مع دخول الحرب على
غزة عامها الثاني، تزداد الأمور وضوحًا حول العقلية الاستعمارية التي يحركها بنيامين نتنياهو، ليس فقط من خلال تصريحاته الصاخبة، بل من خلال أفعاله على أرض الواقع.
ومن بين تلك الأفعال وأهمها ما عرضه في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قدّم خريطة جديدة للشرق الأوسط تكشف عن نيته إعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع مصالح إسرائيل ومخططها للتوسع ، وهذا يعني استحداث كيان شرق أوسطي كبديل عن العالم العربي والإسلامي ليمكن من خلاله إدماج إسرائيل في المنظومة الشرق أوسطية وتطبيع دول المنطقة مع الكيان الصهيوني .
فكرة
الشرق الأوسط الجديد ليست فكرة جديدة من بناة فكر نتنياهو ، فقد سبق أن تم طرح الفكرة من قبل الرئيس الصهيوني «شمعون بيريز» عام 1993م في كتابه «الشرق الأوسط الجديد»، حيث دعا فيه لفكرة شرق أوسط جديد قائم على التنمية والرفاهية كما يزعم، وتُبنى فيه العلاقات بين الدول بناء تعاقديا قائما على المصالح المادية فحسب، وبهذا يمكن تحييد الهوية الدينية والثقافية من تعامل الدول العربية مع الصهاينة..».
في شباط/ فبراير 2004، قدم الرئيس بوش إلى مجموعة الثمانية مبادرة مشروع الشرق الأوسط الكبير، ففي مقدمة مبادرته حذر بوش «من اقتراب الشرق الأوسط من الانفجار بسبب التدهور الاقتصادي والاستبداد السياسي، وخطورة ذلك على الغرب ومصالحه في المنطقة.
وتلخص الورقة إصلاح النواقص التي حددتها تقارير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية العربية عبر محاور ثلاثة: تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح، بناء مجتمع معرفي، توسيع الفرص الاقتصادية. وتقول ورقة المشروع ما نصه: «فالديمقراطية والحكم الصالح يشكلان الإطار الذي تتحقق فيه التنمية».
ورأى الهويريني أن «من نافلة القول لمن خبر السياسة الأمريكية أن يدرك أن هذه شعارات يراد تحقيقها بحسب الفهم الغربي لها، وفي باطنها الأهداف الحقيقة للمشروع، والتي يمكن إيجاز أبرزها في ثلاث نقاط:
أولا :- إعادة تشكيل وترتيب أوضاع المنطقة لتقبل النموذج الليبرالي عبر الديمقراطية الغربية.
ثانيا :- تهيئة المنطقة للعولمة، وهيمنة الشركات الأمريكية والأوروبية العابرة للقارات على اقتصاد المنطقة.
ثالثا:- دمج وتطبيع دولة الصهاينة مع العالم العربي في كيان شرق أوسطي.
الحديث الغربي عن نشر الديمقراطية والحريات في العالم العربي لا يعدو أن يكون سوى أداة لتحقيق الأطماع الاستعمارية الجديدة
الحديث الغربي عن نشر الديمقراطية والحريات في العالم العربي لا يعدو أن يكون سوى أداة لتحقيق الأطماع الاستعمارية الجديدة، ولهذا فهي تخضع في حجم توظيفها للأجندة الغربية، فالغرب عندما أراد الانقضاض على النفط الليبي قام بتوظيف شعارات الديمقراطية للتدخل العسكري في ليبيا وإسقاط القذافي، ولكنه الغرب نفسه لا يريد التدخل في سوريا، ومع تزويد كافة الأطراف المتحاربة بالسلاح بما يتيح تدمير سوريا – وهي إحدى دول الطوق – والتمهيد لتقسيمها، وهو الهدف الاستراتيجي».
أبرز
مخططات التقسيم المقترحة، مقال نشرته مجلة آرمد فورسس (القوات المسلحة الأمريكية) في حزيران/ يونيو 2006م، للجنرال المتقاعد رالف بيترز بعنوان (حدود الدم، كيف يبدو الشرق الأوسط بصورته الأفضل)، واصفا ذلك المقال بأنه «طبعة حديثة لمشروع تقسيم العالم الإسلامي الذي نظّر له المفكر الصهيوني برنارد لويس الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية..»
نظرية تقسيم العالم العربي، بآراء باحثين ومحللين أمريكيين وإسرائيليين، كرئيس تحرير صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية «ألوف بن»، والباحثين الأمريكيين فرانك جاكوبس وباراج خانا التي تتضمن شواهد كإرهاصات بين يدي تقسيم المنطقة.. وقد اعتنى المحللون والباحثون كثيرا بشرح نظرية «الفوضى الخلاقة» باعتبارها دليلا قويا على تقسيم المنطقة، وتم تعريفها بأنها «حالة جيوبوليتيكية تعمل على إيجاد نظام سياسي جديد وفعال بعد تدمير النظام القائم أو تحييده».
وبحقيقة كل ما يجري في الشرق الأوسط اليوم من تغيرات وتفاعلات لا يعطي مؤشرات يقينية لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في المنطقة على المدى القريب؛ فهناك سيولة كبيرة، وأطراف عديدة، ومصالح متباينة، وقوى متداخلة ومتصارعة، وتعقيد كبير لن يحلها التعاطي الأميركي ذاته مع الأحداث كما تعود صانع القرار الأمريكي منذ عقود؛ فهناك بؤر قد تتفجر بطريقة لا يمكن السيطرة عليها.
وهناك تغيرات ومفاجآت قد تظهر بين لحظة وأخرى، كما أن هناك تحالفات لن تستطيع أميركا منعها، في وقت بات الجميع فيه يبحثون عن موطئ قدم في عالم يسير بسرعة متزايدة نحو تعدد الأقطاب ومع تعدد القوى والأقطاب فان مشروع الشرق الاوسط الجديد لن يتحقق وفق المرسوم والمخطط الاسرائيلي.
الدستور الأردنية