اقتصاد دولي

كيف ينعكس ارتفاع الدولار على الاقتصادات الأفريقية؟

ارتفاع قيمة الدولار ينعكس سلبا على اقتصادات العالم ويرفع أسعار السلع- الأناضول
نشرت شبكة "دويتشه فيله" تقريرا، تناول فيه التأثير السلبي المحتمل لارتفاع قيمة الدولار الأمريكي على الاقتصادات الأفريقية، موضحا تأثير ارتفاعه على زيادة  تكلفة الواردات، خاصة في مجال الطاقة والغذاء، التي تعتمد عليها العديد من الدول الأفريقية.

وقالت الشبكة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن دونالد ترامب تعهد برفع التعريفات الجمركية على الواردات الأمريكية، وتقديم مجموعة من التخفيضات الضريبية الجديدة، عندما يعود إلى البيت الأبيض لفترة ولاية ثانية في 20 كانون الثاني/ يناير.

ومن المتوقع أن تؤدي الخطط، إلى جانب انخفاض أسعار الفائدة الأمريكية، إلى زيادة أخرى في قيمة الدولار الأمريكي، الذي ارتفع إلى أعلى مستوى له في سنة واحدة عندما أعيد انتخاب ترامب.


وأوضحت الشبكة، أن ارتفاع الدولار سيكون له عواقب بعيدة المدى على بقية العالم، ما يؤدي إلى زيادة تكاليف استيراد المنتجين وتغذية التضخم. كما سيجعل خدمة الديون بين العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض أكثر صعوبة، خاصة القروض المقومة بالدولار، والتي يمكن سدادها من العملات المحلية الأضعف.

وأفادت بأن إحدى القارات التي يُتوقع أن تكون أكثر تأثرا بتداعيات ارتفاع الدولار بشكل أكثر قسوة هي أفريقيا، حيث تعاني تسع دول بالفعل من ضائقة الديون و10 دول أخرى معرضة "لمخاطر عالية" من الإفلاس، وفقا للبنك الدولي.


ونقل التقرير عن كريم كاراكي، رئيس فريق التعافي الاقتصادي والتحول في المركز الأوروبي لإدارة السياسات التنموية، قوله: "أكثر من 50 بالمئة من ديون الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط هي ديون سيادية مقومة بالعملات الأجنبية، معظمها بالدولار".

وأضاف كاراكي: "مع ارتفاع قيمة الدولار، تزداد تكلفة خدمة الدين. وهذا يعني المزيد من الإنفاق الحكومي على خدمة الدين وأقل في الاستثمارات الإنتاجية التي تخدم أهداف التصنيع والتنمية".

قد تزداد معاناة الدول المثقلة بالديون

وأوضح التقرير، أن ديفيد أوموجومولو، الخبير الاقتصادي المتخصص في الأسواق الناشئة في أفريقيا في مؤسسة كابيتال إيكونوميكس ومقرها لندن، حذر، في تقرير بحثي، من أن تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة كان "مصدر قلق واضح"، حيث إن ارتفاع قيمة الدولار من شأنه أن "يجعل من الصعب [على بعض الدول الأفريقية] استعادة الوصول إلى أسواق رأس المال العالمية".

وأشار إلى أن العديد من الحكومات الأفريقية، بما في ذلك كينيا وزامبيا وغانا وإثيوبيا، تواجه حاليا حظرا من جمع رأس المال في الأسواق المالية العالمية بسبب ديونها الثقيلة.

وكتب أوموجومولو: "نحن قلقون للغاية بشأن أنغولا وكينيا"، مشيرًا إلى أن الحكومة الأنغولية قد حذرت مؤخرا من أنها تواجه صعوبة في خدمة ديونها بينما تمول الإنفاق اليومي، في حين اضطرت حكومة كينيا بسبب الاحتجاجات الجماهيرية في حزيران/ يونيو إلى التراجع عن زيادة الضرائب لخفض الدين الوطني. ومنذ ذلك الحين، تعهدت نيروبي بالاقتراض أكثر لتخفيف بعض من آثار التقشف.

وحذر أوموجوملولو من أنه "إذا أصبح الاقتراض من أسواق رأس المال الدولية أكثر صعوبة، فإن العديد من دول المنطقة ستظل تعتمد على التمويل من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتفادي التخلف عن سداد الديون السيادية".

9 دول أفريقية تعاني من ضائقة الديون
وذكر تقرير الشبكة الألمانية، أن البنك الدولي صنف السنة الماضية إثيوبيا وجمهورية الكونغو وموزمبيق والصومال والسودان وجنوب السودان وزيمبابوي وتشاد على أنها تعاني من ضائقة الديون. وتشمل هذه القائمة أيضًا زامبيا، التي تخلفت عن سداد حوالي 12 مليار دولار (11.4 مليار يورو) من الديون في سنة 2020 في ذروة جائحة كوفيد-19. وتخضع زامبيا الآن لإعادة هيكلة الديون مع الدائنين الدوليين والخاصين، بما في ذلك الصين وفرنسا.

وأضاف، أنه يُنظر إلى العملة الأميركية باعتبارها ملاذًا آمنًا من الأزمات الجيوسياسية العديدة التي يواجهها العالم، ولكن ارتفاع قيمة الدولار مؤخرًا أعاق بالفعل الجهود التي تبذلها بلدان مثل زامبيا لمعالجة الفقر والتغلب على الأزمات الصحية والاستثمار في البنية الأساسية، حيث تم تحويل ميزانيات الدولة لتلبية الالتزامات العالية للديون.

وبحسب التقرير، قال كاراكي: "عندما ارتفعت قيمة الدولار على مدى السنتين أو الثلاثة سنوات الماضية، كانت هناك بلدان تنفق على خدمة ديونها أكثر من الإنفاق على الصحة أو التعليم. وبعيدا عن التأثير على القطاعات الاجتماعية، فإن هذا يقوض قدرة الدولة على الاستثمار ودعم قطاعها الخاص والتحول الاقتصادي، وهو ما له أيضًا تأثير كبير على خلق فرص العمل".


قد يزداد التضخم المرتفع بالفعل
وقالت الشبكة، إنه يمكن أن تتأثر أفريقيا بشدة مع استمرار قوة العملة الأمريكية، باعتبارها منتجًا رئيسيًا للسلع الهامة مثل النفط والذهب والنحاس، التي يتم تسعيرها بالدولار. وعلى الرغم من أن هذه الدول ستستفيد مبدئيًا من ارتفاع الأسعار، إلا أن هذه السلع ستصبح أكثر تكلفة بالعملات الأخرى، مما سيؤدي إلى تقليص الطلب العالمي ودفع الأسعار نحو الانخفاض.

وتابعت، أن انخفاض الصادرات قد يضر نيجيريا المنتجة للنفط، وتجارة الذهب والبلاتين في جنوب أفريقيا، ومناجم النحاس الرئيسية في زامبيا؛ حيث تعتمد هذه البلدان بشكل كبير على صادرات السلع الأساسية لتحقيق مكاسب النقد الأجنبي التي تعزز الميزانيات الوطنية.

وذكرت، أن دفعة جديدة من التضخم، الناجم عن ارتفاع الدولار، ستأتي فوق التضخم المرتفع بالفعل في العديد من الدول الأفريقية، الذي غالبًا ما يتجاوز 20 بالمائة، وأحيانًا يكون أعلى بكثير.

وأوضحت الشبكة، أن جنوب السودان أعلن عن معدل تضخم بلغ 107 بالمائة في تموز/ يوليو، بينما لا تزال زيمبابوي، التي شهدت موجتين من التضخم المفرط منذ مطلع القرن، تكافح ارتفاع الأسعار المرتفع بشكل عنيد بنسبة تتجاوز 50 بالمائة سنويًا. وفي نيجيريا، أكبر اقتصاد في أفريقيا، ارتفع التضخم إلى متوسط سنوي قدره 32.7 بالمائة في أيلول/ سبتمبر، تمامًا في الوقت الذي تجاوز فيه عبء ديون البلاد 100 مليار دولار.

صندوق النقد الدولي يحذر من التضخم وارتفاع الديون
وفي أحدث تقرير له حول منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، حذر صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا الشهر من أن "معركة استقرار الأسعار لم تنتهِ بعد في معظم أنحاء المنطقة، وأن المالية العامة لا تزال غير مستقرة، وأن احتياطيات النقد الأجنبي غالبًا ما تكون غير كافية".

ونقل التقرير، عن أبيبي أمرو سلاسي، مدير قسم أفريقيا في صندوق النقد الدولي، قوله إنه رغم أن الديون العامة قد استقرت في معظم أنحاء أفريقيا، إلا أنها لا تزال عند "مستوى مرتفع"، وأن "عبء خدمة الديون المتزايد" يعيق الموارد المخصصة للإنفاق على التنمية.


إعادة هيكلة الديون بطيئة ومرهقة
وأشارت الشبكة إلى أن هناك الآن دعوات لإصلاح الطريقة التي تتم بها إعادة هيكلة الديون، حيث يدعو البعض إلى آلية عالمية دائمة لمعالجة قضايا الديون السيادية وإشراك الدائنين من القطاع الخاص في المفاوضات.

وبينت أن أزمات الديون تُعالج، في الوقت الحاضر، على أساس كل دولة على حدة، وهو ما يكون بطيئا ومعقدا للغاية في كثير من الأحيان. وقد اشتكت زامبيا وإثيوبيا مؤخرا بعد أن مرتا بفترة طويلة من ضائقة الديون. وفي حالة زامبيا، حذر خبراء الأمم المتحدة من أن التأخير في إعادة التمويل أضر بقدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان.

وأردفت بأن إصلاح إعادة هيكلة الديون يحتاج إلى التغلب على المصالح المتضاربة العديدة بين الدائنين. فبعض الدول، مثل الصين والولايات المتحدة، تفضل الاتفاقيات الثنائية حتى تتمكن من تكييف شروط إعادة الهيكلة مع مصالحها الاستراتيجية.

واختتمت الشبكة تقريرها بالإشارة إلى تصريحات كاراكي من المركز الأوروبي للتنمية المستدامة؛ حيث قال: "نحن بحاجة ماسة إلى أدوات أفضل بكثير للتعامل مع إعادة هيكلة الديون. فالكثير من البلدان تعاني، وهناك تكلفة لعدم القيام بأي شيء، ليس فقط بالنسبة لتلك الاقتصادات النامية، بل وأيضًا بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة وبقية العالم".