تسعى كل من
روسيا وإيران لإنشاء تكتل للغاز على غرار تحالف "
أوبك"، إذ جدّد البلدان مناقشاتهما بشأن إنشاء تنظيم مماثل لمنظمة الدول المصدرة للبترول للسيطرة على سوق
الغاز الطبيعي العالمية، حسب تقرير نشره موقع "
أويل برايس" الأمريكي.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن توقيع مذكرة تفاهم الأسبوع الماضي بين شركة الغاز الروسية "غازبروم" وشركة الغاز الوطنية
الإيرانية لبدء نقل الغاز مباشرة من روسيا إلى إيران "سيكون بمثابة ثورة في مجال الطاقة والصناعة في المنطقة"، وذلك وفقا لوزير النفط الإيراني جواد أوجي.
ويمكن، بحسب الموقع، اعتبار هذه المذكرة والمذكرات السابقة لها خطوة رئيسية من شأنها أن تُمكن البلدين من تنفيذ خطتهما طويلة الأمد ليصبحا المساهمين الأساسيين في تكتل عالمي لموردي الغاز على غرار منظمة "أوبك" لموردي النفط.
وأشار الموقع إلى أن هذه المذكرة الجديدة بين روسيا وإيران، تستند على الأساس القوي لمنتدى البلدان المصدرة للغاز، الذي تحوّل في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2008 خلال الاجتماع الوزاري السابع في موسكو من كونه تحالفًا فضفاضًا لعدة دول رائدة في إنتاج الغاز إلى منظمة رسمية مقرها في الدوحة. وإلى جانب الأعضاء الأساسيين، وهم روسيا وإيران وقطر، فإن العضوية الكاملة تشمل 11 دولة أخرى هي الجزائر، بوليفيا، مصر، غينيا الاستوائية، ليبيا، نيجيريا، ترينيداد وتوباغو، وفنزويلا.
وتستحوذ روسيا وإيران وقطر على ما يقارب 60 بالمائة من احتياطيات الغاز العالمية. تحتل روسيا المرتبة الأولى عالميًا، وإيران المرتبة الثانية، ويسيطر المنتدى ككل على حوالي 71 بالمائة من إمدادات الغاز العالمية، و44 بالمائة من إنتاج السوق، و53 بالمائة من خطوط أنابيب الغاز، و57 بالمائة من صادرات الغاز الطبيعي المسال، حسب التقرير.
وأوضح الموقع أن مذكّرة التفاهم الأخيرة هذه والاتفاق السابق لسنة 2022 بين الشركتين، يهدفان إلى السيطرة على أكبر قدر ممكن من العناصر الرئيسية في مصفوفة الإمداد العالمية.
ووفقا لتصريح حميد حسيني، رئيس اتحاد مصدري المنتجات النفطية والغازية والبتروكيماوية في إيران، بعد توقيع مذكرة التفاهم سنة 2022، فإن الروس توصلوا إلى استنتاج أن استهلاك الغاز في العالم سيزيد وأن التوجه نحو استهلاك الغاز الطبيعي المسال قد زاد وأنهم وحدهم لا يمكنهم تلبية طلب العالم لذلك لا يوجد مجال للمنافسة في الغاز.
وأضاف أن الفائز في الحرب بين روسيا وأوكرانيا هو الولايات المتحدة التي ستستحوذ على السوق الأوروبية. لذلك، إذا تمكنت إيران وروسيا من تقليل تأثير الولايات المتحدة في أسواق النفط والغاز والمنتجات من خلال العمل معًا، فسيكون ذلك لمصلحة البلدين.
يظهر التطبيق العملي لهذين العنصرين الرئيسيين في المشاريع الأربعة الواردة في مذكرة التفاهم لسنة 2022 التي تهدف إلى بناء 'أوبك الغاز'. أولها، مساعدة غازبروم لشركة الغاز الوطنية الإيرانية في تطوير حقلي الغاز كيش وشمال فارس بقيمة 10 مليارات دولار بهدف إنتاج أكثر من 10 ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا من الحقلين، وفقا للتقرير.
وثانيا، دعم عملاق الغاز الروسي في مبادرة بقيمة 15 مليار دولار لزيادة الضغط في حقل سوبرجيانت للغاز جنوب فارس على الحدود البحرية بين إيران وقطر.
