حدّد جيش الاحتلال الإسرائيلي، عددا من الممرّات التي وصفها بـ"الآمنة" كي يعبر من خلالها النازحون الفلسطينيون ممّن غادروا مراكز الإيواء شمال قطاع
غزة، غير أنها لم تكن كذلك، حيث طالها سيف التهديدات، وكانت محفوفة بالأهوال والموت والمخاطر.
تحوّلت الممرات التي تمتد من شمال إلى جنوب قطاع غزة الذي يتعرض لإبادة وتطهير عرقي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 18 يوما، إلى ما بات يُعرف بـ"مصيدة" استهدف خلالها الاحتلال الفلسطينيين من بينهم نساء وأطفال.
النازحون الذين سلكوا هذه المسارات مشيا على الأقدام، على الرغم من أنهم يتضورون جوعا وعطشا، إثر قطع إمدادات الطعام والمياه عنهم منذ بدء شنّ الإبادة عليهم، قبل أسابيع، إلا أنهم تعرضوا لمخاطر استهداف الاحتلال الإسرائيلي ما خلّف عددا من الشهداء والمصابين منهم.
وكشف عدد من
النازحين في حديثهم لوكالة "الأناضول" أن "الواقع أثبت كذب جيش الاحتلال الإسرائيلي فيما يتعلق بـ"المسارات الآمنة"، موضحين أنهم تعرضوا وهم يسيرون خلالها لاستهداف مباشر.
وفي السياق نفسه، كان المكتب الإعلامي الحكومي ووزارة الداخلية بغزة، قد حذّرا أكثر من مرة، من أن جيش الاحتلال ينفذ عمليات إعدام بحق المواطنين في طريق انتقالهم لمناطق الجنوب عبر الممرات الآمنة المزعومة، كذلك يتم استهداف أماكن النزوح.
وبتاريخ 6 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات قصف غير مسبوق على مخيم وبلدة جباليا وعدد من المناطق الواسعة شمال القطاع المحاصر، فيما اجتاح هذه المناطق بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها"، بينما يقول الفلسطينيون إن الاحتلال الإسرائيلي يرغب في احتلال المنطقة وتهجيرهم.
"قلة الحيلة"
ويقول ياسر حمد، وهو واحد من الواصلين إلى مدينة غزة، نازحا من مخيم جباليا برفقة عائلته المكونة من 11 فردا، بعد رحلة طويلة إنهم "قطعوا مسافة 10 كيلومترات سيرا على الأقدام".
ويتابع حمد الذي بدت عليه مشاعر الحزن والقهر: "على مدار 17 يوما رفضت عائلتي وغيرها من آلاف الأسر شمال قطاع غزة أوامر النزوح الإسرائيلية، إلى أن فرض علينا الأمر وخرجنا مجبرين من مراكز الإيواء في جباليا".
ويروي كيف أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أرسل صباح الاثنين الماضي طائرة مسيرة ثبتوا عليها مكبرا للصوت، إلى مركز الإيواء الذي كانوا يقيمون به، وأخطرهم بـ"ضرورة الخروج والاتجاه جنوبا عبر مسار محدد وآمن".
وأبرز أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أوهم النازحين بالأمان وأوعز لهم بمغادرة المكان. وبعد لحظات، استجاب النازحون وبدأوا بالتجهيز والتجمع في ساحة المركز الرئيسية حتى باغتتهم قذيفة مدفعية سقطت فوق رؤوسهم ما تسبّب باستشهاد عدد منهم وإصابة آخرين، بحسب حمد.
ويتابع: "من بين الشهداء كان نجلي أحمد، الذي لم أتمكن من وداعه أو احتضانه للمرة الأخيرة أو حتى تكفينه ودفنه كما يجب"، ويوضح الرجل المكلوم أن حمل جثة أحمد واصطحابها معه كان سيكلفه حياته بعد تهديدات الجنود بعدم الالتفات أو الاقتراب منه.
واسترسل: "خرجنا من المكان تاركين خلفنا جثثا ومصابين يطلبون النجدة دون أن نتمكن من إسعافهم"، مردفا: "في الطريق شعرت بقهر لا يطاق وكنت أبكي بحرقة شديدة على العجز وقلة الحيلة التي وصلنا إليها".
"خداع ومكر إسرائيلي"
عائلة شتات وصلت إلى مركز إيواء غرب مدينة غزة، بعد أن مرّت برحلة نزوح مفجعة أصيب خلالها 3 من أبنائها إثر قذيفة مدفعية استهدفت ممر النزوح الذي كان مليئا بالنازحين.
تقول أسمهان شتات، والدة الأطفال الثلاثة المصابين، إن الجيش أمرهم بالخروج من مركز الإيواء عبر المسار الذي ادعوا أنه آمن. موضحة: "فاجأنا الاحتلال خلال التزامنا السير عبر المسار الآمن بالقصف، فأصيب 3 من أبنائي بجروح طفيفة إثر قذيفة مدفعية سقطت على بعد أمتار من مكان سيرنا".
وتابعت بأن عددا من النازحين أيضا أصيبوا بجراح مختلفة بشظايا القذيفة، وأن النازحين تمكنوا من نقل الإصابات بعربة يجرها حيوان لنقطة طبية داخل أحد مراكز الإيواء.
وتقول شتات، في وصفها المسار الآمن: "هذا المسار خطة خداع ومكر ممنهجة وواضحة من جيش الاحتلال الإسرائيلي هدفها قتل الفلسطينيين عبر استهدافهم بكل الطرق". مبرزة أنها نزحت رفقة عائلتها منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع نحو 7 مرات، متابعة: "لا نعلم متى يتوقف هذا الإجرام الإسرائيلي بحقنا".
وطالبت شتات، العالم بـ"التدخل لوقف المذبحة الإسرائيلية بحق شمال قطاع غزة ولوقف خطة التهجير التي يحاول الاحتلال تطبيقها دون النظر للقوانين الدولية".