نشر موقع
تشاتام هاوس مقالا للزميل المشارك في برنامج
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نيل قويليام، قال فيه إن
الانتخابات البرلمانية
الأردنية الأخيرة هي الأكثر أهمية منذ عودة الديمقراطية إلى الأردن عام 1989.
وأظهرت نتائج أولية نشرتها الهيئة المستقلة للانتخابات، تقدم حزب جبهة العمل الإسلامي في القائمة الوطنية للأحزاب.
وقال إن الانتخابات أجريت هذه المرة على خلفية الحرب في
غزة والضم الإسرائيلي الزاحف للضفة الغربية والاقتصاد
الراكد.
ومع أن الملك هو صاحب القرار النهائي ويملك سلطة شبه
مطلقة إلا أن البرلمان لا يخدم فقط وظيفة تشريع وتمرير القوانين ولكن شرعنة النظام السياسي، وبخاصة في أزمنة التوتر المحلي
والإقليمي.
وعلى السطح يبدو أن الملك يتخذ قرارا جريئا ويرغب في
إظهار التزام بلاده بالديمقراطية، إلا أن نظرة أقرب تكشف أن الانتخابات محسومة
وستؤدي في النهاية إلى برلمان داعم للسياسات الحكومية. ومن اللافت للأمر دعوة
الهيئة المستقلة للانتخابات في الأردن في هذا الوقت، وبمباركة من الملك طبعا، إلا
أن هذا القرار ليس مسبوقا، فانتخابات عام 2001 والتي أجلت بسبب الانتفاضة الثانية
عقدت في عام 2003 وهو نفس العام الذي قادت فيه الولايات المتحدة غزوا على العراق.
ولكن التوقيت يقترح أن الأحزاب الإسلامية قد تكون
المستفيد الأكبر من الانتخابات، فهي في وضع جيد لاستثمار الغضب العام ضد إسرائيل. وقد
نظمت هذه احتجاجات مستمرة ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، واستخدمت في حملاتها الانتخابية
شعار "كلنا
حماس".
وأشار الكاتب إلى استطلاع أجراه معهد واشنطن لدراسات
الشرق الأدنى في كانون الأول/ ديسمبر 2023 كشف أن نسبة 85% من الأردنيين عبروا عن
مواقف متعاطفة مع حماس، وهي قفزة نوعية عن نتائج استطلاع عقد في عام 2020 وعبرت فيه
نسبة 44% من المشاركين عن مواقف إيجابية من الحركة. وربما كانت هذه بشارة خير
لجبهة العمل الإسلامي، الحزب الذي يمثل حركة الإخوان المسلمين في الأردن، والذي لا
يدعم حماس فقط، ولكنه يدعو لإلغاء معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية.
وأضاف الكاتب
دليلا آخر عندما أشار إلى استطلاع الباروميتر العربي في عام 2023، وكشف أن نسبة
49% من المشاركين تدعم زيادة في دور الدين
بالسياسة، بزيادة واضحة عن استطلاع أجري قبل ذلك بعام.
وقال قويليام إن جبهة العمل الإسلامي تدعو إلى أجندة
اجتماعية وسياسية تتعارض مع مواقف الملك المعتدلة والبراغماتية، وتحديدا في ما يتعلق بالعلاقة مع الغرب وإسرائيل. وعليه،
فحضور قوي في البرلمان يعني تشجيعا للأصوات الإسلامية. وقد يؤدي هذا إلى تبني
سياسات أكثر تحفظا تنفر حلفاء الأردن الغربيين، الذين تعتمد عليهم المملكة للحصول على
الدعم المالي.
ويقول الكاتب إن الحكومة تبدو، في الظاهر، وكأنها
تقوم بمخاطرة تؤدي إلى فوز جبهة العمل الإسلامي بعدد أكبر من المقاعد في مجلس
النواب، وهو منظور عمل الحكومة لمنعه على مدى العقود الماضية.
ولكن نظرة فاحصة،
تعطي فكرة أن العادات القديمة من الصعب أن تموت، فالقانون الانتخابي الجديد
والتعديل الذي أقر عليه في بداية شباط/ فبراير من هذا العام سيحد من نجاح جبهة
العمل الإسلامي في صناديق الاقتراع، مهما كانت شعبية الحزب.
وهذه ليست المرة الأولى التي تم فيها تعديل قانون الانتخاب
وأعيد فيه تشكيل المشهد الانتخابي. وأقرت
الحكومة منذ عام 1989 سلسلة من القوانين الانتخابية وقوانين الأحزاب التي هدفت
للحد من تأثير جماعة الإخوان المسلمين.
