قضت محكمة أمريكية بإدانة السيناتور الأمريكي عضو مجلس الشيوخ بوب
مينينديز، بـ 16 تهمة مرتبطة بتلقيه وزوجته رشاوى من مسؤولين
مصريين عبارة عن سبائك ذهبية، وسيارة مرسيدس بنز، ومئات آلاف الدولارات، مقابل خدمات لحكومة رئيس النظام المصري عبدالفتاح
السيسي.
وأعلنت محكمة مانهاتن الاتحادية بمدينة نيويورك، الثلاثاء الماضي، إدانة المشرع الأمريكي الشهير، مينينديز (70 عاما)، الذي جرى اعتقاله في أيلول/ سبتمبر الماضي، ومحاكمته منذ 15 أيار/ مايو الماضي، ولنحو 9 أسابع، هو ورجل الأعمال المصري الأمريكي
وائل حنا، ذو الارتباطات مع مسؤولين رسميين مصريين، في القضية التي تابعتها "عربي21"، بأكثر من تقرير صحفي.
وهو الحكم الذي قرأ فيه مراقبون ومتحدثون لـ"عربي21"، فضيحة سياسية دولية تطال المؤسسة التشريعية الأمريكية، والنظام الحاكم في مصر، التي ستظهر تفاصيل إدانته مع إصدار الحكم النهائي حول القضية في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، ثم نشر حيثيات الحكم.
وفي حديثه للصحفيين بعد إدانته، أكد مينينديز، أنه "بريء"، وأضاف: "لم أكن أبدا عميلا أجنبيا"، إلا أن ممثلي الادعاء، أكدوا أن القضية التي تجري فيها محاكمة رجلي الأعمال المصري وائل حنا، واللبناني فريد دعيبس، بتهم تتعلق بالسعي وراء السيناتور لمساعدة الحكومة المصرية بشكل غير قانوني، تمثل "مستويات مروعة من الفساد"، وفق ما نقلته "بي بي سي".
وقالوا؛ إن "الهدايا تضمنت سبائك ذهبية تبلغ قيمتها أكثر من 100 ألف دولار، فيما عثر مكتب التحقيقات الفيدرالي على أكثر من 480 ألف دولار نقدا داخل منزل مينينديز.
وحول مقابل تلك الرشاوى، قال ممثلوا الادعاء؛ إن مينينديز ساعد في تأمين مساعدات أمريكية لمصر بملايين الدولارات، حيث كانت لوائل حنا علاقات مع مسؤولين حكوميين مصريين.
"ضلوع وزراء وقيادات مصرية"
وخلال الأسابيع الماضية، كشفت محاكمة مينينديز، عن ضلوع مسؤولين مصريين في وزارات الخارجية والزراعة إلى جانب شخصيات وقيادات بالمخابرات العامة.
وأكد الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية وعضو تكنوقراط مصر الدكتور سعيد عفيفي، الذي واصل حضور جلسات المحاكمة، لـ"عربي21" أن "وقائع المحاكمة أثبتت تورط وزير الخارجية المصري سامح شكري، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل، ووكيلي وزارة الزراعة المصرية الدكتورة منى محرز والدكتور أحمد عبدالكريم، وغيرهم ممن ذكرت أسماؤهم في القضية في أثناء المحاكمة، ولم ترد في لائحة الاتهام".
وجاء في لائحة اتهام مينينديز أنه بين عامي 2018 و2022، قدم أشياء تفيد المسؤولين المصريين مقابل الحصول على رشى من وائل حنا، الذي أبرم صفقة مربحة مع الحكومة المصرية لتصدير اللحوم الأمريكية للقاهرة تحت اسم حلال "موافقة للشريعة الإسلامية".
وواجه عضو الشيوخ الأمريكي، الذي تخلى عن منصبه لاحقا، اتهامات أخرى بالفساد وتلقي رشى، للقيام بدور في تسهيل إرسال مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأمريكية إلى مصر.
وفي 16 حزيران/ يونيو 2022، ضبطت الشرطة الأمريكية بمنزل السيناتور في نيو جيرسي، نصف مليون دولار نقدا، و10 سبائك ذهبية، ومجوهرات في خزنتين وحقيبتين، وظرف فيه 7400 دولار كان مكتوبا عليه اسم المتهم فريد دعيبس، ما قاد إلى اتهام مينينديز بالعمل كعميل أجنبي لصالح مصر وقطر.
وبمجرد إعلان إدانة السيناتور، أثير السؤال: "كيف تعد إدانة مينينديز، إدانة أيضا لنظام السيسي، وتؤكد أنه يسلك طرقا غير قانونية وغير شرعية عبر تجنيد شخصيات وجواسيس للعمل لحسابه؟".
