هل يجوز لنا أن نتجاوز "شهادة" الدكتور مراد
علي، المتحدث الإعلامي السابق لحزب "الحرية والعدالة"، حيث بدت كافة
الأطراف كما لو كانت توافقت -دون اتفاق- على تجاوزها؟!
أما أنه المتحدث الإعلامي (السابق)، فليس لأن أحدا يشغل
موقعه الآن، وليس لأننا نعترف بقرار السلطة بحل الحزب، وإن جاء الحل بحكم قضائي،
ولكن لأن حركة الأحداث تجاوزت الحزب، والجماعة نسيت أن لديها حزبا، ليكون في حكم حزب
مصر العربي الاشتراكي!
غني عن البيان أن السادات عندما قرر التعددية الحزبية،
انفجرت من الاتحاد المذكور ثلاثة منابر، تحولت بعد ذلك إلى ثلاثة أحزاب، كان من
نصيب السلطة حزب مصر (منبر الوسط سابقا)، برئاسة رئيس الحكومة ممدوح سالم، لكن
السادات أسس حزبا جديدا للسلطة برئاسته هو الحزب الوطني، فإذا بمن في حزب مصر
ينتقلون إلى الحزب الجديد بسرعة البرق، وقد وصفهم مصطفى أمين بـ"المهرولين"!
عمليا لم يعد هناك حزب اسمه حزب مصر العربي الاشتراكي،
ولهذا القفز السريع والجماعي منه نسى القائمون عليه حله، فظل قائما على الورق، بما
مكن أحد أعضائه من الحصول على حكم قضائي يفيد بأن الحزب على قيد الحياة، وإن دخل
قبل الحكم في صفقة مع النظام، بألا يطالب بالمقار التي وضع الحزب الوطني يده
عليها!
انتهى حزب الحرية والعدالة واقعيا، كما حزب مصر بتأسيس الحزب الوطني، وفي الحالتين فإن الوأد كان بقرار القائمين عليهما، والأولون هرولوا لحزب السلطة يدورون معها حيث دارت، والآخرون عملوا تحت لافتة الجماعة عندما دعا الداعي لاعتصامات رابعة لمجابهة تحرك أحزاب الأقلية إلى 30 يونيو
والذي لا ينتبه له الدارسون للحركة الحزبية المصرية، أن
ممتلكات الاتحاد الاشتراكي وُزعت على الأحزاب الثلاثة التي خرجت من رحمه، ووزعت
المقار في المحافظات المختلفة عليها، وقد وضع الحزب الوطني يده على حصة حزب مصر،
فقد كان الطلب من المحكمة بعد ثورة يناير 2011 أن تؤول ممتلكاته ومنها مقراته إلى
الدولة، والصحيح قانونا أن تؤول لحزب مصر الاشتراكي، والذي عاد مرة أخرى بوفاة
رئيسه إلى الغياب واقعيا، والتنازع على رئاسته! وإن كان الصحيح دستورا أن تنزع هذه
المقار من الأحزاب الثلاثة لصالح الدولة، لأن استمرار توزيعها يمثل إخلالا بمبدأ
تكافؤ الفرص، عندما يكون ثلاثة من الأحزاب تستحوذ على هذه القصور والمقار، بينما
الأحزاب التالية لها لا تتمتع بهذا الامتياز!
وأد حزب الحرية والعدالة:
وليس هذا موضوعنا، فقد انتهى حزب الحرية والعدالة واقعيا،
كما حزب مصر بتأسيس الحزب الوطني، وفي الحالتين فإن الوأد كان بقرار القائمين عليهما،
والأولون هرولوا لحزب السلطة يدورون معها حيث دارت، والآخرون عملوا تحت لافتة
الجماعة عندما دعا الداعي لاعتصامات
رابعة لمجابهة تحرك أحزاب الأقلية إلى 30
يونيو.
وفي ظل التجاذبات السياسية لم تنتبه جبهة الإنقاذ، وما
ولد من رحمها من حركات مشبوهة (تمرد وغيرها)، لاستغلال هذا التجاوز للحزب، فقد
كانوا مشغولين بتأليف القصص عن نكاح الجهاد وتسليح الاعتصام، وما إلى ذلك!
فعند تأسيس الجماعة لحزبها، كان المعلن أنه سيتم توزيع
الاختصاص، ليمارس الحزب السياسة وتتفرغ الجماعة للدعوة، لكن بالدعوة لـ30 يونيو
انتهى الحزب عمليا، إلا من صحيفة بائسة امتلأت بالمؤلفة قلوبهم، ثم توقفت، فلا أحد
يذكر الحزب المنوط به الفعل السياسي، فقد صار ذلك من الاختصاص الأصيل للتنظيم،
واستمر الحال إلى الآن!
وبعد فترة ليست بالقليلة من الانقلاب العسكري، تذكرت بعض
الشخصيات
الإخوانية الحزب، وإزاء هيمنة الأمين العام في المهجر على الفعل السياسي
فقد حاولت إحياء الحزب للعمل تحت لافتته، لكن القيادة نجحت في إحباط المحاولة بدهاء
تحسد عليه!
ومن ثم فإن وصف مراد علي بأنه المتحدث الإعلامي (السابق)
لحزب "الحرية والعدالة"، هو لأن الحزب لم يعد له وجود في الواقع، بغض
النظر عن قرار سلطة الأمر الواقع بحله بحكم قضائي!
خطوة مراد علي:
ومنذ خروجه من السجن وسفره للخارج، فقد التقيت بالمتحدث
الإعلامي (السابق)، لقاءات عابرة، ولم يتطرق الرجل إلى الحديث عن هذه المرحلة، أو
المرحلة السابقة، وفي مثل هذه الأحوال فإن من البديهيات احترام حق الإنسان في
الصمت، ولأن الفضول الصحفي قد يدفع لغير ذلك، فقد علمتني الأيام أن فرض الكلام على
الصامت قد يدفعه للالتفاف على الحقيقة والبحث عن التبرير، لسد الثغرات وعدم
المحاسبة على التقصير أو سوء التقدير. وقد صار لدينا تراث من هذه المحاولات لستر
أخطاء القيادة، ولو بالهجوم على كل من يفتش في الدفاتر القديمة، ولو كان من
الإخوان، على النحو الذي جرى مع أحد الإخوان بعد شهادته للزميل جمال الشيال في قناة
الجزيرة؛ عن تجربة الانتقال مع الرئيس
مرسي من القصر الرئاسي لنادي الحرس الجمهوري!
صار لدينا تراث من هذه المحاولات لستر أخطاء القيادة، ولو بالهجوم على كل من يفتش في الدفاتر القديمة، ولو كان من الإخوان، على النحو الذي جرى مع أحد الإخوان بعد شهادته للزميل جمال الشيال في قناة الجزيرة؛ عن تجربة الانتقال مع الرئيس مرسي من القصر الرئاسي لنادي الحرس الجمهوري!
وكان أول من استبيح من اللجان الإخوانية هو الدكتور محمد
محسوب، بعد شهادته لبرنامج "بلا حدود" مع الزميل أحمد منصور، ووصل
الافتراء إلى حد تكثيف الدعاية على أن من عيّنه عميدا لكلية الحقوق في جامعة
المنوفية هو نظام مبارك، مع أن الرجل تم اختياره عميدا بالانتخاب بعد الثورة.
والانتقال من نظام التعيين للانتخاب كان من حسنات ثورة يناير المجيدة، وإن تم
اعتماد انتخاب العمداء -على ما أتذكر- لفترة قصيرة في عهد مبارك، وتولى بمقتضاه
نعمان جمعة القيادي بحزب الوفد، ورئيسه بعد ذلك، عمادة كلية الحقوق جامعة القاهرة!
لقد انشغل مراد علي طيلة السنوات الماضية، بتقديم
محاضرات، وفيديوهات عبر يوتيوب، والمشاركة في برامج تلفزيونية، لكن كل هذا كان
بعيدا عن تجربته السياسية، وله صلة بخبراته المهنية والوظيفية، وإن تطرق للحديث عن
إدارة الحملات الانتخابية ونحو ذلك!
ومن هنا فإن شهادته التي أدلى بها لأحد البرامج لها من
الأهمية بمكان بحيث لا يجوز الصمت عليها، خدمة للأجيال القادمة، لجماعة "تحاشت"
تماما أن تكتب تاريخها، ورفضت أن تدون أخطاءها لتكون النتيجة لتكرار هذه الأخطاء
مرة أخرى. ولا أعوّل كثيرا على الجيل الذي شارك في ثورة يناير، فهذا جيل أفسدته
الهموم، وأثقلته المحن، وأحبط بفشله!
تجربة شخصية:
كنت بعيدا عن رابعة وأخواتها، لأسباب شرحتها قبل ذلك،
لكني كثيرا ما تحدثت مع أحد الأصدقاء الذين شاركوا فيها عن الإشارات التي سبقتها،
من مذابح "المنصة" و"الحرس الجمهوري"، فمن أين جاء اليقين
لقيادة اعتصام رابعة بأن الانقلاب لن يقدم على ارتكاب جريمة الفض على النحو الذي
جرى؟!
كنت قد قضيت أسبوعين في الدوحة بدعوة من قناة الجزيرة،
وعدت في يوم عيد الفطر الأول للانقلاب العسكري، قبل أن أغادر بعد الفض وفي نهاية
آب/ أغسطس، في مثل هذه الأيام منذ أحد عشر عاما، وعندما قلت كلاما لم يعجب القوم،
دفعوا ببعض الأتباع لتبنى رواية أنني عدت لمصر في سنة 2016، ولم أعقب!
عقب العودة، فوجئت بأحد الأشخاص يطلب مقابلتي على وجه
السرعة، كان ضابطا سابقا في الجيش وهو الآن رجل أعمال، وكان كثير التردد علي في
مكتبي، ومعه شريكه وهو شخصية عربية، كان مشروعهما متعثرا لأسباب بيروقراطية ونشرت
لهم شكوى في الجريدة، وانتظرنا تواصل أحد المسؤولين معهما، أو الرد على الشكوى،
لكن لا حياة لمن تنادي!
ومن عمل في الصحافة قبل الثورة، ويدرك كيف أن شكوى تنشر
في الصحف تدفع بالوزارة المختصة إلى التدخل لحلها وإرسال رد بحقيقة الأمر، لا بد
أن يصاب بالإحباط من الأجواء الحالية، ولا يزال البلد فيه وزارات ومحافظات وسلطة؛ قلت
لهما: اذهبوا هنا.. اذهبوا هناك، فذهبوا هنا وهناك وعادوا دون أن يتمكنوا من
مقابلة أحد، فظلوا يترددون علي، لعل وعسى!
ما أن جلسنا حتى قال الرجل إن لديه معلومات بأن الفض
سيحدث، وأنه سيكون بقوة لا تتخيل، وأنه يريد وساطتي لدى الإخوان، ويستطيع أن يقوم
هو بجهود، وأخبرته أنه جاء للعنوان الغلط، وأن أمامه رابعة فليتوجه للميدان
مباشرة، والقيادة معروفة للكافة، فأنا لست صديقا ومن ثم يسهل رميي بأني موفد من
الأمن لإحباط الثورة!
وربما لم يصدقني الرجل فيما قلته بأنني لست صديقا للقوم،
وهو يراني منذ الدعوة لـ30 يونيو وأنا أندد بها عبر الشاشات، ومن سكاي نيوز، إلى
الحرة، قبل سفري للدوحة. وبجانب هذا فلم أتعامل معه بالجدية الكافية، فلم أستبعد
الظن السيئ من أنه يريد القيام بدور من باب الوجاهة الاجتماعية، وكثيرا ما كان معي
ينظر بغبطة إلى المكانة التي حققها واحد مثل ممدوح حمزة، وحدثني أنه شارك في
الثورة مثله، احتجاجا على النظام الذي أسقطه في انتخابات برلمانية خاضها، لصالح
مرشح الحزب الوطني!
مراد علي قال إنه تلقى اتصالا من الصحفي المقرب من
النظام ياسر رزق، يخبره بأن الجيش لا يبالي لو وصل أعداد القتلى من المتظاهرين إلى
خمسة عشر ألف متظاهر، وكان يطلب وساطته في الفض التلقائي!
قد تعتبر رسالة ياسر رزق للتخويف، لكن السوابق ومن مذابح الحرس الجمهوري إلى المنصة تعزز من اتجاه الفض بالقوة، فكيف لإدارة الاعتصام لم تضع هذا الاحتمال في تصورها لتضع خياراتها حتى مع استمرار الاعتصام؟!
وإذا كان من المستساغ لمثلي ألا يتعامل بالجدية الكافية
مع تحذير رجل الأعمال هذا، فكيف لمراد علي أن يستبعد هذه الفرضية ومحدثه هو الصحفي
المقرب من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكان هذا ظاهرا للعيان، إلى درجة أن سخّر
جريدة الأخبار في النَيل من الإخوان والرئيس مرسي، ولم يكن يبالي بنجاحهم، وهو
يرأس صحيفة قومية قرار تعيين رؤسائها من أعمال السيادة، ولهذا عندما تم تشكيل لجنة
عرفية لاستقبال طلبات المتطلعين للمناصب في هذه المؤسسات أحجم ياسر رزق عن التقدم
لها بطلبه للاستمرار، لأنه يدرك أنه إن لم يبق في موقعه بقرار من المشير، فلن يُبق
عليه الحكم الإخواني بعد كل ما فعل!
وقد رُفض طلب المشير في استمراره، مع أن الرئيس مرسي كان
في بداية توليه مهام منصبه، والأصل ألا يفتعل مشكلات مع المجلس العسكري لا سيما
وأن الطلب في حدود استمرار رئيس تحرير في موقعه وليس من الأمور الكبرى!
قد تعتبر رسالة ياسر رزق للتخويف، لكن السوابق ومن مذابح
الحرس الجمهوري إلى المنصة تعزز من اتجاه الفض بالقوة، فكيف لإدارة الاعتصام لم
تضع هذا الاحتمال في تصورها لتضع خياراتها حتى مع استمرار الاعتصام؟!
لقد بدا الفض بهذه القسوة مفاجأة لها، كما العامة تماما،
ولهذا كان الهروب غير المنظم، فما معنى أن يختبئ المرشد العام في شقة مملوكة لنائب
إخواني، من المؤكد أنه سيكون على قوائم الاعتقال؟!.. والأمر نفسه بالنسبة للدكتور
محمد البلتاجي، وغيره، والذي هرب لشقة مملوكة لنائب إخواني معروف، كان مطلوبا أيضا.
لقد اعتذر د. مراد علي، لكل أسرة فقدت عائلها، ولكل أم
فقدت ابنها، للخطأ في التقدير ولسوء الإدارة.
يا لها من محنة!
x.com/selimazouz1