نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تقريرا، قالت فيه إن "استهداف قائد لحزب الله في بيروت، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس،
إسماعيل هنية، في طهران هو "انتقام" الجاسوسية الإسرائيلية على الإهانة والفشل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023".
وتابعت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21" أن "الجواسيس الإسرائيليين قاموا بضرب أعدائهم في الأماكن التي يشعرون فيها بالأمان". مردفة أن دولة الاحتلال الإسرائيلي قتلت اثنين من المطلوبين على قائمة القتل في ليلة واحدة، وفي أماكن شعورا بالراحة فيها.
ولم تعلن دولة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية إلا عن استشهاد الزعيم العسكري لحزب الله، فؤاد شكر، في بيروت، الثلاثاء، ولكنها تجنّبت التعليق وبشكل واضح على مقتل هنية بعد ساعات قليلة في طهران. إلا أن عملية القتل المزدوجة يرى فيها مسؤولو الأمن في الاحتلال الإسرائيلي بأنها "دين دفعته وتحذير صارم للمنطقة بأن عمليات تصفية حسابات أخرى قادمة".
وأضافت أنه بالنسبة لأعداء الاحتلال الإسرائيلي فإنّ الخوف والرّهاب الناجم عن الثغرات الأمنية يتزايد مع تصميمهم على الرد. فيما يقول ياكوف عميدرور، وهو مستشار الأمن القومي السابق لبنيامين نتنياهو: "بعد صدمة يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر على إسرائيل فإنها تستعيد المساحة التي خسرتها".
وتابع بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي كرّست جهودها الأمنية وعلى مدى السنوات السابقة لإيران وحزب الله وليس قطاع
غزة. مشيرا إلى أن هذه الجهود كانت واحدا من الأسباب لحدوث 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وجعلت للمفارقة جيش الاحتلال الإسرائيلي جاهزا للمواجهة في الشمال مع حزب الله، وليس في الجنوب ضد حماس.
وأبرز التقرير نفسه، أن الاغتيالات ظلّت جزءا من أسلوب المخابرات الإسرائيلية أو الموساد، حيث أطلقت النيران في الشوارع على علماء الذّرة الإيرانيين وتم تسميم مسؤولي حماس في الفنادق أو انفجرت بهم الهواتف النقالة ومن خلال المسيرات.
وربما كانت هذه الوسيلة التي استخدمت ضد شكر، حيث ضربت عدة صواريخ مبنى في الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت، وهي التي وصفتها الصحيفة بـ"معقل حزب الله". وقتلت العملية 3 نسوة وطفلين وأدت لإصابة 74 شخصا.
وعبّر عدد من الأشخاص على معرفة بعمليات حزب الله أن السهولة للوصول إلى شكر كانت مفاجأة، وأن مخاوف الحزب وصلت إلى حد الرّهاب من المخابرات الإسرائيلية إلى درجة عالية وجنونية، وحتى قبل ضربة الثلاثاء. وفي الأشهر الأخيرة، ناشد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، مقاتليه للتخلي عن هواتفهم الذكية حيث لجأ كثير منهم إلى تقنيات أقدم مثل بيجرز أو استخدام الخطوط الأرضية والاعتماد على الرسائل الشخصية.
ونقلت الصحيفة عن شخصين على معرفة بعمليات حزب الله وعدّة خبراء في الحزب اعتقاد الجماعة المسلحة بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي استخدمت تقنيات التعرف على الصوت وبرمجيات الرقابة والذكاء الاصطناعي والجواسيس على الأرض.
وكان شكر الذي وصف بأنه رئيس هيئة أركان الحرب لدى نصر الله واحدا من 350 مقاتلا وقائدا ميدانيا استشهدوا خلال الحرب التي مضى عليها عشرة أشهر في المواجهات المستمرة بين الحزب وإسرائيل نتيجة لحرب غزة.
وكان مقتل شكر ردّا على الصاروخ الذي قتل 12 شابا في ملعب كرة قدم في مجدل شمس، بمرتفعات الجولان. واتهمت دولة الاحتلال الإسرائيلي شكر بالمسؤولية عن العملية، رغم نفي حزب الله. وعلّق وزير الدفاع الإسرائيلي، يواف غالانت: "لقد أظهرنا أن دم شعبنا له ثمن وألا مكان لا يمكن لقواتنا الوصول إليه، لتحقيق هذه الغاية".
ورغم ما تقول دولة الاحتلال الإسرائيلي إنها عملية دقيقة إلا أن المشهد في الضاحية الجنوبية وهو مكان الحادث كان مختلفا، فقد انهار المبنى المستهدف وأحدث أضرارا للمجمع السكني منه وتناثر الحطام والزجاج المكسور، في وقت كافح فيه المسعفون للوصول إلى المصابين في منطقة غطاها الغبار.
واستمروا بالعمل وسط الحطام حتى يوم الأربعاء. وتجاهل نصر الله الهجمات في الماضي قائلا إنّها لن تؤثر على تصميم الحزب. وعلق في 10 تموز/ يوليو على مقتل قيادي في الحزب أن هذا أمر "طبيعي" وخسارة رجال كهؤلاء. مضيفا: "نحن في معركة مع عدو تحت خدمته كل التكنولوجيا والأقمار الصناعية في العالم". وأكد أن عدد الشهداء لم يكن عاليا في ضوء التجسس الإسرائيلي المستمر والحزب "لا يزال في وضع جيد".
إلا أنه وفقا للتقرير ذاته، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي تتوقّع أن يكون رد الحزب على مقتل ذراعه الأيمن أقل تفاؤلا من هذا الكلام. ومن المرجّح أن يكون تعقب هنية، زعيم حماس أسهل كثيرا، بعد حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في طهران، الثلاثاء.
وتختلف الروايات حول الطريقة التي تم بها استهدافه في مقر إقامته ــ حسب إيران- وما إذا كان ذلك عن طريق صاروخ أطلق من الجو أو عبوة ناسفة بدائية الصنع، أو طائرة صغيرة بدون طيار. ويرى مدير المخابرات السابق، عاموس يالدين، أن "النتيجة واحدة، ويعرف الجميع أن لدى إسرائيل قائمة ميونيخ الأولمبية عام 1972 لحماس"، في إشارة لمقتل 11 رياضيا إسرائيليا أثناء المباريات وتعقب الاحتلال الإسرائيلي من شاركوا فيها، في عملية أطلقت عليها "غضب الرب" واستمرت عقدا من الزمان وشملت أوروبا والشرق الأوسط.
وأضاف يالدين: "لقد اختارت إسرائيل أن تفعل الشيء نفسه مع المسؤولين عن عملية السابع من أكتوبر. وسوف ننتقل من كبار القادة إلى آخر الإرهابيين". مشيرا إلى أن اثنين فقط من كبار قادة حماس الستة ما زالوا على قيد الحياة بعد اغتيال هنية، وأن أماكن مقتلهم تمتد من غزة إلى بيروت والآن طهران.
وأردف: على الرغم من قدرات دولة الاحتلال الإسرائيلي في هذا المجال، فقد أثبتت سياسة الاغتيالات أنها حل قصير الأجل وفي أحسن الحالات. على الرغم من كل القدرات التي تتمتع بها دولة الاحتلال الإسرائيلي في هذا المجال، عادة ما تكون عقبة استراتيجية.
وفي الواقع فإن عمليات الاغتيال التي وقعت هذا الأسبوع تهدّد بدفع الشرق الأوسط إلى حرب شاملة، مع تعهد إيران وحزب الله بالانتقام لعمليات القتل. ويقول إميل الحكيم، وهو مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "من الناحية الأساسية، يمكن للإسرائيليين القتل في أي وقت ومكان وهو ما يظهر قدراتهم على اختراق الأنظمة".
لكن السؤال الذي يجب أن نجيب عنه هو عن "المخاطر"، كما يقول. ويرى دبلوماسي أن دولة الاحتلال الإسرائيلي كشفت وبوضوح عند مدى قدرتها بعمليتي اغتيال جاءتا متعاقبتين وعلى أرض عدوتها إيران، إلا أنها دائما ما تخطئ بتقدير الطريقة التي يرد فيها أعداؤها. وقال الدبلوماسي: "إنهم يراهنون على قدرتهم على تحقيق هذا الهدف دون الدخول في حرب شاملة" و"لكنه خيط رفيع".