وثالثا، مساعدة غازبروم في إكمال عدة مشاريع للغاز الطبيعي المسال وبناء خطوط أنابيب تصدير الغاز. ونقل الغاز من روسيا إلى شبكة الأنابيب الواسعة في إيران يعد مرحلة مبكرة حيوية في هذا المشروع. والمشروع الرابع، هو محاولات روسيا المستمرة لتشجيع قوى الغاز الكبرى الأخرى في الشرق الأوسط على الانضمام في عملية بناء كارتل 'أوبك الغاز' بصورة تدريجية.
ونقل الموقع عن مصدر كبير يعمل عن كثب مع وزارة النفط الإيرانية، أنه يُنظر إلى الغاز باعتباره المنتج الأمثل في الانتقال العالمي من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة. والسيطرة على أكبر قدر ممكن منه سيكون مفتاح القوة المبنية على الطاقة في السنوات العشر إلى العشرين المقبلة.
وأشار الموقع إلى أن بداية نقل الغاز المنتظم من روسيا إلى إيران ترتبط بشكل وثيق مع عرض طهران على موسكو في 11 أيار/مايو لإنشاء 'ممر طاقة' أوسع من روسيا إلى الخليج الفارسي. وهذا بدوره يتماشى مع إعلان تركيا في 12 أيار/مايو اهتمامها بشراء المزيد من الغاز والنفط من إيران وأن نقل هذه الموارد لاحقاً إلى أوروبا الشرقية عبر البلاد ممكن.
ووفقا للموقع، فإن هذه التصريحات في جوهرها تعني أمرين: أولاً، سيكون بإمكان روسيا تجاوز العديد من القيود الدولية الحالية باستخدام آليات إيران المُنشأة منذ فترة طويلة لتجنب العقوبات على تدفقات الغاز والنفط؛ وثانيًا، ستتمكن إيران من تسريع تقدم "الجسر البري" الذي لطالما سعت إليه من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط، والذي يمكن من خلاله زيادة حجم ونطاق إيصال الأسلحة إلى جنوب لبنان ومنطقة مرتفعات الجولان في سوريا لاستخدامها ضد إسرائيل والولايات المتحدة في صراعات الشرق الأوسط. وبالنسبة للصين، فإن مثل هذا الصراع الأوسع نطاقاً بالتوازي مع الصراع الروسي الحالي (أو القادم) في شرق أوروبا، سيجعل من الصعب على الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي الرد على غزو متزامن لتايوان.
ولفت الموقع إلى أن هذا التوسع في شبكة الممرات التنقلية الجديدة من روسيا إلى إيران ثم إلى تركيا أو موانئ البحر الأبيض المتوسط يتماشى أيضًا مع خطط الصين المستمرة لمبادرة الحزام والطريق. وقد شهد شهر حزيران/يونيو اجتماعات رفيعة المستوى بين مسؤولين عراقيين وصينيين لتحديد تفاصيل المرحلة التالية من خطة التعاون واسعة النطاق الخاصة بهم. وقد وُضعت الأسس لهذا الاتفاق في اتفاقية "النفط مقابل إعادة الإعمار والاستثمار" في سنة 2019، التي توسعت لاحقًا إلى اتفاقية "إطار العمل العراقي-الصيني" لسنة 2021. وتركز الاتفاقيات في البداية على تطوير احتياطيات النفط والغاز، ثم البناء على ذلك لتشمل الطرق البرية والسكك الحديدية والجوية والشحن، ثم التوسع السريع في التعاون في مجال الأمن عبر البلاد.
وقد تطرقت الاجتماعات الحديثة بين كبار الشخصيات العراقية والصينية مرة أخرى إلى المرحلة الأولى والثانية من مراحل تطوير هذه العلاقة ولكن تركزت أكثر على خطط لربط برنامج الطرق التنموية الاستراتيجية العراقية بقيمة 17 مليار دولار مباشرةً بمشروع مبادرة الحزام والطريق الصينية. سينشئ مشروع طريق التنمية الاستراتيجية ممر نقل يمتد من ميناء الفاو الكبير في المياه العميقة في مركز تصدير النفط الأساسي في البصرة في الخليج الفارسي، عبر العديد من أكبر حقول النفط والغاز في البلاد، وأخيرًا إلى فيشخابور على الحدود العراقية مع تركيا.
ومن هناك سيمتد عبر روابط الطرق والسكك الحديدية إلى بقية أوروبا. وبناء شبكة كثيفة من طرق النقل هذه من روسيا إلى إيران ثم إلى العراق ومن ثم إلى تركيا أو سوريا سيسمح أيضًا لبكين وموسكو بزيادة وجودهما العسكري والاستخباراتي في هذه البلدان تحت مبرر رسمي، حسب التقرير.