ضئيل في نسبة الأصوات. وقد استفاد حزب العمال من تراجع أصوات حزب المحافظين بنحو 20
في المئة، ذهبت في غالبيتها لحزبي الإصلاح اليميني المتطرف والديمقراطيين الأحرار،
وليس لحزب العمال الذي فقدَ في الواقع مئات الآلاف من الأصوات.
ففي
انتخابات عام 2017، حصل حزب العمال بزعامة كوربين على أكثر من 12.877 مليون صوت
وبنسبة 40 في المئة من الأصوات، وفي 2019 حصل كوربين على نحو 10.269 مليون صوت،
بنسبة 32.1 في المئة. لكن الحزب تحت قيادة ستارمر حصل في الانتخابات الأخيرة على
نحو 9.686 مليون صوت، لكن بنسبة 33.7 في المئة من الأصوات. وتشير هذه النسب من جانب
آخر إلى انخفاض في عدد المشاركين في التصويت.
ويُعتقد
أن الفارق بين عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب بقيادة كوربين في 2019 وتلك التي
حصل عليها تحت قيادة ستارمر، والذي يبلغ نحو 600 ألف صوت، يمثل عدد الأصوات التي
فقدها الحزب من أصوات المسلمين بسبب حرب غزة.
وبشكل
عام، انخفضت نسبة التصويت بما يتراوح بين 2 و15 في المئة بعض الدوائر، وهو الأمر
الذي تكرر في الانتخابات المحلية وعُزي بشكل أساسي إلى امتناع العديد من المسلمين
عن التوجه لصناديق الاقتراع احتجاجا على موقف الأحزاب.
من أجل غزة.. وزير محتمل يخسر مقعده.. وآخر نجح بصعوبة
وفي ما وُصفت بأنها مفاجأة كبرى، خسر وزير الظل جوناثان أشوورث في دائرة جنوب ليستر بوسط إنكلترا، وهي منطقة فاز العمال في الانتخابات الماضية بفارق 22 ألف صوت.
وفاز في هذه الدائرة التي يشكل المسلمون 30 في المئة من ناخبيها؛ المرشح المستقل شوكت آدم، المدعوم من كوربين، بفارق 979 صوتا. وفور فوزه قال شوكت: "هذا من أجل غزة". وبلغ حجم خسارة العمال في هذه الدائرة 35 نقطة مئوية مقارنة بالانتخابات السابقة عام 2019.
وفي
منطقة شمال إلفورد في لندن، كاد وزير الصحة في حكومة الظل العمالية ويس ستريتنغ أن يفقد مقعده أمام المرشحة من أصول فلسطينية الشابة ليان محمد، حيث فاز بأغلبية بلغت 528
صوتا فقط، مقابل فارق تسعة آلاف صوت في الانتخابات السابقة.
أسماء داعمي غزة الفائزين
وفي
المجمل، ومع اكتمال الفرز في كافة الدوائر (باستثناء دائرتين) فقدَ العمال ستة مقاعد في المناطق التي يشكل المسلمون نسبة كبيرة من الناخبين فيها.
لكن
في مفارقة، وبينما فاز خمسة مرشحين مؤيدين لفلسطيين مقابل العمال، فإن المقعد السادس في دائرة شرق ليستر ذهب لحزب المحافظين، بسبب تقلص
أصوات العمال لصالح مرشحة مستقلة مؤيدة لفلسطين ومرشحة مسلمة من حزب الديمقراطيين
الأحرار. وقد فاز المرشح المحافظ بالمقعد بالرغم من انخفاض نسبة الأصوات بأكثر من
7 نقاط مئوية مقارنة بالانتخابات السابقة، لكن أصوات العمال انخفضت بأكثر من 29 نقطة.
وخسر
المرشح العمالي خالد محمود، عن دائرة بيري بار في برمنغهام، لصالح المرشح المستقل أيوب
خان بفارق 507 أصوات.
ومحمود
بالرغم من أنه صوت لصالح مشروع قرار في البرلمان لوقف إطلاق النار في تشرين الثاني/
نوفمبر الماضي، إلا أنه حاول الدفاع عن سياسات الحزب وزعيمه
كير ستارمر. وظهر في
تسجيل فيديو وهو يتشاجر مع محاوريه في أحد المساجد في برمنغهام، حيث اتهمهم بالجهل
وأنهم لا يقرأون.
كما
خسر حزب العمال مقعدين في شمال إنكلترا، وهما لدائرة دوسبري أند باتلي في ويست يوركشاير،
وبلاكبيرن، لصالح مرشحين مستقلين كانت قضية غزة شعارهما الرئيس.
فقد
فاز المرشح المستقل إقبال محمد بأكثر من 15 ألف صوت، وبفارق نحو سبعة آلاف صوت عن المرشحة
العمالية هيذر إقبال، حيث انخفضت نسبة العمال بأكثر من 36 نقطة مئوية.
وفاز
عدنان حسين في بلاكبيرن بفارق نحو 150 صوتا على المرشحة العمالية التي هبطت أصواتها
بنحو 39 نقطة مئوية مقارنة بالانتخابات الماضية. وحل في المركز الثالث مرشح حزب
العاملين بزعامة جورج جالوي المؤيد لفلسطين، بأكثر من سبعة آلاف صوت.
وحافظ
زعيم العمال السابق كوربين، الذي خاض الانتخابات كمستقل بعد استبعاده من قوائم
الحزب، على مقعده في دائرة شمال إزلنغتون في لندن. وحصل على أكثر من 49 في المئة
من الأصوات وبفارق سبعة آلاف صوت، في حين انخفضت أصوات العمال بنحو 30 نقطة مئوية،
حيث بلغت في الانتخابات الماضية 64 في المئة، عندما كان كوربين زعيما للحزب
ومرشحه.
وفي
المناطق التي تمكن حزب العمال من الاحتفاظ بمقاعده فيها، خسر نسبة كبيرة من
الأصوات لتنخفض معها أغلبيته فيها.
ففي
دائرة ليديوود في برمنغهام، تمكنت المرشحة العمالية ووزيرة العدل في حكومة الظل،
شبانا محمود، من الاحتفاظ بمقعدها أمام المرشح المستقل أحمد يعقوب، لكن أغلبيتها
انخفضت من 32 ألف صوت في الانتخابات الماضية إلى نحو 3400 صوت في الانتخابات
الحالية.
وكادت
المرشحة العمالية جيس فيليبس أن تخسر مقعدها عن دائرة ياردلي في برمنغهام، حيث فازت
بفارق 693 صوتا فقط أمام مرشح حزب العاملين (جالاوي)، في حين أنها كانت قد فازت في
الانتخابات السابقة بفارق يزيد عن 13 ألف صوت.
وواجهت
فليبيس هتافات ضدها من قبل مؤيدي فلسطيني، خلال كلمتها بعد إعلان فوزها، وقالت
إنها خاضت أسوأ حملة انتخابية خلال نشاطها البرلماني وأنها تعرضت لمضايقات.
وواجهت
وزيرة الأعمال الصغيرة في حكومة الظل العمالية، روشنارا علي، منافسة شرسة من
المرشح المستقل أجمل مسرور، في دائرة بنثال جرين آند ستيبني، في شرق لندن، حيث
فازت بفارق يقل عن 1700 صوت مقابل أغلبية تجاوزت 31 ألف صوت عام 2019، أي أنها
فقدت أكثر من 39 نقطة مئوية.
وحتى
في دائرة زعيم الحزب كير ستارمر، هولبرن آند سانت باكراس، في لندن، فقد تراجعت نسبة
العمال بأكثر من 17 نقطة مئوية أمام المرشح المؤيد لفلسطين أندرو فينستين. وخلال
كلمته بعد إعلان إعادة انتخابه، واجه ستارمر هتافات "فلسطين حرة".
ورغم
أن المرشحة أبسانا بيجوم، وهي أول امرأة محجبة تدخل البرلمان البريطاني، مؤيدة لفلسطين،
وشكت سابقا من طريقة تعامل القيادة الحالية للحزب معها، إلا أنها خسرت أكثر من 17 نقطة
مئوية من الأصوات في دائرتها بوبلار آند لايمهاوس التي تقطنها نسبة كبيرة من المسلمين
في شرق لندن، لصالح مرشح حزب الخضر ومرشح مستقل مسلم.
