وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن
الإسرائيليين هي من أكثر الكلمات
رواجا في اللفظية السياسية العربية والأمريكية، نعثر عليها في تصريحات المعنيين
بمفاوضات وقف إطلاق النار في
غزة، وفي أعمدة الصحافة وعناوينها البارزة.
وفي خطاب المزايدات الإسرائيلية لتبرير جرائم الإبادة ضد الفلسطينيين في
غزة أضيفت كلمة بعد القضاء على حركة
حماس، وبتنا نسمع هذه العبارة منذ شهور، وقد
فقدت معناها وضلت غايتها بفضل الموقف المعروف لحكومة نتنياهو من مسألة حسم مصير
المفاوضات واستخدامه للوقت للمضي بارتكاب الجرائم ومواصلة العدوان، خاصة أننا لا
نسمع من السياسيين المعنيين في وساطة وقف إطلاق النار لا من قريب أو بعيد، مفردة
تتعلق بالأسرى الفلسطينيين والمعتقلين الذين تتكدس بهم معتقلات تحولت فيها الممارسة
النازية والفاشية بحق الفلسطينيين لمادة من التفاخر من قبل عتاة الفاشية في حكومة
بنيامين نتنياهو، ولا تسمع من مسئولي دولة معنية كوسيط لها وزن على الساحة العربية
كمصر يفترض أن تكون معنية بحماية أشقائها؛ موقفا واضحا يتعلق باحتلال إسرائيل
لمحور فيلادلفيا ومعبر رفح المرتبطين بالسيادة المصرية.
لا نتحدث هنا عن دور الوسيط الأمريكي في المفاوضات الجارية لوقف إطلاق
النار، لأن بديهية الموقف الأمريكي معروفة وتجلت باستذكار الرئيس بايدن ووزير
خارجيته لانتمائهما الصهيوني، وبديهية الضغط السياسي الذي تقوم به في المنطقة
بزيارات الوزير أنتوني بلينكن المكوكية لإسرائيل (تسع مرات)؛ للتعبير عن حق إسرائيل
في الدفاع عن نفسها وتبني سرديتها وأكاذيبها، وتقديم كل ما يلزم من ذخائر وقنابل
خلفت أرقاما غير نهائية عن 150 ألف ضحية بين شهيد وجريح، فضلا عن ارتكاب مجازر
الإبادة الجماعية والدفاع عنها أمام المحافل الدولية، واستخدام الفيتو الأمريكي
أمام مجلس الأمن لتعطيل كل القرارات التي تدين الاحتلال. هذا الوضوح بالتأكيد
يوازيه في الغرف المغلقة لإدارة مفاوضات وقف إطلاق النار مع بقية الأطراف العربية
المعنية؛ إملاء واضح للشروط الإسرائيلية وخضوع لمنطق الانحياز الأعمى، وحصر بعض
الجوانب الإنسانية في هذا الملف كإنجاز سياسي؛ بالسماح بإدخال الطعام والدواء
لضحايا العدوانز نتحدث عن فشل وساطة إدخال الغذاء والدواء وفشل منع جرائم الإبادة لمتواصلة،
في ظل الحديث عن جهود ومفاوضات ثبت استخدامها لمواصلة ارتكاب جرائم الحرب والإبادة
الجماعية.
نعم يسمع المفاوضون ومنهم الطرف الفلسطيني المعني (حركة حماس) الشروط الإسرائيلية،
ويسمع الفلسطينيون من وسائل الإعلام كلمات لها نفس الدلالة دون ظهور موقف عربي على
الأقل من الأطراف الراعية سوى دعوتهم الأطراف لغرف المفاوضات لإبداء بعض الليونة لـ"سد
الفجوات" التي يقال عنها إن الطرفين (أي إسرائيل وحركة حماس) متمسكان بها.
ويعني ذلك أن هناك تطابقا أمريكيا إسرائيليا حول قضايا الأمن الإسرائيلي، وهناك
تفهما عربيا لها، لذلك تكون البيانات بعد كل جولة تفاوض أن هناك ضغوطا على الطرفين.
عمليا يظهر الضغط والابتزاز للطرف الفلسطيني لغياب سردية عربية يُفترض أنها
تميل للحقوق الفلسطينية، وترفض الجرائم الصهيونية، لكنها لا تمتلك الشجاعة والقدرة
والمبدأ للقول في وجه الإدارة الأمريكية أن سياساتها ودعمها المطلق والأعمى للمحتل
عطل السلام وقتله على مدار 30 عاما، وغياب الحديث والمفردة العربية في لفظياتها
السياسية عن قضية آلاف الأسرى والمعتقلين لدى الاحتلال؛ أمام الأمريكي موفدا
وزعيما وزائرا للمنطقة، وبالعكس، والمطالبة بإطلاق سراحهم واعتبار عمليات الاعتقال
الجماعي للسكان على أنها جريمة حرب، حتى في إطلالة المسؤول العربي على وسائل إعلام
غربية ليتحدث عن السياسة في المنطقة العربية أو يتناول القضية الفلسطينية، لم نجد
شجاعة عربية على الطريقة الأمريكية والغربية بمساندة المحتل وجرائمه، بالجهر
المطلق بمساندة الشعب الفلسطيني ودعم حقه بمقاومته.
راعي مفاوضات وقف إطلاق النار، لا يقترب من الفتيل الإسرائيلي المشتعل دوما
بالاستيطان والتهويد وجرائم القتل والهدم والتهجير في بقية فلسطين، في الضفة
والقدس، وبهذا المعنى يصبح اختزال وقف إطلاق النار في غزة اختزالا للحزن الفلسطيني
كله ولجرحه المفتوح بالحديث عن سد الفجوات التي أصبحت مدنا استيطانية وتهويدا وقتلا
وحصارا وتجويعا، وتشريع قوانين فاشية وعنصرية تلائم المصلحة الصهيونية التي
ينتظرها عالم عربي رسمي فرغ صبره من تأخر انضمامه للتحالف مع هذه الفاشية.
وبهذه المعاني ينظر للصمود الفلسطيني ومقاومته في غزة هوة يجب ردمها بجهد
عربي وأمريكي وصهيوني، وبالنظر لاستمرار فعل المقاومة وصمودها بسواعد أبنائها
الذين قدموا ويقدمون أنفسهم على مذبح الحرية. هناك من ينظر إلى من ابتدع فن ومهارة
مقاومته في غزة وغيرها من المدن الفلسطينية على أنها ثغرة تتسع في جدار الأمن
العربي والإسرائيلي ولذلك يجب سد فجوته.
متى سيروج العرب في اللفظية السياسية كلمات عن حق الفلسطينيين في مقاومتهم للاستيطان والتهويد والجرائم الإسرائيلية، وحقهم الطبيعي باستعادة أسراهم وأرضهم ومقدساتهم، ومن سيمتلك شجاعة على المنابر الرسمية؟
السؤال هنا: على ماذا يتركز الجهد الأمريكي برعاية مفاوضات وقف إطلاق النار
بغزة وبحديث عن جهدٍ لسد الفجوات بوساطة عربية؟ فهذا البناء المتهالك للثقة
بالمحتل وبألاعيبه يدفع بركام عربي لسد الفجوة؛ بالقبول بجدار صهيوني على محور فيلادلفيا،
وبسد فجوات أخرى لتكون العين واليد العربية في خدمة الأمن الصهيوني. وهنا يسأل
عربي: ما الجديد بالحديث عن الفجوات بغير ردم تلك التي استطاع الفلسطينيون إحداثها
بمقاومتهم في جدار الأمن الصهيوني، وكذلك في مؤسسة الجيش والأمن العربي المتفرج
على إبادة عربية من ذات الفجوة ومن أعلى ركام جدارها؟
وأخيرا متى سيروج العرب في اللفظية السياسية كلمات عن حق الفلسطينيين في مقاومتهم
للاستيطان والتهويد والجرائم الإسرائيلية، وحقهم الطبيعي باستعادة أسراهم وأرضهم
ومقدساتهم، ومن سيمتلك شجاعة على المنابر الرسمية؟ على الأقل للرد على دعوة بن
غفير وسموتريتش وعميحاي للخلاص من الفلسطينيين وقتل مليونين وتجويعهم وتشريد ثلاثة
ملايين آخرين، وإسماع بلينكن وكل موفدي أمريكا والغرب بكلام يروج لأخلاق ومبادئ
واضحة: نرفض استقبالك قبل أن تدين جرائم الإبادة الجماعية، لأنه من هنا يمكن
للفجوة أن تُسد، وتمكن إزالة كل ركام العبرنة من على أفواه السياسة العربية بتقليد
أمريكا والغرب؛ شجاعة أن تكون حليفا وسندا، لا للمستعمر، بل لقضية عادلة بالمطلق.
x.com/nizar_sahli