منذ الإطاحة برئيس البرلمان
العراقي السابق، محمد
الحلبوسي، من منصبه بقرار قضائي قبل ثمانية أشهر، أخفق البرلمان في انتخاب البديل في جلستين شهدتا فوضى عارمة، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة عن مصير أكبر منصب للمكون حسب العرف السياسي السائد بالبلد.
وفشل البرلمان في الجولة الأولى التي عقدت في 13 كانون الأول/ ديسمبر الماضي في انتخاب رئيس له، بعدما انحصرت المنافسة بين سالم العيساوي عن تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر، وشعلان الكريم عن حزب تقدم برئاسة محمد الحلبوسي، ولم يحصل الاثنان على أغلبية أصوات أعضاء البرلمان.
وفي الجولة الثانية التي جرت في 18 أيار/ نيسان الماضي، أخفق البرلمان أيضا في انتخاب رئيس له بعد منافسة بين سالم العيساوي مرشح "السيادة"، ومحمود المشهداني مرشح "تقدم"، لم يحصل كلاهما على الأغلبية، وأعيق الانتقال إلى جولة ثالثة بعد مشاجرة بين النواب أدت إلى رفع الجلسة.
"توافق ضمني"
وفي الوقت الذي يتحدث فيه سياسيون ومحللون عن رغبة شيعية في إبقاء منصب رئيس البرلمان بيد النائب الأول القيادي بالإطار التنسيقي، محسن المندلاوي، الذي يتولى رئاسته بالإنابة، كشفت مصادر سياسية خاصة رواية مغايرة عما هو مطروح إعلاميا.
وقالت المصادر لـ"عربي21"، طالبة عدم الكشف عن هويتها، إن "قادة الكتل السياسية السنية الرئيسة (السيادة، تقدم، العزم) ليس لديهم رغبة في تولي شخصية من المكون رئاسة البرلمان لإكمال الدورة البرلمانية الحالية، التي لم يبق على نهايتها الكثير، في ظل دعوات لانتخابات مبكرة قبل عام 2025".
وأفادت المصادر بأن "خميس الخنجر زعيم (السيادة)، ومحمد الحلبوسي رئيس (تقدم)، ومثنى السامرائي رئيس (العزم)، لديهم رغبة في أن يبقى منصب رئيس البرلمان يديره محسن المندلاوي، وذلك حتى لا تأتي رمزية جديدة تنافسهم في
الانتخابات البرلمانية المقبلة".
وأوضحت المصادر أن "الحلبوسي لا يرغب في أن تأتي شخصية سينية تتولى رئاسة البرلمان، خصوصا سالم العيساوي الذي ينتمي إلى محافظة الأنبار التي تعتبر معقله السياسي، ويسعى إلى إبقاء المنصب شاغرا حتى نهاية الدورة البرلمانية في 2025".
أما مثنى السامرائي، فإنه "يعتقد أن رئاسة البرلمان لا يستطيع الحصول عليه أو ترشيح أحد أعضاء (العزم) لتولي المنصب، كون المنافسة انحصرت بين (تقدم) و(السيادة)، وبالتالي فإن عدم صعود شخصية منهما تمثل فرصة لتحالفه في الحصول على المنصب بالدورة المقبلة"، بحسب المصادر.
وأضحت المصادر أن "السامرائي تربطه علاقة قوية مع المندلاوي الذي يتولى رئاسة البرلمان حاليا، ويلبي كل ما يطلبه منه في الوقت الحالي، وبالتالي بقاء الأخير في منصبه يعتبر الخيار الأفضل بالنسبة له من مجيء شخصية تنافس الزعامات السنية الحالية".
وأشارت إلى أن "الخنجر شخصيا لم يدعم سالم العيساوي النائب عن (السيادة) لتولي رئاسة البرلمان، وإنما خضع لإرادة غالبية النواب والقوى المنضوية ضمن التحالف الذي يقوده، وبعد ذلك أعلن أن الأخير هو مرشحه لتولي رئاسة البرلمان".
وفي هذه النقطة تحديدا، وجه القيادي في حزب "السيادة" مشعان الجبوري، رسالة شديدة اللهجة إلى الخنجر، عبر منصة "إكس" في 23 تشرين الماضي، حذره فيها من "أي محاولة لاستبعاد العيساوي من الترشح، لأن ذلك ستؤدي حتما إلى تصدع في الحزب وقيادته، وليس أقلها انسحابه وكثيرون معه".