وفي
منطقة شيفيلد سنترال، فازت مرشحة العمال ابتسام محمد بأريحية، ولكن الحزب فقد نحو
15 في المئة من الأصوات مقارنة بالانتخابات الماضية، لصالح مرشحة حزب الخضر.
لكن
في مناطق يمثلها مرشحون معروفون بمواقفهم المؤيدة لفلسطين ومتعاطفة مع المسلمين،
فقد شهدت تغيرا طفيفا، مثل دائرة هييز آند هارلنغتون في غرب لندن، حيث فقد المرشح
العمالي جون ماكدونيل 2.5 نقطة مئوية من الأصوات فقط، مقارنة بالانتخابات الماضية،
وحافظ على أغلبيته الكبيرة، رغم وجود مرشحة مسلمة من حزب العاملين.
وفي
المقابل، خسر جورج جالاوي الذي كانت غزة شعاره الرئيس؛ مقعده الذي فاز به في
الانتخابات التكميلية قبل أشهر عن دائرة روشديل في مانشستر بشمال إنكلترا، حيث
استعاد العمال المقعد ولكن بتراجع بلغ 18 مئوية مقارنة بانتخابات 2019، حيث تقلص
الفارق إلى نحو 1500 صوت فقط.
واللافت
أن تراجع التصويت من قبل الناخبين المسلمين شمل المرشحين العماليين من المسلمين أو
غيرهم، وحتى أولئك الذين صوتوا لصالح مشروع قرار في البرلمان يدعو لوقف إطلاق
النار في غزة.
وكان
زعيم حزب الإصلاح اليميني نايجل فاراج قد زعم في تصريحات قبل أيام من الانتخابات
أن المسلمين يصوتون كطائفة لمرشحيهم من المسلمين فقط، لكن نتائج الانتخابات تشير
إلى أن هناك مرشحين مستقلين وقفوا بقوة في وجه مرشحين مسلمين آخرين عن حزب العمال،
كما أن ناخبين مسلمين صوتوا لصالح مرشحين غير مسلمين مؤيدين لغزة مقابل مرشحي حزب
العمال.
وقالت
النائبة المنتخبة حديثا عن حزب العمال زهرة سلطانة إن موقف حزبها من حرب غزة تمثل "وصمة
عار في سجله"، مشيرة إلى أن الحزب المحسوب على اليسار تاريخيا؛ اتجه نحو
اليمين.
وقال
وزير الخارجية المنتظر ديفيد لامي؛ إن الحزب سيعمل مع شركائه لوضع الاعتراف بالدولة
الفلسطينية موضع التنفيذ.
وتعهد
الحزب في برنامجه الانتخابي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في مرحلة ما في مفاوضات
السلام ودون انتظار موافقة إسرائيل، لكن التقديرات تشير إلى أن لن يفعل ذلك قريبا.
من جهتها، فازت المرشحة العمالية ميلاني وورد في أسكتلندا، لتحصل على مقعد من الحزب القومي الأسكتلندي. وقالت وورد، التي كانت تشغل منصب المديرة التنفيذية لمنظمة العون الطبي للفلسطينيين (MAP) وأعلنت استقالتها من منصبها بعد فوزها: "ماب تقوم بعمل رائع، وسأبقى داعما فخورا لها. سأستمر في العمل على دعم حقوق الفلسطينيين وخصوصا أولئك الذين في غزة من داخل مجلس العموم".
وأعادت
الانتخابات المحلية التي جرت في بريطانيا الشهر الماضي؛ النقاش حول مدى تأثير
أصوات المسلمين والعرب في الانتخابات.
وفي
العادة، فإن غالبية المسلمين في بريطانيا يصوتون لحزب العمال، لكن موقف الحزب
بقيادة كير ستارمر والمؤيد لإسرائيل بشدة، بما في ذلك تأييده قطع إمدادات الماء
والغذاء والكهرباء عن سكان غزة، ورفضه سابقا الدعوة لوقف فوري ودائم
لإطلاق النار في غزة، وهو موقف حكومة المحافظين أيضا، أثار غضب شرائح واسعة من
ناخبي الحزب، خصوصا المسلمين.
