نشرت صحيفة "
إندبندنت" البريطانية، تقريرا، أعدّته بيل ترو، قالت فيه إن "فلسطينيين لا تزيد أعمارهم على الـ12 عاما، تستخدمهم إسرائيل دروعا بشرية، وترسلهم للتحقّق من الشّوارع والبيوت والأنفاق، وأحيانا تُجبرهم على ارتداء زي المسلحين".
وبحسب التقرير، الذي ترجمته "عربي21" فإن "طفلا فلسطينيا عمره 12 عاما، كان يشهق ويرتعد حين أجبره الجنود الإسرائيليون، وأبناءَ عمّه على الجلوس وليس عليهم إلاّ ملابسهم الداخلية، وكيف أجبروا تحت السلاح على أن يكونوا دروعا بشرية".
وأوضح أنه "حدث هذا في حي التفاح بمدينة
غزة، في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2023. وبعدما أصدرت إسرائيل أوامر الإجلاء؛ فقد أخذ الرجال والأولاد للبحث عن ملجأ. أما النساء والأطفال فقد تركوا في البيت، عندما داهم عشرات الجنود الإسرائيليين بنايتهم".
ونقلت صحيفة "
إندبندنت"، عن شادي (اسم مُستعار) قوله: "شعرنا بالخوف عندما دخلوا، وكنّا نصرخ وحاولنا الهروب من غرفة إلى أخرى والاختباء"، مضيفا أنهم "أخذوا مجموعة منا، أنا وأولاد عمي وعصّبوا عيوننا وقيّدوا أيدينا، وشعرت بالخوف الشديد وكنت أرتجف وكانت والدتي تصرخ ولكنها لم تستطع عمل أي شيء، وكانوا يقفون فوقنا مشهرين أسلحتهم".
وتحدّثت الصحيفة البريطانية، عبر الهاتف مع اثنين من الأطفال الغزّيين، ممّن تتراوح أعمارهم بين 11 و16 عاما، وتحدّثت أيضا مع عائلتيهما، وقالا إنهما تعرضا للضرب وهُدّدا بالكلاب وجُرّدا من ملابسهما، إلاّ الداخلية، رغم الأجواء الشديدة البرودة.
ويقول أحمد (اسم مُستعار)، وهو ابن عم شادي البالغ من العمر 16 عاما: "أخذونا ووضعونا على الطريق أمام سياراتهم ثم سألونا إذا كنا نعرف أيا من المسلحين الفلسطينيين". مشيرا إلى أن الأطفال تعرضوا للضرب عدة مرات وهاجمهم الجنود بالكلاب قبل أن يجبروا على السير أمام الجنود، وتفتيش المنازل بحثا عن مسلحين في غزة.
من جهته، تابع شادي: "كنّا معصوبي الأعين وأيدينا مقيدة خلف ظهورنا. كانوا يدفعوننا للذهاب إلى هنا، قائلين: اذهبوا يمينا، اذهبوا يسارا، افتحوا هذا الباب، وادخلوا إلى هناك؛ كنّا خائفين جدا ونحسب أننا قد نقتل في أي لحظة. كانوا يضربوننا بأسلحتهم ويطلبون منا الاستمرار في الحركة".
وعندما طُلب من جيش الاحتلال الإسرائيلي، التعليق عن هذه الشهادات، قال: "إن الأوامر والتوجيهات الصادرة عن جيش الدفاع الإسرائيلي تحظر استخدام المدنيين الغزيين الذين يتم أسرهم في الميدان في مهام عسكرية تعرضهم للخطر".
إلى ذلك، قابلت الصحيفة مدنيا ثالثا يبلغ من العمر 20 عاما، ونزح من الشمال، وصف كيف تمّ اعتقاله تعسفيا إلى جانب أكثر من اثني عشر فلسطينياً في حزيران/ يونيو، ويقول إنه "أُجبر على تفتيش المنازل والطرق على مدار 15 "مهمة" خلال فترة أسبوعين".
وأضاف أنه أُجبر على ارتداء زي عسكري إسرائيلي، وكاميرا على صدره، وبالتالي نجا بأعجوبة من إطلاق النار عليه من قبل الجانب الفلسطيني. ووصف كيف طلب من مجموعات فلسطينيين مكوّنة من اثنين أو ثلاثة أشخاص لتنظيف المنازل والطرق بحثا عن أنفاق على مسافة 100 متر أمام الجنود الذين كانوا يوجهونهم عبر ميكروفونات طائرات عسكرية رباعية المراوح.
وأشارت
الصحيفة إلى أن ميثاق جنيف يحظر استخدام المدنيين كدروع بشرية. فيما تقول بلقيس ويلي، من منظّمة "هيومن رايتس ووتش": "إن استخدام المدنيين دروعا بشرية يشير إلى استخدام وجود المدنيين عمدا لتحصين القوات أو المناطق العسكرية ضد الهجمات".
وأضافت: "تحظر قوانين الحرب استخدام المدنيين لحماية الأهداف العسكرية، بما في ذلك المقاتلون الأفراد، من الهجمات".
وفي رد على أسئلة الصحيفة، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي، إنه حوّل مزاعم استخدام الدروع البشرية إلى السلطات المختصة لفحصها، دون تقديم أي تفاصيل أخرى. فيما رفض الجيش التعليق على ما إذا كان سوف يتم إجراء تحقيق محدّد في استخدام الأطفال.
وبحسب الأمم المتحدة، فقد احتجزت دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل تعسّفي آلاف الفلسطينيين، بما في ذلك الطاقم الطبي والمرضى والسكان الفارون من الصراع، فضلا عن المقاتلين الأسرى. وتعرّض العديد منهم للتعذيب وسوء المعاملة. وتتطابق المقابلات التي أجرتها "الإندبندنت" مع شهادات قدامى المحاربين الذين قدموا إلى منظمة "كسر الصمت"، وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية تضمّ جنودا سابقين وتوثّق الانتهاكات العسكرية.
