كشف تحقيق عن مساعدة
الاتحاد الأوروبي لتركيا في ترحيل اللاجئين السوريين لديها إلى بلادهم، على الرغم من قيامه في أعقاب أزمة اللاجئين عام 2015 بضخ مليارات اليوروهات إلى أنقرة للحد من الهجرة، وقدم لها 11 مليار يورو للمساعدة في توفير الملجأ والتعامل مع 4 ملايين لاجئ فروا من
سوريا والحرب الأهلية المدمرة فيها.
وبحسب التحقيق الذي نشرته مجلة "
بوليتيكو" وترجمته "عربي21"، فإن المساعدات المالية المشار إليها، تمثل أكبر جهد إنساني يقوم به الاتحاد الأوروبي في تاريخه، لكن الهدف ليس خيرا وتقديم الإحسان، بل لتقليل عدد طالبي اللجوء إلى الكتلة الأوروبية والتأكد من بقائهم في
تركيا، وتضم المساعدات المالية مليار يورو لتأمين الحدود.
إلا أن أنقرة، وفقا للتقرير، تعبت على ما يبدو من لعب دور مخزن أوروبا للاجئين. ففي السنوات الأخيرة، بدأت الحكومة التركية في استخدام قدر كبير من البنية الأساسية الممولة من الاتحاد الأوروبي للحد من عدد طالبي اللجوء الذين تستضيفهم من خلال جمع السوريين والأفغان وغيرهم ممن يواجهون خطرا في بلدانهم الأصلية وترحيلهم قسرا، وذلك حسب تحقيق أجرته "بوليتيكو" وثماني مؤسسات إخبارية أخرى بالشراكة مع منظمة "لايت هاوس ريبورتس" الحقوقية والمعنية بتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون.
وأضافت المجلة، أنه مع تصاعد العداء ضد اللاجئين في أوروبا أولا ثم في تركيا، تحولت مراكز الاستقبال إلى معسكرات ترحيل. وقال المحتجزون إنهم تعرضوا للتعذيب والإهمال وحرموا من الوصول إلى الإمدادات التي يمولها الاتحاد الأوروبي والتي تهدف إلى تحسين الظروف. والآن، تطارد المركبات المزينة بشعار الاتحاد الأوروبي الأزرق والذهبي والنجمة والهلال التركي المهاجرين غير المسجلين، وفي حالة واحدة على الأقل، نقلتهم عبر الحدود رغما عنهم.
وأشارت المجلة، إلى حالة سامي وهو مهاجر سوري كان في مركز استقبال ممول من الاتحاد الأوروبي، بمدينة شانلي أورفا جنوبي تركيا، ولكنه عندما مرض بعد وقت قصير من وصوله هناك لم يقدم له العلاج. وبحلول شهر آذار/مارس، تدهورت حالته الصحية بحيث لم يعد قادرا على المشي، وأظهرته لقطات تم تصويرها في شمال سوريا بعد ترحيله، شابا هزيلا وخدوده غائرة.
ويتذكر سامي ذلك بالقول: "دخلت شانلي أورفا ووزني 73 كيلوغراما، وعندما غادرت، كان وزني 44 كيلوغراما". وكشف التحقيق أن المفوضية الأوروبية، وهي الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي المسؤولة عن الإشراف على التمويل المخصص لتركيا، تجاهلت مرارا وتكرارا التحذيرات، من مؤسسات المجتمع المدني والمحامين والدبلوماسيين وحتى موظفيها، والتي تشير إلى أن أموال الاتحاد الأوروبي تستخدم لدعم نظام الترحيل الذي يطرد عشرات الآلاف من طالبي اللجوء.
وقالت المجلة، إن ترحيل اللاجئين إلى دول تتعرض فيها حياتهم للخطر محظور حسب القانون الدولي والأوروبي. وينظر الاتحاد الأوروبي إلى سوريا وأفغانستان كمناطق خطيرة جدا ولا يمكن السماح بعودة منظمة إليهما.
وأصدرت محكمة العدل التابعة للاتحاد، في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، قرارا بأن معاملة طالبان للنساء تشكل اضطهادا، مما يمنح اللاجئات الأفغانيات الحق في اللجوء على أساس جنسهن فقط.
وقال مسؤول سابق في المفوضية لمجلة "بوليتيكو"، "كانت هناك دائما مخاوف بشأن حقوق الإنسان" فيما يتعلق بالتمويل لتركيا، مشيرا إلى أنه أثار القضية داخليا لسنوات و"كانت سياسات الإعادة القسرية وسياسات إعادتهم تشكل مخاوف مشتركة طوال الوقت".
وعندما سئل عما إذا كانت المفوضية على علم بأن تركيا تستخدم الآن البنية التحتية الممولة من الاتحاد الأوروبي لإجراء عمليات الترحيل القسري، قال المسؤول السابق: "إنهم يعرفون، الجميع يعرف، لكنهم يغمضون أعينهم".
وأشارت المجلة إلى اتفاقية تركيا- الاتحاد الأوروبي عام 2015 والتي كانت بمثابة بداية استراتيجية تهدف إلى تحويل الدول المجاورة إلى حرس حدود الاتحاد الأوروبي. وتبع ذلك اتفاقيات الهجرة مع تونس ومصر ولبنان ودول أخرى. وأنفقت مفوضية الاتحاد في الفترة ما بين 2016 و2023، 11.5 مليار يورو لمساعدة أنقرة على استضافة السوريين وثنيهم عن السفر إلى أوروبا.
وفي البداية، تم إنفاق الأموال، التي تم صرفها في الغالب من خلال مشاريع تديرها منظمات غير حكومية على المساعدات الإنسانية الطارئة. ولكن بمرور الوقت، وجهت بروكسل المزيد من الأموال إلى برامج لتحسين الظروف المعيشية للسوريين ودمج اللاجئين في نظام التعليم وسوق العمل في تركيا.