وعملت هذه القوانين على الحد من تأثير نواب العشائر
في المجلس. ففي الكثير من الأحيان أدى الأداء القوي للعشائر الأردنية في البرلمان لهيمنتها على النقاشات السياسية، وبالتالي إحباط
أجندة الإصلاح التي يتبناها الملك.
ومنذ توليه منصب الملك في عام 1999، عبر الملك عبد
الله الثاني عن رغبة واضحة بأنه يريد إعادة تشكيل المناخ السياسي الأردني
والتحرك بعيدا عن السياسات المرتبطة
بالدين والعرق والقبيلة والتحرك نحو أسلوب في الحكم يشبه أسلوب ويستمنستر (الأسلوب
البريطاني) الذي تقدم فيه الأحزاب سياسات يمين ويسار ووسط.
وفي هذه المرة، فقانون الانتخابات وقانون الأحزاب
السياسية، أعطى بعض الأمل بالنسبة للنساء والشباب، وقلل من حظوظ الأحزاب الإسلامية. فأكثر
من 54% من السكان هم دون سن الخامسة والعشرين، وبالتالي فإن الإصلاحات من شأنها أن
تجعل البرلمان أكثر تمثيلا، مع أن افتراض الحكومة أن الشباب سيصوتون للأحزاب الليبرالية
والعلمانية، افتراض فيه خلل. وقد تم تصميم
القوانين لزيادة مشاركة الشباب والنساء في العملية السياسية وتغيير الأحزاب
السياسية من جماعات تتمحور حول شخصيات مؤثرة إلى منظمات تركز على السياسات.
ويشترط القانون الجديد أن تتضمن قوائم الأحزاب السياسية
امرأة واحدة على الأقل بين المرشحين الثلاثة الأوائل وأخرى بين الثلاثة التاليين. وبنفس
السياق، ينص القانون على أن تتضمن قوائم الأحزاب السياسية مرشحا واحدا على الأقل يبلغ
من العمر 35 عاما أو أقل بين المرشحين الخمسة الأوائل.
وبعيدا عن هذا، فقد باتت الإجراءات المتعلقة بإنشاء الأحزاب
السياسية أكثر صرامة وتتطلب ما لا يقل عن 1000 عضو مؤسس، منهم 20% نساء و20% تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما. وينص القانون أيضا
على أن الأحزاب يجب أن تمثل ست محافظات على الأقل في الأردن.
ومن هنا فإنه يعمل القانون الجديد على فتح مساحة سياسية
أمام الأحزاب الصغيرة والتحالفات الاجتماعية، مما يحرم جبهة العمل الإسلامي من
الميزة التي تمتعت بها تقليديا بأنها واحدة من أكثر القوى السياسية الأردنية قدرة
على التنظيم.
وربما احتاج القانون الجديد لوقت من أجل تغيير المشهد
الانتخابي والبرلمان القادم، لكن مدى التغيير سيظل غير واضح. وعليه، فقد جاء التعديل
الذي أقره البرلمان في شباط/ فبراير من هذا العام من أجل سد أي ثغرة ظلت مفتوحة
أمام جبهة العمل الإسلامي لاستغلالها.
يضاف إلى هذا، أن تعديل المادة 49 من القانون ينزل العتبة
الانتخابية للقوائم الانتخابية المحلية ويخفض نسبة الأصوات المطلوبة للقائمة للحصول
على مقعد في الدوائر المحلية إلى حوالي 1%. وهذه الخطوة تجعل من السهل على الأحزاب
والائتلافات السياسية الأصغر والأقل رسوخا التنافس مع الأحزاب القوية المرتبطة بجماعة
الإخوان المسلمين، وخاصة في المناطق ذات الحضور السياسي الإسلامي القوي مثل عمان والزرقاء
وإربد.
ويعتقد الكاتب أن القانون الانتخابي هو خطوة صغيرة على طريق تحقيق رؤية
الملك التحرك نحو ديمقراطية تشبه أسلوب ويستمنستر في الأردن. فالقانون الجديد يشجع
المزيد من النساء على المشاركة في العملية الديمقراطية ويزيد من حجم الناخبين من خلال
تخفيض سن الترشح ويمنح حق التصويت للشباب المنخرط في العمل السياسي ويسمح بتشكيل أحزاب
وائتلافات سياسية جديدة، وهو ما قد يكسر قبضة الأحزاب المحافظة التقليدية التي يهيمن
عليها الذكور. وهذه هي النقطة الأساسية ــ أن القانون يهدف مرة أخرى إلى إحباط فرص
جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات.