الخطوات على هذه الأرض ترتبط فاعليّتها وثقلها
وتأثيرها بارتباط صاحبها بمبدأ المسؤولية وإدراك أبعاده ودلالاته وتطبيقاته، بل
وظيفته، مهما حاول الإنسان الانفكاك الواقعي عن المسؤولية، إلا أنها ترتبط به
ارتباطا تكوينيا.
"وقفوهم إنهم مسؤولون" (الصّافات: ٢٤)، أمرٌ مع
تأكيد للصلة الوجودية، التي ستلاحق الإنسان مهما حاول الهروب منها. إلا أن الحديث
عن ارتباط المسؤولية بوجود الإنسان تكوينيا، لا يعني بالضرورة أن الجميع على مستوى
الفعل الإنساني متساوون في درجة المسؤولية، فالأمر ليس بهذه الراديكالية على مستوى
الفعل، وإن كان على مستوى القوة الوجودية حتمي الارتباط غير منفك، وبدرجة واحدة
عند كل البشر.
فعلى مستوى الفعل الإنساني تختلف درجات المسؤولية
باختلاف القابليات
الإنسانية: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" (البقرة:
٢٨٦). وإن كنا هنا نتحدث عن مسؤوليتنا تجاه قضايانا فإننا هنا نتحدث عن ارتباط
المسؤولية الإنسانية بعدة عوامل خارجية وداخلية.
فالداخلية منها هي:
- قابلية الإنسان.
- مستواه التعليمي والمعيشي وطبيعة البيئة التي نشأ
بها.
- مستوى وعيه، وإدراكه لواقعه ومحيطه.
والعوامل الخارجية مرتبطة بعدة عوامل:
- الجغرافيا.
- الواقع الاجتماعي والسياسي.
- فاعلية النخب والمثقفين في ممارسة دورهم التوعوي،
وفضاءات الحرية المتاحة التي يحددها طبيعة من يحكم.
الذي يكبل الإنسان وينتقص من حريته بالتالي من كرامته، ويسلب منه حقه في تحقيق العدالة الاجتماعية، هو وضع يرفع من مسؤولية المجتمع والنخب في تغيير هذا الواقع كل وفق قدرته، ومساحته، وقابليته، وموقعه في ساحات الفعل الإنساني، مع دراسة حجم المفاسد والمصالح وترجيح الخطوات والأولويات بما يحقق الهدف الأسمى في الإصلاح
وهذا يدفعنا لسؤال مهم: إن كان الواقع السياسي لبعض
الشعوب والنّخب خاضعا لعوامل الاستبداد، ولمحدودية مساحات الحرية، بل قد تكون معدومة،
إضافة إلى أن المجتمعات ليست شريكا في القرار، فهل هذا يشكل عائقا لقيام الإنسان
بمسؤوليته تجاه تغيير هذا الواقع؟
بالطبع هذا الوضع الذي يكبل الإنسان وينتقص من حريته
بالتالي من كرامته، ويسلب منه حقه في تحقيق العدالة الاجتماعية، هو وضع يرفع من
مسؤولية المجتمع والنخب في تغيير هذا الواقع كل وفق قدرته، ومساحته، وقابليته،
وموقعه في ساحات الفعل الإنساني، مع دراسة حجم المفاسد والمصالح وترجيح الخطوات
والأولويات بما يحقق الهدف الأسمى في الإصلاح. ولكن ماذا لو خضع المواطن لاستبداد
النظام وواءم حياته وفقا لذلك، بل بات جزءا من النظام الفاسد في الدولة؟
دوّنت حنّا آرندت في عملها الأشهر "تفاهة
الشر" سنة 1963، عن المواطن البيروقراطي، المحايد، الذي يزيح الأغيار عن
الطريق تملّقا للدولة، أو تلبية لرغائبها. يفعل ذلك دون سابق من خِبرة أو
إيديولوجيا. هذا المواطن هو المهادن الفرداني، الذي لا يتحمل مسؤوليّاته تجاه
مجتمعه وأمته، وتقتصر قابليّته وحدود وعيه على أفقه الفرديّة الضّيّقة، لذلك هو
يقوم بما أشارت له حنّا أردنت.
وهذا المهادن الفرداني قد يكون فردا عاديا من الشعب،
وقد يكون جزءا فاعلا في جسد النّخبة، لكنه تنصّل عن القيام بما يجب عليه تجاه
مجتمعه ووطنه، وتجاه
الثقافة التي يحملها.
أما المفكّرة الثوريّة
الماركسيّة روزا لكسمبورغ (1919م)، فتقول: "إنّ أولئك الذين لا يتحرّكون، لا
يمكنهم أن يدركوا أنّ أرجلهم مكبّلة بالسلاسل الحديديّة".
فالثقافة جزء من مسؤولية المثقف، خاصة عندما يبدأ
حراكه في المجتمع ليخوض معركة الوعي وتحرير الإرادات بتحرير الأفكار من البرادايم (النموذج
الإرشادي) الذي أُطّرت به أفكار الفرد والمجتمع فاستعمرت إرادة الفعل بالقمع
والاستبداد، قمع الحريات أو تكبيلها بثقل القوانين التي تخدم السلطة غالبا لا
الجمهور. فرغم وجود دستور وحكم ديمقراطي ظاهري، إلا أن واقع هذه الديمقراطية تقع
غالبا تحت رقابة السّلطة، والتي غالبا ما توجّه القوانين باتجاه لا يخدم غالبا
صالح المواطن، ولا يعكس سقفا للحريّات عالٍ.
هذه المعركة التي تتطلب حركة انطلاق من الذات، أي
ذات المثقف، أن يعي مسؤوليته ووظيفته ودوره وحدود معركته ويدرك مجاله الحيوي، وهو
المجال التي يرى من خلالها المثقف قدراته ومساحات فاعليّته الحقيقية التي لا تعيقها
جغرافية ثقافية ولا طوبوغرافية، ويعرف أدواته والعقبات التي ستعيق حركته، وكيفية
المواجهة، بل يعي ما يجب عليه أن يكون حاله ليتوافق قوله مع فعله.
فالثقافة ليست من التّرف في شيء، فكلما ازداد وعي
الإنسان ومعرفته وثقافته، يفترض أن يتناسب ذلك طرديّا مع مستوى مسؤوليته تجاه ذاته
ومجتمعه ومحيطه، ولا هي منصة للرفاهية، ولا باب للعيش الرغيد. المثقف مناضل ومقاوم
بالفكرة والقلم، لا يساوم بهما، بل هو فاتح للوعي بكلفة عالية قد تصل إلى بذل
حياته لأجل ذلك. أما مثقف الكافيه والفنادق والمولات والسوشيال ميديا، فهذا عالة
على الثقافة، وعبء على المثقفين، بل هو حجاب حاجز للوعي، وصورة مشوهة يراد لها أن
ترسم معالم المثقف وفق رغبات السلطة أو الجهات المتحكمة بالإعلام، لتفريغ مفهوم
المثقف من دلالاته الحقيقية، ومن دوره المحوري، ومن حقيقة الكدح التي عليها أن
تزاوج سيرته ومسيرته الثقافية. وهذا لا يعني أبدا الرفض للكافيهات وغيرها من
الوسائل التي قد يحتاجها الإنسان كحاجة طبيعية ضمن مساره في الحياة، لكن ما أعنيه
هو أن يكتفي المثقف بظواهر الثقافة المادية السطحية، دون اختراق بعدها المعنوي
وعمقها الفكري للنهوض، وتحمل المسؤوليات الواجبة اتجاه مكونات المجتمع.
اليوم، الثقافة نضال مستمر وليس سكونا وصمتا، ولا
حيادا أو تحيزا إلا للحقيقة. لا يمكن أن تكون مثقفا وأنت تستظل بمال السلطة، أو
أموال تفرض عليك مسارا فكريا وسياسيا مناهضا للحق أو فيه تزييف للحقيقة، وتزوير
للتاريخ ووعي الناس.
فالثقافة لا يمكنها أن تزهر في أجواء الترف البعيدة
عن النضال، ولا يمكن للمثقف أن يصنع الوعي وهو غارق في وهم الثقافة، ولصوصية
الفكرة، وتقمص الدور، وتزييف الوعي.
إن الثقافة تزهر في تحسس لمسؤولية تحاكي الواقع
وآليات تغييره، وخطورة الدور، وتنبت وعيا في تربة الحقيقة والنضال والكفاح بالكلمة
لكشف الحقيقة كما هي، لا كما يريدها الجمهور والحاكم وسلطة المال. الثقافة وعي
للحركة في توقيتها المثالي، وظروفها البيئية المؤاتية للحدث، فمسار التغيير مرتبط
بمسار الوعي ومقوماته، وحجم تضحياته، والاستعداد والقابلية للبذل والتضحية، وخوض
غمار التحديات في مواجهة الانحراف مهما كان سائدا، ومهما كان راسخا كَمُسَلّمة في
وعي المجتمع.
فإنّ تغيير مُسَلّمات الزيف والتزوير، وغَرْبلة
التخلف والجهل والأساطير عن الحقيقة ومعطياتها، هي معركة تتطلب درجة عالية من
المسؤولية والوعي والخُبْرَوِيّة، وفهم التاريخ والحاضر، والقدرة على تنبؤ
المستقبل من خلال إدراك منظومة السنن، ودرجة عالية من الرسوخ والثبات وسعة الصدر،
ودرجة عالية من القدرة على تحقيق الهدف ولو عبر مراحل.
الثقافة هي رافعة لذات المثقف أولا، فإن لم ترفعه في
مستواه القيمي والأخلاقي، ومستوى وعيه وإدراكه، وتحسسه لمسؤولياته ودوره ووظيفته
ونمط حياته كنموذج متحرك للتغيير، فلم تعد الثقافة هنا سوى بريستيج يسترزق بها
صاحبها ليرفع مستواه المعيشي وترف معيشته، فيبيع ضميره وكلمة الحقيقة، بل يبيع
وجوده وذاته لأجل أنانيّته وفردانيته العمياء.
في معارك التحرير والمعارك الوجودية لا محل إلا للمثقف المشتبك مع واقعه وأمته وقضاياه المصيرية، الذي ليس له حياة إلا في خدمة قضيته وأهله، ولا معركة يخوضها إلا معركة تحرير الوعي، فلا وجود لترف الدنيا في ظل النضال لأجل الوجود، والنضال لأجل المزاوجة بين الدم والكلمة
في وقتنا هذا لا مجال ولا محل للمثقفين قطاع الطرق،
ولا المتسلقين على جسد الثقافة، ففي معارك
التحرير والمعارك الوجودية لا محل إلا
للمثقف المشتبك مع واقعه وأمته وقضاياه المصيرية، الذي ليس له حياة إلا في خدمة
قضيته وأهله، ولا معركة يخوضها إلا معركة تحرير الوعي، فلا وجود لترف الدنيا في ظل
النضال لأجل الوجود، والنضال لأجل المزاوجة بين الدم والكلمة.
فلا يكون أسير الآمال والكلام، ويضلل الناس بزخرف
الأقوال كتخدير لطاقة وإرادة الأفعال، إنما المثقف يحيا في فضاء الأفكار مع
الأفعال، وتحرير إرادة الإنسان وانعتاق نفسه من العبودية لغير الله.
فلا تحرير لأرض مغتصبة قبل أن تحرر الأنفس من غير
الله، وتحرير المثقفين من عبودية الذات والدنيا، ففلسطين تحرير للذات أولا، ومن ثم
تحرير للأرض. ففلسطين هي البوابة الحقيقية لتحرير إرادة الشعوب من استبداد
الأنظمة، ورفع الاستبداد هو أحد أوجه تحرير العقول، ورفع مستوى حريتها في التفكير
خارج إطار وضروريات وبرادايم هذه الأنظمة المعرفية والسياسية.
لذلك اليوم قضية النضال القائمة على مقاومة المحاور
عسكريا، يجب أن يُواكبها تنسيق بين المثقفين والنخب للنضال والتشبيك السياسي
والمعرفي لتحرير إرادة الشعوب، ورفع المنسوب المعرفي ومنسوب الحقيقة في وعي هذه
الشعوب.
ولكن هل كل فعل ثقافي متفاعل مع الواقع هو اشتباك
مسؤول؟
كيسينجر كمثال للنخبة الفاعلة لكن في بعدها السلبي،
حيث كان ناشطا على مستوى الفعل الإنساني لكن على أسس فردانية رأسمالية براغماتية
في رؤيتها للفاعل الإنساني المختلف الآخر، فهل يمكن اعتبار كيسنجر مشتبكا؟ نعم هو
مشتبك، ولكن في البعد السلبي من حكاية الاشتباك، وهو مرتبط بحسه العالي في
المسؤولية، لكن أيضا في حكايتها السلبية المنضوية تحت عنوان "تفاهة
الشر" التي تحدثت عنها أردنت. فالاشتباك والمسؤولية كمفاهيم عامة بذاتها قيم
إيجابية، لكنها على مستوى الفعل الإنساني تتبع القاعدة الفكرية في تشكلاتها لكل
مدرسة معرفية. والمرجعية في تشكيل هذه المفاهيم تعود للمصادر المعرفية التي
تعتمدها كل مدرسة، في تحديد معارفها وتشخيص قيمة هذه المعارف وآلية توظيفها،
وفضاءات توظيفها.
فحينما اعتبر فوكوياما أن عناصر السلطة هي القوة
والمعرفة، كان محقا في ذلك في العنوان الأولي كتشخيص، ولكن في التطبيق انتمى إلى
قاعدته المعرفية ومصادرها ومرجعيتها المعيارية في تشخيص قيمة هذه المعرفة وفضاءات
وآليات تطبيقها. فالقوة والمعرفة وفق قاعدة فوكوياما المعرفية لها بعد مادي يرتكز
على الهيمنة والعسكرة، بينما حقيقة القوة والمعرفة وفق البنية المعرفية التي تعتمد
مصادر معرفية مادية ومعنوية، هي لتحقيق العدالة السياسية والاجتماعية للجميع.
لذلك نجد تفاوتا في تطبيقات مفهوم المسؤولية
والاشتباك، ينطلق من التفاوت في المنظومة المعرفية للمدارس المختلفة، وبالتالي
مجالات التطبيق في الواقع الإنساني، مما يعكس تفاوتا في تحقيق العدالة، بل تحيزات
في مساحات التطبيق في الفضاء الإنساني. هذا التفاوت في بعده السلبي الذي ينطلق من
قاعدة معرفية مادية هو تحد للسنن التاريخية، لكنه تحد قصير المدى يعتمد انكفاؤه
على مدى وعي الناس، وقدرتهم على إيقاف قطاره وإعادته إلى مساره الطبيعي الذي
يتوافق مع السنن الصحيحة. وهنا يأتي دور النخب الفاعلة والمسؤولة المشتبكة من
منطلق معرفي مادي ومعنوي، لإعادة الوعي بالواقع الخارجي دون تحيّزات، ومن ثم
القدرة على تشخيص الخلل ومعالجته باستراتيجية دقيقة منهجيا، وسليمة غائيا.
فلا تكفي سلامة الغايات، بل يجب أن نتحقق من سلامة
المنهج الذي يحقق هذه الغايات، فرغم صحة تشخيص فوكوياما لعناصر السلطة "القوة
والمعرفة"، إلا أن المنطلق القاعدي المعرفي، والمنهج، والغايات لم تكن
سليمة وصالحة. وهذا نموذج غربي سلبي، ولكن هل كل النماذج الغربية سلبية في بعدها
الفاعل في الواقع الإنساني؟
ما التفاعل الكبير من قبل طلبة الجامعات خاصة "النخبة منها"، إلا أكبر دليل على تحرير فلسطين لإرادات ووعي هؤلاء الطلبة من حكاية الرواية الرسمية حول "فلسطين" التي هيمنت حقبا زمنية طويلة من خلال وسائل الإعلام، ومراكز الدراسات، والمراكز العلمية من الجامعات، ومراكز الدراسات ومراكز القرار على وعي الشعوب الغربية
بالطبع لا، فما التفاعل الكبير من قبل طلبة الجامعات
خاصة "النخبة منها"، إلا أكبر دليل على تحرير
فلسطين لإرادات
ووعي هؤلاء الطلبة من حكاية الرواية الرسمية حول "فلسطين" التي
هيمنت حقبا زمنية طويلة من خلال وسائل الإعلام، ومراكز الدراسات، والمراكز العلمية
من الجامعات، ومراكز الدراسات ومراكز القرار على وعي الشعوب الغربية، حتى تحررت
الأجيال الحالية من هذه الوسائل، بعد دخول وسائل التواصل الاجتماعي والميديا
والصورة وباتت في متناول الجميع ضمن شبكة متشابكة ومشتبكة بين كل دول العالم، بما
يمنع تغييب وحجب الحقيقة، ويدمر الرواية الرسمية التي هيمنت على وعي هذه الشعوب.
هذا التحرير كان أثره في وعي هؤلاء الطلبة والنخب
لمسؤوليتهم الإنسانية تجاه نظرائهم من البشر، فكشفت لهم حقيقة إسرائيل وزيف
الرواية الإسرائيلية وزيف قياداتها ونخبها. وهو ما دفعهم للنهوض والتظاهر رفضا
لهذا الواقع، ومحاولة لفرض واقع يحقق العدالة للشعب الفلسطيني. وبلغ مستوى حسهم
بالمسؤولية أن خسر بعضهم فرص العمل بعد التخرج، أو حرم آخرون من التخرج، واعتقل
آخرون من قبل قوت الأمن لنصرتهم لفلسطين، ومع ذلك استمر زخم المظاهرات في الجامعات
وبأشكال مختلفة، وطرق إبداعية ورمزية من أجل الضغط على إدارات الجامعات لسحب
التعاون مع الإسرائيلي علميا واستثماريا. وحقق كثير منهم غاياتهم، إذ قامت كثير من
الجامعات تحت ضغط التظاهر الطلابي، وضغط الخوف من ازدواجية المعايير، بتحقيق مطالب
الطلبة المتظاهرين، فأوقفت بعض الجامعات تعاونها العلمي مع الجامعات الإسرائيلية،
وأخرى أوقفت استثماراتها أيضا.
وهذا مظهر جلي من مظاهر ارتباط الوعي بحجم المسؤولية
بالفعل المتناسب مع الوعي والإحساس بالمسؤولية، فتحققت الأهداف عند الأغلب منهم،
وما زال الآخرون يناضلون لتحقيق مطالبهم التي تزيد إسرائيل عزلة.
إن الفعل المقاوم في فلسطين أيضا اشتبك بواقعه وفق
تحسسه لمسؤولياته بشكل رفيع وعال جدّا، حيث حرر الوعي باشتباكه العسكري من أساطير
معرفية عديدة، ساقها الإعلام الغربي في تكثيف للعبارة والدلالة والصورة ليصنع
أسطورة بعنوان معرفي، أسرت إرادة الشعوب في هذا التّابو الأسطوري حول إسرائيل، وما
فعلته
المقاومة من خلال فعلها العسكري هو تحرير على المستوى المعرفي المفاهيمي
والدّلالي، فهي أسقطت أساطير إسرائيل الأربع وهي:
"الاشتباك المسؤول" للفعل المقاوم كمظهر لـ"القوة"، وفق منهجه المحق والسّليم، وغاياته العادلة، ارتبط فيه الفعل بالقول بصوابيّة الحركة والمنهج والغايات، فحققت كل الشروط اللازمة للنصر وتغيير ما هو قائم، إلى ما يجب أن يكون عليه، وهو ما يجب أن تتم مواكبته من قبل النخب والمثقفين
- المناعة والاعتقاد بالتّفوّق العسكري الإسرائيلي، الذي تم ترويجه
عبر تاريخ الاحتلال في منطقتنا بعنوان "الجيش الذي لا يقهر".
- الادعاءات الإسرائيلية حول أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في
الشرق الأوسط، هذه الكذبة التي صدقها كثير من العرب، وأصبحوا أسرى لوهمها، وكشفتها
طوفان الأقصى.
- زوال حصانة إسرائيل التي تمتعت بها أمام المجتمع الدولي.
- وأسقطت قدرة الحركة الصهيونية على توحيد اليهود في العالم.
كما أن المقاومة بعد طوفان الأقصى، قامت بتعطيل
وظيفة إسرائيل كذراع متقدم للغرب في منطقتنا:
1- كشرطي المنطقة.
2- كملاذ آمن.
3- وقدرتها وقيادتها لإدارة النزاعات في المنطقة "انهارت كلها".
هذا "الاشتباك المسؤول" للفعل
المقاوم كمظهر لـ"القوة"، وفق منهجه المحق والسّليم، وغاياته
العادلة، ارتبط فيه الفعل بالقول بصوابيّة الحركة والمنهج والغايات، فحققت كل
الشروط اللازمة للنصر وتغيير ما هو قائم، إلى ما يجب أن يكون عليه، وهو ما يجب أن تتم
مواكبته من قبل النخب والمثقفين "اشتباكا مسؤولا" بذات المستوى
من الفعل والتأثير كمظهر لـ"المعرفة"، ووفق نفس الصّوابيّة في
المنطلقات والمنهج والغايات، فتتكامل المسارات في تحقيق نصر عسكريّ، ومعرفيّ،
ينتقل بوعي الشّعوب إلى مستوى أعلى في فهم وظيفتها ومسؤوليتها، ويحررها من عبء
الاستبداد. وهذا لا يحدث إلا من خلال تقديم تضحيات جسام تتناسب والغايات العظيمة
لهذا الحراك والنضال المستمر.