ودخل سامي ووالدته تركيا في عام 2019. وواجه صعوبة في الحصول على الوثائق، لكن تم التسامح مع إقامتهما، ففي ذلك الوقت، منح جميع السوريين الفارين من الحرب تلقائيا "الحماية المؤقتة"، فمن النادر ما تمنح السلطات التركية وضع اللاجئ. واعتبرت أنقرة السوريين "ضيوفا"، حسب التحقيق.
وكانت هناك مشكلة واحدة فقط: تركيا، مثل الاتحاد الأوروبي، لم تكن حريصة على استضافة اللاجئين إلى الأبد. وعندما تدهور الاقتصاد بشكل حاد أثناء وباء كوفيد، وبدأ الأفغان في الوصول بأعداد كبيرة بعد سقوط كابول في أيدي طالبان في عام 2021، انفجر الاستياء الذي كان يتصاعد منذ فترة طويلة. واستغل الكثير من الساسة مسألة اللاجئين لتأجيج نيران الكراهية.
وفي انتخابات 2023، كان ترحيل أو "إعادة" اللاجئين على رأس الأجندة السياسية للمتنافسين، حيث تعهد الرئيس رجب طيب أردوغان بتنظيم المغادرة "الطوعية" لمليون لاجئ إلى "منطقة آمنة" تحتلها تركيا في شمال سوريا، وفقا للتحقيق.
وقال كمال كليتشدار أوغلو، منافس أردوغان الرئيسي آنذاك، إن حزبه سيرحل جميع السوريين في غضون عامين. وبسبب التغير في السياسة فقد أصبح المزيد من السوريين بدون وثائق وفرضت الحكومة قيودا على الأماكن التي يعيش فيها الأجانب ومنع الكثير منهم من تسجيل عناوينهم، وقد وجد سامي نفسه في الدوامة. وبحلول ذلك الوقت، كانت سلطة الحدود التركية قد تلقت 1 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي، وهو المبلغ الذي توصل إليه الصحفيون المشاركون في هذا التحقيق، حيث لا تقدم المفوضية أي تفصيل عام للأموال التي تم إنفاقها على المشاريع المتعلقة بالهجرة.
وأشارت المجلة، إلى أن بعض هذه المشاريع كانت سابقة على اتفاق عام 2016. وكجزء من الجهود المبذولة لمواءمة تركيا، المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مع معايير الكتلة، دفعت بروكسل لإنشاء أبراج مراقبة على الحدود الشرقية لتركيا.
كما وافقت على تمويل ستة "مراكز استقبال" - مواقع لإيواء وتسجيل طالبي اللجوء مؤقتا - و"مركز إبعاد" واحد، حيث سيتم ترحيل المهاجرين الذين يعتبرون أنه ليس لديهم الحق في البقاء إلى بلدانهم الأصلية. وبينما كان البناء جاريا، كانت الأولويات تتغير.
وتحت الضغط لمنع السوريين من السفر نحو الاتحاد الأوروبي، اقترحت أنقرة تخصيصها لغرض مختلف. وقد تم تحويل مراكز الاستقبال الستة إلى مراكز إبعاد بناء على طلب الحكومة التركية في عام 2015، بالاتفاق مع المفوضية الأوروبية، وفقا لرسالة كتبها قسم الجوار التابع للمفوضية في عام 2022، وحصل عليها "لايت هاوس ريبورتس".
ووفقا للتحقيق، فقد وصف تقرير داخلي صادر عن المفوضية الأوروبية كيف ساعد الاتحاد الأوروبي في تمويل أعمال تحويل هذه المراكز إلى مرافق أشبه بالسجن تمنع من بداخلها من الهروب.
وكتب مؤلفو التقرير: "كانت الجدران الخارجية بارتفاع متر ونصف المتر ولم تمنع الهروب، بل على العكس من ذلك، شجعت على مثل هذه المحاولات. وعلى هذا الجدار وضعت لوحة حماية بارتفاع 4.5 متر وأسلاك شائكة. وقد انخفض معدل الهروب بشكل كبير".
ويقول سامي، إن الشرطة اعتقلته في 27 كانون الأول/ديسمبر 2023، عندما كان في طريقه لمقابلة صديق على عشاء. وأوقفه شرطي عندما سمعه وهو يتحدث العربية على الهاتف وطلب منه الهوية التركية "كيمليك" و"قلت لهم ليس لدي كيمليك، فضربني أحد الضباط بكفيه على وجهي وضربني ضابط آخر بقدمه على ظهري ويده على بطني"، وأخذ إلى مركز للشرطة ثم إلى موقع احتجاز في ضاحية توزلا بإسطنبول. وبعد يومين، نقل إلى شالني أورفا جنوب تركيا.
وبحسب وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، فإن تركيا لديها الآن 32 مركز ترحيل تتسع لنحو 20 ألف شخص. وفي مقابلة أجريت معه في آب/أغسطس، وصفها بأنها "أعظم قوة في البنية التحتية فيما يتصل بالترحيل".
ونقلت المجلة عن أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، طلب عدم الكشف عن هويته، قوله إن الاتحاد قدم الدعم المالي لـ 30 مركز ترحيل، من خلال تمويل بنائها أو تجديدها، أو توفير المعدات والموظفين والإدارة. وتظهِر الوثائق أن أموال الاتحاد الأوروبي أنفقت على كل شيء من ملابس الأطفال إلى الأسلاك الشائكة، حيث بلغ إجمالي التمويل للمراكز ما يقرب من 213 مليون يورو.