حصلت "عربي21" على رسالة جديدة مسربة من
المعتقلين السياسيين في
مصر، شرحوا فيها أوضاعهم المأساوية داخل
السجون، خصوصا سياسية إعادة الاعتقال "التدوير" المتبعة بحقهم، مطالبين بإنهاء معاناتهم، والإفراج عنهم.
ووجه المعتقلون في رسالتهم التحية لغزة ونضال أهلها، والمقاومين فيها الذين يواصلون التصدي للعدوان الغاشم للشهر التاسع على التوالي، مشددين على أن رسالتهم الجديدة، تأتي استكمالا لرسائل بدأت منذ 2021 بعنوان "رسالة معتقل"، والتي أكدوا انقطاعها لظروف أمنية داخل السجون.
وأشاروا في رسالتهم إلى أن الآلاف من المعتقلين تقوم الأجهزة الأمنية بـ"تدويرهم"، ومواصلة اعتقالهم، "فكلما حصل أحدهم على إخلاء سبيل أو البراءة يتم نقله إلى مقار الاحتجاز غير الرسمية لمدة تصل إلى ستة أو سبعة أشهر وقد يزيد، أو يدرج اسمه في محضر جديد ويتم عرضه على النيابة بادعاء أنه تم القبض عليه من الشارع فيتم تجديد حبسه إلى أن يتم إخلاء سبيله، وتكرر العملية مع نفس الشخص عشرات المرات".
وأكد المعتقلون أن سياسة إعادة الاعتقال التي تنتهجها السلطات الأمنية "دمرت أحلام الكثيرين بالحرية بعدما انقضت مدة حكمهم أو مدة حبسهم الاحتياطي"، مبدين خيبة أملهم من التحركات الرسمية وغير الرسمية لتعديل قانون
الحبس الاحتياطي بتقليص المدة .
وتاليا ننشر نص الرسالة المسربة:
عود على بدء
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
بداية.. بارك الله نضال شعبنا في غزة العزة، وبارك جهاد مجاهديها الذين نحسبهم والله حسيبهم توكلوا على الله حق التوكل، بعد أن أخذوا بالأسباب ولم يَضِنُّوا بجهد يبذل، فهداهم الله السبيل، وبسط لقضيتهم مشارق الأرض ومغاربها تنتشر انتشار النار في الهشيم، ويتبناها البر والفاجر، وسحب البساط من تحت عدونا وعدوهم فتقلصت ساحاتهم المعنوية والاستراتيجية، فكأنما "يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين"، وما طالت تلك الحرب يوما إلا وأضيف فيه نصر للقضية، فهنيئا لإخواننا في غزة هذا الفتح، وتقبل الله شهداءهم وشفا جرحاهم وحقن دماءهم ونصرهم على عدوهم وأذن لمعركتهم هذه أن تكون بداية لمعركة التحرير، فنحن نحسبهم من يصدق فيهم قول رسولنا -صل الله عليه وسلم- "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم".
وبعد.
فهذه رسالة من المعتقلين السياسيين بالسجون المصرية استكمالا لرسائل بدأت منذ 2021 بعنوان "رسالة معتقل" وكانت تلك الرسائل قد انقطعت لظروف أمنية داخل السجون ولكن برغم التضييق الأمني أذن الله لصوتنا أن يصل إليكم من جديد.
نود في هذه الرسالة أن نمر ببعض النقاط التي تقتضي الضرورة المرور عليها.
إحدى عشرة سنة مضت عاما تلو الآخر، وما زال نزيف الأيام لم يتوقف، وأعمار الشباب في السجون تفنى وتبيد، مرحلة عمرية ضاعت من حياة كل سجين بأحلامها وأهدافها ومكتسباتها، لم يُحَصِّل منها سوى موروث من الدمار الصحي والدراسي والفكري والمهني، تجعله يحيا ما بقي عليلا في ركب أقرانه!! إحدى عشرة سنة وَهِن فيها الجسد وغشيه ما غشيه من الأسقام والعلل، وتفككت فيها العديد من الأسر، وتطرفت فيها من الأفكار يمينا ويسارا ما تطرفت!! إحدى عشرة سنة من الاستنزاف على كل الأصعدة !!
فمتى تكف الدولة عن سياسة الانتقام تلك؟! أوما يكفي ذلك الكم الهائل من الكراهية التي تتوارثها الأجيال طيلة تلك الأعوام يلقاه ما يلقاه المعتقلين وأهليهم من الدولة؟! أم أن الدولة تتعامل مع هؤلاء باعتبارهم جمادات لا شعور لهم؟!
أم أنها تعيد تجارب سابقة -علمنا التاريخ أن القمع والظلم أفرز فيها نتائج لا يرغب فيها أحد- وتنتظر نتائج مغايرة؟! إلام ترنو يا من تصر على البقاء في هذه المرحلة؟!