"حيثيات الحكم ستؤكد الإدانة"
الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية وعضو تكنوقراط مصر الدكتور سعيد عفيفي، أجاب قائلا؛ إن "إدانة نظام السيسي، ستظهر في حيثيات حكم المحكمة يوم 29 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وليس في منطوق الحكم"، موضحا أن "الحكم سيرسل للخارجية الأمريكية لاتخاذ ما تراه مناسبا تجاه كل من ورد اسمه من الأجانب بالقضية".
وحول ما ينتظر الضالعين من المصريين (الموظفين الرسميين وغير الرسميين) في القضية من قرارات وإجراءات أمريكية، لفت الخبير القانوني المصري المقيم في أمريكا، إلى أن "هناك حالتين يتم التعامل بهما في مثل هذه الأمور".
ذكر أن "أولها إذا كان الشخص يتمتع بالحصانة الدبلوماسية، فإن واشنطن تكتفي بمنعه من دخول الأراضي الأمريكية طوال حياته، مثل الوزراء ورئيس المخابرات والملحق العسكري ورجل المخابرات، الذي يحمل تصريحا للعمل على الأراضي الأمريكية".
وأشار إلى أنه في الحالة الثانية: "فإنها تضع حول أسماء المتورطين إشارة إذا دخل من أي منفذ إلى الأراضي الأمريكية يتم اصطحابه فورا لسماع أقواله وليس القبض عليه بتهمة؛ لأنه هنا لا يتم توجيه اتهام لأحد إلا إذا كان حاضرا وبإمكانه الدفاع عن نفسه".
وختم بالقول: "وإذا رفض عند الدخول الذهاب لسماع أقواله؛ يعود من حيث أتى ويتحول القرار إلى منع نهائي من دخول الأراضي الأمريكية".
"قد نسمع الصراخ"
وفي قراءته، قال السياسي والإعلامي المصري الدكتور الدكتور حمزة زوبع، لـ"عربي21"؛ إن "هذا ما كشف النقاب عنه؛ لأن الرقابة في أمريكا قوية"، مشيرا إلى توقعه أن "يتم استخدام هذه الورقة للضغط على النظام المصري في أمور أخرى لا نعلمها، ولن نعلمها حتى تتحقق، أو نسمع صراخ النظام من ظلم أمريكا".
المتحدث السابق باسم حزب "الحرية والعدالة"، وفي إجابته عن السؤال: كيف يعد تورط مينينديز، إدانة للسيسي بتهمة إهدار المال العام وتبديد ثروات بلد جل سكانها من الفقراء، وتشويه سمعة الدولة الضاربة في عمق التاريخ؟ أكد أن "مثل نظام كهذا لا تؤثر فيه مثل فضائح كهذه".
وأضاف أنه "لا يهتم بسمعتك ولا بغيرها، وبالطبع الشعب في عالم آخر مشغول بأمور حياته اليومية؛ وسيتم تصدير رواية المؤامرة العالمية ضد مصر ودورها العظيم في كل ما يدور في العالم".
وخلص السياسي المصري، للقول: "تورط هذا النظام ليس الأول، ولن يكون الأخير؛ فهذه أنظمة تعتاش على الفساد، وتعيش في الظلام وتعشقه، بينما الدول المحترمة تنمو وتزدهر بالحرية والشفافية".
وختم بطرح ما اعتبره "سؤالا بسيطا"، قائلا: "لماذا لم نسمع عن أي إجراءات أو تحقيقات بعد فضيحة طائرة زامبيا؟"، مشيرا إلى ضبط السلطات الزامبية كمية من الدولارات والمعادن الثمينة وبعض الأسلحة والذخيرة، و10 أشخاص بينهم 6 مصريين على متن طائرة خاصة، قدمت من القاهرة في مطار كينيث كاوندا، في آب/ أغسطس الماضي.
"سكة خطر.. وهنا العلة"
الناشط والسياسي المصري والناشر الدولي هشام قاسم، قال؛ إن تورط النظام المصري في مثل هذه القضية، "ناتج عن قلة خبرة النظام"، مشيرا إلى أن "نظام حسني مبارك ولمدة 30 سنة وقبله أنور السادات 11 عاما، لم يفعلا مثل هذه الأمور، بأن يدعي شخص معرفته بسيناتور ويجرجر النظام خلفه ويتورط في أمر كهذا".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "معروف أن الأساس في العلاقات المصرية الأمريكية، هو المسار (العسكري- العسكري)، و(الاستخباراتي- الاستخباراتي)، وخارج ذلك لم يكن عندك قبول سياسي، وأنك تحاول أن تنتقل لهذا المجال بأن ترشي سيناتور، فأنت تسير في سكة خطر وليست سهلة".