وبعد
تزايد الضغوط عليه، دعا الحزب في شباط/ فبراير الماضي إلى وقف إطلاق النار، لكن
ذلك الموقف وُصف بأنه جاء متأخرا وضعيفا.
ورغم
أن حزب العمال حقق تقدما في الانتخابات المحلية الأخيرة مقابل تراجع المحافظين،
فإن الحزب واجه تحديا في المناطق التي تزيد نسبة المسلمين فيها على 20 في المئة،
حيث شهد تراجعا بنحو 21 في المئة من الأصوات مقارنة بنتائج انتخابات 2021.
وقالت
حينها النائبة البارزة إيلي ريفز، وهي نائبة منسق حملة حزب العمال، إن حزبها يحتاج
إلى إعادة بناء الثقة مع الناخبين المسلمين، وسط رد فعل "عنيف" وواضح ضد
موقفه من غزة. كما أقرت بأن حزبها بحاجة إلى الكثير من العمل قبل الانتخابات
العامة، لكن لا يبدو أن ستارمر قد أجرى تغييرات وجدت أثرا لدى الناخبين المسلمين.
فإلى
جانب موقف قيادة الحزب من حرب غزة، أثار الحزب غضبا واسعا مع استبعاد مرشحين بسبب
مواقفهم المناهضة لإسرائيل، كما فرض مرشحين مؤيدين لإسرائيل بقوة في دوائر مضمونة
للحزب.
مؤيدو فلسطين من الأحزاب الأخرى
وإضافة إلى فوز عدد من المرشحين المستقلين الداعمين لفلسطين، فإن تقدم حزب "الديمقراطيين الأحرار" الذي حصل على أكثر من 70 مقعدا، وحزب الخضر الذي حصل على 4 مقاعد، يعتبر مؤشرا على تقدم المرشحين المؤيدين للحق الفلسطيني، حيث كان موقف قيادة الحزبين متقدما تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، والمطالبة المبكرة بوقف هذا العدوان.
وعلى الرغم من أن حزب "العاملين" بقيادة جورج غالاوي لم يحصل على زي مقعد بالبرلمان، إلا أنه حصد أكثر من 210 آلاف صوت، وهو رقم قد يؤهله لأن يصبح حزبا رسميا معترفا به.
إمكانية التغيير في المستقبل
وتؤكد هذه النتائج أن الصوت العربي والمسلم قد أثر لأول مرة في خريطة التصويت بالانتخابات البريطانية، رغم قلة عدد المقاعد التي نتجت عن الجملات العربية والمسلمة، كما أنها تشير إلى إمكانية تصاعد هذا التأثير، إذا استفادت المجتمعات العربية والمسلمة والمؤيدة لفلسطين من تجربة الانتخابات، وطورت تكتيكاتها الانتخابية.
ويشار
إلى أن النتائج التي منحت حزب العمال أغلبية ساحقة ومثلت أكبر هزيمة للمحافظين منذ
نحو 150 سنة، شهدت أيضا صعودا وُصف بالمقلق لليمين المتطرف ممثلا بحزب الإصلاح الذي
يتزعمه فاراج. فرغم أن الحزب لم يفز سوى بأربعة مقاعد في البرلمان، لأول مرة، إلا
أنه تمكن من حصد أكثر من أربعة ملايين صوت في المجمل، أي أكثر من 14 في المئة من
الأصوات.
كما
شهدت الانتخابات تراجعا كبيرا للحزب الوطني الأسكتلندي الذي خسر 38 مقعدا وليفوز
بتسعة مقاعد فقط، رغم أنه خسر 1.3 نقطة مئوية من الأصوات فقط. وهذه النتيجة تمثل
ضربة كبيرة لمطالب استقلال أسكتلندا عن بريطانيا.
وتمكن
حزب الديمقراطيين الأحرار من زيادة مقاعده إلى 71 مقعدا، مقارنة بثمانية مقاعد في
الانتخابات الماضية، رغم أن أصواته ارتفعت بـ0.6 نقطة مئوية فقط، إلى 12.2 في
المئة.
أما
أكبر الخاسرين فهو حزب المحافظين الذي فقد 250 مقعدا مع احتفاظه بـ121 مقعدا فقط،
مع خسارته نحو 20 نقطة مئوية من الأصوات بحصوله على 23.7 في المئة فقط.