تتواصل التأثيرات السلبية لتصاعد الاحتجاجات العالمية على دولة الاحتلال في ظل عدم وجود قدرة حقيقية عميقة وشاملة على مواجهتها، مع تزايد مظاهر
المقاطعة الأكاديمية التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج مدمرة في غضون سنوات قليلة على صعيد المؤسسات الأكاديمية
الإسرائيلية، ما دفع عددا من كبار أقطاب هذه المؤسسات للتداعي لمحاولة مكافحتها، والدعوة لتحشيد المزيد من الجهات الاحتلالية لكبح جماحها، دون جدوى.
اثنان من كبار الباحثين بمعهد شموئيل للسياسة الوطنية في معهد التخنيون بحيفا، وهما البروفيسور بوعز غولاني والبروفيسور رفقا كرمي، أكدا أن "دولة الاحتلال تخوض حاليا حربا متعددة الجبهات: عسكرية، وسياسية، واقتصادية، وقانونية، وسيبرانية، وغيرها، بما في ذلك الجبهة الأكاديمية، لكن على هذه الجبهة لم تبدأ الحرب قبل تسعة أشهر، لأن الدعوة للمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل جزء من حركة المقاطعة التي تدعو لمقاطعتها، ونبذها، ومعاقبتها، وتنشط في جميع أنحاء العالم منذ عقدين من الزمن".
وأضافا في مقال نشرته
صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" أن "حركة المقاطعة استلهمت عملها من مقاطعة نظام جنوب أفريقيا العنصري الذي أسقطته في سنوات التسعينيات، وهي اليوم اختارت أسلوبها في العمل بحيث تساوي الفلسطينيين بالسود المضطهدين، والإسرائيليين بالمستعمرين الأوروبيين الذين استوطنوا هناك، ومن هنا جاءت الدعوة لمحو إسرائيل من الخريطة، واستبدالها بدولة فلسطين "من النهر إلى البحر".
وأوضحا أنه "منذ هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، طرأت زيادة كبيرة في نطاق وكثافة الأنشطة ضد دولة الاحتلال في العديد من
الجامعات حول العالم، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث أقام الطلاب وأعضاء هيئات التدريس والإداريون، حتى في داخل بعض الجامعات الرائدة على المستوى الدولي، معسكرات احتجاج، ونظموا مظاهرات ضخمة، وأقاموا حواجز على الطرق، ومنعوا الإسرائيليين واليهود بالقوة من دخول أجزاء من الحرم الجامعي، وغير ذلك من المظاهر".
وأشارا إلى أن "المقاطعة الأكاديمية باتت جزء من مطالب المتظاهرين في هذه المؤسسات الأكاديمية، وتشمل من بين أمور أخرى، إنهاء جميع العلاقات البحثية مع المؤسسات الإسرائيلية، وإلغاء اتفاقيات تبادل الطلاب معها، ومنع باحثيها من تقديم مقترحات بحثية لدى المؤسسات الوطنية والدولية، وإنهاء استثمارات المؤسسات الجامعية في الشركات الإسرائيلية، وما بدأ كموجة احتجاجية في الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة، تحول مع مرور الوقت إلى طوفان عالمي في كثير من الحالات، وفضلت المؤسسات والسلطات القانونية ووسائل الإعلام والمنتخبون تجاهل الظاهرة أو حتى دعمها بحجة "حرية التعبير".
وانتقدا الباحثان "غياب رد الفعل الإسرائيلي على تصاعد حركة المقاطعة، مع أنه عند قياس نتائجها على أرض الواقع، فإنها سوف تستغرق مزيدا من الوقت، ولكن بنتائج كارثية، بعكس نتائج المعارك العسكرية المتمثلة في الخسائر وتدمير الأسلحة الحربية، وفي الجبهة
الاقتصادية تظهر الأثمان متمثلة في التغير في أسعار الصرف، والتصنيف الائتماني، وزيادة الدين الوطني، وغيرها من المؤشرات، أما تأثير المقاطعة الأكاديمية فسيظهر بعد سنوات، وسيتم التعبير عنها بمؤشرات مباشرة مثل مخرجات البحوث والوضع العلمي الدولي، ومؤشرات غير مباشرة يصعب قياسها كمياً في المساهمة في الاقتصاد والأمن وما إلى ذلك".
وكشفا أن "خطورة المقاطعة الأكاديمية للجامعات الإسرائيلية في أن هذا القطاع هو المحرك الذي يجهز القوى العاملة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، والنظام الصحي، وقطاع الصحة والنظام المالي، وجميع قطاعات النشاط الأخرى في الاقتصاد الإسرائيلي، لكن النظام الأكاديمي الإسرائيلي حين يجد نفسه معزولاً عن العالم يصبح بالضرورة أضعف، لأن التعاون الدولي يشكل شريان الحياة لأي عمل أكاديمي، خاصة في دولة صغيرة كدولة الاحتلال، ذات عدد محدود من المؤسسات الأكاديمية والبنية الأساسية البحثية".
وأكدا أنه "من دون أكاديمية قوية، فإننا سنشهد زوالا لـ"دولة
الشركات الناشئة" من الوجود، وستفقد صناعاتها العسكرية، وهي واحدة من أقوى الصناعات في العالم، قدراتها في مجال البحث والتطوير، والنظام الصحي، وهو نموذج يحتذي به كثيرون في العالم، كلها قطاعات ستتدهور لمستوى العالم الثاني أو الثالث، ولذلك فإن عدم المعالجة العميقة والشاملة لمسألة المقاطعة الأكاديمية قد يؤدي لنتائج مدمرة في غضون سنوات قليلة، خاصة حين لا تخصص الدولة موارد كبيرة لهذا الغرض".
وتشير هذه القراءة الإسرائيلية "القلقة" إلى أن العطلة الصيفية في الجامعات العالمية خلقت نوعاً من "وقف إطلاق النار" في الساحة الأكاديمية، لكن التوقعات تشير إلى استئناف النضال الأكاديمي وتصاعد حركة المقاطعة مجددا في أيلول/ سبتمبر المقبل، مع بداية الفصل الدراسي الشتوي، ما يعني أن تكون دولة الاحتلال على موعد قريب من انضمام المزيد من الجامعات العالمية للاحتجاج ضدها طالما استمر عدوانها الدموي على غزة.