وتوقع قاسم، أنه "بعد الحكم النهائي، ووسط وجود أغلبية ديمقراطية، فإن السيناتورز كافة يطالبون مينينديز بتقديم استقالته فورا؛ لأنه بعد تلك الإدانة يثار الحديث عن غضب الكتلة البرلمانية بسبب القضية التي تمصر مصر في الأساس، وجزء منها يخص قطر".
وأكد أن "الحالة الآن بين السيناتورز ليست فقد ثقة في مصر، بل إنك ابتُليت بغضبهم، وأصبح هناك مشكلة بينهم وبينك، بعدما أصبح لديهم إحساس غاضب وتساؤل، يقول: من هذا الذي نعطيه ملايين الدولارات معونة سنوية، ويتخيل أنه بملاليم يمكنه رشوة سيناتور، ويلعب في السياسة الداخلية؟".
وأشار إلى أن من "الاتهامات محاولة التلاعب في الانتخابات الأمريكية، ولكن الفكرة عندما تتلاعب في العمل السياسي عندهم فأنت تعمل مشكلة كبيرة"، متوقعا أن "كل المصريين في القضية لن يمكنهم دخول أمريكا، وفي حال دخولهم تتوجه لهم تهم ووارد القبض عليهم".
وحول اعتبار تورط النظام المصري في رشوة السيناتور، يمثل إهدارا للمال العام وسوء استخدام لأموال الدولة، قال السياسي المصري: "لا أقدر أن أقول ذلك؛ لأن إهدار المال العام في مصر وصل لمرحلة فاقت هذا الأمر".
وبشأن احتمالات تراجع ثقة الدول الأخرى في التعامل مع مصر واتخاذها الحذر والحيطة في العلاقات، وفقدان قيمة مصر، وفقا لرؤية البعض، أوضح قاسم أنه لا بد من التفرقة بين النظام الحاكم والدولة، فالدولة لها قيمة جيوسياسية، أما النظام الحاكم فالتعامل معه في حدود الحد الأدنى، والكل يرى أنه غير مؤهل لإدارة مصر".
ولفت إلى أنه "شيء مشين وكل الأنظمة السابقة لم تقع فيه"، موضحا أن "جزءا من الأزمة أنك لا تكون على قدر من الفهم أن هذه منطقة خطرة كان يفضل ألا تدخل فيها"، ملمحا إلى غياب الحكماء عن هذا النظام، مبينا أن لكل نظام حكماءه، وهذا النظام محدود في عدد حكمائه".
وعن احتمالات تأثر مستقبل السياسة الخارجية المصرية بتلك الإدانة، يرى السياسي المصري، أن "تعاملك في ملف السياسة الخارجية يكون على أساس احتياجات الدول الأخرى منك، وليس وفق احتياجاتك أنت".
ومضى للقول: "لأنك فشلت تماما في أن تستفيد من موقعك في السياسة الخارجية، وفشلت في أن تقوم بعمل تنمية، وفشلت في تقوية العلاقات وحجم التبادلات مع الخارج، ولكنهم في المقابل، يحافظون؛ لأن هناك أهمية لمصر فيحافظون على هذه الجزئية، ولذا أتوقع ألا يتغير شيء".
"وصمة عار وجريمة فساد"
من جانبه، يرى الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبوالخير، أن إدانة مينينديز، تمثل إدانة أيضا لنظام السيسي، موضحا أنه "فاعل أصلي في الجريمة؛ فجريمة الرشوة الفاعل الأصلي فيها هو الموظف العمومي، ولذا رأس النظام هو الفاعل الأصلي في جريمة الرشوة، وكذلك في جريمة الخيانة، وتبديد أموال الدولة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد الأكاديمي المصري، أن تورط مينينديز، في قضايا الرشوة من قبل نظام السيسي، هي إدانة للأخير بتهمة إهدار المال العام وتبديد ثروات بلد جل سكانها من الفقراء وتشويه سمعة الدولة الضاربة في عمق التاريخ، موضحا أنه "يدرك أنه لا شرعية له، لذلك يشتريها بالرشى من المال العام".
ويرى أن تأثير إدانة مينينديز، على نظام السيسي دوليا، كبير، ملمحا إلى أنه أصبح في نظر باقي العالم نظاما مشبوها، ومضى يقول: "تلك وصمة عار على جبين النظام الحاكم، وتلك جريمة فساد كبرى، تكشف عن حقيقة هذا النظام والعصابة الفاسدة".
"تورط مهين لمصر"
وكشفت وقائع جلسات المحاكمة عن تورط مهين للسلطات المصرية، ووفق موقع "بوليتيكو" الأمريكية، فإن "هناك رسائل نصية وسجلات هاتف يقول ممثلو الادعاء؛ إنها أظهرت المسؤولين المصريين في حالة هياج بشأن عدم الحصول على شيء مقابل أموالهم".
وخلال المحاكمة، قال لورانس لوستبيرغ، محامي وائل حنا؛ إنه لا يوجد أي دليل مقدم في المحاكمة يربط موكله بسبائك الذهب التي عثر عليها في منزل السيناتور، مضيفا أن موكله كانت تربطه صداقة قديمة مع زوجة السيناتور نادين، وكثيرا ما كانت تحصل منه على هدايا مثل الساعات والمجوهرات والمشروبات الكحولية، بحسبما نقلته شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
واعترف لوستبيرغ بأن موكله عين نادين في شركته التي تعمل في اللحوم الحلال، ثم فصلها لعدم رغبتها في العمل، كما اعترف بدور موكله حنا في التقريب بين المسؤولين المصريين والسيناتور.
وأكد لوستبيرغ أن موكله الذي يعيش في إدجووتر بولاية نيو جيرسي دفع في كثير من الأحيان تكاليف العشاء، والتعارف بين مينينديز والمسؤولين المصريين التي نظمها لصالح العلاقات الثنائية الأمريكية.
ووفقا للمدعين الفيدراليين، دفعت الشركة لنادين عشرات الآلاف من الدولارات مقابل تلك الوظيفة كوسيلة لرشوة السيناتور، حيث يثار الاتهام حول مساعدة مينينديز، لحنا بالحصول على صفقة من الحكومة المصرية لاحتكار تجارة اللحوم الحلال.
ما حدا بلائحة الاتهام التي أصدرها مدعون في ولاية نيويورك الأمريكية لاتهام مينينديز بالتورط مع رجل الأعمال المصري الأصل، وائل حنا، الذي يملك شركة "IS EG Halal Certified" بمدينة إيدجوتر، التي منحتها الحكومة المصرية حقا حصريا في منح علامة "الحلال" للمنتجات التي تصدر للأسواق المصرية، فيما أشارت اللائحة إلى تورط السيناتور في مساعدة الشركة في هذا الاحتكار.
"حيث اتخذ إجراءات لصالح الحكومة المصرية وشركة حنا، بما يشمل الضغط على مسؤول في وزارة الزراعة الأمريكية للسعي إلى حماية الاحتكار الذي منحته الحكومة المصرية لشركته في مصر"، على الرغم أن حنا وشركته، كانا بلا سابق خبرة في هذا المجال، بحسب لائحة الاتهام.
المدعون في اتهامهم، قالوا: "عملت نادين مع حنا على تقديم مسؤولي المخابرات والجيش المصريين إلى مينينديز، وهذا التعارف ساعد على تطور العلاقة الفاسدة التي شملت دفع رشاوى إلى مينينديز ونادين، مقابل عمل مينينديز لصالح مصر وحنا، وآخرين".
وشمل الأمر تقديم معلومات حساسة، حيث قدم مينينديز "معلومات حساسة وغير علنية عن الحكومة الأمريكية للمسؤولين المصريين، واتخذ خطوات لمساعدة الحكومة المصرية سرا، وعلى سبيل المثال، في أيار/ مايو 2019، زود مينينديز المسؤولين المصريين بمعلومات سرية فيما يتعلق بعدد وجنسية الأشخاص الذين يعملون في السفارة الأمريكية في القاهرة".
وفي أيار/ مايو 2018، كتب مينينديز رسالة نيابة عن مصر إلى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي يدعوهم فيها إلى الإفراج عن 300 مليون دولار من المساعدات لمصر. وأرسلتها نادين إلى حنا، الذي أرسلها للمسؤولين المصريين.
وأبلغ مينينديز المسؤولين المصريين، من خلال نادين وحنا، بأنه لجنة الشؤون الخارجية سيلغي القيود على التمويل العسكري الأجنبي ومبيعات المعدات العسكرية إلى مصر، وبأنه سيوقع على صفقة أسلحة بملايين الدولارات لمصر، وذلك وفق لائحة الاتهام التي كشفت عن وعد حنا لنادين بدفع أموال مقابل هذا الدور.