"تحقيق المكاسب"
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، علي البيدر، إن "اختيار رئيس البرلمان فيه منحيان، الأول هو أن قسم من القوى الشيعية تحاول الاستئثار بالسلطة بإبقاء رئاسة البرلمان ضمن خانتها، وكذلك ثمة أطراف تتعمد على إبقاء أزمة داخل البيت السني، وليس من مصلحتها أن تتوحد رؤاهم".
وأوضح البيدر لـ"عربي21" أن "الأزمة الحقيقية هي في رغبة (تقدم) ورئيسه الحلبوسي، بإبقاء الأخير هو الرئيس الأوحد للبرلمان خلال هذه المرحلة، والزعيم الفعلي للمكون السني، على اعتبار أن الزعامة السنية يمنحها المنصب، وليس الاستحقاق أو الإرادة الشعبية والكاريزما السياسية".
وأضاف: "عندما نتحدث عن رغبة تحالف (العزم)، والأطراف الأخرى مثل حزب الجماهير بزعامة أحمد الجبوري (أبو مازن)، كلهم يذهبون باتجاه دعم خيار سالم العيساوي باستثناء حزب تقدم ورئيسه".
وأردف البيدر قائلا: "من الناحية البراغماتية، فإن هناك بعض المشتركات بين العزم والسيادة، فالطرفان يريدان إضعاف الحلبوسي، لكن رئيس البرلمان بالإنابة محسن المندلاوي يحاول تطمين القوى السنية بتنفيذ كل ما يرغبون حتى يبقى في المنصب، وهذا حرفيا ما يحصل اليوم".
وفي السياق ذاته، استبعد الباحث والمحلل السياسي العراقي، كاظم ياور، وجود مصلحة كاملة للقوى السنية تقتضي إبقاء منصب رئيس البرلمان بيد الكتل الشيعية، خصوصا تحالفي (السيادة) و(العزم)، لكن ربما هذا الأمر يصب فقط في صالح حزب "تقدم".
وبين ياور في حديث لـ"عربي21" أن "تحالف السيادة يسع للحصول على المناصب الكبيرة حتى يبقى متماسكا، وبالتالي يحاول جاهدا الظفر برئاسة البرلمان، وأن مرشحه للمنصب هو النائب سالم العيساوي، وأن الخنجر لا يخشى من وجود زعامة ضمن كتلته".
ورأى الباحث العراقي أن "هناك مصالح سياسية في تشريع قوانين بالبرلمان خلال الأشهر المقبلة، لاسيما قانون الانتخابات، في ظل دعوات لإجراء انتخابات مبكرة، وبالتالي الأمر بحاجة إلى وجود رئيس للبرلمان".
وأكد ياور أن "أي جهة سنية ستأخذ المنصب ستساوم الكتل السياسية على مثل هذه القوانين مقابل تشريعات وقرارات سيادية أخرى، ومنها أمور تتعلق بالسياسات الخارجية، تتعلق بدول المنطقة والإقليم".
وتابع: "لذلك وجود رئيس للبرلمان من أي جهة سنية بالتأكيد سيحصل على مكاسب من القوى الإقليمية، خصوصا إيران، والولايات المتحدة كذلك، بالتالي إذا فقدوا هذا المنصب فلن يكون هناك تناغم وتقارب دولي وإقليمي مع هذه الكتل السياسية".
وأعرب ياور عن اعتقاده بأنه "لو بقي يوم واحد فيه فرصة لحصول تحالف السيادة أو العزم على منصب رئيس البرلمان، فإنهم سيحاولون جاهدين الظفر به، وفي المقابل فإن حزب تقدم سيعمل على عرقلة ذلك إلى آخر نفس؛ حتى لا يتمكن منافسوه من تولي المنصب".
وخلال زيارته إلى محافظة نينوى، الثلاثاء، أعلن رئيس "السيادة" خميس الخنجر، خلال مؤتمر صحفي، أن الخلافات بين الكتل السياسية والأحزاب حول اختيار رئيس البرلمان "مسألة طبيعية".
وأكد الخنجر أن هناك "اختلافات في الوسط السني، وليس خلافات حول اختيار رئيس البرلمان، وهي تحت السيطرة"، مشيرا إلى "جهود كبيرة يبذلها في هذا الصدد رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني".