اقتصاد دولي

هل يرى المستثمرون الذهب ملاذا آمنا في عالم يزداد حرارة بفعل تغير المناخ؟

وجدت دراسة أجريت في سنة 2023 ارتباطا قويا بين تذبذب العائد ونوعين من مخاطر تغير المناخ- جيتي
رجح موقع "أويل برايس" الأمريكي، أن تكون تقلبات درجات الحرارة والعواصف الصيفية العنيفة مؤشرات اقتصادية قيمة في سوق الذهب، مشيرا إلى أن المعدن النفيس قد يكون خيارا جذابا للمستثمرين في ظل مخاوف التضخم وعدم اليقين الاقتصادي الناجم عن تغير المناخ.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن بعض العلماء المناخيين والاقتصاديين ومستثمري المعادن الثمينة يتفقون على شيء واحد: قد تكون هذه السنة إحدى أكثر السنوات حرارة على الإطلاق. فلطالما كان تغير المناخ موضوعا شائعا بين وسائل الإعلام اليسارية، وقد أضفى هذا الموسم الانتقالي بين النينو والنينا المزيد من الأهمية على هذا الموضوع. وقال الباحث المناخي زيك هاوسفاثر لشبكة "سي إن إن" إن سنة  2024 قد تشهد أعلى درجات الحرارة التي تم تسجيلها على الإطلاق، متجاوزة سنة 2023.

وأضاف أنه من الممكن أن تكون تقلبات درجات الحرارة والعواصف الصيفية العنيفة مؤشرات اقتصادية قيمة في سوق الذهب، مشيرا إلى أن المستثمرين يتجهون في أوقات عدم اليقين إلى كل ما يلمع، ما يؤدي إلى انخفاض العرض وزيادة الأسعار، خاصة عندما يتحول هذا الشك إلى عدم استقرار سياسي.

ووفقا لمجلس الذهب العالمي، فإن ملف الكربون والذهب وإمكانيات إزالة الكربون قد يعززان دور الذهب كأصل آمن وأداة تحوط ضد المخاطر ومخزن للقيمة خلال فترات التوتر في السوق. ليس الطقس وحده هو ما يثير قلق المستثمرين. في الواقع، يرتبط تقلب الأسعار ارتباطًا وثيقًا بكيفية استجابة القادة العالميين والخطاب العام للأحداث المناخية.

ووجدت دراسة أجريت في سنة 2023 ارتباطا قويا بين تذبذب العائد ونوعين من مخاطر تغير المناخ: الانتقالي (أي التحرك السياسي والاجتماعي نحو الطاقة الخضراء) والمادي (الأضرار الفعلية الناجمة عن الأحداث المناخية)، ووجد الباحثون أن أسعار الذهب تتذبذب أكثر في مواجهة سياسات الطاقة الخضراء، وأقل في ظل الظروف المناخية القاسية التي لا تتم مناقشتها على نطاق واسع، حسب التقرير.

ويشير الموقع إلى أن ذلك يرجع على الأرجح إلى أنه لا أحد يعرف بالضبط ما الذي يجب تصديقه، ورغم  التقارير الإعلامية المثيرة للفزع، لا تزال الحياة حتى الآن مستمرة إلى حد كبير بشكل طبيعي أمام تغير المناخ، ولكن إذا كان السياسيون يعتقدون حقا أننا نتجه نحو "مدن مغمورة بالمياه، ومدن مهجورة، وحقول لم تعد تنمو" فلا بد أنهم يعتقدون أيضًا أنهم يقدمون خدمة للبشرية بحرق النقود ببطء في نار السياسات الخضراء التضخمية.

وقال البيت الأبيض هذا الأسبوع بشأن مخاوفه المروعة تقريبا بشأن الطاقة الخضراء، "إن الرئيس جو بايدن يفي بأكثر أجندات المناخ طموحًا في تاريخ أمريكا، أجندة تخفض تكاليف الطاقة للعائلات المجتهدة، وتعزز أمن الطاقة في أمريكا، وتخلق آلاف الوظائف ذات الأجر الجيد، وتعزز المرونة المناخية المدفوعة من المجتمع في جميع أنحاء البلاد".

وأوضح الموقع أن المساعدات الكبيرة تعني تضخما كبيرا مما يعني ضرورة وجود مخزن قيّم مستقر. وخلال سنة الانتخابات على وجه الخصوص، تمثل التشريعات "مخاطر انتقالية" كبيرة، وهنا يأتي دور الذهب.

أما السبب الثاني لتقلبات أسعار الذهب عندما تطرأ الأخبار والسياسات القاسية على الساحة الإخبارية والسياسة فهو دوره في إزالة الكربون، وهي عملية الحد من الانبعاثات التي قد تؤدي إلى تغير المناخ من التصنيع الصناعي. من المعروف أن التعدين من الصناعات ذات الانبعاثات الثقيلة العالية، ولكن كما يشير مجلس الذهب العالمي، فإن هناك إمكانية لتطوير طرق صديقة للبيئة يمكن أن تكون ذات صلة بالذهب بشكل خاص.

وبحسب معدي التقرير، فإنه من المعقول أن يصل تعدين الذهب إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. ومع تحول الذهب إلى معدن "نظيف" على نحو متزايد، ولعبه دورًا مهمًا في التكنولوجيا "الخضراء"، سيرتفع الطلب على المعدن خلال فترة التحول إلى الطاقة النظيفة، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.


ثم، أخيرا، هناك السيناريو الأسوأ. لنفترض أن الموارد أصبحت نادرة، وفي اقتصاد تتصارع فيه الحكومات والمواطنون على حد سواء من أجل الحصول على إمدادات الغذاء والمياه الصحية، والمعادن الصناعية الأساسية، ووسائل النقل الوظيفية، ستكون النقود الورقية آخر "مخزن للقيمة" في ذهن أي شخص، ويتمتع الذهب بفرصة أفضل للبقاء على قيد الحياة في حالة تصاعد التوترات العالمية، سواء كان السبب هو المناخ أو الأوبئة أو الحرب، حسب الموقع.

تشير دراسة لسنة 2023 إلى أنه خلال أوقات المخاطر المادية الحقيقية التي تتسبب في تغير المناخ، تميل أسعار الذهب إلى الثبات. وهذه علامة يجب الانتباه إليها، واقتصاد يجب الاستثمار فيه مبكرًا. وبغض النظر عما إذا كان ذلك الجو ممطرًا أو مشمسًا، فإن قرارات السياسة المناخية والخطاب العام سيؤثران بشكل كبير على أسعار المعادن الثمينة، حيث تتقدم أجندات الطاقة الخضراء وتحظى بتغطية إعلامية أكبر من أي وقت مضى، وفقا لمعدي التقرير.

يقول مؤلفو دراسة 2023: "نلاحظ أن زيادة مخاطر المناخ ليس لها تأثير نهائي على الاقتصاد حتى يتم أخذ عنصر المخاطر المناخية في الاعتبار".

وأضافوا أن "الزيادة في التغطية الإخبارية لعوامل المخاطر المادية [على سبيل المثال] ستخلق قلقا مجتمعيا يمكن أن يؤثر على مشاعر المستثمرين وبالتالي على الاقتصاد بأكمله".