على وقع التصعيد الإسرائيلي في لبنان، واغتيال عدد من قادة حزب الله اللبناني، وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصر الله، فتحت فصائل مسلحة عراقية باب التطوع للقتال على الأراضي اللبنانية، وزادت من وتيرة إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل.
وفي الوقت الذي تعلن فيه هذه الفصائل بشكل يومي إطلاق صواريخ ومسيرات ضد
الاحتلال الإسرائيلي، فإن حركة "الجهاد البناء"
العراقية، أعلنت في محافظة البصرة جنوب العراق، تشكيل لواء "جهاديون" وفتح باب التطوع للقتال دفاعا عن الأراضي اللبنانية.
وبالتزامن مع ذلك، أصدر المرجع الشيعي في العراق، علي السيستاني، الاثنين، بيانا طالب فيه بـ"بذل كل جهدٍ ممكن لوقف هذا العدوان الهمجي المستمر وحماية الشعب اللبناني من آثاره المدمرة"، والذي اعتبره مقربون من الفصائل بأنه بمثابة ضوء أخضر للجهاد.
"تفسيرات مختلفة"
تعليقا على ذلك، قال الكاتب وأستاذ الإعلام في العراق، عقيل عباس، إن "بيان السيستاني لا يؤشر أو حتى يفسح المجال لأي عمل عسكري، لأنه تحدث عن جوانب إنسانية، لكن بعض الفصائل المسلحة تريد أن يعقب هذا شيء يفتح باب الجهاد الكفائي".
وأضاف عباس لـ"عربي21" أن "بعض المقربين أو المنتمين للفصائل العراقية، أخرجوا تغريدات توقعوا فيها أن هذا البيان يمهّد لإعلان السيستاني الجهاد الكفائي، لكنه لم يفعل ذلك، ولا أعتقد أن الفصائل ستشارك بأكثر مما تقوم به الآن، بقصف هناك وهناك".
وتابع: "أما الذهاب والمشاركة بآلاف العناصر، فإن هذا الأمر غير ممكن باعتقادي، لأن سوريا لا يمكن لها أن تفتح باب الجولان لهم، إضافة إلى أن الفصائل العراقية ليست مستعدة، فهي ليست بتنظيم وقدرات وانضباط حزب الله اللبناني".
وأكد الخبير العراقي أن حزب الله منظم ودقيق ويعمل بشكل هرمي كأنه جيش، بينما الفصائل العراقية "متناثرة" وقدراتها العسكرية مختلفة صعودا ونزولا، وأن ثقة
الإيرانيين بها ليست بثقتها في حزب الله، على حد تعبيره.
وبيّن أنه مع كل الميزات التي لدى حزب الله، إلا أنه يواجه تحديا كبيرا مع إسرائيل بسبب الاختراق الاستخباري، و"الضربات الجوية المؤلمة".
من جانبه، رأى الخبير الأمني العراقي، سرمد البياتي، أن "بعض المحللين المقربين من الفصائل فسروا بيان المرجع السيستاني بأنه بمثابة ضوء أخضر للمشاركة في قتال حزب الله ضد إسرائيل، وهذا تفسيرهم فقط".
وأوضح البياتي لـ"عربي21" أن "المرجعية ومنذ سنوات دائما ما كانت بياناتها غير واضحة وتحتمل التأويلات والتفسيرات المختلفة، باستثناء بيان الجهاد الكفائي إبان القتال ضد تنظيم الدولة عام 2014 الذي كان واضحا وصريحا".
ولفت إلى أن "المرجعية الدينية لو كانت تريد الحث على القتال في لبنان لكانت أعلنت ذلك بشكل صريح أن على المسلمين الاتجاه إلى جبهات القتال، وأننا في مرحلة جهاد كفائي مع إسرائيل".
وأوضح أن كلمات السيستاني، أصبحت مثارا للتأويلات، وفسرها كل طرف بما يريده هو، لكنه لو أراد أن يصرح بشيء يتعلق بالجهاد لقاله بشكل واضح بدون تردد أو خوف من أحد، على حد تعبيره.
"تمهيد للجهاد"
وفي المقابل، فسّر بيان السيستاني، النائب عن كتلة "حقوق" البرلمانية، التابعة لـ"كتائب حزب الله" العراقي، حسين مؤنس، عبر منصة "إكس" بأنها "استعداد لفتوى جهاد كفائي جديدة"، مؤكدا في الوقت نفسه بأنهم "على استعداد لتلبية هذا النداء مرة أخرى ومرات عدة".
وعند اجتياح تنظيم الدولة للعراق وسيطرته على ثلث مساحة البلد عام 2014، أعلن السيستاني، "الجهاد الكفائي" لمقاتلة التنظيم، حيث تشكلت بناء عليه قوات الحشد الشعبي من مجموعة من فصائل مسلحة كان العديد منها يقاتل في سوريا إلى جانب نظام بشار الأسد.
من جهته، قال السياسي العراقي، علي فضل الله، إن بيان "المرجع الديني الأعلى في العراق علي السيستاني بشأن ما يجري في لبنان هو إعلان جهاد كفائي، وإن لم تكن الفتوى صريحة، لكن البيان أشار لعبارة مهمة جدا: (إيقاف الهجمات الوحشية للكيان الصهيوني)".
ونقلت وكالة "بغداد اليوم"، الثلاثاء، عن فضل الله، قوله: "من حيث المنطق يجب مواجهة هذه الهجمات بهجمات، وهذا يعد تصريحا من قبل المرجع الأعلى لمقاومة الاحتلال الصهيوني بأي جهد ممكن سواء عسكريا أو لوجيستيا وغيره".
وأشار إلى أن "بيان السيستاني أعطى شرعية كبيرة جدا لفصائل المقاومة الإسلامية لمواجهة الاحتلال الصهيوني بالمواجهة العسكرية والأمنية، والبيان كان بمثابة فتوى جهاد كفائي، والحكومة العراقية وغيرها لا يمكن أن تمنع أي أحد من تكليفه الشرعي".
حرب مستبعدة
وعن مدى الدخول في حرب مع إسرائيل، قال الخبير الأمني سرمد البياتي، إن "العراق يرتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وربما يُعلن تحول العلاقة بينهما من تحالف دولي إلى علاقات ثنائية أمنية مستدامة، لذلك لا أتوقع دخول العراق في حرب مع إسرائيل".
وأشار إلى أن "ما يجري الآن عبارة عن قصف متبادل حتى في لبنان، فهناك طرف يقصف والآخر يرد، بمعنى لن تكون هناك حرب بمعناها الحقيقي من تلاحم جيوش مع بعضها، لذلك حتى إذا صار شيء فإنه يقتصر على ضربات بين الفصائل وإسرائيل، ولا يتطور إلى قتال بري حتى تسمى حربا".
بدوره، قال أستاذ الإعلام عقيل عباس، إن "اجتماعا للفصائل عقد قبل نحو شهرين في إطار ما يسمى بـ(وحدة الساحات) بحضور ضابط بالحرس الثوري الإيراني، وجرى الحديث عن مدى تقديم الفصائل العراقية المساعدة لحزب الله إذا هاجمته إسرائيل، وكانت النتيجة أنه لا مشاركة".
وأشار إلى أن "حزب الله نفسه لم يُرد شيئا من هذا القبيل كونه لا يحتاج إلى مقاتلين، الأمر الآخر فإن مجيء مليشيات عراقية بأعداد كبيرة إلى لبنان وكيفية استيعابهم أمر صعب، ويسبب للحزب مشكلات داخلية، لأن عليه أيضا ضغوطا في الداخل اللبناني".
ولفت عباس إلى أن "الفصائل العراقية تبالغ بالحديث أن لديها مئة ألف ومستعدون للذهاب، فهذه مجرد إعلانات، فمن كان يمتلك هذا العدد من المقاتلين يذهب لاستخدامهم ولا يعلن ذلك في تغريدة".
وفي 20 سبتمبر/ أيلول الجاري، وجّه أمين عام "كتائب سيد الشهداء" العراقية، أبو آلاء الولائي، رسالة عبر منصة "إكس" إلى زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، تعهد فيها بأنه مستعد لمده بمئة ألف مقاتل، وأنه ينتظر فقط إشارة منه حتى "يرفع عن نهر الرجال بوابة الانتظار".