وكشفت منظمة "كسر الصمت"، أن "استخدام الدروع البشرية لا يقتصر على حوادث معزولة قليلة أو قائد يتصرف وفقا لنزواته". فيما جاء في بيان، صدر خلال الأيام الأخيرة: "تؤكد الشهادات أن هذا الاستخدام منهجي ومنهجي في طريقة قتال الجيش الإسرائيلي في غزة".
ويقول نداف فايمان، وهو جندي إسرائيلي سابق ونائب مدير منظمة "كسر الصمت": "أفاد شاهدنا الأول أنهم استخدموا وسيلة الدروع البشرية في كانون الأول/ ديسمبر؛ وكان آخرها قبل أسبوعين، وهذا يحدث في كل مكان بين وحدات المشاة العادية، وليس فقط بين القوات الخاصة".
ووصف بأنه "إجراء واسع الاستخدام"، قائلا إن "الشهادات التي لديهم تشير إلى نمط يقوم على تجميع الفلسطينيين عند نقاط التفتيش في الممرات الإنسانية أو أثناء تنقلهم هربا من المناطق"، مضيفا أنه "منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لم يعد هناك ضوابط. والطريقة التي يعمل بها الجيش الإسرائيلي داخل غزة، بأوامر لم نكن نعتقد أننا سنسمعها على الإطلاق، أصبحت أكثر صرامة وقوة".
وأبرزت
الصحيفة البريطانية، أن "هذا جزء من نزع الإنسانية عن الفلسطينيين والمستمرة منذ عدة سنين، ووراءها اعتقاد بأن حياة الجندي أهم من حياة المدني العدو. ففي تموز/ يوليو بثّت قناة الجزيرة القطرية، صورة لفلسطينيين بعضهم في زي عسكري، يتم إرسالهم إلى مبان مدمرة. ووثقت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نفس الممارسة، حتى إن الجنود أطلقوا على الفلسطينيين الذين أجبروا على القيام بذلك لقب "الشاويش"، وهو مصطلح عامي يعني الرقيب".
ويقول محمد، ذو الـ20 عاما، الذي أجبر على الفرار من مخيم جباليا في شمال غزة، لصحيفة "إندبندنت" إنه احتجز تعسّفيا من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في حزيران/ يونيو، لمدة سبعة أسابيع، وخلال تلك الفترة تم استخدامه كدرع بشري في 15 مناسبة منفصلة.
ويقول محمد إنه اعتقل على يد جنود إسرائيليين من جنوب غزة، حيث ذهب لشراء بعض الأشياء من أجل بيعها وإعالة أسرته. وفي ذلك اليوم، يقول إن جيش الاحتلال الإسرائيلي قام باعتقال أكثر من عشرة رجال فلسطينيين، من بينهم محمد. وقد تمّ تقييدهم بالقيود وتعصيب أعينهم، كما يقول، ومُنعوا من الطعام المناسب لمدة ثلاثة أيام.
"بعد التحقيق، أخذونا إلى معسكر كبير للجيش في محور فيلادلفيا، تحت التهديد والضرب، لمدة أسبوعين" تابع المتحدّث، مبرزا أنه في إحدى المرات قام الجنود بالتبول عليهم، كما قال. ثم طلب منهم العمل حيث أجبروا على ارتداء كاميرات وزي عسكري وتابعت حركتهم مروحية عسكرية من أربع مراوح قامت بتوجيههم عبر مكبر الصوت.
ويقول إنهم كانوا يتناولون الخبز فقط، ولكن في "أيام المهمات" كانوا يحصلون على علبة تونة. وكانت "مهمته" الأخيرة في بداية آب/ أغسطس عندما قال إن الجنود أيقظوه في الخامسة صباحا وضربوه ثم أجبروه على تصوير دبّابة هجرها الجيش.
ويقول إنه رفض في البداية، لكنه أجبر تحت تهديد السلاح على المضي قدما، وعندما تردّد قال إنه أصيب برصاصة في صدره، ما أدى إلى إصابته بإصابة خطيرة في الرئة وكسور في الضلوع. وقد أغمي عليه واستيقظ في مستشفى عسكري في جنوب الاحتلال الإسرائيلي. وبعد فترة وجيزة تم إطلاق سراحه، وأعيد إلى غزة.
يقول: "الأولاد في مدينة غزة، استخدموا لمدة نصف يوم، ثم ألقوا بهم في نهاية المطاف في جزء آخر من مدينة غزة، عندما انتهى الجنود منهم. وساروا في وسط القتال إلى مستشفى الشفاء، وهو أكبر منشأة طبية في مدينة غزة، وطلبوا المساعدة. وتمت إعادتهم إلى أسرهم المرعوبة في النهاية".
ويتابع أحمد: "كان والداي خائفين للغاية عندما تم أخذنا ولم يسمعوا شيئا وكانت والدتي سعيدة للغاية عندما عدت". فيما يقول شادي إنه استغرق شهرا كاملا "لفهم ما حدث" له. ويقول والده، الذي تحدث أيضا إلى صحيفة "الإندبندنت" عبر الهاتف، إن ابنه يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة.
ويقول شادي: "كنت أذهب إلى الحمام طوال الوقت، كنت خائفا جدا من الذهاب بمفردي. أحلم أن يأتي الجنود ليأخذوني ويضربوني"، مضيفا أنّ كل ما يمكنه فعله الآن هو الدعاء لوقف إطلاق النار. ورسالتي هي: "آمل أن تنتهي الحرب، حتى أتمكن من أن أكون سعيدا وحرا".