وبمناسبة التحركات الرسمية وغير الرسمية لتعديل قانون الحبس الاحتياطي بتقليص المدة التي افتراضا لا يتجاوزها المعتقل في الحبس الاحتياطي.. فهذا فصل يحمل عنوان "المضحك من الهم" هناك الآلاف من المعتقلين تقوم الأجهزة الأمنية بتدويرهم، فكلما حصل على إخلاء سبيل أو البراءة يتم نقله إلى مقار الاحتجاز غير الرسمية لمدة تصل إلى ستة أو سبعة أشهر وقد يزيد، أو يدرج اسمه في محضر جديد ويتم عرضه على النيابة بادعاء أنه تم القبض عليه من الشارع فيتم تجديد حبسه إلى أن يتم إخلاء سبيله، وتكرر العملية مع نفس الشخص عشرات المرات ويا لها من فكرة مقيتة دمرت أحلام الكثيرين بالحرية بعدما انقضت مدة حكمهم أو مدة حبسهم الاحتياطي، فيصطدم بعملية التدوير تلك، تجده يقف أمام القاضي أو النيابة يطالب بتجديد حبسه ويرفض إخلاء السبيل حتى وإن تم إخلاء سبيله بكفالة ميسورة يرفض دفعها تفاديا وهربا من المرحلة التي تلي الإخلاء، تلك الفترة التي يقضيها بين المحضر والآخر بعد الاختفاء في مقار الاحتجاز غير الرسمية والتي يفقد فيها كل حقوقه، وينقطع اتصاله بأهله وذويه في أماكن لا يعلم خفاياها إلا الله..!!
فهل لتعديل قانون الحبس الاحتياطي فائدة أو جدوى للمعتقلين؟! الإجابة أن الفائدة ليست في تعديل القوانين وإنما في أن تمتلك الدولة إرادة حقيقية للإفراج عن المعتقلين، وإنهاء تلك الدوامة.
مضى أكثر من عشرة أعوام.. وانتهت حالة الاحتقان التي كانت قائمة في أول الأمر، وأصبح سهلا يسيرا أن تتسع صدور أصحاب العقول لرأي آخر ونحن بذلك نصارح الجميع أننا شاركنا في صراع تصارع طرفيه على السلطة، شاركنا فيه بما أبصرناه بأعيننا وأدركناه بعقولنا في هذا الصراع، وبمشاعر أكسبتنا إياها ثورة يناير ننشد ما كنا نراه خيرا لوطننا في ذلك الوقت، وغيب الحماس عن العقول ضرورة أخذ خطوة للوراء حقنا للدماء وحفظا للوطن فآلت الأحداث وتتابعت إلى ما آلت إليه في هذا المطاف، لكن أما وأن الأوضاع قد استقرت وتجاوزت مصر تلك الأزمة، وبينت الأطراف حسن نواياها وأن الجميع كان ينشد خيرا لبلده، فلا مجال للتنكيل أكثر من ذلك بين أبناء الوطن الواحد، ولا يليق بدولة أن تتعامل بسياسة الانتقام القاتل، حتى وإن كان هناك من يصر على ذلك فإحدى عشر سنة من السجن والبعد والفقد والحرمان عقاب كافٍ ومشبع ..!!
فهل تعيد الدولة النظر في تلك الأحكام الانتقامية التي حكم بها على الآلاف ممن يقبعون في السجون لمجرد المشاركة في بعض التظاهرات؟!
هل تعيد الدولة النظر في أحكام مزيفة بالسجن المؤبد والسجن 15 عاما حكم بها لترهيب الشارع وإحكام القبضة الأمنية؟!
هل تعيد الدولة النظر في ملفات من مضى من أعمارهم في السجون 5 و 7 و 10 أعوام أو يزيد؟!
هل توقف الدولة نزيف الدماء الذي يصيب السجناء وذويهم بداية من وفاة السجناء أنفسهم داخل السجون وصولا لحوادث الطريق إلى السجن التي تقتل ذويهم أثناء السفر للزيارات؟!
فلنضع حدا لذلك النزيف الذي يرهق وطننا الحبيب على كل الأصعدة -تحديدا وإن ذلك الصراع على السلطة قد انتهي بلا رجعة لأن جماعة الإخوان قد أعلنت على مدار الشهور الماضية عودتها إلى صفوف المعارضة وتركها التنافس على السلطة لفترة طويلة - ولنتكاتف جميعا خلف الوطن في وقت يحتاج فيه إلى الجميع، وليقف أبناء الوطن الواحد كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ضد كل من يتربص بنا أو بوطننا الحبيب.
وختاما فإن رسالتنا هذه تم الإعداد لها خلال شهري مايو ويونيو وهي تعبر عن رأي أغلب السجناء في المجمعات التالية: (بدر / النطرون / المنيا / برج العرب / العاشر من رمضان / وبعض السجون العمومية الأخرى).
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.